ونزلت لما فقدت قطيفة حمراء يوم أحد فقال بعض الناس: لعل النبي أخذها (وما كان) ما ينبغي (لنبي أن يَغُل) يخون في الغنيمة فلا تظنوا به ذلك ، وفي قراءة بالبناء للمفعول أن ينسب إلى الغلول (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) حاملاً له على عنقه (ثم توفى كل نفس) الغال وغيره جزاء (ما كسبت) عملت (وهم لا يظلمون) شيئا
قوله تعالى وما كان لنبي أن يغل الآية أخرج ابو داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فأنزل الله وما كان لنبي أن يغل إلى آخر الآية
وأخرج الطبراني في الكبير بسند رجال ثقات عن ابن عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشا فردت رايته ثم بعث فردت ثم بعث فردت بغلول رأس غزال من ذهب فنزلت وما كان لنبي أن يغل
اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته جماعة من قرأة الحجاز والعراق : "وما كان لنبي أن يغل"، بمعنى : أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم من أموال أعدائهم . واحتج بعض قارئي هذه القراءة : أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قطيفة فقدت من مغانم القوم يوم بدر، فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها! . ورووا في ذلك روايات ، فمنها ما:
حدثنا به محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال ، حدثنا عبدالواحد بن زياد قال ، حدثنا خصيف قال ، حدثنا مقسم قال ، حدثني ابن عباس : أن هذه الآية: "وما كان لنبي أن يغل"، نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، قال : فقال بعض الناس : أخذها! قال : فأكثروا في ذلك ، فأنزل الله عز وجل : "وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة".
حدثنا ابن أبي الشوارب قال ، حدثنا عبد الواحد قال ، حدثنا خصيف قال ، سألت سعيد بن جبير: كيف تقرأ هذه الآية : "وما كان لنبي أن يغل" أو: يغل ؟ قال : لا، بل "يغل"، فقد كان النبي والله يغل ويقتل.
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال ، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس : "وما كان لنبي أن يغل"، قال : كان ذلك في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر، فقال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فلعل النبي أخذها! فأنزل الله عز وجل : "وما كان لنبي أن يغل"، قال سعيد: بلى والله ، إن النبي ليغل ويقتل.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا خلاد، عن زهير، عن خصيف ، عن عكرمة، عن ابن عباس قال : كانت قطيفة فقدت يوم بدر، فقالوا : أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانزل الله عز وجل : "وما كان لنبي أن يغل".
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا مالك بن إسماعيل قال ، حدثنا زهير قال ، حدثنا خصيف ، عن سعيد بن جبير وعكرمة في قوله : "وما كان لنبي أن يغل"، قالا: يغل ، قال قال عكرمة أو غيره ، عن ابن عباس ، قال : كانت قطيفة فقدت يوم بدر، فقالوا: أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال : فأنزل الله هذه الآية : "وما كان لنبي أن يغل".
حدثنا مجاهد بن موسى قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا قزعة بن سويد الباهلي ، عن حميد الأعرج ، عن سعيد بن جبير قال : نزلت هذه الآية : "وما كان لنبي أن يغل"، في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنيمة.
حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال ، حدثنا معتمر، عن أبيه ، عن سليمان الأعمش قال : كان ابن مسعود يقرأ : "وما كان لنبي أن يغل"، فقال ابن عباس : بلى ، ويقتل ، قال : فذكر ابن عباس أنه إنما كانت في قطيفة قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلها، يوم بدر. فأنزل الله : "وما كان لنبي أن يغل".
وقال آخرون ممن قرأ ذلك كذلك ، بفتح الياء وضم الغين : إنما نزلت هذه الآية في طلائع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجههم في وجه ، ثم غنم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقسم للطلائع ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وسلم، يعلمه فيها أن فعله الذي فعله خطأ، وأن الواجب عليه في الحكم أن يقسم للطلائع مثل ما قسم لغيرهم ، ويعرفه الواجب عليه من الحكم فيما أفاء الله عليه من الغنائم ، وأنه ليس له أن يخص بشيء فنها أحداً ممن شهد الوقعة- أو ممن كان ردءاً لهم في غزوهم - دون أحد.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"، يقول : ما كان للنبي أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسم ، ولكن يقسم بالعدل ، ويأخذ فيه بأمر الله ، ويحكم فيه بما أنزل الله. يقول : ما كان الله ليجعل نبيا يغل من أصحابه ،فإذا فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم استنوا به.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم ، عن جويبر، عن الضحاك : أنه كان يقرأ: "ما كان لنبي أن يغل"، قال : أن يعطي بعضاً ويترك بعضاً، إذا أصاب مغنما.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع ، فغنم النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقسم للطلائع ، فأنزل الله عز وجل : "وما كان لنبي أن يغل".
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك : "ما كان لنبي أن يغل"، يقول : ما كان لنبي أن يقسم لطائفة من أصحابه ويترك طائفة، ولكن يعدل ويأخذ في ذلك بأمر الله عز وجل ، ويحكم فيه بما أنزل الله.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال ، أخبرنا يزيد قال ، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله : "وما كان لنبي أن يغل"، قال : ما كان له إذا أصاب مغنماً أن يقسم لبعض أصحابه ويدع يعضاً، ولكن يقسم بينهم بالسوية.
وقال آخرون ممن قرأ ذلك بفتح الياء وضم الغين : إنما أنزل ذلك تعريفاً للناس أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتم من وحي الله شيئاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق : "وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"، أي : ما كان لنبي أن يكتم الناس ما بعثه الله به إليهم عن رهبة من الناس ولا رغبة، ومن يعمل ذلك يأت به يوم القيامة.
قال أبو جعفر: فتأويل من قرأ ذلك كذلك : ما ينبغي لنبي أن يكون غالاً- بمعنى أنه ليس من أفعال الأنبياء خيانة أممهم.
يقال منه : غل الرجل فهو يغل ، إذا خان ، غلولاً. ويقال أيضاً منه : أغل الرجل فهو يغل إغلالاً، كما قال شريح : ليس على المستعير غير المغل ضمان ، يعني : غير الخائن. ويقال منه : أغل الجازر، إذا سرق من اللحم شيئاً مع الجلد.
وبما قلنا في ذلك جاء تأويل أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي : "ما كان لنبي أن يغل"، يقول : ما كان ينبغي له أن يخون ، فكما لا ينبغي له أن يخون فلا تخونوا.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ما كان لنبي أن يغل"، قال : أن يخون.
وقرأ ذلك آخرون : وما كان لنبي أن يغل، بضم الياء وفتح الغين ، وهي قراءة عظم قرأة أهل المدينة والكوفة.
واختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله.
فقال بعضهم : معناه : ما كان لنبي أن يغله أصحابه ، ثم أسقط الأصحاب ، فبقي الفعل غير مسمى فاعله. وتأويله : وما كان لنبي أن يخان.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عوف ، عن الحسن أنه كان يقرأ: وما كان لنبي أن يغل ، قال عوف ، قال الحسن : أن يخان.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وما كان لنبي أن يغل "، يقول: وما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه من المؤمنين - ذكر لنا هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وقد غل طوائف من أصحابه.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله : وما كان لنبي أن يغل، قال : أن يغله أصحابه.
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: وما كان لنبي أن يغل، قال الربيع بن أنس يقول : ما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه - قال : ذكر لنا، والله أعلم : أن هذه الآية نزلت على نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وقد غل طوائف من أصحابه.
