وهم (الذين إذا أصابتهم مصيبة) بلاء (قالوا إنا لله) ملكا وعبيدا يفعل بنا ما يشاء (وإنا إليه راجعون) في الآخرة فيجازينا ، وفي الحديث "من استرجع عند المصيبة آجره الله فيها وأخلف الله عليه خيرا" وفيه أن مصباح النبي صلى الله عليه وسلم طفئ فاسترجع فقالت عائشة: إنما هذا مصباح فقال: "كل ما أساء المؤمن فهو مصيبة" رواه أبو داود في مراسيله
"الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون"
القول في تأويل قوله تعالى: "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: وبشر، يا محمد، الصابرين الذين يعلمون أن جميع ما بهم من نعمة فمني، فيقرون بعبوديتي، ويوحدونني بالربوبية، ويصدقون بالمعاد والرجوع إلي، فيستسلمون لقضائي، ويرجون ثوابي، ويخافون عقابي، ويقولون- عند امتحاني إياهم ببعض محني، وابتلائي إياهم بما وعدتهم أن أبتليهم به من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك من المصائب التي أنا ممتحنهم بها-: إنا مماليك ربنا ومعبودنا أحياء، ونحن عبيده وإنا إليه بعد مماتنا صائرون، تسليماً لقضائي ورضا بأحكامي.
قوله تعالى : "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" .
أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده, أي يختبرهم ويمتحنهم كما قال تعالى: "ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم" فتارة بالسراء وتارة بالضراء من خوف وجوع كما قال تعالى: "فأذاقها الله لباس الجوع والخوف" فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه, ولهذا قال لباس الجوع والخوف. وقال ههنا: "بشيء من الخوف والجوع" أي بقليل من ذلك "ونقص من الأموال" أي ذهاب بعضها "والأنفس" كموت الأصحاب والأقارب والأحباب "والثمرات" أي لا تغل الحدائق والمزارع كعادتها. قال بعض السلف: فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحدة, وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده فمن صبر أثابه ومن قنط أحل به عقابه, ولهذا قال تعالى: "وبشر الصابرين" وقد حكى بعض المفسرين أن المراد من الخوف ههنا خوف الله, وبالجوع صيام رمضان, وبنقص الأموال الزكاة, والأنفس الأمراض, والثمرات الأولاد, وفي هذا نظر , والله أعلم, ثم بين تعالى من الصابرون الذين شكرهم فقال: "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" أي تسلوا بقولهم هذا عما أصابهم وعلموا أنهم ملك لله يتصرف في عبيده بما يشاء, وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده وأنهم إليه راجعون في الدار الاخرة. ولهذا أخبر تعالى عما أعطاهم على ذلك, فقال: "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة" أي ثناء من الله عليهم. قال سعيد بن جبير : أي أمنة من العذاب "وأولئك هم المهتدون" قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: نعم العدلان ونعمت العلاوة "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة" فهذان العدلان "وأولئك هم المهتدون" فهذه العلاوة وهي ما توضع بين العدلين وهي زيادة في الحمل فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضاً.
وقد ورد في ثواب الاسترجاع وهو قول "إنا لله وإنا إليه راجعون" عند المصائب أحاديث كثيرة. فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا يونس بن محمد حدثنا ليث يعني ابن سعد عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو , عن المطلب عن أم سلمة قالت: أتاني أبو سلمة يوماً من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً سررت به. قال: "لا يصيب أحداً من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول: اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها, إلا فعل ذلك به", قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه, فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها, ثم رجعت إلى نفسي, فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة ؟ فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهاباً لي فغسلت يدي من القرظ وأذنت له, فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف فقعد عليها فخطبني إلى نفسي, فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله ما بي أن لا يكون بك الرغبة, لكني امرأة في غيرة شديدة فأخاف أن ترى مني شيئاً يعذبني الله به, وأنا امرأة قد دخلت في السن وأنا ذات عيال, فقال: "أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها الله عز وجل عنك وأما ما ذكرت من السن قد أصابني مثل الذي أصابك وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي". قالت: فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أم سلمة بعد: أبدلني الله بأبي سلمة خيراً منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي صحيح مسلم عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون" اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها" قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت: كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد وعباد بن عباد قالا: حدثنا هشام بن أبي هشام حدثنا عباد بن زياد عن أمه عن فاطمة ابنة الحسين عن أبيها الحسين بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها ـ وقال عباد قدم عهدها ـ فيحدث لذلك استرجاعاً إلا جدد الله له عن ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب". ورواه ابن ماجه في سننه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام بن زياد عن أمه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها. وقد رواه إسماعيل بن علية ويزيد بن هارون عن هشام بن زياد عن أبيه (كذا) عن فاطمة عن أبيها. وقال الإمام أحمد أنا يحيى بن إسحاق السيلحيني أنا حماد بن سلمة عن أبي سنان قال: دفنت ابناً لي فإني لفي القبر إذ أخذ بيدي أبو طلحة يعني الخولاني فأخرجني وقال لي: ألا أبشرك ؟ قلت: بلى. قال: حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عوزب عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال الله: يا ملك الموت قبضت ولد عبدي ؟ قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده ؟ قال: نعم. قال: فما قال ؟ قال: حمدك واسترجع. قال: ابنو له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد"
ثم رواه عن علي بن إسحاق عن عبد الله بن المبارك فذكره. وهكذا رواه الترمذي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك به, وقال حسن غريب واسم أبي سنان عيسى بن سنان.
والمصيبة واحدة المصائب: وهي النكبة التي يتأذى بها الإنسان وإن صغرت. وقوله: 156- "إنا لله وإنا إليه راجعون" فيه بيان أن هذه الكلمات ملجأ للمصابين وعصمة للممتحنين، فإنها جامعة بين الإقرار بالعبودية لله، والاعتراف بالبعث والنشور.
156. " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله " عبيداً وملكاً " وإنا إليه راجعون " في الآخرة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه اخبرنا محاضر بن المورع أخبرنا سعد بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح أخبرنا مولى أم سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من مصيبة تصيب عبداً فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها "، قالت أم سلمة لما توفي أبو سلمة عزم الله لي فقلت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها. فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال سعيد بن جبير : ما أعطي أحد في المصيبة ما أعطي هذه الأمة يعني الاسترجاع ولو أعطيها أحد لأعطيها يعقوب عليه السلام ألا تسمع لقوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام " يا أسفى على يوسف " (84-يوسف)
156-" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون " الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لمن تتأتى منه البشارة . والمصيبة تعم ما يصيب الإنسان من مكروه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة " . وليس الصبر بالاسترجاع باللسان ، بل به وبالقلب بأن يتصور ما خلق لأجله ، وأنه راجع إلى ربه ، ويتذكر نعم الله عليه ليرى أن ما بقي عليه أضعاف ما استرده منه فيهون على نفسه ، ويستسلم له ، والمبشر به محذوف دل عليه .
156. Who say, when a misfortune striketh them: Lo! we are Allah's and Lo! unto Him we are returning.
156 - Who say, when afflicted with calamity: to God we belong, and to him is our return