16 - (فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا) شديدا
" فعصى فرعون الرسول " الذي أرسلناه إليه " فأخذناه أخذا وبيلا " يقول : فأخذناه أخذاً شديداً ، فأهلكناه ومن معه جميعاً ، وهو من قولهم : كلأ مستوبل ، إذا كان لا يستمرأ ، وكذلك الطعام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " أخذا وبيلا " قال : شديداً .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " فأخذناه أخذا وبيلا " أي شديداً .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله " فأخذناه أخذا وبيلا " قال : شديداً .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " أخذا وبيلا " قال : شديداً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فأخذناه أخذا وبيلا " قال : الوبيل : الشر ، والعرب تقول لمن تتابع عليه الشر : لقد أوبل عليه ، وقتول : أوبلت على شرك ، قال : ولم يرض الله بأن غرق وعذب حتى أقر في عذاب مستقر حتى يبعث إلى النار يوم القيامة ، يريد فرعون .
قوله تعالى :" فعصى فرعون الرسول" أي كذب به ولم يؤمن. قال مقاتل : ذكر موسى وفرعون، لأن اهل مكة ازدروا محمداً صلى الله عليه وسلم واستخفوا به، لأنه ولد فيهم، كما ان فرعون ازدرى موسى، لأنه رباه ونشأ فيما بينهم، كما قال تعالى : " ألم نربك فينا وليدا" [ الشعراء: 18] قال المهدوي : ودخلت الألف واللام في الرسول لتقدم ذكره ولذلك اختير في اول الكتب سلام عليكم وفي آخرها السلام عليكم " وبيلا" أي ثقيلاً شديداً. وضرب وبيل وعذاب وبيل: أي شديد، قاله ابن عباس ومجاهد ومنه مطر وابل أي شديد.قاله الأخفش. وقال الزجاج: أي ثقيلاً غليظاً. ومنه قيل للمطر وابل. وقيل مهلكاً والمعنى عاقبناه عقوبة غليظة قال :
اكلت بنيك اكل الضب حتى وجدت مرارة الكلا الوبيل
واستوبل فلان كذا : أي لم يحمد عاقبته. وماء وبيل: أي وخيم غير مريء، وكلأ مستوبل وطعام وبيل ومستوبل: إذا لم يمرئ ولم يستمرأ، قال زهير:
فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا الى كلأ مستوبل متوخم
وقالت الخنساء:
لقد اكلت بجيلة يوم لاقت فوارس مالك اكلا وبيلا
والوبيل ايضاً: العصا الضخمة، قال :
لو اصبح في يمنى يدي زمامها وفي كفي الأخرى وبيل تحاذره
وكذلك الموبل بكسر الباء، والموبلة ايضاً: الحزمة من الحطب، وكذلك الوبيل، قال طرفة.
عقيلة شيخ كالوبيل يلندد
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله من كذبه من سفهاء قومه, وأن يهجرهم هجراً جميلاً وهو الذي لا عتاب معه ثم قال له متهدداً لكفار قومه ومتوعداً, وهو العظيم الذي لا يقوم لغضبه شيء "وذرني والمكذبين أولي النعمة" أي دعني والمكذبين المترفين أصحاب الأموال فإنهم على الطاعة أقدر من غيرهم وهم يطالبون من الحقوق بما ليس عند غيرهم "ومهلهم قليلاً" أي رويداً كما قال تعالى: "نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ", ولهذا قال ههنا: "إن لدينا أنكالاً" وهي القيود, قاله ابن عباس وعكرمة وطاوس ومحمد بن كعب وعبد الله بن بريدة وأبو عمران الجوني وأبو مجلز والضحاك وحماد بن أبي سليمان وقتادة والسدي وابن المبارك والثوري وغير واحد "وجحيماً" وهي السعير المضطرمة "وطعاماً ذا غصة" قال ابن عباس : ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج "وعذاباً أليماً * يوم ترجف الأرض والجبال" أي تزلزل "وكانت الجبال كثيباً مهيلاً" أي تصير ككثبان الرمل بعد ما كانت حجارة صماء ثم إنها تنسف نسفاً فلا يبقى منها شيء إلا ذهب حتى تصير الأرض قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً أي وادياً ولا أمناً أي رابية, ومعناه لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع, ثم قال تعالى مخاطباً لكفار قريش والمراد سائر الناس: "إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم" أي بأعمالكم "كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً * فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي والثوري "أخذاً وبيلاً" أي شديداً أي فاحذروا أنتم أن تكذبوا هذا الرسول فيصيبكم ما أصاب فرعون حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر كما قال تعالى: " فأخذه الله نكال الآخرة والأولى " وأنتم أولى بالهلاك والدمار إن كذبتم رسولكم, لأن رسولكم أشرف وأعظم من موسى بن عمران, ويروى عن ابن عباس ومجاهد .
