15 - (فلذلك) التوحيد (فادع) يا محمد الناس (واستقم) عليه (كما أمرت ولا تتبع أهواءهم) في تركه (وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل) بأن أعدل (بينكم) في الحكم (الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) فكل يجازى بعمله (لا حجة) خصومة (بيننا وبينكم) هذا قبل أن يؤمر بالجهاد (الله يجمع بيننا) في المعاد لفصل القضاء (وإليه المصير) المرجع
يقول تعالى ذكره : فإلى ذلك الدين الذي شرع لكم ، ووصى به نوحاً ، وأوحاه إليك يا محمد ، فادع عباد الله ، واستقم على العمل به ، ولا تزغ عنه ، واثبت عليه كما أمرك ربك بالاستقامة . وقيل : فلذلك فادع ، والمعنى : فإلى ذلك ، فوضعت اللام موضع إلى ، كما قيل : " بأن ربك أوحى لها " [ الزلزلة : 5 ] . وقد بينا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا .
وكان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك ، في قوله : " فلذلك فادع " إلى معنى هذا ، ويقول : معنى الكلام : فإلى هذا القرآن فادع واستقم . والذي قال من هذا القول قريب المعنى مما قلناه ، غير أن الذي قلنا في ذلك أولى بتأويل الكلام ، لأنه في سياق خبر الله جل ثناؤه عما شرع لكم من الدين لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإقامته ، ولم يأت من الكلام ما يدل على انصرافه عنه إلى غيره .
وقوله : " ولا تتبع أهواءهم " يقول تعالى ذكره : ولا تتبع يا محمد أهواء الذي شكوا في الحق الذي شرعه الله لكم من الذين أورثوا الكتاب من بعد القرون الماضية قبلهم ، فتشك فيه كالذي شكوا فيه ، " وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب " يقول تعالى ذكره : وقل لهم يا محمد صدقت بما أنزل الله من كتاب كائناً ما كان ذلك الكتاب ، توراة كان أو إنجيلاً أو زبوراً أو صحف إبراهيم ، لا أكذب بشيء من ذلك تكذيبكم ببعضه معشر الأحزاب ، وتصديقكم ببعض .
وقوله : " وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم " يقول تعالى ذكره : وقل لهم يا محمد : وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب ، فأسير فيكم جميعاً بالحق الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه .
كالذي حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وأمرت لأعدل بينكم " قال : أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يعدل ، فعدل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه ، والعدل ميزان الله في الأرض ، به يأخذ للمظلوم من الظالم ، وللضعيف من الشديد ، وبالعدل يصدق الله الصادق ، ويكذب الكاذب ، وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه .
ذكر لنا أن نبي الله داود عليه السلام ، كان يقول : ثلاث من كن فيه أعجبني جداً : القصد في الفاقة والغنى ، والعدل في الرضا والغضب ، والخشية في السر والعلانية ، وثلاث من كن فيه أهلكه : شح مطاع ، وهو متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وأربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة : لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وبدن صابر ، وزوجة مؤمنة .
واختلف أهل العربية في معنى اللام التي في قوله : " وأمرت لأعدل بينكم " فقال بعض نحويي البصرة : معناها : كي ، وأمرت كي أعدل ، وقال غيره : معنى كلام : وأمرت بالعدل ، والأمر واقع على ما بعده ، وليست اللام التي في لأعدل بشرط ، قال : " وأمرت " تقع على < أن > وعلى < كي > واللام ، أمرت أن أعبد ، وكي أعبد ، ولأعبد . قال : وكذلك كل ما طالب الاستقبال ، ففيه هذه الأوجه الثلاثة .
والصواب من القول في ذلك عندي أن الأمر عامل في معنى لأعدل ، لأن معناه : وأمرت بالعدل بينكم .
وقوله : " الله ربنا وربكم " يقول : الله مالكنا ومالككم معشر الأحزاب من أهل الكتابين التوراة والإنجيل : " لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " يقول : لنا ثواب ما اكتسبناه من الأعمال ، ولكم ثواب ما اكتسبتم منها .
وقوله : " لا حجة بيننا وبينكم " يقول : لا خصومة بيننا وبينكم .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " لا حجة بيننا وبينكم " قال : لا خصومة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عز وجل " لا حجة بيننا وبينكم " : لا خصومة بيننا وبينكم ، وقرأ " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " [ العنكبوت : 46 ] .... إلى آخر الآية .
وقوله : " الله يجمع بيننا " يقول : الله يجمع بيننا يوم القيامة ، فيقضي بيننا بالحق فيما اختلفنا فيه " وإليه المصير " يقول : وإليه المعاد والمرجع بعد مماتنا .
