15 - (واستفتحوا) استنصر الرسل بالله على قومهم (وخاب) وخسر (كل جبار) متكبر عن طاعة الله (عنيد) معاند للحق
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : واستفتحت الرسل على قومها ، أي استنصرت الله عليها ، "وخاب كل جبار عنيد" ، يقول : هلك كل متكبر جائر حائد عن الإقرار بتوحيد الله وإخلاص العبادة له .
و العنيد و العاند و العنود ، بمعنى واحد .
ومن الجبار ، يقول : هو جبار بين الجبرية ، والجبرية ، والجبروة ، والجبروة ،والجبروت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ،حدثنا أبو عاصم قال ،حدثنا عيسى ـ وحدثني الحارث قال ، حدثنا الحسن قال ، حدثنا ورقاء ، جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "واستفتحوا" ، قال : الرسل كلها ، يقول : استنصروا ، "عنيد" ، قال : معاند للحق مجانبه .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد ، وحدثني الحارث قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "واستفتحوا" ، قال : الرسل كلها استنصروا ، "وخاب كل جبار عنيد" ، قال : معاند للحق مجانبه .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ،عن مجاهد ، مثله ، وقال ابن جريج : استفتحوا على قومهم .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ....
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد" ، قال : كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم ويقهرونهم ويكذبونهم ، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملتهم ، فأبى الله عز وجل لرسله وللمؤمنين أن يعودوا في ملة الكفر ، وأمرهم أن يتوكلوا على الله ، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة ، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم ، فأنجز الله لهم ما وعدهم ، واستفتحوا كما أمرهم أن يستفتحوا ، وخاب كل جبار عنيد .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله : "وخاب كل جبار عنيد" ، قال : هو الناكب عن الحق .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا مطرف بن بشر ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن سماك ، عن إبراهيم : "وخاب كل جبار عنيد" ، قال : الناكب عن الحق .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "واستفتحوا" ، يقول : استنصرت الرسل على قومها ، قوله : "وخاب كل جبار عنيد" ، و الجبار العنيد ، الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "واستفتحوا" ، قال : استنصرت الرسل على قومها ، "وخاب كل جبار عنيد" ، يقول : عنيد عن الحق ، معرض عنه .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله ـ وزاد فيه : معرض ، أبى أن يقول لا إله إلا الله .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله :"وخاب كل جبار عنيد" ، قال : العنيد عن الحق ، الذي يعند عن الطريق ، قال : والعرب تقول : شر الأهل العنيد ، الذي يخرج عن الطريق .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد" ، قال : الجبار ، المتجبر .
وكان ابن زيد يقول في معنى قوله : "واستفتحوا" ، خلاف قول هؤلاء ، ويقول : إنما استفتحت الأمم فأجيبت .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "واستفتحوا" ، قال : استفتاحهم بالبلاء ، قالوا : اللهم إن كان هذا الذي أتى به محمد هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء ، كما أمطرتها على قوم لوط ، أو ائتنا بعذاب أليم . قال : كان استفتاحهم بالبلاء كما استفتح قوم هود : ( فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) . قال : فالاستفتاح العذاب ، قال : قيل لهم : إن لهذا أجلاً ، حين سألوا الله أن ينزل عليهم ، فقال : بل نؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار . فقالوا : لا نريد أن نؤخر إلى يوم القيامة : ( ربنا عجل لنا قطنا ) عذابنا ( قبل يوم الحساب ) . وقرأ : ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب ) حتى بلغ : ( ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون ) .
قوله تعالى: " واستفتحوا " أي واستنصروا، أي أذن للرسل في الاستفتاح على قومهم، والدعاء بهلاكهم، قاله ابن عباس وغيره، وقد مضى في ( البقرة). ومنه الحديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، أي يستنصر. وقال ابن زيد: استفتحت الأمم بالدعاء كما قالت قريش: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " ( الأنفال: 32) الآية. وروي عن ابن عباس. وقيل: قال الرسول: " إنهم كذبوني فافتح بيني وبينهم فتحاً " وقالت الأمم: إن كان هؤلاء صادقين فعذبنا، عن ابن عباس أيضاً، نظيره " ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين " ( العنكبوت: 29) " ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين " ( الأعراف: 77). " وخاب كل جبار عنيد " الجبار المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقاً، هكذا هو عند أهل اللغة، ذكره النحاس . والعنيد المعاند للحق والمجانب له، عن ابن عباس وغيره، يقال: عند عن قومه أي تباعد عنهم. وقيل: هو من العند، وهو الناحية وعاند فلان أي أخذ في ناحية معرضاً، قال الشاعر:
إذا نزلت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العندا
وقال الهروي قوله تعالى: " جبار عنيد " أي جائر عن القصد، وهو العنود والعنيد والعاند، وفي حديث ابن عباس وسئل عن المستحاضة فقال: إنه عرق عاند. وقال أبو عبيد: هو الذي عند وبغى كالإنسان يعاند، فهذا العرق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته. وقال شمر: العاند الذي لا يرقأ. وقال عمر يذكر سيرته: أضم العنود، قال الليث: العنود من الإبل الذي لا يخالطها إنما هو في ناحية أبداً، أراد من هم بالخلاف أو بمفارقة الجماعة عطفت به إليها. وقال مقاتل: العنيد المتكبر. وقال ابن كيسان: هو الشامخ بأنفه. وقيل: العنود والعنيد الذي يتكبر على الرسل ويذهب عن طريق الحق فلا يسلكها، تقول العرب: شر الإبل العنود الذي يخرج عن الطريق. وقيل: العنيد العاصي. وقال قتادة: العنيد الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله.