وقال آخرون منهم : معنى ذلك : وما كان لنبي أن يتهم بالغلول فيخون ويسرق . وكان متأولي ذلك كذلك ، وجهوا قوله : وما كان لنبي أن يغل ، إلى أنه مراد به : يغلل ، ثم خففت العين من (يفعل ، فصارت يفعل كما قرأ من قرأ قوله : "فإنهم لا يكذبونك" [الأنعام: 33]، بتأول : يكذبونك.
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي ، قراءة من قرأ: "وما كان لنبي أن يغل" بمعنى : ما الغلول من صفات الأنبياء، ولا يكون نبيا من غل.
وإنما اخترنا ذلك ، لأن الله عز وجل أوعد عقيب قوله : "وما كان لنبي أن يغل" أهل الغلول فقال : "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"، الآية والتي بعدها. فكان في وعيده عقيب ذلك أهل الغلول ، الدليل الواضح على أنه إنما نهى بذلك عن الغلول ، وأخبر عباده أن الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله : "وما كان لنبي أن يغل". لأنه لو كان إنما نهى بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغلول، لعقب ذلك بالوعيد على التهمة وسوء الظن برسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بالوعيد على الغلول . وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول ، بيان بين أنه إنما عرف المؤمنين وغيرهم من عباده أن الغلول منتف من صفة الأنبياء وأخلاقهم ، لأن ذلك جرم عظيم ، والأنبياء لا تأتي مثله.
فإن قال قائل ممن قرأ ذلك كذلك : فأولى منه : وما كان لنبي أن يخونه أصحابه ، إن كان ذلك كما ذكرت ، ولم يعقب الله قوله : "وما كان لنبي أن يغل" إلا بالوعيد على الغلول ، ولكنه إنما وجب الحكم بالصحة لقراءة من قرأ: يغل بضم الياء وفتح الغين ، لأن معنى ذلك : وما كان للنبي أن يغله أصحابه فيخونوه في الغنائم؟
قيل له : أفكان لهم أن يغلوا غير النبي صلى الله عليه وسلم فيخونوه ، حتى خصوا بالنهي عن خيانة النبي صلى الله عليه وسلم؟
فإن قالوا : نعم ، خرجوا من قول أهل الإسلام. لأن الله لم يبح خيانة أحد في قول أحد من أهل الإسلام قط.
وإن قال قائل : لم يكن ذلك لهم في نبي ولا غيره.
قيل : فما وجه خصوصهم إذاً بالنهي عن خيانة النبي صلى الله عليه وسلم ، وغلوله وغلول بعض اليهود بمنزلة فيما حرم الله على الغال من أموالهما، وما يلزم المؤتمن من أداء الأمانة إليهما؟
وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن معنى ذلك هو ما قلنا، من أن الله عز وجل نفى بذلك أن يكون الغلول والخيانة من صفات أنبيائه ، ناهياً بذلك عباده عن الغلول ، وآمراً لهم بالاستنان بمنهاج نبيهم ، كما قال ابن عباس في الرواية التي ذكرناها من رواية عطية، ثم عقب تعالى ذكره نهيهم عن الغلول بالوعيد عليه فقال : "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"، الآيتين معاً.
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره : ومن يخن من غنائم المسلمين شيئاً وفيئهم وغير ذلك ، يأت به يوم القيامة في المحشر، كما:
حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن فضيل ، عن يحيى بن سعيد أبي حيان ، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه قام خطيباً فوعظ وذكر ثم قال : ألا عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، يقول : يا رسول الله ، أغثني ! فأقول : لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك ! ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة، يقول : يا رسول الله ، أغثني ! فأقول : لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك ! ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني ! فأقول : لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك ! ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته بقرة لها خوار، يقول : يا رسول الله ، أغثني ! فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك ! ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق يقول : يا رسول الله ، أغثني ! فأقول : لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك!"
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبد الرحمن ، عن أبي حيان ، عن أبي زرعة : عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل هذا، زاد فيه : لا ألفين أحدكم على رقبته نفس لها صياح.
حدثني يعقوب قال ، حدثناابن علية قال ، حدثنا أبو حيان ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال : "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا يوماً، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره فقال: لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله أغثني". ثم ذكر نحو حديث أبي كريب عن عبد الرحمن.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا حفص بن بشر، عن يعقوب القمي قال ، حدثنا حفص بن حميد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي : يا محمد! يا محمد! فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً، قد بلغتك! ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملاً له رغاء يقول : يا محمد! يا محمد! فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً، قد بلغتك! ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرساً له حمحمة ينادي : يا محمد! يا محمد! فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً، قد بلغتك! ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قشعاً من أدم ، ينادي : يا محمد! يا محمد! فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً، قد بلغتك".
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أسباط بن محمد قال ، حدثنا أبو إسحق الشيباني ، عن عبد الله بن ذكوان ، عن عروة بن الزبير، عن أبي حميد قال :" بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً فجاء بسواد كثير، قال : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقبضه منه. فلما أتوه جعل يقول : هذا لي ، وهذا لكم . قالع فقالوا : من أين لك هذا؟ قال : أهدي إل ! فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك ، فخرج فخطب فقال : أيها الناس ، ما بالي أبعث قوماً إلى الصدقة، فيجيء أحدهم بالسواد الكثير، فإذا بعثت من يقبضه قال : هذا لي ، وهذا لكم ! فإن كان صادقاً، أفلا أهدي له وهو في بيت أبيه أو في بيت أمه ؟ ثم قال : أيها الناس ، من بعثناه على عمل فغل شيئاً، جاء به يوم القيامة على عنقه يحمله ، فاتقوا الله أن يأتي أحدكم يوم القيامة على عنقه بعير له رغاء، أو بقرة تخور، أو شاة تثغو".
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو معاوية وابن نمير وعبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، عن أبي حميد الساعدي قال :" استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن الاتبية على صدقات بني سليم ، فلما جاء قال : هذا لكم ، وهذا هدية أهديت لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا يجلس أحدكم في بيته فتأتيه هديته ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد، فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور مما ولاني الله ، فيقول أحدهم : هذا الذي لكم ، وهذا هدية أهديت إلي! أفلا يجلس في بيت أبيه أو في بيت أمه فتأتيه هديته ؟ والذي نفسي بيده ، لا يأخذ أحدكم من ذلك شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ، فلا أعرفن ما جاء رجل يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أوشاة تيعر! ثم رفع يده فقال : ألا هل بلغت؟".
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبد الرحيم ، عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن أبي حميد، حدثه بمثل هذا الحديث ، قال : أفلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك ؟ ثم رفع يده حتى إني لأنظر إلى بياض إبطيه ، ثم قال : اللهم هل بلغت؟، قال أبو حميد: بصر عيني وسمع أذني.
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وقال ، حدثني عمي عبد الله بن وهب قال ، أخبرني عمرو بن الحارث : أن موسى بن جبير حدثه : أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري حدثه : أن عبد الله بن أنيس حدثه : أنه تذاكر هو وعمر يوماً الصدقة فقال : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة : من غل منها بعيراً أو شاة، فإنه يحمله يوم القيامة؟ قال عبد الله بن أنيس : بلى. حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن نافع ، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عبادة مصدقاً، فقال : إياك ، يا سعد، أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء! قال : لا آخذه ولا أجيء به ! فأعفاه.