قوله تعالى : " فلذلك فادع واستقم " لما جاز أن يكون الشك لليهود والنصارى ، أو لقريش قيل له : " فلذلك فادع " أي فتبينت شكهم فادع إلى الله ، أي إلى ذلك الدين الذي شرعه الله للأنبياء ووصاهم به ، فاللام بمعنى إلى ، كقوله تعالى : " بأن ربك أوحى لها " [ الزلزلة : 5 ] ، أي إليها ، و (( ذلك )) بمعنى هذا ، وقد تقدم أول (( البقرة )) ، والمعنى فلهذا القرآن فادع ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع ، وقيل : إن اللام على بابها ، والمعنى : فمن أجل ذلك الذي تقدم ذكره فادع واستقم ، وقال ابن عباس : أي إلى القرآن فادع الخلق ، " واستقم " خطاب له عليه السلام ، قال قتادة : أي استقم على أمر الله ، وقال سفيان : أي استقم على القرآن ، وقال الضحاك : استقم على تبليغ الرسالة ، " ولا تتبع أهواءهم " أي لا تنظر إلى خلاف من خالفك " وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم " أي أن أعدل ، كقوله تعالى : " وأمرت أن أسلم لرب العالمين " [ غافر : 66 ] ، وقيل : هي لام كي ، أي لكي أعدل ، وقال غيرهما : لأعدل ، قال ابن عباس و أبو العالية : لأسوي بينكم في الدين فأومن بكل كتاب وبكل رسول ، وقال غيرهما : لأعدل في جميع الأحوال ، وقيل : هذا العدل هو العدل في الأحكام ، وقيل في التبليغ : " الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم " قال ابن عباس و مجاهد : الخطاب لليهود ، أي لنا ديننا ولكم دينكم ، قال : ثم نسخت بقوله : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر " [ التوبة : 29 ] ، الآية ، قال مجاهد : ومعنى (( لا حجة بيننا وبينكم )) لا خصومة بيننا وبينكم ، وقيل : ليس بمنسوخ ، لأن البراهين قد ظهرت ، والحجج قد قامت ، فلم يبق إلا العناد ، وبعد العناد لا حجة ولا جدال ، قال النحاس : ويجوز أن يكون معنى (( لا حجة بيننا وبينكم )) على ذلك القول : لم يؤمر أن يحتج عليكم ويقاتلكم ، ثم نسخ هذا ، كما أن قائلاً لو قال من قبل أن تحول القبلة : لا تصل إلى الكعبة ، ثم حول الناس بعد ، لجاز أن يقال نسخ ذلك ، " الله يجمع بيننا " يريد يوم القيامة ، " وإليه المصير " أي فهو يحكم بيننا إذا صرنا إليه ، ويجازي كلاً بما كان عليه ، وقيل : إن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة ، وقد سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن دعوته ودينه إلى دين قريش ، على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته .
اشتملت هذه الاية الكريمة على عشر كلمات مستقلات كل منها منفصلة عن التي قبلها حكم برأسها, قالوا: ولا نظير لها سوى آية الكرسي, فإنها أيضاً عشرة فصول كهذه. وقوله: "فلذلك فادع" أي فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك, أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم فادع الناس إليه. وقوله عز وجل: "واستقم كما أمرت" أي واستقم أنت ومن اتبعك على عبادة الله تعالى كما أمركم الله عز وجل, وقوله تعالى: "ولا تتبع أهواءهم" يعني المشركين فيما اختلفوا فيه وكذبوه وافتروه من عبادة الأوثان.
وقوله جل وعلا: "وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب" أي صدقت بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء لا نفرق بين أحد منهم. وقوله: "وأمرت لأعدل بينكم" أي في الحكم كما أمرني الله, وقوله جلت عظمته: "الله ربنا وربكم" أي هو المعبود لا إله غيره فنحن نقر بذلك اختياراً وأنتم وإن لم تفعلوه اختياراً فله يسجد من في العالمين طوعاً واختياراً. وقوله تبارك وتعالى: "لنا أعمالنا ولكم أعمالكم" أي نحن برآء منكم, كما قال سبحانه وتعالى: "وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون" وقوله تعالى: "لا حجة بيننا وبينكم" قال مجاهد: أي لا خصومة. قال السدي: وذلك قبل نزول آية السيف, وهذا متجه لأن هذه الاية مكية, وآية السيف بعد الهجرة. وقوله عز وجل: "الله يجمع بيننا" أي يوم القيامة, كقوله: "قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم" وقوله جل وعلا: "وإليه المصير" أي المرجع والمآب يوم الحساب.