قلت: والجبار والعنيد في الآية بمعنى واحد، وإن كان اللفظ مختلفاً، وكل متباعد عن الحق جبار وعنيد أي متكبر. وقيل: إن المراد به في الآية أبو جهل، ذكره المهدوي . وحكى الماوردي في كتاب أدب الدنيا والدين أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوماً في المصحف فخرج له قوله عز وجل: " واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد " فمزق المصحف وأنشأ يقول:
أتوعد كل جبار عنيد فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني الوليد
فلم يلبث إلا أياماً حتى قتل شر قتلة، وصلب رأسه على قصره، ثم على سور بلده.
يخبر تعالى عما توعدت به الأمم الكافرة رسلهم من الإخراج من أرضهم والنفي من بين أظهرهم, كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به: "لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا" الاية. وكما قال قوم لوط: "أخرجوا آل لوط من قريتكم" الاية, وقال تعالى إخباراً عن مشركي قريش: "وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً". وقال تعالى: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" وكان من صنعه تعالى أنه أظهر رسوله ونصره, وجعل له بسبب خروجه من مكة أنصاراً وأعواناً وجنداً يقاتلون في سبيل الله تعالى, ولم يزل يرقيه تعالى من شيء إلى شيء حتى فتح له مكة التي أخرجته, ومكن له فيها, وأرغم أنوف أعدائه منهم ومن سائر أهل الأرض حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً, وظهرت كلمة الله ودينه على سائر الأديان في مشارق الأرض ومغاربها في أيسر زمان, ولهذا قال تعالى: " فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين * ولنسكننكم الأرض من بعدهم " وكما قال: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون ", وقال تعالى: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز", وقال تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر" الاية, " قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ", وقال تعالى: "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون" وقوله: "ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد" أي وعيدي هذا لمن خاف مقامي بين يدي يوم القيامة وخشي من وعيدي وهو تخويفي وعذابي كما قال تعالى: " فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى " وقال "ولمن خاف مقام ربه جنتان".
وقوله: "واستفتحوا" أي استنصرت الرسل ربها على قومها, قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: استفتحت الأمم على أنفسها كما قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" ويحتمل أن يكون هذا مراداً وهذا مراداً, كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر واستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنصر, وقال الله تعالى للمشركين: "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم" الاية, والله أعلم, "وخاب كل جبار عنيد" أي متجبر في نفسه عنيد معاند للحق, كقوله تعالى: " ألقيا في جهنم كل كفار عنيد * مناع للخير معتد مريب * الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد " وفي الحديث "إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة, فتنادي الخلائق, فتقول: إني وكلت بكل جبار عنيد" الحديث أي خاب وخسر حين اجتهد الأنبياء في الابتهال إلى ربها العزيز المقتدر.
وقوله: " من ورائه جهنم " وراء هنا بمعنى أمام, كقوله تعالى: "وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً" وكان ابن عباس يقرؤها: وكان أمامهم ملك, أي من وراء الجبار العنيد جهنم, أي هي له بالمرصاد يسكنها مخلداً يوم المعاد, ويعرض عليها غدواً وعشياً إلى يوم التناد "ويسقى من ماء صديد" أي في النار ليس له شراب إلا من حميم وغساق, فهذا حار في غاية الحرارة, وهذا بارد في غاية البرد والنتن, كما قال: " هذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج " وقال مجاهد وعكرمة: الصديد من القيح والدم. وقال قتادة: هو ما يسيل من لحمه وجلده, وفي رواية عنه: الصديد ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القيح والدم. وفي حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: قلت يا رسول الله ما طينة الخبال ؟ قال "صديد أهل النار". وفي رواية "عصارة أهل النار".
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق, أنبأنا عبد الله, أخبرنا صفوان بن عمرو عن عبيد الله بن بسر, عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " ويسقى من ماء صديد * يتجرعه " قال: "يقرب إليه فيكرهه, فإذا أدني منه شوى وجهه, ووقعت فروة رأسه, فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره" يقول الله تعالى: "وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم" ويقول: "وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه" الاية, وهكذا رواه ابن جرير من حديث عبد الله بن المبارك به. ورواه هو وابن أبي حاتم من حديث بقية بن الوليد عن صفوان بن عمرو به.