حدثنا أحمد بن المغيرة الحمصي أبو حميد قال ، حدثنا الربيع بن روح قال ، حدثنا ابن عياش قال ، حدثني عبيد الله بن عمر بن حفص ، عن نافع مولى ابن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه استعمل سعد بن عبادة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إياك ، يا سعد، أن تجيء يوم القيامة تحمل على عنقك بعيراً له رغاء! فقال سعد: فإن فعلت يا رسول الله ، إن ذلك لكائن ؟ قال : نعم ! قال سعد: قد علمت يا رسول الله أني أسأل فأعطي! فأعفني . فأعفاه.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا زيد بن حبان قال ، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث قال ، حدثني جدي عبيد بن أبي عبيد- وكان أول مولود بالمدينة- قال : استعملت على صدقة دوس ، فجاءني أبو هريرة في اليوم الذي خرجت فيه ، فسلم. فخرجت إليه فسلمت عليه فقال : كيف أنت والبعير؟ كيف ، أنت والبقر؟ كيف أنت والغنم ؟ ثم قال : "سمعت حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أخذ بعيراً بغير حقه جاء به يوم القيامة له رغاء، ومن أخذ بقرة بغير حقها جاء بها يوم القيامة لها خوار، ومن أخذ شاة بغير حقها جاء بها يوم القيامة على عنقه لها يعار، فإياك والبقر، فإنها أحد قرونا وأشد أظلافاً".
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا خالد بن مخلد قال ، حدثني محمد، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن جده عبيد بن أبي عبيد قال : استعملت على صدقة دوس ، فلما قضيت العمل قدمت ، فجاءني أبو هريرة فسلم علي فقال : أخبر في كيف أنت والإبل ؟ ثم ذكر نحو حذيفه عن زيد، إلا أنه قال : جاء به يوم القيامة على عنقه له رغاء.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله : "وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"، قال قتادة : "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غنم مغنماً بعث منادياً: ألا لا يغلن رجل مخيطاً فما دونه ، ألا لا يغلن رجل بعيراً فيأتي به على ظهره يوم القيامة له رغاء، ألا لا يغلن رجل فرساً فيأت! به على ظهره يوم القيامة له حمحمة".
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "ثم توفى كل نفس"، ثم تعطى كل نفس جزاء ما كسبت بكسبها، وافياً غير منقوص مما استحقه واستوجبه من ذلك ، "وهم لا يظلمون"، يقول : لا يفعل بهم إلا الذي ينبغي أن يفعل بهم ، من غير أن يعتدى عليهم فينقصوا عما استحقوه ، كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"، ثم يجزى بكسبه غير مظلوم ولا متعدى عليه.
فيه إحدى عشرة مسألة :
الأولى : لما أخل الرماة يوم أحد بمراكزهم على ما تقدم خوفاً من أن يستولي المسلمون على الغنيمة فلا يصرف إليهم شيء ، بين الله سبحانه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز في القسمة ، فما كان من حقكم أن تتهموه ، وقال الضحاك : بل السبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث طلائع في بعض غزواته ثم غنم قبل مجيئهم ، فقسم للناس ولم يقسم للطلائع ، فأنزل الله عليه عتاباً : " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل " أي يقسم لبعض ويترك بعضاً ، وروي نحو هذا القول عن ابن عباس ، وقال ابن عباس أيضاً و عكرمة و ابن جبير وغيرهم : نزلت بسبب قطيفة حمراء فقدت في المغانم يوم بدر ، فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم : لعل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخذها ، فنزلت الآية أخرجه أبو داود و الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب ، قال ابن عطية : قيل كانت هذه المقالة من مؤمنين لم يظنوا أن في ذلك حرجاً ، وقيل : كانت من المنافقين ، وقد روي أن المفقود كان سيفاً ، وهذه الأقوال تخرج على قراءة ( يغل ) بفتح الياء وضم الغين ، وروى أبو صخر عن محمد بن كعب ( وما كان لنبي أن يغل ) قال : تقول وما كان لنبي أن يكتم شيئاً من كتاب الله ، وقيل : اللام فيه منقولة ، أي وما كان نبي ليغل ، كقوله : " ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه " أي ما كان الله ليتخذ ولداً ، وقرئ ( يغل ) بضم الياء وفتح الغين ، وقال ابن السكيت : لم نسمع في المغنم إلا غل غلولاً ، وقرئ وما كان لنبي أن يغل ويغل ، قال : فمعنى ( يغل ) يخون ، ومعنى ( يغل ) يخون ، ويحتمل معنيين : أحدهما يخان أي يؤخذ من غنيمته ، والآخر يخون أن ينسب إلى الغلول : ثم قيل : إن كل من غل شيئاً في خفاء فقد غل يغل غلولاً ، قال ابن عرفة : سميت غلولاً لأن الأيدي مغلولة منها ، أي ممنوعة ، وقال أبو عبيد : الغلول من المغنم خاصة ، ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد ، وما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة : أغل يغل ، ومن الحقد : غل يغل بالكسر ، ومن الغلول : غل يغل بالضم ، وغل البعير أيضاً يغل غلة إذا لم يقض ريه وأغل الرجل خان ، قال النمر :
جزى الله عنا حمزة ابنة نوفل جزاء مغل بالأمانة كاذب
وفي الحديث : " لا إغلال ولا إسلال " أي لا خيانة ولا سرقة ، ويقال : لا رشوة ، وقال شريح : ليس على المستعير غير المغل ضمان ، قال صلى الله عليه وسلم " ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن " من رواه بالفتح فهو من الضغن ، وغل دخل يتعدى ولا يتعدى ، يقال : غل فلان المفاوز ، أي دخلها وتوسطها ، وغل من المغنم غلولاً ، أي خان ، وغل الماء بين الأشجار إذا جرى فيها ، يغل بالضم في جميع ذلك ، وقيل : الغلول في اللغة أن يأخذ من المغنم شيئاً يستره عن أصحابه ، ومنه تغلغل الماء في الشجر إذا تخللها ، والغلل : الماء الجاري في أصول الشجر ، لأنه مستتر بالأشجار ، كما قال :
لعب السيول به فأصبح ماؤه غللاً يقطع في أصول الخروع
ومنه الغلالة للثوب الذي يلبس تحت الثياب ، والغال : أرض مطمئنة ذات شجر ، ومنابت السلم والطلح يقال لها : غال ، والغال أيضاً نبت ، والجمع غلان بالضم ، وقال بعض الناس : إن معنى ( يغل ) يوجد غالاً ، كما تقول : أحمدت الرجل وجدته محموداً ، فهذه القراءة على هذا التأويل ترجع إلى معنى ( يغل ) بفتح الياء وضم الغين ، ومعنى ( يغل ) عند جمهور أهل العلم أي ليس لأحد أن يغله ، أي يخونه في الغنيمة ، فالآية في معنى نهي الناس عن الغلول في الغنائم ، والتوعد عليه ، وكما لا يجوز أن يخان النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخان غيره ، ولكن خصه بالذكر لأن الخيانة معه أشد وقعاً وأعظم وزراً ، لأن المعاصي تعظم بحضرته لتعين توقيره ، والولاة إنما هم على أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلهم حظهم من التوقير وقيل : معنى ( يغل ) أي ما غل نبي قط ، وليس الغرض النهي .
