16 - (أولئك) أي قائلو هذا القول أبوبكر وغيره (الذين نتقبل عنهم أحسن) بمعنى حسن (ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة) حال أي كائنين في جملتهم (وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) في قوله تعالى وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات
يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه الصفة صفتهم هم الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا في الدنيا من صالحات الاعمال ، فيجازيهم به و يثيبهم عليه " و نتجاوز عن سيئاتهم " يقول : و يصفح لهم عن سيئات أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، فلا يعاقبهم عليها " في أصحاب الجنة " يقول : نفعل ذلك بهم فعلنا مثل ذلك في أصحاب الجنة و أهلها الذين هم أهلها .
كما حدثني يعقوب بن ابراهيم ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان عن الحكم بن أبان ، عن الغطريف عن جابر بن زيد عن ابن العباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عن الروح الامين قال : " يؤتى بحسنات العبد و سيئاته فيقتص بعضها ببعض ، فإن بقيت حسنة وسع الله له في الجنة قال : فدخلت على يزداد ، فحدث بمثل هذا الحديث ، قال : قلت فإن ذهبت الحسنة ؟ قال : " أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا و نتجاوز عن سيئاتهم " ... الآية ".
حدثنا ابن حميد قال :ثنا جرير عن مجاهد ، قال : دعا أبو بكر عمر رضي الله عنهما ، فقال له : إني أوصيتك بوصية أن تحفظها : إن لله في الليل حقاً لا يقبله بالنهار حقاً لا يقبله بالليل إنه ليس لأحد نافلة حتى يؤدي الفريضة ، إنه إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا ، و ثقل ذلك عليهم، حق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يثقل ، و خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة ، لاتباعهم الباطل في الدنيا و خفته عليهم ، و حق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف ، ألم تر أن الله ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم ، فيقول قائل : أين يبلغ عملي من عمل هؤلاء و ذلك أن الله عزوجل نتجاوز عن أسوأ أعمالهم فلم يبده ، ألم تر أن الله ذكر أهل النار بأسوأ أعمالهم حتى يقول قائل : أنا خير عملاً من هؤلاء ، و ذلك بأن الله رد عليهم أحسن أعمالهم ، ألم تر أن الله بيده إلى التهلكة ، و لا يتمنى على الله أمنية يتمنى على الله فيها غير الحق .
واختلفت القراء في قراءة قوله " نتقبل عنهم أحسن ما عملوا و نتجاوز " فقرأ ذلك عامة قراء المدينة و البصرة و بعض قراء الكوفة يتقبل و يتجاوز بضم الياء بينهما ، وعلى ما لم يسم فاعله ، ورفع : أحسن وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة " نتقبل " " ونتجاوز" بالنون و فتحها ، و نصب " أحسن " على معنى إخبار الله جل ثناؤه عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم ، ورداً للكلام على قوله " ووصينا الإنسان " ونحن نتقبل منهم أحسن ما عملوا و نتجاوز ، وهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله " وعد الصدق الذي كانوا يوعدون " يقول : وعدهم الله هذا الوعد ، وعد الحق لا شك فيه أنه موف لهم به ، الذي كانوا إياه في الدنيا بعدهم الله تعالى ، ونصب قوله " وعد الصدق " لأن مصدر خارج من قوله يتقبل عنهم أحسن ما عملوا و يتجاوز عن سيئاتهم ، و إنما أخرج من هذا الكلام مصدر وعد وعداً ، لأن قوله يتقبل عنهم و يتجاوز وعد من الله لهم ، فقال : وعد الصدق ، على ذلك المعنى .
