16 - (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها) منعميها بمعنى رؤسائها بالطاعة على لسان رسلنا (ففسقوا فيها) فخرجوا عن أمرنا (فحق عليها القول) بالعذاب (فدمرناها تدميرا) اهلكناها بإهلاك أهلها وتخريبها
اختلفت القراء في قراءة قوله " أمرنا مترفيها" فقرأت ذلك عامة قراء الحجاز والعراق " أمرنا" بقصر الألف وغير مدها وتخفيف الميم وفتحها. وإذا قرئ ذلك كذلك ، فإن الأغلب من تاويله : أمرنا مترفيها بالطاعة، ففسقوا فيها بمعصيتهم الله ، وخلافهم أمره ، كذلك تأوله كثير ممن قرأه كذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال ؟ ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال ، قال ابن عباس " أمرنا مترفيها" قال : بطاعة الله ، فعصوا. حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا شريك ، عن سلمة أو غيره ، عن سعيد بن جبير ، قال : أمرنا بالطاعة فعصوا. وقد يحتمل أيضا إذا قرىء كذلك أن يكون معناه : جعلناهم أمراء ففسقوا فيها، لأن العرب تقول : هو أمير غير مأمور. وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول : قد يتونجه معناه إذا قرىء كذلك إلى معنى أكثرنا مترفيها، ويحتج لتصحيحه ذلك بالخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : خير المال مهرة مامورة أو سكة مابورة ويقول : إن معنى قوله : مامورة : كثيرة النسل . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين ينكر ذلك من قيله ، ولايجيز أمرنا بمعنى أكثرنا إلا بمد الألف من أمرنا. ويقول في قوله مهرة مأمورة : إنما قيل ذلك على الإتباع لمجيء مابورة بعدها ، كما قيل : ارجعن مازورات غير ماجورات فهمز مأزورات لهمز مأجورات ، وهي من وزرت إتباعا لبعض الكلام بعضا . وقرأ ذلك أبو عثمان أمرنا بتشديد الميم ، بمعنى : الإمارة .
22152 -حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا هشيم عن عوف ، عن أبي عثمان النهدي أنه قرأ أمرنا مشددة من الإمارة. وقد تأول هذا الكلام على هذا التاويل ، جماعة من أهل ا لتأويل .
ذكر من قال ذلك :
22153 -حدثنا علي بن داود ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " أمرنا مترفيها" يقول : سلطنا أشرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب ، وهو قوله " وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها" :
حدثني الحارث ، قال : ثنا القاسم ، قال : سمعت الكسائي يحدث عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، أنه قرأها " أمرنا" وقال : سلطنا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي حفص ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : " أمرنا" مثقلة : جعلنا عليها مترفيها : مستكبريها.
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى " أمرنا مترفيها" قال : بعثنا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك "أمرنا" بمد الألف من أمرنا، بمعنى : أكثرنا فسقتها. وقد وجه تاويل هذا الحرف إلى هذا التاويل جماعة من أهل التاويل ، إلا أن الذين حدثونا لم يميزوا لنا اختلاف القراء ات في ذلك ، وكيف قرأ ذلك المتاولون ، إلا القليل منهم . ذكر من تاول ذلك كذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها"، يقول : أكثرنا عددهم .
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة قوله "أمرنا مترفيها" قال : أكثرناهم.
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن، في قوله " أمرنا مترفيها" قال : أكثرناهم .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " أمرنا مترفيها" يقول : أكثرنا مترفيها : أي كبراءها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول " يقول : أكثرنا مترفيها : أي جبابرتها، ففسقوا فيها وعملوا بمعصية الله " فدمرناها تدميرا" وكان يقال : وإذا أراد أن يهلكها أكثر مترفيها .
22163 -حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة "أمرنا مترفيها" قال : أكثرناهم .
22164 -حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على زينب وهو يقول : لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم ياجوج وماجوج مثل هذا وحلق بين إبهامه والتي تليها قالت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث .
22165 -حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها" قال : ذكر بعض أهل العلم أن أمرنا : أكثرنا . قال : والعرب تقول للشيء الكثير أمر لكثرته . فاما إذا وصف القوم بانهم كثروا، فإنه يقال : أمر بنو فلان ، وأمر القوم يامرون أمرا، وذلك إذا كثروا وعظم أمرهم ، كما قال لبيد :
إن يغبظوا يهبطوا وإن أمروا يوماً يصيروا للقل والنفد
والأمر المصدر، والاسم الإمر، كما قال الله جل ثناؤه " لقد جئت شيئا إمرا"
قال : عظيما، وحكي في مثل شرإمر: أي كثير.
وأولى القراء ات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ " أمرنا مترفيها" بقصر الألف من أمرنا وتخفيف الميم منها، لإجماع الحجة من القراء على تصويبها دون غيرها. وإذا كان ذلك هو الأولى بالصواب بالقراءة، فاولى التأويلات به تاويل من تاوله :
أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها، فحق عليهم القول ، لأن الأغلب من معنى أمرنا : الأمر، الذي هو خلاف النهي دون غيره ، وتوجيه معاني كلام الله جل ثناؤه إلى الأشهر الأعرف من معانيه ، أولى ما وجد إليه سبيل من غيره .
ومعنى قوله " ففسقوا فيها" : فخالفوا أمر الله فيها، وخرجوا عن طاعته " فحق عليها القول " يقول : فوجب عليهم بمعصيتهم الله وفسوقهم فيها، وعيد الله الذي أوعد من كفر به ، وخالف رسله ، من الهلاك بعد الإعذار والإنذار بالرسل والحجج " فدمرناها تدميرا" يقول : فخربناها عند ذلك تخريبا ، وأهلكنا من كان فيها من أهلها إهلاكا، كما قال الفرزدق :
وكان لهم كبكر ثمود لما رغا ظهرا فدمرهم دمارا
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : أخبر الله تعالى في الاية التي قبل أنه لم يهلك القرى قبل ابتعاث الرسل ، لا لأنه يقبح منه ذلك إن فعل ، ولكنه وعد منه ، ولا خلف في وعده . فإذا أراد إهلاك قرية مع تحقيق وعده على ما قاله تعالى أمر مترفيها بالفسق والظلم فيها فحق عليها القول بالتدمير . يعلمك أن من هلك هلك بإرادته ، فهو الذي يسبب الأسباب ويسوقها إلى غاياتها ليحق القول السابق من الله تعالى .
الثانية : قوله تعالى : " أمرنا " قرأ أبو عثمان النهدي و أبو رجاء و أبو العالية ، والربيع ومجاهد والحسن أمرنا بالتشديد ، وهي قراءة علي رضي الله عنه ، اي سلطنا شرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم . وقال أبو عثمان النهدي أمرنا بتشديد الميم ، جعلناهم أمراء مسلطين ، وقاله ابن عزيز . وتامر عليهم تسلط عليهم ز وقرأ الحسن ايضا وقتادة وأبو حيوة الشامي ويعقوب وخارجه عن نافع وحماد بن سلمة عن ابن كثير وعلي وابن عباس باختلاف عنهما آمرنا بالمد والتخفيف ، أي أكثرنا جبابرتها وأمراءها ، قاله الكسائي . وقال أبو عبيدة : آمرته بالمد وأمرته ، لغتان بمعنى كثرته ، ومنه الحديث :
خير المال مهره مأمورة أو سكة مأبورة أي كثيرة النتاج والنسل . وكذلك قال ابن عزيز : آمرنا وأمرنا بمعنى واحد ، أي أكثرنا . وعن الحسن أيضا ويحيى بن معمر امرنا بالقصر وكسر الميم على فعلنا ، ورويت عن ابن عباس . قال قتادة والحسن : المعنى أكثرنا ، وحكى نحوه أبو زيد و أبو عبيد ، و أنكره الكسائي و قال : لا يقال من الكثرة إلا آمرنا بالمد ، قال و أصلها أأمرنا فخفف ، حكاه المهدوي . و في الصحاح : و قال أبو الحسن أمر ماله بالكسر أي كثر . و أمر القوم أي كثروا ، قال الشاعر : أمرون لا يرثون سهم القعدد
