(وكأين) كم (من نبي قاتل) وفي قراءة {قتل} والفاعل ضميره (معه) خبر مبتدؤه (رِبِّيُون كثير) جموع كثيرة (فما وهنوا) جبنوا (لما أصابهم في سبيل الله) من الجراد وقتل أنبيائهم وأصحابهم (وما ضعفوا) عن الجهاد (وما استكانوا) خضعوا لعدوهم كما فعلتم حين قيل قتل النبي (والله يحب الصابرين) على البلاء أي يثيبهم
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك:
فقرأه بعضهم: "وكأين"، بهمز الألف وتشديد الياء.
وقرأه آخرون بمد الألف وتخفيف الياء.
وهما قراءتان مشهورتان في قرأة المسلمين، ولغتان معروفتان ، لا اختلاف في معناهما، فبأي القراءتين قرأ ذلك قارئ فمصيب. لاتفاق معنى ذلك ، وشهرتهما في كلام العرب . ومعناه: وكم من نبي.
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: قتل معه ربيون.
فقرأ ذلك جماعة من قرأة الحجاز والبصرة: قتل، بضم القاف.
وقرأه جماعة آخر بفتح القاف وبالألف. وهي قراءة جماعة من قرأة الحجاز والكوفة.
قال أبو جعفر: فأما من قرأ "قاتل"، فإنه اختار ذلك ، لأنه قال: لو قتلوا لم يكن لقوله: "فما وهنوا"، وجه معروف. لأنه يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا.
وأما الذين قرأوا ذلك: قتل، فإنهم قالوا : إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم، وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقي من الربيين ممن لم يقتل.
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب ، قراءة من قرأ بضم القاف: قتل معه ربيون كثير، لأن الله عز وجل إنما عاتب بهذه الآية والآيات التي قبلها، من قوله: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم"، الذين انهزموا يوم أحد وتركوا القتال ، أو سمعوا الصائح يصيح: إن محمداً قد قتل. فعذلهم الله عز وجل على فرارهم وتركهم القتال فقال : أفئن مات محمد أو قتل ، أيها المؤمنون ، ارتددتم عن دينكم وانقلبتم على أعقابكم؟ ثم أخبرهم عما كان من فعل كثير من أتباع الأنبياء قبلهم ، وقال لهم : هلا فعلتم كما كان أهل الفضل والعلم من أتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم، من المضي على منهاج نبيهم، والقتال على دينه أعداء دين الله ، على نحو ما كانوا يقاتلون مع نبيهم ، ولم تهنوا ولم تضعفوا، كما لم يضعف الذين كانوا قبلكم من أهل العلم والبصائر من أتباع الأنبياء إذا قتل نبيهم، ولكنهم صبروا لأعدائهم حتى حكم الله بينهم وبينهم؟ وبذلك من التأويل جاء تأويل المتأولين.
وأما الربيون، فإنهم مرفوعون بقوله : "معه" لا بقوله : قتل. وإنما تأويل الكلام: وكأين من نبي قتل، ومعه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله . وفي الكلام إضمار واو، لأنها واو تدل على معنى حال قتل النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه اجتزأ بدلالة ما ذكر من الكلام عليها من ذكرها، وذلك كقول القائل في الكلام: قتل الأمير معه جيش عظيم، بمعنى: قتل ومعه جيش عظيم.
وأما الربيون، فإن أهل العربية اختلفوا في معناه.
فقالوا بعض نحويي البصرة: هم الذين يعبدون الرب، واحدهم ربي.
وقال بعض نحويي الكوفة: لو كانوا منسوبين إلى عبادة الرب لكانوا ربيون بفتح الراء، ولكنه: العلماء ، والألوف.
و الربيون عندنا ، الجماعات الكثيرة، واحدهم ربي، وهم الجماعة.
واختلف أهل التأويل في معناه.