وقوله تعالى: "فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً" يحتمل أن يكون يوماً معمولاً لتتقون كما حكاه ابن جرير عن قراءة ابن مسعود فكيف تخافون أيها الناس يوماً يجعل الولدان شيباً إن كفرتم بالله ولم تصدقوا به ؟ ويحتمل أن يكون معمولاً لكفرتم فعلى الأول كيف يحصل لكم أمان من يوم هذا الفزع العظيم إن كفرتم, وعلى الثاني كيف يحصل لكم تقوى إن كفرتم يوم القيامة وجحدتموه, وكلاهما معنى حسن, ولكن الأول أولى والله أعلم. ومعنى قوله "يوماً يجعل الولدان شيباً" أي من شدة أهواله وزلازله وبلابله, وذلك حين يقول الله تعالى لادم ابعث بعث النار فيقول من كم. فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. قال الطبراني : حدثنا يحيى بن أيوب العلاف حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا نافع بن يزيد , حدثنا عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ "يوماً يجعل الولدان شيباً" قال: "ذلك يوم القيامة وذلك يوم يقول الله لادم قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار, قال من كم يا رب ؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وينجو واحد فاشتد ذلك على المسلمين وعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال حين أبصر ذلك في وجوههم إن بني آدم كثير, وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم, وإنه لا يموت منهم رجل حتى ينتشر لصلبه ألف رجل ففيهم وفي أشباههم جنة لكم" هذا حديث غريب وقد تقدم في أول سورة الحج ذكر هذه الأحاديث. وقوله تعالى: "السماء منفطر به" قال الحسن وقتادة أي بسببه من شدته وهوله, ومنهم من يعيد الضمير على الله تعالى: وروي عن ابن عباس ومجاهد وليس بقوي لأنه لم يجر له ذكر ههنا, وقوله تعالى: "كان وعده مفعولاً" أي كان وعد هذا اليوم مفعولاً أي واقعاً لا محالة وكائناً لا محيد عنه.
16- "فعصى فرعون الرسول" الذي أرسلناه إليه وكذبه ولم يؤمن بما جاء به، ومحل الكاف النصب على أنها نعت لمصدر محذوف، والمعنى: إنا أرسنال إليكم رسولاً فعصيتموه كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصاه "فأخذناه أخذاً وبيلا" أي شديداً ثقيلاً غليظاً، والمعنى: عاقبنا فرعون عقوبة شديدة غليظة بالغرق، وفيه تخويف لأهل مكة أنه سينزل بهم من العقوبة مثل ما نزل به وإن اختلف نوع العقوبة. قال الزجاج: أي ثقيلاً غليظاً، ومنه قيل للمطر وابل. وقال الأخفش: شديداً، والمعنى متقارب، ومنه طعام وبيل: إذا لا يستمرأ، ومنه قول الخنساء:
لقد أكلت بجيلة يوم لاقت فوارس مالك أكلاً وبيلا
16- "فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً"، شديداً ثقيلاً، يعني عاقبناه عقوبة غليظة يخوف كفار مكة.
16-" فعصى فرعون الرسول " عرفه لسبق ذكره . " فأخذناه أخذاً وبيلاً " ثقيلاً من قولهم طعام وبيل لا يستمر لثقله ، ومنه الوابل للمطر العظيم .
16. But Pharaoh rebelled against the messenger, whereupon We sealed him with no gentle grip.
16 - But Pharaoh disobeyed the apostle; so We seized him with a heavy Punishment.