150 - (أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون) خلقنا فيقولون ذلك
يعني تعالى ذكره : أم شهد هؤلاء القائلون من المشركين الملائكة بنات الله خلقي الملائكة وأنا أخلقهم إناثاً ، فشهدوا هذه الشهادة ، ووصفوا الملائكة بأنها إناث.
" أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون " أي حاضرون لخلقنا إياهم إناثاً ، وهذا كما قال الله عز وجل : " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم " [ الزخرف : 19 ] .
يقول تعالى منكراً على هؤلاء المشركين في جعلهم لله تعالى البنات سبحانه ولهم ما يشتهون أي من الذكور أي يودون لأنفسهم الجيد "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم" أي يسوؤه ذلك ولا يختار لنفسه إلا البنين, يقول عز وجل فكيف نسبوا إلى الله تعالى القسم الذي لا يختارونه لأنفسهم ولهذا قال تعالى: "فاستفتهم" أي سلهم على سبيل الإنكار عليهم "ألربك البنات ولهم البنون" كقوله عز وجل: "ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذاً قسمة ضيزى". وقوله تبارك وتعالى: "أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون"أي كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث وما شاهدوا خلقهم كقوله جل وعلا "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون" أي يسألون عن ذلك يوم القيامة. وقوله جلت عظمته: "ألا إنهم من إفكهم" أي من كذبهم " ليقولون * ولد الله " أي صدر منه الولد "وإنهم لكاذبون" فذكر الله تعالى عنهم في الملائكة ثلاثة أقوال في غاية الكفر والكذب, فأولاً جعلوهم بنات الله فجعلوا لله ولداً تعالى وتقدس, وجعلوا ذلك الولد أنثى ثم عبدوهم من دون الله تعالى وتقدس وكل منها كاف في التخليد في نار جهنم. ثم قال تعالى منكراً عليهم "أصطفى البنات على البنين" أي أي شيء يحمله على أن يختار البنات دون البنين كقوله عز وجل: "أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً ؟ إنكم لتقولون قولاً عظيماً" ولهذا قال تبارك وتعالى: " ما لكم كيف تحكمون " أي مالكم عقول تتدبرون بها ما تقولون "أفلا تذكرون * أم لكم سلطان مبين" أي حجة على ما تقولونه, " فاتوا بكتابكم إن كنتم صادقين " أي هاتوا برهاناً على ذلك يكون مستنداً إلى كتاب منزل من السماء عن الله تعالى أنه اتخذ ما تقولونه فإن ما تقولونه لا يمكن استناده إلى عقل بل لا يجوزه العقل بالكلية. وقوله تعالى: "وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً" قال مجاهد: قال المشركون الملائكة بنات الله تعالى فقال أبو بكر رضي الله عنه فمن أمهاتهن, قالوا بنات سروات الجن وكذا قال قتادة وابن زيد ولهذا قال تبارك وتعالى: "ولقد علمت الجنة" أي الذين نسبوا إليهم ذلك "إنهم لمحضرون" أي إن الذين قالوا ذلك لمحضرون في العذاب يوم الحساب لكذبهم في ذلك وافترائهم وقولهم الباطل بلا علم, وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً" قال زعم أعداء الله أنه تبارك وتعالى هو وإبليس أخوان تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً, حكاه ابن جرير. وقوله جلت عظمته: "سبحان الله عما يصفون" أي تعالى وتقدس وتنزه عن أن يكون له ولد وعما يصفه به الظالمون الملحدون علواً كبيراً. قوله تعالى: "إلا عباد الله المخلصين" استثناء منقطع وهو من مثبت إلا أن يكون الضمير قوله تعالى: "عما يصفون" عائد إلى الناس جميعهم ثم استثنى منهم المخلصين وهم المتبعون للحق المنزل على كل نبي مرسل, وجعل ابن جرير هذا الاستثناء من قوله تعالى: " إنهم لمحضرون * إلا عباد الله المخلصين " وفي هذا الذي قاله نظر والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم زاد في توبيخهم وتقريعهم فقال: 150- "أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون" فأضرب عن الكلام الأول إلى ما هو أشد منه في التبكيت والتهكم بهم: أي كيف جعلوهم إناثاً وهم لم يحضروا عند خلقنا لهم، وهذا كقوله: "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم" فبين سبحانه أن مثل ذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة ولم يشهدوا، ولا دل دليل على قولهم من السمع، ولا هو مما يدرك بالعقل حتى ينسبوا إدراكه إلى عقولهم.
150. " أم خلقنا الملائكة إناثاً "، معناه: أخلقنا الملائكة إناثاً، " وهم شاهدون "، حاضرون خلقنا إياهم، نظيره قوله: " أشهدوا خلقهم " (الزخرف-19).
150-" أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون " وإنما خص علم المشاهدة لأن أمثال ذلك لا تعلم إلا بها ، فإن الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم لتمكن معرفته بالعقل الصرف مع ما فيه من الاستهزاء ، والإشعار بأنهم لفرط جهلهم يبتون به كأنهم قد شاهدوا خلقهم .
150. Or created We the angels females while they were present?
150 - Or that We created the angels female, and they are witnesses (thereto)?