فقال بعضهم مثل ما قلنا.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زر، عن عبد الله: الربيون ، الألوف.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زر، عن عبد الله مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري وابن عيينة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال ، حدثنا عمرو، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله مثله.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عوف، عمن حدثه ، عن ابن عباس في قوله: "ربيون كثير"، قال : جموع كثيرة.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "قاتل معه ربيون كثير"، قال: جموع.
حدثني حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا شعبة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله: وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير، قال : الألوف.
وقال آخرون بما:
حدثني به سليمان بن عبد الجبار قال ، حدثنا محمد بن الصلت قال، حدثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير، قال: علماء كثير.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عوف، عن الحسن في قوله: وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير، قال : فقهاء علماء.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن في قوله: وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير، قال : الجموع الكثيرة، قال يعقوب: وكذلك قرأها إسمعيل؟ قتل معه ربيون كثير.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير، يقول: جموع كثيرة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: قتل معه ربيون كثير، قال : علماء كثير، وقال قتادة: جموع كثيرة.
حدثنا الحسن بن يحيي قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة في قوله: "ربيون كثير"، قال: جموع كثيرة.
حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال ، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة مثله.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: قتل معه ربيون كثير، قال: جموع كثيرة.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع: قتل معه ربيون كثير، يقول: جموع كثيرة.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله : كأين من نبي قتل معه ربيون كثير، يقول: جموع كثيرة، قتل نبيهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك، عن جعفر بن حبان والمبارك، عن الحسن في قوله : "وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير"، قال جعفر: علماء صبروا، وقال ابن المبارك: أتقياء صبر.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : قتل معه ربيون كثير، يعني الجموع الكثيرة، قتل نبيهم.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "قاتل معه ربيون كثير"، يقول: جموع كثيرة.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق قوله: وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير، قال: وكأين من نبي أصابه القتل ، ومعه جماعات.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير، الربيون : هم الجموع الكثيرة.
وقال آخرون: الربيون، الأتباع.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله: وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير، قال : الربيون الأتباع، و الربانيون الولاة، و الربيون الرعية. وبهذا عاتبهم الله حين انهزموا عنه ، حين صاح الشيطان: إن محمداً قد قتل، قال: كانت الهزيمة عند صياحه في [سه صاح]: أيها الناس، إن محمداً رسول الله قد قتل، فارجعوا إلى عشائركم يؤمنوكم!.
قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: "فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله"، فما عجزوا، لما نالهم من ألم الجراح الذي نالهم في سبيل الله، ولا لقتل من قتل منهم ، عن حرب أعداء الله ، ولا نكلوا عن جهادهم، "وما ضعفوا"، يقول : وما ضعفت قواهم لقتل نبيهم ، "وما استكانوا"، يعني وما ذلوا فيتخشعوا لعدوهم بالدخول في دينهم ومداهنتهم فيه خيفة منهم ، ولكن مضوا قدماً على بصائرهم ومنهاج نبيهم، صبراً على أمر الله وأمر نبيهم، وطاعة لله واتباعاً لتنزيله ووحيه، "والله يحب الصابرين"، يقول: والله يحب هؤلاء وأمثالهم من الصابرين لأمره وطاعته وطاعة رسوله في جهاد عدوه ، لا من فشل ففر عن عدوه ، ولا من انقلب على عقبيه فذل لعدوه لأن قتل نبيه أو مات، ولا من دخله وهن عن عدوه ، وضعف لفقد نبيه.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا"، يقول: ما عجزوا وما تضعضعوا لقتل نبيهم، "وما استكانوا" يقول : ما ارتدوا عن بصيرتهم ولا عن دينهم ، بل قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع في قوله: "فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا"، يقول : ما عجزوا وما ضعفوا لقتل نبيهم، "وما استكانوا"، يقول : وما ارتدوا عن بصيرتهم ، قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى لحقوا بالله.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فما وهنوا"، فما وهن الربيون، "لما أصابهم في سبيل الله" من قتل النبي صلى الله عليه وسلم، "وما ضعفوا"، يقول: ما ضعفوا في سبيل الله لقتل النبي، "وما استكانوا"، يقول: ما ذلوا حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ليس لهم أن يعلونا- و "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" [آل عمران: 139].