الثانية : قوله تعالى : " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " أي يأتي به حاملاً له على ظهره ورقبته ، معذباً بحمله وثقله ، ومرعوباً بصوته ، وموبخاً بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد ، على ما يأتي ، وهذه الفضيحة التي يوقعها الله تعالى بالغال نظير الفضيحة التي توقع بالغادر ، في أن ينصب له لواء عند استه بقدر غدرته ، وجعل الله تعالى هذه المعاقبات حسبما يعهده البشر ويفهمونه ، ألا ترى إلى قول الشاعر :
أسمي ويحك هل سمعت بغدرة رفع اللواء لنا بها في المجمع
وكانت العرب ترفع للغادر لواءً ، وكذلك يطاف بالجاني مع جنايته ، وفي صحيح مسلم ، " عن أبي هريرة قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال : لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك لا الفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك " ، وروى أبو داود عن سمرة بن جندب قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه ، فجاء رجل يوماً بعد النداء بزمام من الشعر فقال : يا رسول الله هذا كان فيما أصبناه من الغنيمة ، فقال : أسمعت بلالاً ينادي ثلاثاً ؟ قال : نعم ، قال : فما منعك أن تجيء به ؟ فاعتذر إليه ، فقال : كلا أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك "، قال بعض العلماء : أراد يوافى بوزر ذلك يوم القيامة ، كما قال في آية أخرى : " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون " [ الأنعام : 31 ] ، وقيل : الخبر محمول على شهرة الأمر ، أي يأتي يوم القيامة قد شهر أمره كما يشهر لو حمل بعيراً له رغاء أو فرساً له حمحمة .
قلت : وهذا عدول عن الحقيقة إلى المجاز والتشبيه ، وإذا دار الكلام بين الحقيقة والمجاز فالحقيقة الأصل كما في كتب الأصول ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالحقيقة ، ولا عطر بعد عروس ، ويقال : إن من غل شيئاً في الدنيا يمثل له يوم القيامة في النار ، ثم يقال له انزل إليه فخذه ، فيهبط إليه ، فإذا انتهى إليه حمله ، حتى إذا انتهى إلى الباب سقط عنه إلى أسفل جهنم ، فيرجع إليه فيأخذه ، لا يزال هكذا إلى ما شاء الله ، ويقال : يأت بما غل ، يعني تشهد عليه يوم القيامة تلك الخيانة والغلول .
الثالثة : قال العلماء : والغلول كبيرة من الكبائر ، بدليل هذه الآية وما ذكرناه من حديث أبي هريرة : ( أنه يحمله على عنقه ) وقد قال صلى الله عليه وسلم في مدعم : " والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً ، قال : فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : شراك أو شراكان من نار " ، أخرجه الموطأ ، فقوله عليه السلام : " والذي نفسي بيده " ، وامتناعه من الصلاة على من غل دليل على تعظيم الغلول وتعظيم الذنب فيه وأنه من الكبائر ، وهو من حقوق الآدميين ولا بد فيه من القصاص بالحسنات والسيئات ، ثم صاحبه في المشيئة ، وقوله : " شراك أو شراكان من نار " ، مثل قوله : " أدوا الخياط والمخيط " ، وهذا يدل على أن القليل والكثير لا يحل أخذه في الغزو قبل المقاسم ، إلا ما أجمعوا عليه من أكل المطاعم في أرض الغزو ومن الاحتطاب والاصطياد ، وقد روي عن الزهري أنه قال : لا يؤخذ الطعام في أرض العدو إلا بإذن الإمام ، وهذا لا أصل له ، لأن الآثار تخالفه على ما يأتي ، قال الحسن : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتحوا المدينة أو الحصن أكلوا من السويق والدقيق والسمن والعسل ، وقال إبراهيم : كانوا يأكلون من أرض العدو الطعام في أرض الحرب ويعلفون قبل أن يخمسوا ، وقال عطاء : في الغزاة يكونون في السرية فيصيبون أنحاء السمن والعسل والطعام فيأكلون ، وما بقي ردوه إلى إمامهم ، وعلى هذا جماعة العلماء .
الرابعة : وفي هذا الحديث دليل على أن الغال لا يحرق متاعه ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرق متاع الرجل الذي أخذ الشملة .
ولا أحرق متاع صاحب الخرزات الذي ترك الصلاة عليه ، ولو كان حرق متاعه واجباً لفعله صلى الله عليه وسلم ، ولو فعله لنقل ذلك في الحديث ، وأما ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه " ، فرواه أبو داود و الترمذي ، من حديث صالح بن محمد بن زائدة ، وهو ضعيف لا يحتج به ، قال الترمذي : سألت محمداً ، يعني البخاري عن هذا الحديث فقال : إنما روى هذا صالح بن محمد وهو أبو واقد الليثي وهو منكر الحديث ، وروى أبو داود أيضاً عنه قال غزونا مع الوليد بن هشام ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز ، فغل رجل متاعاً فأمر الوليد بمتاعه فأحرق ، وطيف به ولم يعطه سهمه ، قال أبو داود وهذا أصح الحديثين . وروي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه ، قال أبو داود : وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد ولم أسمعه منه : ومنعوه سهمه ، قال أبو عمر : قال بعض رواة هذه الحديث : واضربوا عنقه وأحرقوا متاعه ، وهذا الحديث يدور على صالح بن محمد وليس ممن يحتج به ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث " ، وهو ينفي القتل في الغلول ، وروى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس على الخائن ولا على المنتهب ولا على المختلس قطع " ، وهذا يعارض حديث صالح بن محمد وهو أقوى من جهة الإسناد ، والغال ، خائن في اللغة والشريعة وإذا انتفى عنه القطع فأحرى القتل ، وقال الطحاوي : لو صح حديث صالح المذكور احتمل أن يكون حين كانت العقوبات في الأموال كما قال في مانع الزكاة : " إنا آخذوها وشطر ماله ، عزمة من عزمات الله تعالى " ، وكما قال أبو هريرة في ضالة الإبل المكتومة : فيها غرامتها ومثلها معها ، وكما روى عبد الله بن عمرو بن العاص في الثمر المعلق غرامة مثليه وجلدات نكال وهذا كله منسوخ ، والله أعلم .
الخامسة : فإذا غل الرجل في المغنم ووجد أخذ منه ، وأدب وعوقب بالتعزير ، وعند مالك و الشافعي و أبي حنيفة وأصحابهم و الليث : لا يحرق متاعه ، وقال الشافعي و الليث و داود : إن كان عالماً بالنهي عوقب ، وقال الأوزاعي : يحرق متاع الغال كله إلا سلاحه وثيابه التي عليه وسرجه ، ولا تنزع منه دابته ، ولا يحرق الشيء الذي غل ، وهذا قول أحمد و إسحاق ، وقاله الحسن ، إلا أن يكون حيواناً أو مصحفاً ، وقال ابن خويز منداد : وروي أن أبا بكر رضي الله عنهما ضربا الغال وأحرقا متاعه ، قال ابن عبد البر : وممن قال يحرق رحل الغال ومتاعه مكحول و سعيد بن عبد العزيز ، وحجة من ذهب إلى هذا حديث صالح المذكور ، وهو عندنا حديث لا يجب به انتهاك حرمة ، ولا إنفاذ حكم ، لما يعارضه من الآثار التي هي أقوى منه ، وما ذهب إليه مالك ومن تابعه في هذه المسألة أصح من جهة النظر وصحيح الأثر ، والله أعلم .
