15 - (من عمل صالحا فلنفسه) عمل (ومن أساء فعليها) أساء (ثم إلى ربكم ترجعون) تصيرون فيجازي المصلح والمسيء
يقول تعالى ذكره : من عمل من عباد الله بطاعته فانتهى إلى أمره و انزجر لنهيه فلنفسه عمل ذلك الصالح من العمل و طلب خلاصها من عذاب الله أطاع ربه لا لغير ذلك لأنه لا ينفع ذلك غيره ، و الله عن عمل كل عامل غني " و من أساء فعليها " يقول : و من أساء عمله في الدنيا بمعصيته فيها ربه و خلافه فيها أمره و نهيه فعلى نفسه جنى لأنه أوبقها بذلك و أكسبها به سخطه و بم يضر أحداً سوى نفسه " ثم إلى ربكم ترجعون " يقول : أنتم أيها الناس أجمعون إلى ربكم تصيرون من بعد مماتكم فيجازي المحسن منكم بأحسانه و المسيء بإساءته فمن ورد عليه منكم بعمل صالح ، جوزي من الثواب صالحاً و من ورد عليه منكم بعمل سيء جوزي من الثواب سيئاً .
قوله تعالى : " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون " . تقدم .
يذكر تعالى نعمه على عبيده فيما سخر لهم من البحر "لتجري الفلك" وهي السفن فيه بأمره تعالى. فإنه هو الذي أمر البحر بحملها "ولتبتغوا من فضله" أي في المتاجر والمكاسب "ولعلكم تشكرون" أي على حصول المنافع المجلوبة من الأقاليم النائية القصية, ثم قال عز وجل: "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض" أي من الكواكب والجبال والبحار والأنهار, وجميع ما تنتفعون به أي الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه ولهذا قال: "جميعاً منه" أي من عنده وحده لا شريك له في ذلك, كما قال تبارك وتعالى: "وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون" وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه" كل شيء هو من الله. وذلك الاسم فيه اسم من أسمائه, فذلك جميعاً منه ولا ينازعه فيه المنازعون, واستيقن أنه كذلك. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن خلف العسقلاني, حدثنا الفريابي عن سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن أبي أراكة قال: سأل رجل عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: مم خلق الخلق ؟ قال: من النور والنار والظلمة والثرى. قال: وائت ابن عباس رضي الله عنهما فاسأله, فأتاه فقال له مثل ذلك, فقال: ارجع إليه فسله مما خلق ذلك كله. فرجع إليه فسأله فتلا "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه" هذا أثر غريب وفيه نكارة " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
وقوله تعالى: "قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله" أي ليصفحوا عنهم ويتحملوا الأذى منهم وكان هذا في ابتداء الإسلام, أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ليكون ذلك كالتأليف لهم, ثم لما أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد. هكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة, وقال مجاهد: "لا يرجون أيام الله" لا ينالون نعم الله تعالى, وقوله تبارك وتعالى: "ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون" أي إذا صفحوا عنهم في الدنيا فإن الله عز وجل مجازيهم بأعمالكم السيئة في الاخرة, ولهذا قال تعالى: "من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون" أي تعودون إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم عليه فيجزيكم خيرها وشرها, والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم ذكر المؤمنين وأعمالهم والمشركين وأعمالهم فقال: 15- "من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها" والمعنى: أن عمل كل طائفة من إحسان أو إساءة لعامله لا يتجاوزه إلى غيره وفيه ترغيب وتهديد "ثم إلى ربكم ترجعون" فيجازي كلاً بعمله إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر.
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله: "جميعاً منه" قال: منه النور والشمس والقمر. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: كل شيء هو من الله. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن طاوس قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله مم خلق الخلق؟ قال: من الماء والنور والظلمة والهواء والتراب، قال: فمم خلق هؤلاء؟ قال: لا أدري. ثم أتى الرجل عبد الله بن الزبير، فسأله فقال مثل قول عبد الله بن عمرو، فأتى ابن عباس فسأله مم خلق الخلق؟ فقال: من الماء والنور والظلمة والريح والتراب، قال فمم خلق هؤلاء؟ فقرأ ابن عباس "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه" فقال الرجل: ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه :عن ابن عباس في قوله: "قل للذين آمنوا يغفروا" الآية قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يعرض عن المشركين إذا آذوه، وكانوا يستهزئون به ويكذبونه، فأمره الله أن يقاتل المشركين كافة، فكان هذا من المنسوخ.
15. " من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون "
15-" من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها " أي لها ثواب العمل وعليها عقابه . " ثم إلى ربكم ترجعون " فيجازيكم على أعمالكم .
15. Whoso doeth right, it is for his soul, and whoso doeth wrong, it is against it. And afterward unto your Lord ye will be brought back.
15 - If any one does a righteous deed, it enures to the benefit of his own soul; if he does evil, it works against (His own soul). In the end will ye (all) be brought back to your Lord.