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "فما وهنوا" لفقد نبيهم، "وما ضعفوا"، عن عدوهم، "وما استكانوا"، لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم، وذلك الصبر، "والله يحب الصابرين".
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس: "وما استكانوا"، قال: تخشعوا.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد: "وما استكانوا"، قال: ما استكانوا لعدوهم، "والله يحب الصابرين".
قوله تعالى : " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير "
قال الزهري : صاح الشيطان يوم أحد : قتل محمد ، فانهزم جماعة من المسلمين ، قال كعب بن مالك : فكنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأيت عينيه من تحت المغفر تزهران ، فناديت بأعلى صوتي : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأومأ إلي أن اسكت فأنزل الله عز وجل : " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا " الآية ، و( كأين ) بمعنى كم ، قال الخليل و سيبويه : هي أي دخلت عليها كاف التشبيه وبنيت معها فصار في الكلام معنى كم وصورت في المصحف نوناً ، لأنها كلمة نقلت عن أصلها فغير لفظها معناها ، ثم كثر استعمالها فتلعبت بها العرب وتصرفت فيها بالقلب والحذف ، فحصل فيها لغات قرئ بها ، وقرأ ابن كثير ( وكائن ) مثل وكاعن ، على وزن فاعل ، وأصله فقلبت الياء ألفاً ، كما قلبت في ييأس فقيل ياءس ، قال الشاعر :
وكائن بالأباطح من صديق يراني لو أصبت هو المصابا
وقال آخر :
وكائن رددنا عنكم من مدجج يجيء أمام الركب يردي مقنعا
وقال آخر :
وكائن في المعاشر من أناس أخوهم فوقهم وهم كرام
وقرأ ابن محيصن ( وكئن ) مهموزاً مقصوراً مثل وكعن ، وهو من كائن حذفت ألفه ، وعنه أيضاً ( وكأين ) مثل وكعين وهو مقلوب كيء المخفف ، وقرأ الباقون ( كأين ) بالتشديد مثل كعين وهو الأصل ، قال الشاعر :
كأين من أناس لم يزالوا أخوهم فوقهم وهم كرام
وقال آخر :
كأين أبدنا من عدو بعزنا وكائن أجرنا من ضعيف وخائف
فجمع بين لغتين : كأين وكائن ، ولغة خامسة كيئن مثل كيعن ، وكأنه مخفف من كيئ مقلوب كأين ، ولم يذكر الجوهري غير لغتين : كائن مثل كاعن ، وكأين مثل كعين ،تقول كأين رجلاً لقيت بنصب ما بعد كأين على التمييز ، وتقول أيضاً : كأين من رجل لقيت ، وإدخال من بعد كأين أكثر من النصب بها وأجود ، وبكأين تبيع هذا الثوب ؟ أي بكم تبيع قال ذو الرمة :
وكائن ذعرنا من مهاة ورامح بلاد العدا ليست له ببلاد
قال النحاس : ووقف أبو عمرو ( وكأي ) بغير نون ، لأنه تنوين وروى ذلك سورة ابن المبارك عن الكسائي ، ووقف الباقون بالنون اتباعاً لخط المصحف ، ومعنى الآية تشجيع المؤمنين ، والأمر بالاقتداء بمن تقدم من خيار أتباع الأنبياء ، أي كثير من الأنبياء قتل معه ربيون كثير ، أو كثير من الأنبياء قتلوا فما ارتد أممهم ، قولان : الأول لـ الحسن و سعيد بن جبير قال الحسن : ما قتل نبي في حرب قط ، وقال ابن جبير : ما سمعنا أن نبياً قتل في القتال ، والثاني عن قتادة و عكرمة ، والوقف على هذا القول ، على ( قتل ) جائز ، وهي قراءة نافع و ابن جبير و أبي عمرو و يعقوب ، وهي قراءة ابن عباس واختارها أبو حاتم ، وفيه وجهان : أحدهما أن يكون ( قتل ) واقعاً على النبي وحده ، وحينئذ يكون تمام الكلام عند قوله ( قتل ) ويكون في الكلام إضمار ، أي ومعه ربيون كثير ، كما يقال قتل الأمير معه جيش عظيم ، أي ومعه جيش ، وخرجت معي تجارة ، أي ومعي ، الوجه الثاني أن يكون القتل نال النبي