السادسة : لم يختلف مذهب مالك في العقوبة على البدن ، فأما في المال فقال في الذمي يبيع الخمر من المسلم : تراق الخمر على المسلم ، وينزع الثمن من الذمي عقوبة له ، لئلا يبيع الخمر من المسلمين ، فعلى هذا يجوز أن يقال : تجوز العقوبة في المال وقد أراق عمر رضي الله عنه لبناً شيب بماء .
السابعة : أجمع العلماء على أن للغال أن يرد جميع ما غل إلى صاحب المقاسم قبل أن يفترق الناس إن وجد السبيل إلى ذلك ، وأنه إذا فعل ذلك فهي توبة له ، وخروج عن ذنبه ، واختلفوا فيما يفعل به إذا افترق أهل العسكر ولم يصل إليه ، فقال جماعة من أهل العلم : يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي ، هذا مذهب الزهري و مالك و الأوزاعي و الليث و الثوري ، وروي عن عبادة بن الصامت ومعاوية و الحسن البصري ، وهو يشبه مذهب ابن مسعود وابن عباس ، لأنهما كانا يريان أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه ، وهو مذهب أحمد بن حنبل ، وقال الشافعي : ليس له الصدقة بمال غيره قال أبو عمر : فهذا عندي فيما يمكن وجود صاحبه والوصول إليه أو إلى ورثته ، وأما إن لم يكن شيء من ذلك فإن الشافعي لا يكره الصدقة حينئذ إن شاء الله ، وقد أجمعوا في اللقطة على جواز الصدقة بها بعد التعريف لها وانقطاع صاحبها ، وجعلوه إذا جاء مخيراً بين الأجر والضمان ، وكذلك المغصوب ، وبالله التوفيق ، وفي تحريم الغلول دليل على اشتراك الغانمين في الغنيمة ، فلا يحل لأحد أن يستأثر بشيء منها دون الآخر ، فمن غصب شيئاً منها أدب اتفاقاً ، على ما تقدم .
الثامنة : وإن وطئ جارية أو سرق نصاباً فاختلف العلماء في إقامة الحد عليه ، فرأى جماعة أنه لا قطع عليه .
التاسعة : ومن الغلول هدايا العمال ، وحكمه في الفضيحة في الآخرة حكم الغال ، روى أبو داود في سننه و مسلم في صحيحه عن أبي حميد الساعدي : " أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية ، قال ابن السرح ابن الأتبية على الصدقة ، فجاء فقال : هذا لكم وهذا أهدي لي ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال : ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا ، لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلا جاء به يوم القيامة إن كان بعيراً فله رغاء وإن كانت بقرة فلها خوار أو شاة تبعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي أبطيه ثم قال : اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت " ، وروى أبو داود عن بريدة " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من استعملناه على عمل فرزقناه فما أخذ بعد ذلك فهو غلول " ، وروي أيضاً " عن أبي مسعود الأنصاري قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً ثم قال : انطلق أبا مسعود ولا ألفينك يوم القيامة تأتي على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته ، قال : إذاً لا انطلق ، قال : إذاً لا أكرهك "، وقد قيد هذه الأحاديث ما رواه أبو داود أيضاً " عن المستورد بن شداد قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً " ، قال فقال أبو بكر : أخبرت " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أتخذ غير ذلك فهو غال سارق " ، والله أعلم .
العاشرة : ومن الغلول حبس الكتب عن أصحابها ، ويدخل غيرها في معناها ، قال الزهري : إياك وغلول الكتب ، فقيل له ، وما غلول الكتب ؟ قال ، حبسها عن أصحابها ، وقد قيل في تأويل قوله تعالى : " وما كان لنبي أن يغل " أن يكتم شيئاً من الوحي رغبة أو رهبة أو مداهنة ، وذلك أنهم كانوا يكرهون ما في القرآن من عيب دينهم وسب آلهتهم ، فسألوه أن يطوي ذلك ، فأنزل الله هذه الآية ، قاله محمد بن بشار ، وما بدأنا به قول الجمهور .
الحادية عشرة : قوله تعالى : " ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " تقدم القول فيه .
يقول تعالى مخاطباً رسوله, ممتناً عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته المتبعين لأمره, التاركين لزجره, وأطاب لهم لفظه "فبما رحمة من الله لنت لهم" أي: أي شيء جعلك لهم ليناً, لولا رحمة الله بك وبهم, وقال قتادة "فبما رحمة من الله لنت لهم" يقول فبرحمة من الله لنت لهم, وما صلة, والعرب تصلها بالمعرفة كقوله "فبما نقضهم ميثاقهم" وبالنكرة كقوله: "عما قليل" وهكذا ههنا قال: "فبما رحمة من الله لنت لهم" أي برحمة من الله, وقال الحسن البصري هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله به, وهذه الاية الكريمة شبيهة بقوله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" وقال الإمام أحمد : حدثنا حيوة , حدثنا بقية , حدثنا محمد بن زياد , حدثني أبو راشد الحبراني قال: أخذ بيدي أبو أمامة الباهلي وقال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا أبا أمامة إن من المؤمنين من يلين لي قلبه" تفرد به أحمد , ثم قال تعالى: " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " والفظ الغليظ, والمراد به ههنا غليظ الكلام لقوله بعد ذلك "غليظ القلب" أي لو كنت سيء الكلام, قاسي القلب عليهم لا نفضوا عنك وتركوك, ولكن الله جمعهم عليك, وألان جانبك لهم تأليفاً لقلوبهم, كما قال عبد الله بن عمرو : "إني أرى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة إنه ليس بفظ, ولا غليظ, ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة, ولكن يعفو ويصفح", وقال أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي : أنبأنا بشر بن عبيد الدارمي , حدثنا عمار بن عبد الرحمن عن المسعودي عن ابن أبي مليكة , عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض" حديث غريب. ولهذا قال تعالى: "فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر" ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث تطييباً لقلوبهم ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه, كما شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير, فقالوا: " يا رسول الله, لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك, ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك, ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون: ولكن نقول اذهب, فنحن معك, وبين يديك, وعن يمينك, وعن شمالك مقاتلون " , وشاورهم أيضاً أين يكون المنزل, حتى أشار المنذر بن عمرو المعنق ليموت, بالتقدم إلى أمام القوم. وشاورهم في أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو, فأشار جمهورهم بالخروج إليهم, فخرج إليهم وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ, فأبى ذلك عليه السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة , فترك ذلك, وشاورهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين. فقال له الصديق : إنا لم نجىء لقتال أحد وإنما جئنا معتمرين, فأجابه إلى ما قال, وقال صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك "أشيروا علي معشر المسلمين في قوم أبنوا أهلي ورموهم, وايم الله ما علمت على أهلي من سوء وأبنوهم بمن ؟ والله ما علمت عليه إلا خيراً" واستشار علياً وأسامة في فراق عائشة رضي الله عنها. فكان صلى الله عليه وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها وقد اختلف الفقهاء هل كان ذلك واجباً عليه أو من باب الندب تطييباً لقلوبهم ؟ على قولين. وقد قال الحاكم في مستدركه : أنبأنا أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي , حدثنا يحيى بن أيوب العلاف بمصر, حدثنا سعيد بن أبي مريم , أنبأنا سفيان بن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن ابن عباس في قوله تعالى: "وشاورهم في الأمر" قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, ثم قال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, وكذا رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت في أبي بكر وعمر , وكانا حواريي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه, وأبوي المسلمين, وقد روى الإمام أحمد : حدثنا وكيع , حدثنا عبد الحميد عن شهر بن حوشب , عن عبد الرحمن بن غنم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لأبي بكر وعمر لو اجتمعنا في مشورة ما خالفتكما" وروى ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم ؟ فقال مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم" وقد قال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا يحيى بن بكير عن شيبان , عن عبد الملك بن عمير , عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "المستشار مؤتمن" ورواه أبو داود والترمذي , وحسنه النسائي من حديث عبد الملك بن عمير بأبسط من هذا. ثم قال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا أسود بن عامر عن شريك , عن الأعمش , عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المستشار مؤتمن" تفرد به. وقال أيضاً: حدثنا أبو بكر , حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وعلي بن هاشم عن ابن أبي ليلى , عن أبي الزبير , عن جابر , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه" تفرد به أيضاً. وقوله تعالى: "فإذا عزمت فتوكل على الله" أي إذا شاورتهم في الأمر وعزمت عليه فتوكل على الله فيه "إن الله يحب المتوكلين" وقوله تعالى: "إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون" وهذه الاية كما تقدم من قوله: "وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم" ثم أمرهم بالتوكل عليه, فقال "وعلى الله فليتوكل المؤمنون" وقوله تعالى: "وما كان لنبي أن يغل", قال ابن عباس ومجاهد والحسن وغير واحد: ما ينبغي لنبي أن يخون. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا المسيب بن واضح , حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان بن خصيف عن عكرمة , عن ابن عباس قال: فقدوا قطيفة يوم بدر فقالوا: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها, فأنزل الله " وما كان لنبي أن يغل " أي يخون. وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا عبد الواحد بن زياد , حدثنا خصيف , حدثنا مقسم , حدثني ابن عباس أن هذه الاية "وما كان لنبي أن يغل" نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر, فقال بعض الناس: لعل رسول الله أخذها, فأكثروا في ذلك, فأنزل الله " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " وكذا رواه أبو داود والترمذي جميعاً عن قتيبة , عن عبد الواحد بن زياد به. وقال الترمذي : حسن غريب, ورواه بعضهم, عن خصيف , عن مقسم يعني مرسلاً, وروى ابن مردويه من طريق أبي عمرو بن العلاء , عن مجاهد , عن ابن عباس قال: اتهم المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فقد, فأنزل الله تعالى: " وما كان لنبي أن يغل " وروي من غير وجه عن ابن عباس نحو ما تقدم, وهذا تنزيه له صلوات الله وسلامه عليه من جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك. وقال العوفي عن ابن عباس "وما كان لنبي أن يغل" أي بأن يقسم لبعض السرايا ويترك بعضاً. وكذا قال الضحاك . وقال محمد بن إسحاق "وما كان لنبي أن يغل" بأن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلغه أمته. وقرأ الحسن البصري وطاوس ومجاهد والضحاك "وما كان لنبي أن يغل" بضم الياء أي يخان وقال قتادة والربيع بن أنس : نزلت هذه الاية يوم بدر, وقد غل بعض أصحابه. رواه ابن جرير عنهما, ثم حكى عن بعضهم أنه فسر هذه القراءة بمعنى يتهم بالخيانة, ثم قال تعالى: "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد, وقد وردت السنة بالنهي عن ذلك أيضاً في أحاديث متعددة, قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك , حدثنا زهير يعني ابن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل , عن عطاء بن يسار , عن أبي مالك الأشجعي , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض, تجدون الرجلين جارين في الأرض ـ أو في الدار ـ فيقطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً, فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة " .
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود , حدثنا ابن لهيعة , عن ابن هبيرة والحارث بن يزيد , عن عبد الرحمن بن جبير قال: سمعت المستورد بن شداد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلاً أو ليست له زوجة فليتزوج, أو ليس له خادم فليتخذ خادماً, أو ليست له دابة فليتخذ دابة, ومن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غال " هكذا رواه الإمام أحمد . وقد رواه أبو داود بسند آخر وسياق آخر, فقال: حدثنا موسى بن مروان الرقي , حدثنا المعافى , حدثنا الأوزاعي عن الحارث بن يزيد , عن جبير بن نفير , عن المستورد بن شداد , قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة, فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً, فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً" قال: قال أبو بكر : أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "من اتخذ غير ذلك فهو غال ـ أو سارق". قال شيخنا الحافظ المزي رحمه الله : رواه جعفر بن محمد الفريابي عن موسى بن مروان : فقال: عن عبد الرحمن بن جبير بدل جبير بن نفير , وهو أشبه بالصواب.
(حديث آخر) ـ قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا حفص بن بشر , حدثنا يعقوب القمي , حدثنا حفص بن حميد عن عكرمة , عن ابن عباس , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء, فينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك, ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملاً له رغاء, فيقول: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك, ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرساً له حمحمة ينادي: يا محمد, يا محمد. فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً, قد بلغتك. ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قشعاً من أدم ينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك" لم يروه أحد من أهل الكتب الستة.
(حديث آخر) . قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن الزهري سمع عروة يقول: حدثنا أبو حميد الساعدي : قال: " استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة, فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال ما بال العامل نبعثه فيجي فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي: أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده لا يأتي أحد منكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته, إن كان بعيراً له رغاء, أو بقرة لها خوار, أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه: ثم قال اللهم هل بلغت ثلاثاً " , وزاد هشام بن عروة فقال أبو حميد : بصرته بعيني وسمعته بأذني واسألوا زيد بن ثابت , أخرجاه من حديث سفيان بن عيينة , وعند البخاري : واسألوا زيد بن ثابت , ومن غير وجه عن الزهري , ومن طريق عن هشام بن عروة , كلاهما عن عروة , به.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى , حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير عن أبي حميد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هدايا العمال غلول " وهذا الحديث من أفراد أحمد , وهو ضعيف الإسناد, وكأنه مختصر من الذي قبله, والله أعلم.
(حديث آخر) ـ قال أبو عيسى الترمذي في كتاب الأحكام : حدثنا أبو كريب , حدثنا أبو أسامة عن داود بن يزيد الأودي , عن المغيرة بن شبل , عن قيس بن أبي حازم , عن معاذ بن جبل , قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن, فلما سرت أرسل في أثري فرددت, فقال أتدري لم بعثت إليك ؟ لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" لهذا دعوتك فامض لعملك" هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وفي الباب عن عدي بن عميرة وبريدة والمستورد بن شداد وأبي حميد وابن عمر .
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن علية , حدثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي , عن أبي زرعة بن عمر بن جرير , عن أبي هريرة , قال: " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره, ثم قال: لألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء, فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة, فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجي يوم القيامة على رقبته رقاع تخنق فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت, فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك" أخرجاه من حديث أبي حيان به.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد , حثني قيس عن عدي بن عميرة الكندي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس من عمل لنا منكم عملاً فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه, فهو غل يأتي به يوم القيامة قال: فقام رجل من الأنصار أسود ـ قال مجالد : هو سعيد بن عبادة كأني انظر إليه ـ فقال: يا رسول الله, اقبل عني عملك. قال وما ذاك ؟ قال: سمعتك تقول: كذا وكذا, قال وأنا أقول ذاك الان, من استعملناه على عمل فليجيء بقليله وكثيره, فما أوتي منه أخذه, وما نهي عنه انتهى" وكذا رواه مسلم وأبو داود من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد به .