و آمر الله مالله بالمد . الثعلبي : و يقال للشيء الكثير أمر ، و الفعل منه : أمر القوم يأمرون أمرا إذا كثروا . قال ابن مسعود : كنا نقول في الجاهلية للحي إذا كثروا : أمر أمر بني فلان ، قال لبيد :
كل بني حرة مصيرهم قل و إن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوما يصيروا للهلك و النكد
قلت : و في حديث هرقل الحديث الصحيح : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، إنه ليخافه ملك بني الأصفر أي كثر . و كله غير متعد و لذلك أنكره الكسائي ، و الله أعلم . قال المهدوي : و من قرأ أمر فهي لغة ، ووجه تعدية أمر أنه شبهه بعمر من حيث كانت الكثرة أقرب شيء إلى العمارة ، فعدة كما عدة عمر . الباقون أمرنا من الأمر ، أي أمرناهم بالطاعة إعذارا و إنذارا و تخويفا و وعيدا . ففسقوا أي فخرجوا عن الطاعة عاصين لنا . فحق عليها القول فوجب عليها الوعيد ، عن ابن عباس . و قيل : أمرنا جعلناهم أمراء ، لأن العرب تقول : أمير غير مأمور ، أي غير مؤمر . وقيل : معناه بعثنا مستكبيريها . قال هارون : وهي قراءة أبي بعثنا أكابر مجرميها ففسقوا ذكره الماوردي . وحمى النحاس : وقال هارون في قراءة أبي وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا فيها أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول . ويجوز أن يكون أمرنا بمعنى أكثرنا ، ومنه خير المال مهرة مأمورة على ما تقدم . وقال قوم : مأمورة اتباع لمأبورة ، كالغدايا والعشايا . وكقوله : إرجعن مأزورات غير مأدورات . وعلى هذا لا يقال : أمرهم الله بمعنى كثرهم ، بل يقال آمره وأمره واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة العامة . قال أبو عبيد وإنما اخترنا أمرنا لأن المعاني الثلاثة تجتمع فيها من الأمر والإمارة والكثرة . والمترف : المنعم ، وخصوا بالأمر لأن غيرهم تبع لهم
الثالثة قوله تعالى : " فدمرناها " أي استأصلناها بالهلاك . " تدميرا " ذكر المصدر للمبالغة في العذاب الواقع بهم . وفي الصحيح من حديث زينت بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :
" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول : لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها . قالت : فقلت يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثر الخبث " وقد تقدم الكلام في هذا الباب ، وأن المعاصي إذا ظهرت ولم تغير كانت سببا لهلاك الجميع ، والله أعلم .
اختلف القراء في قراءة قوله "أمرنا" فالمشهور قراءة التخفيف, واختلف المفسرون فيها معناها, فقيل: معناها أمرنا مترفيها ففسقوا فيها أمراً قدرياً, كقوله تعالى: "أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً" فإن الله لا يأمر بالفحشاء, قالوا: معناه أنه سخرهم إلى فعل الفواحش, فاستحقوا العذاب, وقيل: معناه أمرناهم بالطاعات ففعلوا الفواحش, فاستحقوا العقوبة, رواه ابن جريج عن ابن عباس , وقاله سعيد بن جبير أيضاً. وقال ابن جرير : يحتمل أن يكون معناه جعلناهم أمراء, قلت إنما يجيء هذا على قراءة من قرأ " أمرنا مترفيها ", قال علي بن طلحة عن ابن عباس قوله: "أمرنا مترفيها ففسقوا فيها" يقول: سلطنا أشرارها فعصوا فيها, فإذا فعلوا ذلك أهلكهم الله بالعذاب, وهو قوله: "وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها" الاية, وكذا قال أبو العالية ومجاهد والربيع بن أنس .