قوله تعالى : " أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم " قراءة العامة بضم الياء فيهما ، وقرئ ( يتقبل ، ويتجاوز ) بفتح الياء ، والضمير فيهما يرجع لله عز وجل ، وقرأ حفص و حمزة و الكسائي ( نتقبل ، ونتجاوز ) بالنون فيهما ، أي نغفرها ونصفح عنها ، والتجاوز اصله من جزت الشيء إذا لم تقف عليه ، وهذه الآية تدل على أن الآية التي قبلها " ووصينا الإنسان " إلى آخرها مرسلة نزلت على العموم ، وهو قول الحسن ومعنى ( نتقبل عنهم ) أي نتقبل منهم الحسنات ونتجاوز عن السيئات قال زيد بن أسلم ، ويحكيه مرفوعاً ، أنهم إذا أسلموا قبلت حسناتهم وغفرت سيئاتهم ، وقيل : الأحسن ما يقتضي الثواب من الطاعات وليس في الحسن المباح ثواب ولا عقاب ، حكاه ابن عيسى " في أصحاب الجنة " ( في ) بمعنى مع ، أي من أصحاب الجنة ، تقول : أكرمك وأحسن إليك في جميع أهل البلد ، أي مع جميعهم " وعد الصدق " نصب لأنه مصدر مؤكد لما قبله ، أي وعد الله أهل الإيمان أن يتقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وعد الصدق ، وهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه ، لأن الصدق هو ذلك الوعد الذي وعده الله ، هو كقوله تعالى : " حق اليقين " [ الواقعة : 95 ] ، وهذا عند الكوفيين ، فأما عند البصريين فتقديره : وعد الكلام الصدق أو الكتاب الصدق ، فحذف الموصوف ، وقد مضى هذا في غير موضع ، " الذي كانوا يوعدون " في الدنيا على ألسنة الرسل ، وذلك الجنة .
لما ذكر تعالى في الاية الأولى التوحيد له وإخلاص العبادة والاستقامة إليه, عطف بالوصية بالوالدين كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن كقوله عز وجل: " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " وقوله جل جلاله: "أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير" إلى غير ذلك من الايات الكثيرة. وقال عز وجل ههنا "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً" أي أمرناه بالإحسان إليهما والحنو عليهما وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة, أخبرني سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد رضي الله عنه قال: قالت أم سعد لسعد: أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين فلا آكل طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بالله تعالى, فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا ونزلت هذه الاية "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً" الاية. ورواه مسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه من حديث شعبة بإسناده نحوه وأطول منه "حملته أمه كرهاً" أي قاست بسببه في حمله مشقة وتعباً من وحام وغثيان وثقل وكرب, إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة, "ووضعته كرهاً" أي بمشقة أيضاً من الطلق وشدته "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً".
وقد استدل علي رضي الله عنه بهذه الاية مع التي في لقمان "وفصاله في عامين" وقوله تبارك وتعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو استنباط قوي وصحيح, ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. قال محمد بن إسحاق بن يسار عن يزيد بن عبيد الله بن قسيط عن معمر بن عبد الله الجهني قال: تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له لتمام ستة أشهر, فانطلق زوجها إلى عثمان رضي الله عنه, فذكر ذلك له, فبعث إليها, فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت: وما يبكيك ؟ فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط, فيقضي الله سبحانه وتعالى في ما شاء, فلما أتى بها عثمان رضي الله عنه أمر برجمها فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه: فأتاه فقال له ما تصنع, قال: ولدت تماماً لستة أشهر, وهل يكون ذلك, فقال له علي رضي الله عنه: أما تقرأ القرآن: قال: بلى. قال: أما سمعت الله عز وجل يقول "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" وقال "حولين كاملين" فلم نجده بقي إلا ستة أشهر قال: فقال عثمان رضي الله عنه والله ما فطنت بهذا, علي بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها قال: فقال معمر: فوالله ما الغراب بالغراب ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه, فلما رآه أبوه قال: ابني والله لا أشك فيه. قال: وابتلاه الله تعالى بهذه القرحة بوجهه الاكلة, فما زالت تأكله حتى مات, رواه ابن أبي حاتم, وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله عز وجل: "فأنا أول العابدين".
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي, حدثنا فروة بن أبي المغراء, حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرين شهراً, وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهراً, وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين لأن الله تعالى يقول "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده" أي قوي وشب وارتجل. "وبلغ أربعين سنة" أي تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه. ويقال إنه لا يتغير غالباً عما يكون عليه ابن الأربعين, قال أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قلت لمسروق: متى يؤخذ الرجل بذنوبه ؟ قال إذا بلغت الأربعين فخذ حذرك.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو عبد الله القواريري, حدثنا عروة بن قيس الأزدي, وكان قد بلغ مائة سنة, حدثنا أبو الحسن السلولي عمر بن أوس قال: قال محمد بن عمرو بن عثمان عن عثمان رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله تعالى حسابه, وإذا بلغ الستين سنة رزقه الله تعالى الإنابة إليه, وإذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله تعالى حسناته ومحا سيئاته, وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وشفعه الله تعالى في أهل بيته, وكتب في السماء أسير الله في أرضه" وقد روي هذا من غير وجه, وهو في مسند الإمام أحمد, وقد قال الحجاج بن عبد الله الحكمي أحد أمراء بني أمية بدمشق, تركت المعاصي والذنوب أربعين سنة حياء من الناس, ثم تركتها حياءً من الله عز وجل, وما أحسن قول الشاعر:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه فلما علاه قال للباطل: ابعد!