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الفزاري , عن ابن جريج , حدثني منبوذ رجل من آل أبي رافع عن الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع , عن أبي رافع , قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر ربما ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث معهم حتى ينحدر المغرب, قال أبو رافع : " فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً إلى المغرب, إذ مر بالبقيع, فقال أف لك , أف لك مرتين, فكبر في ذرعي وتأخرت وظننت أنه يريدني, فقال :مالك ؟ امش قال: قلت: أحدثت حدثاً يارسول الله, قال وما ذاك" ؟ قلت: أففت بي, قال :لا, ولكن هذا قبر فلان بعثته ساعياً على آل فلان فغل نمرة فدرع الان مثلها من نار".
(حديث آخر) ـ قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن سالم الكوفي المفلوج ـ وكان بمكة ـ حدثنا عبيدة بن الأسود عن القاسم بن الوليد , عن أبي صادق , عن ربيعة بن ناجد , عن عبادة بن الصامت , قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم ثم يقول مالي فيه إلا مثل ما لأحدكم, إياكم والغلول فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة, أدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك, وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد, في الحضر والسفر, فإن الجهاد باب من أبواب الجنة, إنه لينجي الله به من الهم والغم, وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم" وقد روى ابن ماجه بعضه عن المفلوج به.
(حديث آخر) ـ عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا الخياط والمخيط, فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة".
(حديث آخر) ـ قال أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة , حدثنا جرير عن مطرف , عن أبي الجهم , عن أبي مسعود الأنصاري , قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً, ثم قال : انطلق أبا مسعود لا ألفينك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء, قد غللته قال: إذاً لا أنطلق, قال إذاً لا أكرهك", تفرد به أبو داود .
(حديث آخر) ـ قال أبو بكر بن مردويه : أنبأنا محمد بن أحمد بن إبراهيم , أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة , أنبأنا عبد الحميد بن صالح , أنبأنا أحمد بن أبان عن علقمة بن مرثد , عن ابن بريدة عن أبيه , عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "إن الحجر ليرمى به في جهنم فيهوي سبعين خريفاً ما يبلغ قعرها, ويؤتى بالغلول فيقذف معه ثم يقال لمن غل ائت به, فذلك قوله "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"".
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم , حدثنا عكرمة بن عمار , حدثني سماك الحنفي أبو زميل , حدثني عبد الله بن عباس , حدثني عمر بن الخطاب , قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد, حتى أتوا على رجل, فقالوا: فلان شهيد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلا إني رأيته في النار في بردة غلها ـ أو عباءة ـ" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. قال: فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون " , وكذا رواه مسلم والترمذي من حديث عكرمة بن عمار به. وقال الترمذي : حسن صحيح.
(حديث آخر) ـ قال ابن جرير : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي , حدثنا أبي , حدثنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعث سعد بن عبادة مصدقاً, فقال: إياك يا سعد أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء. قال: لا آخذه ولا أجيء به, فأعفاه " ثم رواه من طريق عبيد الله عن نافع به نحوه.
(حديث آخر) ـ قال أحمد : حدثنا أبو سعيد , حدثنا عبد العزيز بن محمد , حدثنا صالح بن محمد بن زائدة عن سالم بن عبد الله أنه كان مع مسلمة بن عبد الملك في أرض الروم, فوجد في متاع رجل غلول, قال: فسأل سالم بن عبد الله , فقال: حدثني أبي عبد الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من وجدتم في متاعه غلولاً فاحرقوه ـ قال: وأحسبه قال: واضربوه قال: فأخرج متاعه في السوق فوجد فيه مصحفاً, فسأل سالماً فقال: بعه وتصدق بثمنه " , وكذا رواه علي بن المديني وأبو داود والترمذي من حديث عبد العزيز بن محمد الأتدراوردي , زاد أبو داود وأبو إسحاق الفزاري , كلاهما عن أبي واقد الليثي الصغير صالح بن محمد بن زائدة به. وقد قال علي بن المديني والبخاري وغيرهما: هذا حديث منكر من رواية أبي واقد هذا, وقال الدارقطني : الصحيح أنه من فتوى سالم فقط, وقد ذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ومن تابعه من أصحابه, وقد رواه الأموي عن معاوية عن أبي إسحاق , عن يونس بن عبيد , عن الحسن , قال: عقوبة الغال أن يخرج رحله فيحرق على ما فيه. ثم روى عن معاوية عن أبي إسحاق عن عثمان بن عطاء , عن أبيه , عن علي , قال: الغال يجمع رحله فيحرق ويجلد دون حد, وخالفه أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور فقالوا: لا يحرق متاع الغال بل يعزر تعزير مثله, وقال البخاري : " وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال, ولم يحرق متاعه " , والله أعلم.
(حديث آخر عن عمر رضي الله عنه) ـ قال ابن جرير : حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب , حدثني عبد الله بن وهب , أخبرني عمرو بن الحارث أن موسى بن جبير حدثه: أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري حدثه: أن عبد الله بن أنيس حدثه: أنه تذاكر هو و عمر بن الخطاب يوماً الصدقة, فقال: ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة "من غل منها بعيراً أو شاة فإنه يحمله يوم القيامة" ؟ قال عبد الله بن أنيس : بلى. ورواه ابن ماجه عن عمرو بن سواد عن عبد الله بن وهب به. ورواه الأموي عن معاوية , عن أبي إسحاق , عن يونس بن عبيد , عن الحسن قال: عقوبة الغال أن يخرج رحله ويحرق على ما فيه. ثم روى عن معاوية , عن أبي إسحاق , عن عثمان بن عطاء , عن أبيه , عن علي قال: الغال يجمع رحله فيحرق ويجلد دون حد.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر , أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن جبير بن مالك , قال: أمر بالمصاحف أن تغير, قال: فقال ابن مسعود : من استطاع منكم أن يغل مصحفاً فليغله, فإنه من غل شيئاً جاء به يوم القيامة, ثم قال: قرأت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة, أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وروى وكيع في تفسيره عن شريك , عن إبراهيم بن مهاجر , عن إبراهيم , قال: لما أمر بتحريق المصاحف قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ياأيها الناس غلوا المصاحف, فإنه من غل يأت بما غل يوم القيامة, ونعم الغل المصحف يأتي به أحدكم يوم القيامة ـ وقال أبو داود , عن سمرة بن جندب , قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة أمر بلالاً فينادي في الناس, فيجيئون بغنائمهم, فيخمسه ويقسمه, فجاء رجل يوماً بعد النداء بزمام من شعر فقال: يا رسول الله, هذا كان مما أصبنا من الغنيمة, فقال أسمعت بلالاً ينادي ثلاثاً ؟ قال: نعم. قال فما منعك أن تجيء ؟ فاعتذر إليه فقال كلا أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك " .
وقوله تعالى: "أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير" أي لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه, وأجير من وبيل عقابه, ومن استحق غضب الله وألزم به فلا محيد له عنه, ومأواه يوم القيامة جهنم وبئس المصير, وهذه الاية لها نظائر كثيرة في القرآن, كقوله تعالى: "أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى", وكقوله "أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا" الاية. ثم قال تعالى: "هم درجات عند الله", قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق : يعني أهل الخير وأهل الشر درجات, وقال أبو عبيدة والكسائي : منازل, يعني متفاوتون في منازلهم ودرجاتهم في الجنة ودركاتهم في النار, كقوله تعالى: "ولكل درجات مما عملوا" الاية, ولهذا قال تعالى: "والله بصير بما يعملون" أي وسيوفيهم إياها, لا يظلمهم خيراً ولا يزيدهم شراً, بل يجازي كل عامل بعمله, وقوله تعالى: " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم " أي من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به, كما قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها" أي من جنسكم, وقال تعالى: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد" الاية. وقال تعالى: "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق" وقال تعالى "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى" وقال تعالى: "يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم" فهذا أبلغ في الامتنان أن يكون الرسول إليهم منهم بحيث يمكنهم مخاطبته ومراجعته في فهم الكلام عنه, ولهذا قال تعالى: "يتلو عليهم آياته" يعني القرآن "ويزكيهم" أي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكو نفوسهم وتطهر من الدنس والخبث الذي كانوا متلبسين به في حال شركهم وجاهليتهم, "ويعلمهم الكتاب والحكمة" يعني القرآن والسنة, "وإن كانوا من قبل" أي من قبل هذا الرسول "لفي ضلال مبين" أي لفي غي وجهل ظاهر جلي بين لكل أحد.
قوله 161- "وما كان لنبي أن يغل" أي: ما صح له ذلك لتنافي الغلول والنبوة. قال أبو عبيد: الغلول من المغنم خاصة، ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد، ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة أغل يغل، ومن الحقد غل يغل بالكسر، ومن الغلول غل يغل بالضم، يقال: غل المغنم غلولاً: أي خان بأن يأخذ لنفسه شيئاً يسترده على أصحابه، فمعنى الآية على القراءة بالبناء للفاعل: ما صح لنبي أن يخون شيئاً من المغنم فيأخذه لنفسه من غير اطلاع أصحابه. وفيه تنزيه الأنبياء عن الغلول. ومعناها على القراءة بالبناء للمفعول: ما صح لنبي أن يغله أحد من أصحابه: أي يخونه في الغنيمة، وهو على هذه القراءة الأخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم، وإنما خص خيانة الأنبياء مع كون خيانة غيرهم من الأئمة والسلاطين والأمراء حراماً، لأن خيانة الأنبياء أشد ذنباً وأعظم وزراً "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" أي: يأت به حاملاً له على ظهره كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيفضحه بين الخلائق، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملاً له قبل أن يحاسب وافياً من خير وشر، وهذه الآية تعم كل من كسب خيراً أو شراً، ويدخل تحتها الغال دخولاً أولياً لكون السياق فيه.
161- قوله عز وجل:"وما كان لنبي أن يغل" الآية، وروى عكرمة ومقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن هذه الآية نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال الكلبي ومقاتل: نزلت في غنائم احد حين ترك الرماة المركز للغنيمة ، وقالوا: نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئاً فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر ، فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم ، فقال: لهم النبي صلى الله عليه وسلم :ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري؟ قالوا: تركنا بقية إخواننا وقوفاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقالقتادة : ذكر لنا انها نزلت في طائفة غلت من اصحابه.
وقيل: إن الأقوياء ألحوا عليه يسألونه من المغنم ، فأنزل لله تعالى:"وما كان لنبي أن يغل" فيعطي قوماً ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بينهم بالسوية.
وقالمحمد بن إسحاق بن يسار: هذا في الوحي، يقول: ما كان لنبي أن يكتم شيئاً من الوحي رغبة أو رهبة أو مداهنة.
قوله تعالى:" وما كان لنبي أن يغل" ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة وعاصم "يغل" بفتح الياء وضم الغين ، معناه: أن يخون،والمراد منه الأمة ، وقيل: اللام فيه منقولة ، معناه: ما كان النبي ليغل ، وقيل معناه: ما كان يظن به ذلك ولا يليق به ، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الغين ، وله وجهان : أن يكون من الغلول أيضاً، أي: ما كان لنبي أن يخان ، يعني: أن تخونه أمته ، والوجه الآخر : أن يكون من الإغلال، معناه : ما كان لنبي ان يخون ، أي ينسب إلى الخيانة.
"ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"،قالالكلبي : يمثل له ذلك الشيء في النار ثم يقال له : انزل فخذه فينزل فيحمله على ظهره فإذا بلغ موضعه وقع في النار، ثم يكلف أن ينزل إليه ، فيخرجه ففعل ذلك به .
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا زاهر بن احمد الفقيه أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهباً ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع ، قال فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى ، وكان رفاعة بن زيد وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبداً أسود يقال له مدعم ، قال فخرجنا حتى إذا كنا بوادي القرى فبينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر فأصابه فقتله ، فقال الناس: هنيئاً له الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم ، تشتعل عليه ناراً، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :شراك من نار أو شراكان من نار".
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان عن أبي عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد الجهني انه قال: "توفي رجل يوم خيبر فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:إن صاحبكم قد غل في سبيل الله قال: ففتحنا متاعه فوجدنا خرزات من خرزات اليهود يساوين درهمين".
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب المروزي أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي قال:" استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال:هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال : مابال العامل نبعثه على بعض أعمالنا فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي ، فهلا جلس في بيت أمه أو في بيت أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا ، فوالذي نفسي بيده لا يأخذ /أحد منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ثم قال: اللهم هل بلغت".
وروى قيس بن أبي حازم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة".
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه".
وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه" . قوله تعالى" ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ".
161" وما كان لنبي أن يغل " وما صح لنبي أ، يخون في الغنائم فان النبوة تنافي الخيانة، يقال غل شيئاً من المغنم يغل غلولاً وأغل إغلالاً إذ أخذه في خفية والمراد منه: إما براءة الرسول صلى الله عليه وسلم عما اتهم به إذ روي أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض المنافقين لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، أو ظن به الرماة يوم أحد حين تركوا المركز للغنيمة وقالوا نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئاً فهو له ولا يقسم الغنائم. وإما المبالغة في النهي للرسول صلى الله عليه وسلم على ما روي أنه بعث طلائع، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم على من معه ولم يقسم للطلائع فنزلت. فيكون تسمية حرمان بعض المستحقين غلولاً تغليظاً ومبالغة ثانية. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة ويعقوب "أن يغل" على البناء للمفعول والمعنى: وما صح له أن يوجد غالاً أو أن ينسب إلى الغلول. " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " يأت بالذي غله يحمله على عنقه كما جاء في الحديث أو بما احتمل من وباله وإثمه. " ثم توفى كل نفس ما كسبت " يعني تعطي جزاء ما كسبت وافيا، وكان اللائق بما قبله أن يقال ثم يوفى ما كسبت لكنه عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه، فإنه إذا كان كل كاسب مجزياً بعمله فالغال مع عظم جرمه بذلك أولى. "وهم لا يظلمون" فلا ينقص ثواب مطيعهم ولا يزاد في عقاب عاصيهم.
161. It is not for any Prophet to deceive (mankind). Whoso deceiveth will bring his deceit with him on the Day of Resurrection. Then every soul will be paid in full what it hath earned; and they will not be wronged.
161 - Do prophet could (ever) be false, he shall, on the day of judgment, restore what he misappropriated; then shall every soul receive its due, whatever it earned, and none shall be dealt with unjustly.