15- "فلذلك فادع واستقم" أي فلأجل ما ذكر من التفرق والشك، أو فلأجل أنه شرع من الدين ما شرع فادع واستقم، أي فادع كما تقول: دعوت إلى فلان ولفلان، وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد. وقيل في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: كبر على المشركين ما ندعوهم إليه فلذلك فادع. قال قتادة: استقم على أمر الله. وقال سفيان: استقم على القرآن. وقال الضحاك: استقم على تبليغ الرسالة "كما أمرت" بذلك من جهة الله "ولا تتبع أهواءهم" الباطلة وتعصباتهم الزائغة، ولا تنظر إلى خلاف من خالفك في ذكر الله "وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب" أي بجميع الكتب التي أنزلها الله على رسله، لا كالذين آمنوا ببعض منها وكفروا ببعض "وأمرت لأعدل بينكم" في أحكام الله إذا ترافعتم إلي، ولا أحيف عليكم بزيادة على ما شرعه الله أو بنقصان منه، وأبلغ إليكم ما أمرني الله بتبليغه كما هو، واللام لام كي: أي أمرت بذلك الذي أمرت به لكي أعدل بينكم، وقيل هي زائدة، والمعنى: أمرت أن أعدل. والأول أولى. قال أبو العالية: أمرت لأسوي بينكم في الدين فأومن بكل كتاب وبكل رسول. والظاهر أن الآية عامة في كل شيء، والمعنى: أمرت لأعدل بينكم في كل شيء "الله ربنا وربكم" أي إلهنا وإلهكم، وخالقنا وخالقكم "لنا أعمالنا" أي ثوابها وعقابها خاص بنا "ولكم أعمالكم" أي ثوابها وعقابها خاص بكم "لا حجة بيننا وبينكم" أي لا خصومة بيننا وبينكم، لأن الحق قد ظهر ووضح "الله يجمع بيننا" في المحشر "وإليه المصير" أي المرجع يوم القيامة فيجازي كلاً بعمله: وهذا منسوخ بآية السيف. قيل الخطاب لليهود، وقيل للكافر على العموم.
15. " فلذلك فادع "، أي: فإلى ذلك كما يقال دعوت إلى فلان ولفلان، وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد، " واستقم كما أمرت "، اثبت على الدين الذي أمرت به، " ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب "، أي: آمنت بكتب الله كلها، " وأمرت لأعدل بينكم "، [أن أعدل بينكم]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم من الأحكام. وقيل: لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء، " الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم "، يعني: إلهنا واحد، وإن اختلفت أعمالنا، فكل يجازى بعمله، " لا حجةً "، لا خصومة، " بيننا وبينكم "، نسختها آية القتال، فإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة لم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة، " الله يجمع بيننا "، في المعاد لفصل القضاء، " وإليه المصير ".
15-" فلذلك " فلأجل ذلك التفرق أو الكتاب ، أو العلم الذي أوتيته . " فادع " إلى الاتفاق على الملة الحنفية أو الإتباع لما أوتيت ، وعلى هذا يجوز أن تكون اللام في موضع إلى لإفادة الصلة والتعليل . " واستقم كما أمرت " واستقم على الدعوة كما أمرك الله تعالى : " ولا تتبع أهواءهم " الباطلة . " وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب " يعني جميع الكتب المنزلة لا كالكفار الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض . " وأمرت لأعدل بينكم " في تبليغ الشرائع والحكومات ، والأول إشارة إلى كمال القوة النظرية وهذا إشارة إلى كمال القوة العملية . " الله ربنا وربكم " خالق الكل ومتولي أمره ." لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " وكل مجازى بعمله . " لا حجة بيننا وبينكم " ولا حجاج بمعنى لا خصومة إذ الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة مجال ولا للخلاف مبدأ سوى العناد . " الله يجمع بيننا " يوم القيامة . " وإليه المصير " مرجع الكل لفصل القضاء ،وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأساً حتى تكون منسوخة بآية القتال .
15. Unto this, then, summon (O Muhammad). And be thou upright as thou art commanded, and follow not their lusts, but say: I believe in whatever Scripture Allah hath sent down, and I am commanded to be just among you. Allah is our Lord and your Lord. Unto us our works and unto you your works; no argument between us and you. Allah will bring us together, and unto Him is the journeying.
15 - Now then, for that (reason), call (them to the Faith), and stand steadfast as thou art commanded, nor follow thou their vain desires; but say: I believe in the Book which God has sent down; and I am commanded to judge justly between you God is our Lord and your Lord: For us (is the responsibility for) our deeds, and for you for your deeds. There is no contention between us and you. God will bring us together, and to Him is (Our) final goal.