15 - (ويل يومئذ للمكذبين) هذا وعيد لهم
وقوله : " ويل يومئذ للمكذبين " يقول تعالى ذكره : الوادي الذي يسيل في جهنم من صديد أهلها للمكذبين بيوم الفصل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ويل يومئذ للمكذبين " ويل والله طويل .
قوله تعالى : " ويل يومئذ للمكذبين" أي عذاب وخزي لم كذب بالله وبرسله وكتبه وبيوم الفصل فهو وعيد. وكرره في هذه السورة عند كل آية لمن كذب، لأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم، فإن لكل مكذب بشيء عذاباً سوى تكذيبه بشيء آخر، ورب شيء كذب به هو أعظم جرماً من تكذيب بغيره، لأنه أقبح في تكذيبه، وأعظم في الرد على الله، فإنما يقسم له من الويل على قدر ذلك، وعلى قدر وفاقة وهو قوله: " جزاء وفاقا " [ النبأ:26] وروي عن النعمان بن بشير قال: ويل : واد في جهنم فيه الوان العذاب. قاله ابن عباس وغيره. قال ابن عباس: إذا خبت جهنم أخذ من جمرة فالقى عليها فيأكل بعضها بعضاً. وروي أيضاً "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عرضت علي جهنم فلم أر فيها وادياً اعظم من الويل))" وروي انه مجمع ما يسيل من قيح أهل النار وصديدهم، وإنما يسيل الشيء فيما سفل من الأرض وانفطر، وقد علم العباد في الدنيا أن شر المواضع في الدنيا ما اسنتقع فيها مياه الأدناس والأقذار والغسالات من الجيف وماء الحمامات، فذكر أن ذلك الوادي مستنقع صديد أهل الكفر والشرك، ليعلم ذوو العقول أنه لاشيء أقذر منه قذارة، ولا انتن منه نتناً، ولا أشد منه مرارة، ولا أشد سواداً منه، ثم وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تضمن من العذاب، وانه أعظم واد في جهنم، فذكره الله تعالى في وعيده في هذه السورة.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا زكريا بن سهل المروزي , حدثنا علي بن الحسن بن شقيق , حدثنا الحسين بن واقد , حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة "والمرسلات عرفاً" قال: الملائكة, وروي عن مسروق وأبي الضحى ومجاهد في إحدى الروايات والسدي والربيع بن أنس مثل ذلك وروي عن أبي صالح أنه قال: هي الرسل, وفي رواية عنه أنها الملائكة, وهكذا قال أبو صالح في العاصفات والناشرات والفارقات والملقيات أنها الملائكة. وقال الثوري عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن أبي العبيدين قال: سألت ابن مسعود عن المرسلات عرفاً قال: الريح, وكذا قال في " العاصفات عصفا * والناشرات نشرا " إنها الريح, وكذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح في رواية عنه وتوقف ابن جرير في "والمرسلات عرفاً" هل هي الملائكة إذا أرسلت بالعرف أو كعرف الفرس يتبع بعضهم بعضاً, أو هي الرياح إذا هبت شيئاً فشيئاً ؟ وقطع بأن العاصفات عصفاً الرياح كما قاله ابن مسعود ومن تابعه, وممن قال ذلك في العاصفات عصفاً أيضاً علي بن أبي طالب والسدي وتوقف في الناشرات نشراً هل هي الملائكة أو الريح كما تقدم ؟ وعن أبي صالح أن الناشرات نشراً هي المطر, والأظهر أن المرسلات هي الرياح كما قال تعالى: "وأرسلنا الرياح لواقح" وقال تعالى: "وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته" وهكذا العاصفات هي الرياح, يقال عصفت الرياح إذا هبت بتصويت, وكذا الناشرات هي الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء كما يشاء الرب عز وجل.
وقوله تعالى: " فالفارقات فرقا * فالملقيات ذكرا * عذرا أو نذرا " يعني الملائكة. قاله ابن مسعود وابن عباس ومسروق ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس والسدي والثوري , ولا خلاف ههنا فإنها تنزل بأمر الله على الرسل تفرق بين الحق والباطل, والهدى والغي, والحلال والحرام, وتلقي إلى الرسل وحياً فيه إعذار إلى الخلق وإنذار لهم عقاب الله إن خالفوا أمره. وقوله تعالى: "إنما توعدون لواقع" هذا هو المقسم عليه بهذه الأقسام أي ما وعدتم به من قيام الساعة والنفخ في الصور وبعث الأجساد وجمع الأولين والاخرين في صعيد واحد ومجازاة كل عامل بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر, إن هذا كله لواقع أي لكائن لامحالة. ثم قال تعالى: "فإذا النجوم طمست" أي ذهب ضوؤها كقوله تعالى: "وإذا النجوم انكدرت" وكقوله تعالى: "وإذا الكواكب انتثرت" "وإذا السماء فرجت" أي انفطرت وانشقت وتدلت أرجاؤها ووهت أطرافها.
"وإذا الجبال نسفت" أي ذهب بها فلا يبقى لها عين ولا أثر كقوله تعالى: "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً" الاية. وقال تعالى: "ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً" وقوله تعالى: "وإذا الرسل أقتت" قال العوفي عن ابن عباس : جمعت. وقال ابن زيد : وهذه كقوله تعالى: "يوم يجمع الله الرسل" وقال مجاهد : "أقتت" أجلت. وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم "أقتت" أوعدت وكأنه يجعلها كقوله تعالى: "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون". ثم قال تعالى: " لأي يوم أجلت * ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل * ويل يومئذ للمكذبين " يقول تعالى لأي يوم أجلت الرسل وأرجىء أمرها حتى تقوم الساعة كما قال تعالى: "فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام * يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار" وهو يوم الفصل كما قال تعالى: "ليوم الفصل" ثم قال تعالى معظماً لشأنه: "وما أدراك ما يوم الفصل * ويل يومئذ للمكذبين" أي ويل لهم من عذاب الله غداً وقد قدمنا في الحديث أن ويل واد في جهنم ولا يصح.
ثم ذكر حال الذين كذبوا بذلك اليوم فقال: 15- "ويل يومئذ للمكذبين" أي ويل لهم في ذلك اليوم الهائل، وويل أصل مصدر ساد مسد فعله، وعدل به إلى الرفع للدلالة على الثبات، والويل الهلاك، أو هو اسم واد في جهنم، وكرر هذه الآية في هذه السورة لأنه قسم الويل بينهم على قدر تكذيبهم، فإن لكل مكذب بشيء عذاباً سوى تكذيبه بشيء آخر، ورب شيء كذب به هو أعظم جرماً من التكذيب بغيره، فيقسم له من الويل على قدر ذلك التكذيب.
15- "ويل يومئذ للمكذبين".
15-" ويل يومئذ للمكذبين " أي بذلك ، و " ويل " في الأصل مصدر منصوب بإضمار فعله عدل به إلى الرفع للدلالة على ثبات الهلك للمدعو عليه ، و " يومئذ " ظرفه أو صفته .
15. Woe unto the repudiators on that day!
15 - Ah woe, that Day, to the Rejecters of Truth!