(إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) بأن يؤمنوا به دونهم (ويقولون نؤمن ببعض) من الرسل (ونكفر ببعض) منهم (ويريدون أن يتخذوا بين ذلك) الكفر والإيمان (سبيلا) طريقا يذهبون إليه
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "إن الذين يكفرون بالله ورسله"، من اليهود والنصارى، "ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله"، بأن يكذبوا رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه بوحيه ، ويزعموا أنهم افتروا على ربهم . وذلك هو معنى إرادتهم التفريق بين الله ورسله ، بنحلتهم إياهم الكذب والفرية على الله ، وادعائهم عليهم الأباطيل ، "ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض"، يعني : أنهم يقولون : نصدق بهذا ونكذب بهذا ، كما فعلت اليهود من تكذيبهم عيسى ومحمداً صلى الله عليهما وسلم ، وتصديقهم بموسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم . وكما فعلت النصارى من تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وتصديقهم بعيسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم ، "ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا"، يقول : ويريد المفرقون بين الله ورسله ، الزاعمون أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ، أن يتخذوا بين أضعاف قولهم : نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض، "سبيلا"، يعني : طريقاً إلى الضلالة التي أحدثوها، والبدعة التي ابتدعوها، يدعون أهل الجهل من الناس إليه.
فيه ثلاث مسائل :
الأولى- قوله تعالى :" إن الذين يكفرون " لما ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب اليهود والنصارى إذ كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبين أن الكفر به كفر بالكل لأنه ما من نبي إلا وقد أمر قومه بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومعنى " ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله " أي بين الإيمان بالله ورسله فنص سبحانه على أن التفريق بين الله ورسله كفر وإنما كان كفراً لأن الله سبحانه فرض على الناس أن يعبدوه بما شرع لهم على ألسنة الرسل ، فإذا جحدوا الرسل ردوا عليهم شرائعهم ولم يقبلوها منهم فكانوا ممتنعين التزام العبودية التي أمروا بالتزامها فكان كجحد الصانع سبحانه وجحد الصانع كفر لما فيه م نترك التزام الطاعة والعبودية وكذلك التفريق بين رسله في الإيمان بهم كفر وهي .
المسألة الثانية- لقوله تعالى : " ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض " وهم اليهود آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد وقد تقدم هذا من قولهم في البقرة ويقولون لعوامهم لم نجد ذكر محمد في كتبنا " ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا " أي يتخذوا بين الإيمان والجحد طريقاً أي ديناً مبتدعاً بين الإسلام واليهودية وقال : ذلك ولم يقل ذينك لأن ذلك تقع اللاثنين ولو كان ذينك لجاز .
يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله, من اليهود والنصارى حيث فرقوا بين الله ورسله في الإيمان فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة, وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك, فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك, بل بمجرد الهوى والعصبية, فاليهود ـ عليهم لعائن الله ـ آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام, والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم, والسامرة لا يؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران, والمجوس يقال إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت, ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم, والله أعلم, والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض, فمن رد نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي, تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيماناً شرعياً, إنما هو عن غرض وهوى وعصبية, ولهذا قال تعالى: "إن الذين يكفرون" با لله ورسله فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله, ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله أي في الإيمان, "ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً" أي طريقاً ومسلكاً, ثم أخبر تعالى عنهم فقال: "أولئك هم الكافرون حقاً" أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به, لأنه ليس شرعياً إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله, لامنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهاناً منه, أو نظروا حق النظر في نبوته.
وقوله: "وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً" أي كما استهانوا بمن كفروا به, إما لعدم نظرهم فيما جاءهم به من الله وإعراضهم عنه وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه, وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته, كما كان يفعله كثير من أحبار اليهود في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة وخالفوه وكذبوه وعادوه وقاتلوه, فسلط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي " وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله " في الدنيا والاخرة. وقوله: "والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم" يعني بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم, فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي بعثه الله, كما قال تعالى: " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله " الاية, ثم أخبر تعالى بأنه قد أعد لهم الجزاء الجزيل والثواب الجليل والعطاء الجميل, فقال: "أولئك سوف يؤتيهم أجورهم" على ما آمنوا بالله ورسله "وكان الله غفوراً رحيماً" أي لذنوبهم, أي إن كان لبعضهم ذنوب.
لما فرغ من ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، لأنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك كالكفر بجميع الرسل والكتب المنزلة، والكفر بذلك كفر بالله، وينبغي حمل قوله 150- " إن الذين يكفرون بالله ورسله " على أنه استلزم ذلك كفرهم ببعض الكتب والرسل لا أنهم كفروا بالله ورسله جميعاً، فإن أهل الكتاب لم يكفروا بالله ولا بجميع رسله، لكنهم لما كفروا بالبعض كان ذلك كفر بالله وبجميع الرسل. ومعنى: "ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله" أنهم كفروا بالرسل بسبب كفرهم ببعضهم وآمنوا بالله، فكان ذلك تفريقاً بين الله وبين رسله "ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض" هم اليهود آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد، كذلك النصارى آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد "ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً" أي: يتخذوا بين الإيمان والكفر ديناً متوسطاً بينهما، فالإشارة بقوله "ذلك" إلى قوله: نؤمن ونكفر.
150-قوله عز وجل :"إن الذين يكفرون بالله ورسله "الآية،نزلت في اليهود، وذلك أنهم آمنوا بموسى عليه السلام والتوراة وعزيز، وكفروا بعيسى والإنجيل وبمحمد والقرآن،" ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا " ،أي: ديناً بين اليهودية والإسلام ومذهباً يذهبون إليه.
150" إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله " بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله. " ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض " نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعضهم. " ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا " طريقاً وسطاً بين الإيمان والكفر، لا واسطة: إذ الحق لا يختلف فإن الإيمان بالله سبحانه وتعالى لا يتم إلا بالإيمان برسله وتصديقهم فيما بلغوا عنه تفصيلاً وإجمالاً، فالكافر ببعض ذلك كالكافر بالكل في الضلال كما قال الله تعالى: " فماذا بعد الحق إلا الضلال ".
150. Lo! those who disbelieve in Allah and His messengers, and seek to make distinction between Allah and His messengers, and say: We believe in some and disbelieve in others, and seek to choose a way in between;
150 - Those who deny God and his apostles, and (those who) wish to separate God from his apostles, saying: we believe in some but reject others: and (those who) wish to take a course midway,