ومن معه من الربيين ، ويكون وجه الكلام قتل بعض من كان معه ، تقول العرب : قتلنا بني تميم وبني سليم ، وإنما قتلوا بعضهم ، ويكون قوله " فما وهنوا " راجعاً إلى من بقي منهم ، قلت : وهذا القول أشبه بنزول الآية وأنسب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل ، وقتل معه جماعة من أصحابه ، وقرأ الكوفيون و ابن عامر ( قاتل ) وهي قراءة ابن مسعود ، واختارها أبو عبيد وقال : إن الله إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلاً فيه ، وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه غيرهم ، فقاتل أعم وأمدح ، و ( الربيون ) بكسر الراء قراءة الجمهور ، وقراءة علي رضي الله عنه بضمها ، وابن عباس بفتحها ، ثلاث لغات ، والربيون الجماعات الكثيرة ، عن مجاهد و قتادة و الضحاك و عكرمة ، واحدهم ربي بضم الراء وكسرها ، منسوب إلى الربة بكسر الراء أيضاً وضمها ، وهي الجماعة ، وقال عبد الله بن مسعود ، الربيون الألوف الكثيرة ، وقال ابن زيد : الربيون الاتباع ، والأول أعرف في اللغة ، ومنه يقال للخرقة التي تجمع فيه القداح : ربة وربة ، والرباب قبائل تجمعت ، وقال أبان بن ثعلب : الربي عشرة آلاف ، وقال الحسن : هم العلماء الصبر ، ابن عباس و مجاهد و قتادة و الربيع و السدي : الجمع الكثير ، قال حسان :
وإذا معشر تجافوا عن الحـ ـق حملنا عليهم ربيا
وقال الزجاج : هاهنا قراءتان ( ربيون ) بضم الراء ( وربيون ) بكسر الراء ، أما الربيون ( بالضم ) : الجماعات الكثيرة ، ويقال : عشرة آلاف ، قلت : وقد روي عن ابن عباس ( ربيون ) بفتح الراء منسوب إلى الرب ، قال الخليل : الربي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء ، وهم الربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة ومعرفة الربوبية لله تعالى والله أعلم .
قوله تعالى : " فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله " ( وهنوا ) أي ضعفوا ، وقد تقدم والوهن : انكسار الجد بالخوف ، وقرأ الحسن و أبو السمال ( وهنوا ) بكسر الهاء وضمها ، لغتان عن أبي زيد ، وهن الشيء يهن وهناً ، وأوهنته أنا ووهنته ضعفته ، والواهنة : أسفل الأضلاع وقصارها ، والوهن من الإبل : الكثيف ، والوهن : ساعة تمضي من الليل وكذلك الموهن ، وأوهنا صرنا في تلك الساعة ، أي ما وهنوا لقتل نبيهم ، أو لقتل من قتل منهم ، أي ما وهن باقيهم ، فحذف المضاف ، " وما ضعفوا " أي عن عدوهم ، " وما استكانوا " أي لما أصابهم في الجهاد ، والاستكانة : الذلة والخضوع ، وأصلها ( استكنوا ) على افتعلوا ، فأشبعت فتحة الكاف فتولدت منها ألف ، ومن جعلها من الكون فهي استفعلوا ، والأول أشبه بمعنى الآية ، وقرئ ( فما وهنوا وما ضعفوا ) بإسكان الهاء والعين ، وحكى الكسائي ( ضعفوا ) بفتح العين ، ثم أخبر تعالى عنهم بعد أن قتل منهم أو قتل نبيهم بأنهم صبروا ولم يفروا ووطنوا أنفسهم على الموت ، واستغفروا ليكون موتهم على التوبة من الذنوب إن رزقوا الشهادة ، ودعوا في الثبات حتى لا ينهزموا ، وبالنصر على أعدائهم ، وخصوا الأقدام بالثبات دون غيرها من الجوارح لأن الاعتماد عليها ، يقول : فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد ؟ فأجاب دعاءهم وأعطاهم النصر والظفر والغنيمة في الدنيا والمغفرة في الآخرة إذا صاروا إليها ، وهكذا يفعل الله مع عباده المخلصين التائبين الصادقين الناصرين لدينه ، الثابتين عند لقاء عدوه بوعده الحق ، وقوله الصدق ، " والله يحب الصابرين " ، يعني الصابرين على الجهاد .
لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد وقتل من قتل منهم, نادى الشيطان: ألا إن محمداً قد قتل, ورجع ابن قميئة إلى المشركين, فقال لهم: قتلت محمداً, وإنما كان قد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشجه في رأسه, فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس واعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل, وجوزوا عليه ذلك, كما قد قص الله عن كثير من الأنبياء عليهم السلام, فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال, ففي ذلك أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" أي له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه, قال ابن أبي نجيح عن أبيه : أن رجلاً من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال له: يا فلان أشعرت أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قتل, فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فقد بلغ, فقاتلوا عن دينكم, فنزل "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة. ثم قال تعالى منكراً على من حصل له ضعف "أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" أي رجعتم القهقرى "ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين" أي الذين قاموا بطاعته وقاتلوا عن دينه, واتبعوا رسوله حياً وميتاً. وكذلك ثبت في الصحاح والمساند والسنن وغيرها من كتب الإسلام من طرق متعددة تفيد القطع, وقد ذكرت ذلك في مسندي الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أن الصديق رضي الله عنه, تلا هذه الاية لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير , حدثنا الليث عن عقيل , عن ابن شهاب , أخبرني أبو سلمة أن عائشة رضي الله عنها, أخبرته أن أبا بكر رضي الله عنه, أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد, فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة , فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة, فكشف عن وجهه ثم أكب عليه وقبله وبكى, ثم قال: بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين, أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها, وقال الزهري : حدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج و عمر يحدث الناس فقال: اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس إليه وتركوا عمر , فقال أبو بكر : أما بعد من كان يعبد محمداً, فإن محمداً قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال الله تعالى: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " قال: فو الله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الاية حتى تلاها عليهم أبو بكر , فتلقاها منه الناس كلهم فما سمعها بشر من الناس إلا تلاها, وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي, وحتى هويت إلى الأرض. وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز , حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد , حدثنا أسباط بن نصر عن سماك بن حرب , عن عكرمة , عن ابن عباس , أن علياً كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله, والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت, والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه, فمن أحق به مني ؟ وقوله تعالى: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً" أي لا يموت أحد إلا بقدر الله وحتى يستوفي المدة التي ضربها الله له, ولهذا قال "كتاباً مؤجلاً" كقوله "وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب" وكقوله "هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده" وهذه الاية فيها تشجيع للجبناء وترغيب لهم في القتال, فإن الإقدام والإحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه, كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا العباس بن يزيد العبدي قال: سمعت أبا معاوية عن الأعمش عن حبيب بن صهبان , قال: قال رجل من المسلمين وهو حجر بن عدي : ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدو هذه النطفة ـ يعني دجلة ـ "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً" ثم أقحم فرسه دجلة, فلما أقحم, أقحم الناس, فلما رآهم العدو قالوا: ديوان فهربوا. وقوله " ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها " أي من كان عمله للدنيا فقط نال منها ما قدره الله له, ولم يكن له في الاخرة نصيب, ومن قصد بعمله الدار الاخرة أعطاه الله منها مع ما قسم له في الدنيا, كما قال تعالى: " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب " وقال تعالى: " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " ولهذا قال ههنا "وسنجزي الشاكرين" أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والاخرة بحسب شكرهم وعملهم, ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين عما كان وقع في نفوسهم يوم أحد " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير " قيل: معناه كم من نبي قتل وقتل معه ربيون من أصحابه كثير. وهذا القول هو اختيار ابن جرير فإنه قال: وأما الذين قرأوا " قاتل معه ربيون كثير " فإنهم قالوا: إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم, وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقي من الربيين ممن لم يقتل, قال: ومن قرأ قاتل فإنه اختار ذلك, لأنه قال: لو قتلوا لم يكن لقول الله "فما وهنوا" وجه معروف لأنه يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا, ثم اختار قراءة من قرأ " قاتل معه ربيون كثير " لأن الله عاتب بهذه الايات والتي قبلها من انهزم يوم أحد وتركوا القتال لما سمعوا الصائح يصيح بأن محمداً قد قتل, فعذلهم الله على فرارهم وتركهم القتال, فقال لهم "أفإن مات أو قتل" أيها المؤمنون ارتددتم عن دينكم و"انقلبتم على أعقابكم" وقيل: وكم من نبي قتل بين يديه من أصحابه ربيون كثير, وكلام ابن إسحاق في السيرة يقتضي قولاً آخر, فإنه قال: وكأين من نبي أصابه القتل ومعه ربيون أي جماعات فما وهنوا بعد نبيهم, وما ضعفوا عن عدوهم, وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم, وذلك الصبر "والله يحب الصابرين" فجعل قوله "معه ربيون كثير" حالاً, وقد نصر هذا القول السهيلي وبالغ فيه, وله اتجاه لقوله "فما وهنوا لما أصابهم" الاية, وكذا حكاه الأموي في مغازيه عن كتاب محمد بن إبراهيم ولم يحك غيره, وقرأ بعضهم "قاتل معه ربيون كثير" قال سفيان الثوري , عن عاصم , عن زر عن ابن مسعود "ربيون كثير" أي ألوف, وقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والسدي والربيع وعطاء الخراساني : الربيون الجموع الكثيرة وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن "ربيون كثير" أي علماء كثير, وعنه أيضاً: علماء صبر أبرار وأتقياء. وحكى ابن جرير عن بعض نحاة البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب عز وجل, قال: ورد بعضهم عليه فقال: لو كان كذلك لقيل: الربيون بفتح الراء, وقال ابن زيد : الربيون الأتباع والرعية, والربانيون الولاة. "فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا"قال قتادة والربيع بن أنس "وما ضعفوا" بقتل نبيهم "وما استكانوا" يقول: فما ارتدوا عن بصيرتهم ولا عن دينهم أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله, وقال ابن عباس "وما استكانوا" تخشعوا, وقال السدي وابن زيد : وما ذلوا لعدوهم, وقال محمد بن إسحاق والسدي وقتادة : أي ما أصابهم ذلك حين قتل نبيهم "والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين" أي لم يكن لهم هجير إلا ذلك "فآتاهم الله ثواب الدنيا" أي النصر والظفر والعاقبة " وحسن ثواب الآخرة " أي جمع لهم ذلك مع هذا "والله يحب المحسنين".