"قال رب أوزعني" أي ألهمني " أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه " أي في المستقبل "وأصلح لي في ذريتي" أي نسلي وعقبي "إني تبت إليك وإني من المسلمين" وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ويعزم عليها, وقد روى أبو داود في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد "اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا, واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن, وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم, واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتممها علينا" قال الله عز وجل: "أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة" أي هؤلاء المتصفون بما ذكرنا, التائبون إلى الله تعالى المنيبون إليه, المستدركون ما فات بالتوبة والاستغفار, هم الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم فيغفر لهم الكثير من الزلل ونتقبل منهم اليسير من العمل.
"في أصحاب الجنة" أي هم في جملة أصحاب الجنة, وهذا حكمهم عند الله كما وعد الله عز وجل من تاب إليه وأناب, ولهذا قال تعالى: "وعد الصدق الذي كانوا يوعدون" قال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا المعتمر بن سليمان عن الحكم بن أبان عن الغطريف, عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن الروح الأمين عليه الصلاة والسلام قال: "يؤتى بحسنات العبد وسيئاته فيقتص بعضها ببعض, فإن بقيت حسنة وسع الله تعالى له في الجنة" قال: فدخلت على يزداد فحدث بمثل هذا قال: قلت فإن ذهبت الحسنة ؟ قال "أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون" وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن المعتمر بن سليمان بإسناده مثله وزاد عن الروح الأمين. قال: قال الرب جل جلاله: يؤتى بحسنات العبد وسيئاته فذكره, وهو حديث غريب وإسناده جيد ولا بأس به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا سليمان بن معبد, حدثنا عمرو بن عاصم الكلائي, حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن ابي وحشية عن يوسف بن سعد, عن محمد بن حاطب قال: ونزل في داري حيث ظهر علي رضي الله عنه على أهل البصرة فقال له يوماً: لقد شهدت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه, وعنده عمار وصعصعة والأشتر ومحمد بن أبي بكر رضي الله عنهم, فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه, فكان علي رضي الله عنه على السرير ومعه عود في يده, فقال قائل منهم: إن عندكم من يفصل بينكم, فسألوه فقال علي رضي الله عنه: كان عثمان رضي الله عنه من الذين قال الله تعالى: "أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون" قال: والله عثمان وأصحاب عثمان رضي الله عنهم, قالها ثلاثاً. قال يوسف فقلت لمحمد بن حاطب: آلله لسمعت هذا عن علي رضي الله عنه ؟ قال: آلله لسمعت هذا عن علي رضي الله عنه.
والإشارة بقوله: 15- "أولئك" إلى الإنسان المذكور، والجمع لأنه يراد به الجنس وهو مبتدأ، وخبره "الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا" من أعمال الخير في الدنيا والمراد بالأحسن الحسن كقوله: "واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم" وقيل إن اسم التفضيل على معناه، ويراد به ما يثاب العبد عليه من الأعمال، لا ما لا يثاب عليه كالمباح فإنه حسن وليس بأحسن "ونتجاوز عن سيئاتهم" فلا نعاقبهم عليها. قرأ الجمهور "يتقبل" و" نتجاوز " على بناء الفعلين للمفعول. وقرأ حمزة والكسائي بالنون فيهما على إسنادهما إلى الله سبحانه، والتجاوز الغفران، وأصله من جزت الشيء: إذا لم تقف عليه، ومعنى "في أصحاب الجنة" أنهم كائنون في عدادهم منتظمون في سلكهم، فالجار والمجرور في محل النصب على الحال كقولك: أكرمني الأمير في أصحابه: أي كائناً في جملتهم، وقيل إن في بمعنى مع: أي مع أصحاب الجنة، وقيل إنهما خبر مبتدأ محذوف: أي هم في أصحاب الجنة "وعد الصدق الذي كانوا يوعدون" ووعد الصدق مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة، لأن قوله: "أولئك الذين نتقبل عنهم" الخ في معنى الوعد بالتقبل والتجاوز، ويجوز أن يكون مصدر الفعل محذوف. أي وعدهم الله وعد الصدق الذي كانوا يوعدون به على ألسن الرسل في الدنيا.