وقال العوفي عن ابن عباس "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها" يقول, أكثرنا عددهم, وكذا قال عكرمة والحسن والضحاك وقتادة . وعن مالك , عن الزهري "أمرنا مترفيها" أكثرنا, وقد استشهد بعضهم بالحديث الذي رواه الإمام أحمد , حيث قال: حدثنا روح بن عبادة , حدثنا أبو نعيم العدوي عن مسلم بن بديل , عن إياس بن زهير , عن سويد بن هبيرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "خير مال امرىء له مهرة مأمورة, أو سكة مأبورة" قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في كتابه الغريب: "المأمورة كثيرة النسل, والسكة الطريقة المصطفة من النخل, والمأبورة من التأبير" وقال بعضهم: إنما جاء هذا متناسباً كقوله "مأزورات غير مأجورات".
16- "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا" اختلف المفسرون في معنى أمرنا على قولين: الأول أن المراد به الأمر الذي هو نقيض النهي، وعلى هذا اختلفوا في المأمور به، فالأكثر على أنه الطاعة والخير. وقال في الكشاف: معناه أمرناهم بالفسق ففسقوا، وأطال الكلام في تقرير هذا وتبعه المقتدرون به في التفسير، وما ذكره هو من تابعه معارض بمثل قول القائل أمرته فعصاني، فإن كل من يعرف اللغة العربية يفهم من هذا أن المأمور به شيء غير المعصية، لأن المعصية منافية للأمر مناقضة له، فكذلك أمرته ففسق يدل على أن المأمور به شيء غير الفسق، لأن الفسق عبارة عن الإتيان بضد المأمور به، فكونه فسقاً ينافي كونه مأموراً به ويناقضه. القول الثاني أن معنى "أمرنا مترفيها" أكثرنا فساقها. قال الواحدي: تقول العرب أمر القوم إذا كثروا وأمرهم الله إذا أكثرهم. وقد قرأ أبو عثمان النهدي وأبو رجاء وأبو العالية والربيع ومجاهد والحسن أمرنا بتشديد الميم: أي جعلناهم أمراء مسلطين. وقرأ الحسن أيضاً وقتادة وأبو حيوة الشامي ويعقوب وخارجة عن نافع وحماد بن سلمة عن ابن كثير وعلي وابن عباس أمرنا بالمد والتخفيف: أي أكثرنا جبارتها وأمراءها قاله الكسائي. وقال أبو عبيدة: آمرته بالمد وأمرته لغتان بمعنى كثرته، ومنه الحديث خير المال مهرة مأمورة أي كثيرة النتاج والنسل، وكذا قال ابن عزيز. وقرأ الحسن أيضاً ويحيى بن يعمر أمرنا بالقصر وكسر الميم على معنى فعلنا، ورويت هذه القراءة عن ابن عباس. قال قتادة والحسن: المعنى أكثرنا. وحكى نحوه أبو زيد وأبو عبيد وأنكره الكسائي وقال: لا يقال من الكثرة إلا آمرنا بالمد. قال في الصحاح: وقال أبو الحسن أمر ماله بالكسر: أي كثر، وأمر القوم: أي كثروا، ومنه قول لبيد:
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوما يكن للهلاك والفند
وقرأ الجمهور "أمرنا" من الأمر، ومعناه ما قدمنا في القول الأول، ومعنى "مترفيها" المنعمون الذين قد أبطرتهم النعمة وسعة العيش، والمفسرون يقولون في تفسير المترفين: إنهم الجبارون المتسلطون والملوك الجائرون قال: وإنما خصوا بالذكر لأن من عداهم أتباع لهم ومعنى فسقوا فيها: خرجوا عن الطاعة وتمردوا في كفرهم لأن الفسوق الخروج إلى ما هو أفحش "فحق عليها القول" أي ثبت وتحقق عليهم العذاب بعد ظهور فسقهم "فدمرناها تدميراً" أي تدميراً عظيماً لا يوقف على كنهه لشدته وعظم موقعه، وقد قيل في تأويل أمرنا بأنه مجاز عن الأمر الحامل لهم على الفسق، وهو إدرار النعم عليهم، وقيل أيضاً إن المراد بأردنا أن نهلك قرية أنه قرب إهلاك قرية، وهو عدول عن الظاهر بدون ملجئ إليه.
