151 - (ولا تطيعوا أمر المسرفين)
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل لقومه من ثمود : لا تطيعوا أيها القوم أمر المسرفين على أنفسهم في تماديهم في معصية الله ، و اجترائهم على سخطه ، وهم الرهط التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون من ثمود الذين وصفهم الله جل ثناؤه بقوله " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " النمل : 48 يقول : الذين يسعون في أرض الله بمعاصيه ، ولا يصلحون ،يقول : ولا يصلحون أنفسهم بالعمل بطاعة الله .
وقوله : " إنما أنت من المسحرين " اختلف أهل التأيول في تأيوله ، فقال بعضهم : معناه إنما أنت من المسحورين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ،قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " إنما أنت من المسحرين " قال : من المسحورين .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " إنما أنت من المسحرين " قال : إنما أنت من المسحورين .
وقال : آخرون : معناه : من المخلوقين :
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبيد ، قال : ثنا موسى بن عمرو ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، في قوله : " إنما أنت من المسحرين " قال : من المخلوقين .
واختلف أهل المعرفة بكلام العرب فيي معنى ذلك ، فكان بعض أهل البصرة يقول : كل من أكل من إنس أو دابة فهو مسحر ، و ذلك لأن له سحرا يقري ما أكل فيه ، و استشهد على ذلك بقول لبيد :
فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر
وقال بعض نحويي الكوفيين نحو هذا ، غير أنه قال : أخذ من قولك : انتفخ سحرك : أي أنك تأكل الطعام و الشراب ، فتسحر به و تعلل . و قال : معنى قول لبيد : من هذا الأنام المسحر : من هذا الأنام المعلل المخدوع . قال : و يروى أن السحر من ذلك ، لأنه كالخديعة .
و الصواب من القول في ذلك عندي : القول الذي ذكرته عن ابن عباس ، أن معناه : إنما أنت من المخلوقين الذين يعللون بالطعام و الشراب مثلنا ن و لست ربا ولا ملكا فنطيعك ، و نعلم أنك صادق فيما تقول ، و المسحر : المفعل من السحرة ، وهو الذي له سحرة .
قوله تعالى : " ولا تطيعوا أمر المسرفين " قيل : المراد الذين قروا الناقة . وقيل : التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون . قال السدي وغيره : أوحى الله تعالى إلى صالح : إن قومك سيعقرون ناقعتك ، فقال لهم ذلك ، فقالوا : ما كنا لنفعل . فقال لهم صالح : إنه سيولد في شهركم هذا غلام يعقرها ويكون هلاككم على يديه ، فقالوا : لا يولد في هذا الشهر ذكر إلا قتلناه . فولد لتسعة منهم من ذلك الشهر فذبحوا أبناءهم ، ثم ولد للعاشر فأبى أن يذبح ابنه وكان لم يولد قبل ذلك . وكان ابن العاشر أزرق أحمر فنبت نباتاً سريعاً ، وكان إذا مر بالتسعة فرأوه قالوا : لو كان أبناؤنا أحياء لكانوا مثل هذا . وغضب التسعة على صالح ، لأنه كان سبب قتلهم أبناءهم فتعصبوا وتقاسموا بالله لنبيتنه وأهله . قالوا : نخرج إلى سفر فترى الناس سفرنا فنكون في غار ، حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى مسجده ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم ، فلما دخلوا الغار أرادوا أن يخرجوا فسقط عليهم الغار فقتلهم ، فرأى ذلك ناس ممن كان قد اطلع على ذلك ، فصاحوا في القرية : يا عباد الله ! أما رضي صالح أن أمر بقتل أولادهم حتى قتلهم ، فأجمع أهل القرية : على قتل الناقة . وقال ابن إسحاق : إنما احتمع التسعة على سب صالح بعد عقرهم الناقة وإنذارهم بالعذاب على مايأتي بيانه في سورة ( النمل ) إن شاء الله تعالى .
يقول لهم واعظاً لهم, ومحذرهم نقم الله أن تحل بهم, ومذكراً بأنعم الله عليهم فيما رزقهم من الأرزاق الدارة وجعلهم في أمن من المحذورات, وأنبت لهم من الجنات, وفجر لهم من العيون الجاريات, وأخرج لهم من الزروع والثمرات, ولهذا قال "ونخل طلعها هضيم". قال العوفي عن ابن عباس : أينع وبلغ, فهو هضيم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ونخل طلعها هضيم" يقول: معشبة. وقال إسماعيل بن أبي خالد عن عمرو بن أبي عمرو ـ وقد أدرك الصحابة ـ عن ابن عباس في قوله "ونخل طلعها هضيم" قال: إذا رطب واسترخى, رواه ابن أبي حاتم , ثم قال: وروي عن أبي صالح نحو هذا.
وقال أبو إسحاق عن أبي العلاء "ونخل طلعها هضيم" قال: هو المذنب من الرطب, وقال مجاهد : هو الذي إذا يبس تهشم وتفتت وتناثر, وقال ابن جريج : سمعت عبد الكريم , وأبا أمية, سمعت مجاهداً يقول "ونخل طلعها هضيم" قال: حين يطلع تقبض عليه فتهضمه, فهو من الرطب الهضيم, ومن اليابس الهشيم, تقبض عليه فتهشمه. وقال عكرمة وقتادة : الهضيم الرطب اللين. وقال الضحاك : إذا كثر حمل الثمرة وركب بعضها بعضاً, فهو هضيم. وقال مرة : هو الطلع حين يتفرق ويخضر. وقال الحسن البصري : هو الذي لا نوى له, وقال أبو صخر : ما رأيت الطلع حين ينشق عنه الكم ؟ فترى الطلع قد لصق بعضه ببعض, فهو الهضيم.
وقوله "وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين" قال ابن عباس وغير واحد: يعني حاذقين. وفي رواية عنه: شرهين أشرين, وهو اختيار مجاهد وجماعة, ولا منافاة بينهما, فإنهم كانوا يتخذون تلك البيوت المنحوتة في الجبال أشراً وبطراً وعبثاً من غير حاجة إلى سكناها, وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها, كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم, ولهذا قال "فاتقوا الله وأطيعون" أي أقبلوا على ما يعود نفعه عليكم في الدنيا والاخرة من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم لتعبدوه وتوحدوه وتسبحوه بكرة وأصيلا " ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون " يعني رؤساءهم وكبراءهم, الدعاة لهم إلى الشرك والكفر ومخالفة الحق.
151- "ولا تطيعوا أمر المسرفين" أي المشركين، وقيل الذين عقروا الناقة.
151- "ولا تطيعوا أمر المسرفين"، قال ابن عباس: المشركين. وقال مقاتل: هم التسعة الذين عقروا الناقة.
151 -" ولا تطيعوا أمر المسرفين " استعير الطاعة التي هي انقياد الأمر لامتثال الأمر ، أو نسب حكم الآمر إلى أمره مجازاً .
151. And obey not the command of the prodigal,
151 - And follow not the bidding of those who are extravagant,