وقوله: "يتجرعه" أي يتغصصه ويتكرهه, أي يشربه قهراً وقسراً لا يضعه في فمه حتى يضربه الملك بمطراق من حديد, كما قال تعالى: "ولهم مقامع من حديد" "ولا يكاد يسيغه" أي يزدرده لسوء طعمه ولونه وريحه وحرارته أو برده الذي لا يستطاع "ويأتيه الموت من كل مكان" أي يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه. قال عمرو بن ميمون بن مهران: من كل عظم وعصب وعرق. وقال عكرمة: حتى من أطراف شعره, وقال إبراهيم التيمي: من موضع كل شعرة, أي من جسده حتى من أطراف شعره. وقال ابن جرير: "ويأتيه الموت من كل مكان" أي من أمامه وخلفه, وفي رواية: وعن يمينه وشماله, ومن فوقه ومن تحت أرجله, ومن سائر أعضاء جسده.
وقال الضحاك عن ابن عباس "ويأتيه الموت من كل مكان" قال: أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم, ليس منها نوع إلا يأتيه الموت منه لو كان يموت, ولكن لا يموت لأن الله تعالى قال: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها" ومعنى كلام ابن عباس رضي الله عنه أنه ما من نوع من هذه الأنواع من العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت, ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال, ولهذا قال تعالى: "ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت".
وقوله: "ومن ورائه عذاب غليظ" أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ, أي مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله, وأدهى وأمر, وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم: " إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم * طلعها كأنه رؤوس الشياطين * فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون * ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم * ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم " فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم, وتارة في شرب حميم, وتارة يردون إلى جحيم, عياذاً بالله من ذلك, وهكذا قال تعالى: " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن ", وقال تعالى: " إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم * خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هذا ما كنتم به تمترون ", وقال: " وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال * في سموم وحميم * وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم ", وقال تعالى: " هذا وإن للطاغين لشر مآب * جهنم يصلونها فبئس المهاد * هذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج " إلى غير ذلك من الايات الدالة على تنوع العذاب عليهم, وتكراره وأنواعه, وأشكاله مما لا يحصيه إلا الله عز وجل جزاءً وفاقاً "وما ربك بظلام للعبيد".
15- "واستفتحوا" معطوف على أوحى، والمعنى: أنهم استنصروا بالله على أعدائهم، أو سألوا الله القضاء بينهم، من الفتاحة وهي الحكومة، ومن المعنى الأول قوله: "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر، ومن المعنى الثاني قوله: "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق" أي احكم، والضمير في استفتحوا للرسل، وقيل للكفار، وقيل للفريقين "وخاب كل جبار عنيد" الجبار المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقاً، هكذا حكاه النحاس عن أهل اللغة، والعنيد المعاند للحق والمجانب له، وهو مأخوذ من العند، وهو الناحية: أي أخذ في ناحية معرضاً. قال الشاعر:
إذا نزلت فاجعلوني وسطاً إني كبير لا أطيق العندا
قال الزجاج: العنيد الذي يعدل عن القصد، وبمثله قال الهروي، وقال أبو عبيد: هو الذي عند وبغى، وقال ابن كيسان: هو الشامخ بأنفه، وقيل المراد به المعاصي، وقيل الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله، ومعنى الآية: أنه خسر وهلك من كان متصفاً بهذه الصفة.
قوله عز وجل: "واستفتحوا" أي: استنصروا. قال ابن عباس و مقاتل: يعنى الأمم، وذلك أنهم قالوا: اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا، نظيره قوله تعالى: " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء " (الأنفال -42).
وقال مجاهد وقتادة: واستفتحوا يعني الرسل وذلك أنهم لما يئسوا من إيمان قومهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب، كما قال نوح عليه السلام: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا" (نوح-26) وقال موسى عليه السلام: "ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم"، الآية (يونس-88).
"وخاب"، خسر: وقيل: هلك، "كل جبار عنيد" والجبار: الذي لا يرى فوقه أحدا. والجبرية: طلب العلو بما لا غاية وراءه، وهذا الوصف لا يكون إلا لله عز وجل.
وقيل: الجبار: الذي يجبر الخلق على مراده، والعنيد: المعاند للحق ومجانبه. قاله مجاهد، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما-: هو المعرض عن الحق.
قال مقاتل: هو المتكبر.
وقال قتادة: العنيد: الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله.
15."واستفتحوا"سألوا من الله الفتح على أعدائهم ، أو القضاء بينهم وبين أعدائهم من الفتاحة كقوله:"ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق"وهو معطوف على"فأوحى"والضمير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام .وقيل للكفرة وقيل للفريقين .فإن كلهم سألوه أن ينصر المحق ويهلك المبطل .وقرئ بالفظ الأمر عطفاً على ليهلكن ."وخاب كل جبار عنيد"أي ففتح لهم فأفلح المؤمنون وخاب كل جبار عات متكبر على الله معاند للحق فلم يفلح ، ومعنى الخيبة إذا كان الاستفتاح من الكفرة أو من القبيلين كان أوقع.
15. And they sought help (from their Lord) and every froward potentate was brought to naught;
15 - But they sought victory and decision (there and then), and frustration was the lot of every powerful obstinate transgressor.