16 - " وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها " ، قرأ مجاهد : " أمرنا " بالتشديد أي : سلطنا شرارها فعصوا ، وقرأ الحسن و قتادة و يعقوب " أمرنا " بالمد ، أي : أكثرنا .
وقرأ الباقون مقصوراً مخففاً ، أي : أمرناهم بالطاعة فعصوا ، ويحتمل أن يكون معناه جعلناهم أمراء ، ويحتمل أن تكون بمعنى أكثرنا ، يقال : أمرهم الله أي كثرهم الله . وفي الحديث : ( خير المال مهرة مأمورة ) أي كثيرة النسل . ويقال : منه أمر القوم يأمرون أمراً إذا كثروا ، وليس من الأمر بمعنى الفعل ، فإن الله لا يأمر بالفحشاء .
واختار أبو عبيدة قراءة العامة وقال : لأن المعاني الثلاثة تجتمع فيها يعني الأمر والإمارة والكثرة .
" مترفيها " منعميها وأغنياءها " ففسقوا فيها فحق عليها القول " ، وجب عليها العذاب ، " فدمرناها تدميراً " ، أي :خربناها وأهلكنا من فيها .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن بكر ، حدثنا الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان ، عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً وهو يقول : " لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها قالت زينب فقلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث " .
16."وإذا أردنا أن نهلك قريةً" وإذا تعلقت إرادتنا بإهلاك قوم لا نفاذ قضائنا السابق، أو دنا وقته المقدر كقولهم : إذا أراد المريض أن يموت ازداد مرضه شدة . "أمرنا مترفيها"متنعميها الطاعة على لسان رسول بعثناه إليهم ، ويدل على ذلك ما قبله وما بعده ، فإن الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد في العصيان ، فيدل على الطاعة من طريق المقابلة، وقيل أمرناهم بالفسق لقوله:" ففسقوا فيها"كقولك أمرته فقرأ،فإنه لا يفهم منه إلا الأمر بالقراءة على أن الأمر مجاز من الحمل عليه، أو التسبب له بأن صب عليهم من النعم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق،ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي كقولهم: أمرته فعصاني .وقيل معناه كثرنا يقال:أمرت الشيء وآمرته فأمر إذا كثرته، وفي الحديث"خير المال سكة مأبورة، ومهرة مأمورة"، أي كثيرة النتاج.وهو أيضاً مجاز من معنى الطلب ، ويؤيده قراءة ،يعقوب آمرنا ورواية" أمرنا "عن أبي عمرو، ويحتمل أن يكون منقولاً من أمر بالضم أمارة أي جعلناهم أمراء ، وتخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم ولأنهم أسرع إلى الحماقة وأقدر على الفجور ."فحق عليها القول"يعني كلمة العذاب السابقة بحلوله،أو بظهور معاصيهم أو بانهماكهم في المعاصي."فدمرناها تدميراً "أهكلناها بإهلاك أهلها وتخريب ديارهم.
16. And when We would destroy a township We send commandment to its folk who live at ease, and afterward they commit abomination therein, and so the Word (of doom) hath effect for it, and We annihilate it with complete annihilation.
16 - When we decide to destroy a population, we (first) send a definite order to those among them who are given the good things of this life and yet transgress; so that the word is proved true against them: then (it is) we destroy them utterly.