وقد أخرج أبو يعلى وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم، فكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلاً منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يحط الله يحط الله تعالى عن كل يهودي تحت أديهم السماء الغضب الذي عليه"، فسكتوا فما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم فلم يجبه أحد ثلاثاً، فقال: أبيتم فوالله لأنا الحاشر، وأنا العاقب، وأنا المقفي آمنتم أو كذبتم، ثم انصرف وأنا معه حتى كدنا أن نخرج، فإذا رجل من خلقه فقال: كما أنت يا محمد فأقبل، فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود، فقالوا، والله ما نعلم فينا رجلاً أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدك، قال: فإني أشهد بالله أنه النبي الذي تجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل، قالوا كذبت، ثم ردوا عليه وقالوا شراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم لن يقبل منكم قولكم، فخرجنا ونحن ثلاثة، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وابن سلام، فأنزل الله "قل أرأيتم إن كان من عند الله" إلى قوله: "لا يهدي القوم الظالمين" وصححه السيوطي. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، وفيه نزلت "وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله". وأخرج الترمذي وابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن سلام قال: نزل في آيات من كتاب الله نزلت في "وشهد شاهد من بني إسرائيل" ونزل في "قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "وشهد شاهد من بني إسرائيل" قال. عبد الله بن سلام، وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين. وفيه دليل على أن هذه الآية مدنية فيخصص بها عموم قولهم إن سورة الأحقاف كلها مكية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: قال ناس من المشركين نحن أعز ونحن ونحن، فلو كان خيراً ما سبقنا إليه فلان وفلان، فنزل "وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه". وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال: كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله: يقال لها زنيرة، وكان عمر يضربها على الإسلام، وكان كفار قريش يقولون: لو كان خيراً ما سبقتنا إليه زنيرة، فأنزل الله في شأنها "وقال الذين كفروا" الآية. وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بنو غفار وأسلم كانوا لكثير من الناس فتنة، يقولون لو كان خيراً ما جعلهم الله أول الناس فيه". وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل قوله: "ووصينا الإنسان بوالديه" الآية إلى قوله: "وعد الصدق الذي كانوا يوعدون" في أبي بكر الصديق. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال: إني لصاحب المرأة التي أتى بها عمر وضعت لستة أشهر فأنكر الناس ذلك. فقلت لعمر: لم تظلم؟ قال كيف؟ قلت اقرأ "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين" كم الحول؟ قال سنة، قلت: كم السنة؟ قال إثنا عشر شهراً، قلت فأربعة وعشرون شهراً حولان كاملان، ويؤخر الله من الحمل ما شاء ويقدم ما شاء، فاستراح عمر إلى قولي. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أنه كان يقول: إذا ولدت المرأة لتسعة أشهر كفاها من الرضاع أحد وعشرون شهراً، وإذا ولدت لسبعة أشهر كفاها من الرضاع ثلاثة وعشرون شهراً، وإذا وضعت لستة أشهر فحولان كاملان، لأن الله يقول: "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً". وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً قال: أنزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق "حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني" الآية، فاستجاب الله له فأسلم والده جميعاً وإخوته وولده كلهم، ونزلت فيه أيضاً "فأما من أعطى واتقى" إلى آخر السورة.
16. " أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا "، يعني أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا، وكلها حسن، و ((الأحسن)) بمعنى الحسن، فيثيبهم عليها، " ونتجاوز عن سيئاتهم "، فلا نعاقبهم عليها، قرأ حمزة و الكسائي وحفص ((نتقبل)) ((ونتجاوز)) بالنون، ((أحسن)) نصب، وقرأ الآخرون بالياء، وضمها، ((أحسن)) رفع. " في أصحاب الجنة "، مع أصحاب الجنة، " وعد الصدق الذي كانوا يوعدون "، وهو قوله عز وجل: " وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار " (التوبة-72).
16-" أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا " يعني طاعاتهم فإن المباح حسن ولا يثاب عليه . " ونتجاوز عن سيئاتهم " لتوبتهم ، وقرأ حمزة و الكسائي و حفص بالنون فيهما . " في أصحاب الجنة " كائنين في عدادهم أو مثابين أو معدودين فيهم . " وعد الصدق" مصدر مؤكد لنفسه فإن يتقبل ويتجاوز عد " الذي كانوا يوعدون " أي في الدنيا .
16. Those are they from whom We accept the best of what they do, and overlook their evil deeds. (They are) among the owners of the Garden. This is the true promise which they were promised (in the world).
16 - Such are they from whom We shall accept the best of their deeds: and pass by their deeds (they shall be) among the companions of the Garden: a promise of truth, which was made to them (in this life).