وقوله 146- "وكأين" قال الخليل وسيبويه: هي أي دخلت عليها كاف التشبيه وثبتت معها فصارت بعد التركيب بمعنى كم، وصورت في المصحف نوناً، لأنها كلمة نقلت عن أصلها فغير لفظها لتغيير معناها، ثم كثر استعمالها فتصرفت فيها العرب بالقلب والحذف فصار فيها أربع لغات قرئ بها: أحدها كائن مثل كاعن، وبها قرأ ابن كثير، ومثله قول الشاعر:
وكائن بالأباطح من صديق تراه لو أصبت هو المصابا
وقال آخر:
وكائن رددنا عنكم من مدجج بحي أمام الركب يردي مقنعا
وقال زهير:
وكائن ترى من معجب لك شخصه زيادته أو نقصه في التكلم
وكأين بالتشديد مثل كعين، وبه قرأ الباقون وهو الأصل. والثالثة: كأين مثل كعين مخففاً. والرابعة: كيئن بياء بعدها همزة مكسورة، ووقف أبو عمرو بغير نون فقال: كأي لأنه تنوين، ووقف الباقون بالنون، والمعنى كثير من الأنبياء قتل معه ربيون قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب قتل على البناء للمجهول وهي قراءة ابن عباس، واختارها أبو حاتم، وفيه وجهان: أحدهما أن يكون في قتل ضمير يعود إلى النبي، وحينئذ يكون قوله "معه ربيون" جملة حالية كما يقال: قتل الأمير معه جيش: أي ومعه جيش، والوجه الثاني أن يكون القتل واقعاً على ربيون، فلا يكون في قتل ضمير، والمعنى: قتل بعض أصحابه وهم الربيون. وقرأ الكوفيون وابن عامر قاتل وهي قراءة ابن مسعود واختارها أبو عبيد: وقال: إن الله إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلاً فيه، وإذا حمد من قتل ولم يدخل فيه من قاتل ولم يقتل، فقاتل أعم وأمدح، ويرجح هذه القراءة الأخرى. والوجه الثاني من القراءة الأولى قول الحسن: ما قتل نبي في حرب قط، وكذا قال سعيد بن جبير والربيون بكسر الراء قراءة الجمهور، وقرأ علي بضمها وابن عباس بفتحها، وواحده ربي بالفتح منسوب إلى الرب والربي بضم الراء وكسرها منصوب إلى الربة بكسر الراء وضمها وهي الجماعة، ولهذا فسرهم جماعة من السلف بالجماعات الكثيرة، وقيل: هم الأتباع، وقيل: هم العلماء. قال الخليل: الربي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء وهم الربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة ومعرفة الربوبية. وقال الزجاج: الربيون بالضم الجماعات. قوله "فما وهنوا" عطف على قاتل أو قتل. والوهن: إنكسار الجد بالخوف. وقرأ الحسن وهنوا بكسر الهاء وضمها. قال أبو زيد: لغتان وهن الشيء يهن وهناً: ضعف: أي ما وهنوا لقتل نبيهم أو لقتل من قتل منهم "وما ضعفوا" أي: عن عدوهم "وما استكانوا" لما أصابهم في الجهاد. والاستكانة: الذلة والخضوع وقرئ وما وهنوا وما ضعفوا بإسكان الهاء والعين. وحكى الكسائي "ضعفوا" بفتح العين، وفي هذا توبيخ لمن انهزم يوم أحد وذل واستكان وضعف بسبب ذلك الإرجاف الواقع من الشيطان ولم يصنع كما صنع أصحاب من خلا من قبلهم من الرسل.
146-قوله تعالى:"وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير"، قرأ ابن كثير" وكأين "، بالمد والهمزة على وزن فاعل، وتليين الهمزةأبو جعفر، وقرأ الآخرون"وكأين" بالهمز والتشديد على وزن كعين،ومعناه: وكم، وهي كاف التشبيه ضمت إلى أي الاستفهامية، ولم يقع للتنوين صورة في الخط إلا في هذا الحرف خاصة، ويقف بعض القراء على"وكأي" بلا نون، والأكثرون على الوقوف بالنون، قوله "قاتل" قرأابن كثيرو نافع وأهل البصرة بضم القاف، وقرأ الآخرون "قاتل" فمن قرأ "قاتل" فلقوله: "فما وهنوا" ويستحيل وصفهم بأنهم لم يهنوا بعدما قتلوا، لقول سعيد بن جبير:ما سمعنا أن نبياً قتل في القتال، ولأن "قاتل" أعم .
