155 - (وهذا) القرآن (كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه) يا أهل مكة بالعمل بما فيه (واتقوا) الكفر (لعلكم ترحمون)
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وهذا كتاب أنزلناه مبارك " ، وهذا القرآن الذي أنزلناه إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، " كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه " ، يقول : فاجعلوه إماماً تتبعونه وتعملون بما فيه ، أيها الناس ، " واتقوا" ، يقول : واحذروا الله في أنفسكم ، أن تضيعوا العمل بما فيه ، وتتعدوا حدوده ، وتستحلوا محارمه ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وهذا كتاب أنزلناه مبارك " ، وهو القرآن الذي أنزله الله على محمد عليه السلام ، " فاتبعوه " ، يقول : فاتبعوا حلاله ، وحرموا حرامه .
وقوله : " لعلكم ترحمون " ، يقول : لترحموا، فتنجوا من عذاب الله ، وأليم عقابه .
قوله تعالى: "وهذا كتاب" ابتداء وخبر. "أنزلناه مبارك" نعت، أي كثير الخيرات. ويجوز في غير القرآن مباركاً على الحال. "فاتبعوه" أي اعملوا بما فيه. "واتقوا" أي اتقوا تحريفه. "لعلكم ترحمون" أي لتكونوا راجين للرحمة فلا تعذبون.
قال ابن جرير: "ثم آتينا موسى الكتاب" تقديره ثم قل يا محمد مخبراً عنا أنا آتينا موسى الكتاب, بدلالة قوله "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" قلت: وفي هذا نظر, وثم ههنا إنما هي لعطف الخبر بعد الخبر لا للترتيب ههنا كما قال الشاعر:
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده
وههنا لما أخبر الله سبحانه عن القرآن بقوله "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه" عطف بمدح التوراة ورسولها, فقال: ثم آتينا موسى الكتاب, وكثيراً ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة, كقوله تعالى: "ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً" وقوله أول هذه السورة "قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً" الاية, وبعدها "وهذا كتاب أنزلناه مبارك" الاية.
وقال تعالى مخبراً عن المشركين "فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى" قال تعالى: " أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون " وقال تعالى مخبراً عن الجن أنهم قالوا "يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق" الاية, وقوله تعالى: " تماما على الذي أحسن وتفصيلا " أي آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تماماً كاملاً جامعاً, لما يحتاج إليه في شريعته كقوله "وكتبنا له في الألواح من كل شيء" الاية, وقوله تعالى: "على الذي أحسن" أي جزاء على إحسانه في العمل وقيامه بأوامرنا وطاعتنا كقوله "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" وكقوله "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً" وكقوله "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون".
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس "ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن" يقول أحسن فيما أعطاه الله. وقال قتادة من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الاخرة, واختار ابن جرير أن تقديره "ثم آتينا موسى الكتاب تماماً" على إحسانه فكأنه جعل الذي مصدرية كما قيل في قوله تعالى: "وخضتم كالذي خاضوا" أي كخوضهم وقال ابن رواحة:
وثبت الله ما آتاك من حسن في المرسلين ونصراً كالذي نصروا
وقال آخرون: الذي ههنا بمعنى الذين, قال ابن جرير: وذكر عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرؤها تماماً على الذين أحسنوا, وقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد تماماً على الذي أحسن, قال على المؤمنين والمحسنين, وكذا قال أبو عبيدة وقال البغوي المحسنون الأنبياء والمؤمنون, يعني أظهرنا فضله عليهم قلت: كقوله تعالى "قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي" ولا يلزم اصطفاؤه على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والخليل عليهما السلام لأدلة أخرى.
قال ابن جرير وروى أبو عمرو بن العلاء عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرؤها تماماً على الذي أحسن رفعاً بتأويل على الذي هو أحسن ثم قال وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها وإن كان لها في العربية وجه صحيح, وقيل: معناه تماماً على إحسان الله إليه زيادة على ما أحسن إليه حكاه ابن جرير والبغوي ولا منافاة بينه وبين القول الأول, وبه جمع ابن جرير كما بيناه, ولله الحمد. وقوله تعالى: "وتفصيلاً لكل شيء وهدى ورحمة" فيه مدح لكتابه الذي أنزله الله عليه " لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون * وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون " فيه الدعوة إلى اتباع القرآن يرغب سبحانه عباده في كتابه ويأمرهم بتدبره والعمل به والدعوة إليه ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في الدنيا والاخرة لأنه حبل الله المتين .
قوله: 155- "وهذا كتاب أنزلناه مبارك" الإشارة إلى القرآن، واسم الإشارة مبتدأ وخبره كتاب، وأنزلناه صفة لكتاب ومبارك صفة أخرى له، وتقديم صفة الإنزال لكون الإنكار متعلقاً بها، والمبارك كثير البركة لما هو مشتمل عليه من المنافع الدنيوية والدينية "فاتبعوه" فإنه لما كان من عند الله وكان مشتملاً على البركة، كان اتباعه متحتماً عليكم "واتقوا" مخالفته والتكذيب بما فيه "لعلكم" إن قبلتموه ولم تخالفوه "ترحمون" برحمة الله سبحانه.
155- " وهذا "، يعني: القرآن، " كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه "، واعملوا بما فيه، " واتقوا "، وأطيعوا، " لعلكم ترحمون ".
155" وهذا كتاب " يعني القرآن " أنزلناه مبارك " كثير النفع " فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون " بواسطة اتباعه وهو العمل بما فيه .
155. And this is a blessed Scripture which We have revealed So follow it and ward off (evil), that ye may find mercy
155 - And this is a book which we have revealed as a blessing: so follow it and be righteous, that ye may receive mercy: