16 - (قال) نادما (رب إني ظلمت نفسي) بقتله (فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم) أي المتصف بهما أزلا وأبدا
يقول تعالى ذكره مخبراً عن ندم موسى على ما كان من قتله النفس التي قتلها، وتوبته إليه منه، ومسألته غفرانه من ذلك " رب إني ظلمت نفسي " بقتل النفس التي لم تأمرني بقتلها، فاعف عن ذنبي ذلك، واستره علي، ولا تؤاخذني به فتعاقبني عليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله " رب إني ظلمت نفسي " قال: بقتلي من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر، ولم يؤمر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: عرف المخرج، فقال " ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له ".
وقوله: " فغفر له " يقول تعالى ذكره: فعفا الله لموسى عن ذنبه ولم يعاقبه به " إنه هو الغفور الرحيم " يقول: إن الله هو الساتر على المنيبين إليه من ذنوبهم على ذنوبهم، المتفضل عليهم بالعفو عنها، الرحيم للناس أن يعاقبهم على ذنوبهم بعد ما تابوا منها.
قوله تعالى : " قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له " ندم موسى عليه السلام على ذلك الوكز الذي كان فيه ذهاب النفس ، فحمله ندمه على الخضوع لربه والاستغفار من ذنبه . قال قتادة : عرف والله المخرج فاستغفر ، ثم لم يزل صلى الله عليه وسلم بعدد ذلك على نفسه ، مع علمه بأإنه قد غفر له ، حتى أنه في القيامة يقول : إني قتلت نفساً لم أومر بقتلها . وإنما عدده على نفسه ذنباً . وقال : " ظلمت نفسي فاغفر لي " من أحل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر ، وأيضاً فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم . قال النقاش : لم يقتله عن عمد مريداً للقتلى ، وإنما وكزه وكزة يريد بها دفع ظلمه . قال وقد قيل : إن هذا كان قبل النبوة . وقال كعب : كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة ، وكان قتله مع ذلك خطأ ، فإن الوكزة واللكزة في الغالب لا تقتل . وروى مسلم عن سالم بن عبد الله أنه قال : يا اهل العراق ! ما أسألكم عن الصغيرة ، وأركبكم للكبيرة ! سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الفتنة تجيء من هاهنا _ وأومأ بيدته نحو المشرق _ من حيث يطلع قرنا الشيطان وأنتم بعضكم يضرب رقاب بعض وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال الله عز وجل : " وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا " [ طه : 40 ] " .
لما ذكر تعالى مبدأ أمر موسى عليه السلام, ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى, آتاه الله حكماً وعلماً. قال مجاهد : يعني النبوة "وكذلك نجزي المحسنين" ثم ذكر تعالى سبب وصوله إلى ما كان تعالى قدره له من النبوة والتكليم في قضية قتله ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من الديار المصرية إلى بلاد مدين, فقال تعالى: "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها" قال ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس : وذلك بين المغرب والعشاء. وقال ابن المنكدر عن عطاء بن يسار عن ابن عباس : كان ذلك نصف النهار, وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة "فوجد فيها رجلين يقتتلان" أي يتضاربان ويتنازعان "هذا من شيعته" أي إسرائيلي "وهذا من عدوه" أي قبطي, قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق , فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام, فوجد موسى فرصة وهي غفلة الناس, فعمد إلى القبطي "فوكزه موسى فقضى عليه" قال مجاهد : فوكزه أي طعنه بجمع كفه. وقال قتادة : وكزه بعصا كانت معه, فقضي عليه, أي كان فيها حتفه فمات "قال" موسى "هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي" أي بما جعلت لي من الجاه والعز والنعمة "فلن أكون ظهيراً" أي معيناً "للمجرمين" أي الكافرين بك, المخالفين لأمرك.
16- " قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر " الله "له" ذلك "إنه هو الغفور الرحيم" ووجه استغفاره أنه لم يكن لنبي أن يقتل حتى يؤمر، وقيل إنه طلب المغفرة من تركه للأولى كما هو سنة المرسلين، أو أراد إني ظلمت نفسي بقتل هذا الكافر، لأن فرعون لو يعرف ذلك لقتلني به، ومعنى فاغفر لي: فاستر ذلك علي لا تطلع عليه فرعون، وهذا خلاف الظاهر فإن موسى عليه السلام ما زال نادماً على ذلك خائفاً من العقوبة بسببه: حتى إنه يوم القيامة عند طلب الناس الشفاعة منه يقول: إني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، كما ثبت ذلك في حديث الشفاعة الصحيح. وقد قيل إن هذا كان قبل النبوة، وقيل كان ذلك قبل بلوغه سن التكليف وإنه كان إذ ذاك في إثنتي عشرة سنة، وكل هذه التأويلات البعيدة محافظة على ما تقرر من عصمة الأنبياء ولا شك أنهم معصومون من الكبائر، والقتل الواقع منه لم يكن عن عمد فليس بكبيرة، لأن الوكزة في الغالب لا تقتل. ثم لما أجاب الله سؤاله وغفر له ما طلب منه مغفرته.
16- "قال رب إني ظلمت نفسي"، بقتل القبطي من غير أمر، "فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم".
16 -" قال رب إني ظلمت نفسي " بقتله . " فاغفر لي " ذنبي . " فغفر له " لاستغفاره . " إنه هو الغفور " لذنوب عباده . " الرحيم " بهم .
16. He said: My Lord! Lo! I have wronged my soul, so forgive me. Then He forgave him. Lo! He is the Forgiving, the Merciful.
16 - He prayed: O my Lord! I have indeed wronged my soul! do thou then forgive me! So (God) forgave him: for He is the Oft Forgiving, Most Merciful.