قال أبو عبيد: إن الله تعالى إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلاً فيه ، وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه غيرهم، فكان "قاتل" أعم.
ومن قرأ "قتل" فله ثلاثة أوجه: أحدهما:
أن يكون القتل راجعاً إلى النبي وحده، فيكون تمام الكلام عند قوله "قتل"، ويكون في الآيه إضمار معناه: ومعه ربيون كثير، كما يقال: قتل فلان معه جيش كثير، أي : ومعه .
والوجه الثاني: أن يكون القتل نال النبي ومن معه من الربيين، ويكون المراد: بعض من معه، تقول العرب قتلنا بني فلان، وإنما قتلوا بعضهم ، ويكون قوله "فما وهنوا" راجعاً إلى الباقين.
والوجه الثالث: أن يكون القتل للربيين لا غير.
وقوله "ربيون كثير"، قال ابن عباس ومجاهد وقتاده: جموع كثيرة، وقال ابن مسعود الربيون الألوف، وقال الكلبي الربية الواحدة: عشرة آلاف ، وقال الضحاك : الربيه الواحده : ألف، وقال الحسن: فقهاء علماء وقيل:هم الأتباع، والربانيون الولاة، والربيون الرعية، وقيل: منسوب إلى الرب وهم الذين يعبدون الرب، "فما وهنوا" أي فما جبنوا، "لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا"، عن الجهاد بما نالهم من ألم الجراح، وقتل الأصحاب. "وما استكانوا"قال مقاتل : وما استسلموا وما خضعوا لعدوهم ، وقال السدي : وما ذلوا، / قال عطاء وما تضرعوا ، و قال أبو العالية : وما جبنوا ولكنهم صبروا على أمر ربهم وطاعة نبيهم وجهاد عدوهم ،"والله يحب الصابرين".
146" وكأين " أصله دخلت الكاف عليها وصارت بمعنى كم والنون تنوين أثبت في الخط على غير قياس. وقرأ ابن كثير " وكأين " ككاعن ووجهه قلب قلب الكلمة الواحدة كقولهم وعملي في لعمري، فصار كأين ثم حذفت الياء الثانية للتخفيف ثم أبدلت الياء الأخرى ألفاً كما أبدلت من طائي " من نبي " بيان له. " قاتل معه ربيون كثير " ربانيون علما ء أتقياء، أو عابدون لربهم. وقيل جماعات والربى منسوب إلى الربة وهي الجماعة للمبالغة. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب "قتل"، وإسناده إلى "ربيون" أو ضمير النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ربيون حال منه ويؤيد الأول أنه قرىء بالتشديد وقرىء "ربيون" بالفتح على الأصل وبالضم وهو من تغييرات النسب كالكسر. "فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله" فما فتروا ولم ينكسر جدهم لما أصابهم من قتل النبي صلى الله عليه وسلم أو بعضهم. "وما ضعفوا" عن العدو أو في الدين. "وما استكانوا" وما خضعوا للعدو، وأصله استكن من السكون لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده، والألف من إشباع الفتحة أو استكون من الكون لأنه يطلب من نفسه أن يكون لمن يخضع له، وهذا تعريف بما أصابهم عند الإرجاف بقتله عليه الصلاة والسلام. " والله يحب الصابرين " فينصرهم ويعظم قدرهم.
146. And with how many a prophet have there been a number of devoted men who fought (beside him). They quailed not for aught that befell them in the way of Allah, nor did they weaken, nor were they brought low. Allah loveth the steadfast.
146 - How many of the prophets fought (in God's way), and with them (fought) large bands of goodly men? but they never lost heart if they met with disaster in God's way, nor did they weaken (in will) nor give in. and God loves those who are firm and steadfast.