(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله) هم (أموات بل) هم (أحياء) أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت لحديث بذلك (ولكن لا تشعرون) تعلمون ما هم فيه
قوله تعالى ولا تقولوا لمن يقتل الآية أخرج ابن منده في الصحابة من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال قتل تميم بن الحمام ببدر وفيه وفي غيره نزلت ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات الآية قال أبو نعيم اتفقوا على أنه عمير بن الحمام وأن السدي صحفه
القول في تأويل قوله تعالى: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون" قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر على طاعتي في جهاد عدوكم، وترك معاصي، وأداء سائر فرائضي عليكم، ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله: هو ميت، فإن الميت من خلقي من سلبته حياته وأعدمته حواسه، فلا يلتذ لذة ولا يدرك نعيماً، فإن من قتل منكم ومن سائر خلقي في سبيلي، أحياء عندي، في حياة ونعيم، وعيش هني، ورزق سني، فرحين بما آتيتهم من فضلي، وحبوتهم به من كرامتي، كما:حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "بل أحياء" عند ربهم، يرزقون من ثمر الجنة، ويجدون ريحها، وليسوا فيها. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدمثله.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون"، كنا نحدث: أن أرواح الشهداء تعارف في طير بيض يأكلن من ثمار الجنة، وأن مساكنهم سدرة المنتهى، وأن للمجاهد في سبيل الله ثلاث خصال من الخير: من قتل في سبيل الله منهم صار حياً مرزوقاً، ومن غلب آتاه الله أجراً عظيماً، ومن مات رزقه الله رزقاً حسناً. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء"، قال: أرواح الشهداء في صور طير بيض. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة في قوله: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء"، في صور طير خضر يطيرون في الجنة حيث شاؤوا منها، يأكلون من حيث شاؤوا.
حدثني المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عثمان بن غياث قال، سمعت عكرمة يقول في قوله: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون"، قال: أرواح الشهداء في طير خضر في الجنة.قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وما في قوله: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء"، من خصوصية الخبر عن المقتول في سبيل الله الذي لم يعم به غيره؟ وقد علمت تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه وصف حال المؤمنين والكافرين بعد وفاتهم، فأخبر عن المؤمنين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى الجنة يشمون منها روحها، ويستعجلون الله قيام الساعة، ليصيروا إلى مساكنهم منها، ويجمع بينهم وبين أهاليهم وأولادهم فيها، وعن الكافرين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى النار ينظرون إليها، ويصيبهم من نتنها ومكروهها، ويسلط عليهم فيها إلى قيام الساعة من يقمعهم فيها، ويسألون الله فيها تأخير قيام الساعة، حذاراً من المصير إلى ما أعد الله لهم فيها مع أشباه ذلك من الأخبار. وإذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما الذي خص به القتيل في سبيل الله، مما لم يعم به سائر البشر غيره من الحياة، وسائر الكفار والمؤمنين غيره أحياء في البرزخ، أما الكفار فمعذبون فيه بالمعيشة الضنك، وأما المؤمنون فمنعمون بالروح والريحان ونسيم الجنان؟ قيل: إن الذي خص الله به الشهداء في ذلك، وأفاد المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره، إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في برزخهما قبل بعثهم، ومنعمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر، من لذيذ مطاعمها الذي لم يطعمها الله أحداً غيرهم في برزخه قبل بعثه. فذلك هو الفضيلة التي فضلهم بها وخصهم بها من غيرهم، والفائدة التي أفاد المؤمنين بالخبر عنهم، فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله" [آل عمران: 169- 170]، وبمثل الذي قلنا جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان وعبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحق، عن الحارث بن فضيل، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهداء على بارق، نهر بباب الجنة، في قبة خضراء - وقال عبدة: في روضة خضراء - يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً". حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح عن الإفريقي، عن ابن بشار السلمي- أو:أبي بشار، شك أبو جعفر- قال: أرواح الشهداء في قباب بيض من قباب الجنة، في كل قبة زوجتان، رزقهم في كل يوم طلعت فيه الشمس ثور وحوت. فأما الثور، ففيه طعم كل ثمرة في الجنة، وأما الحوت ففيه طعم كل شراب في الجنة. قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فإن الخبر عما ذكرت أن الله تعالى ذكره أفاد المؤمنين بخبره عن الشهداء من النعمة التي خصهم بها في البرزخ، غير موجود في قوله: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء"، وإنما فيه الخبر عن حالهم، أموات هم أم أحياء. قيل: إن المقصود بذكر الخبر عن حياتهم، إنما هو الخبر عفا هم فيه من النعمة، ولكنه تعالى ذكره لما كان قد أنبأ عباده عما خص به الشهداء في قوله: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" [آل عمران: 169] وعلموا حالهم بخبره ذلك، ثم كان المراد من الله تعالى ذكره في قوله: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء"، نهي خلقه عن أن يقولوا للشهداء أنهم موتى، ترك إعادة ذكر ما قد بين لهم من خبرهم.
وأما قوله: "ولكن لا تشعرون"، فإنه يعني به: ولكنكم لا ترونهم فتعلموا أنهم أحياء، وإنما تعلمون ذلك بخبري إياكم به. وإنما رفع قوله: "أموات" بإضمار مكني عن أسماء "من يقتل في سبيل الله"، ومعنى ذلك: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات. ولا يجوز النصب في الأموات ، لأن القول لا يعمل فيهم، وكذلك قوله: "بل أحياء"، رفع، بمعنى: هم أحياء.
هذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" ، وهناك يأتي الكلام في الشهداء وأحكامهم ، إن شاء الله تعالى .
وإذا كان الله تعالى يحييهم بعد الموت ليرزقهم ـ على ما يأتي ـ فيجوز أن يحيي الكفار ليعذبهم ، ويكون فيه دليل على عذاب القبر . والشهداء أحياء كما قال الله تعالى ، وليس معناه أنهم سيحيون ، إذ لو كان كذلك لم يكن بين الشهداء وبين غيرهم فرق إذ كل أحد سيحيا . ويدل على هذا قوله تعالى : "ولكن لا تشعرون" والمؤمنون يشعرون أنهم سيحيون . وارتفع أموات على إضمار مبتدأ ، وكذلك "بل أحياء" أي هم أموات وهم أحياء ، ولا يصح إعمال القول فيه لأنه ليس بينه وبينه تناسب ، كما يصح في قولك : قلت كلاماً وحجة .
لما فرع تعالى من بيان الأمر بالشكر، شرع في بيان الصبر والإرشاد والاستعانة بالصبر والصلاة، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها، أو في نقمة فيصبر عليها كما جاء في الحديث "عجباً للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيراً له: إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له"، وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة كما تقدم في قوله: "واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين"، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى، والصبر صبران فصبر ترك المحارم والمآثم وصبر على فعل الطاعات والقربات، والثاني أكثر ثواباً لأنه المقصود. وأما الصبر الثالث وهو الصبر على المصائب والنوائب، فذلك أيضاً واجب كالاستغفار من المعايب، كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الصبر في بابين: الصبر لله بما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء، فمن كان هكذا فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم إن شاء الله، وقال علي بن الحسين زين العابدين: إذا جمع الله الأولين والاخرين ينادي مناد، أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين يا بني آدم ؟ فيقولون: إلى الجنة، فيقولون: قبل الحساب ؟ قالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم ؟ قالوا: نحن الصابرون، قالوا: وما كان صبركم، قالوا: صبرنا على طاعة الله وصبرنا عن معصية الله حتى توفانا الله، قالوا: أنتم كما قلتم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين (قلت) ويشهد لهذا قوله تعالى: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" وقال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر .
وقوله تعالى: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء"، يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون، كما جاء في صحيح مسلم: أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، فاطلع عليهم ربك إطلاعة، فقال: ماذا تبغون ؟ فقالوا: يا ربنا وأي شيء نبغي، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ؟ ثم عاد عليهم بمثل هذا فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى ـ لما يرون من ثواب الشهادة ـ فيقول الرب جل جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون.
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي عن الإمام مالك عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه" ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضاً وإن كان الشهداء قد خصصوا بالذكر في القرآن تشريفاً وتكريماً وتعظيماً.
154- " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون " وأموات وأحياء مرتفعان على أنهما خبران لمحذوفين: أي لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات بل هم أحياء، ولكن لا تشعرون بهذه الحياة عند مشاهدتكم لأبدانهم بعد سلب روحهم، لأنكم تحكمون عليها بالموت في ظاهر الأمر بحسب ما يبلغ إليه علمكم الذي هو بالنسبة إلى علم الله كما يأخذ الطائر في منقاره من ماء البحر، وليسوا كذلك في الواقع بل هم أحياء في البرزخ. وفي الآية دليل على ثبوت عذاب القبر، ولا اعتداد بخلاف من خالف في ذلك، فقد تواترت به الأحاديث الصحيحة ودلت عليه الآيات القرآنية، ومثل هذه الآية قوله تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون".
154. " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات " نزلت في قتلى بدر من المسلمين وكانوا أربعة عشر رجلاً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار كان الناس يقولون لمن يقتل في سبيل الله مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله تعالى: " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات " " بل أحياء ولكن لا تشعرون " كما قال في شهداء أحد " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون " (169-آل عمران) قال الحسن إن الشهداء أحياء عند الله تعالى تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوة وعشية فيصل إليهم الوجع.
154-" ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات " أي هم أموات " بل أحياء " أي بل هم أحياء . " ولكن لا تشعرون " ما حالهم ، وهو تنبيه على أن حياتهم ليست بالجسد ولا من جنس ما يحس به من الحيوانات ، وأنما هي أمر لا يدرك بالعقل بل وبالوحي ، وعن الحسن ( إن الشهداء أحياء عند ربهم تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح ، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدواً وعشياً فيصل إليهم الألم والوجع ) . والآية نزلت في شهداء بدر ، وكانوا أربعة عشر ، وفيها دلالة على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن تبقى بعد الموت داركة ، وعليه جمهور الصحابة والتابعين ، وبه نطقت الآيات والسنن ، وعلى هذا فتخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب من الله تعالى ، و مزيدة البهجة والكرامة .
154. And call not those who are slain in the way of Allah "dead." Nay, they are living, only ye perceive not.
154 - And say not of those who are slain in the way of God: they are dead nay, they are living, though ye perceive (it) not.