ونزل لما قالوا صف لنا ربك: (وإلهكم) المستحق للعبادة منكم (إله واحد) لا نظير له في ذاته ولا في صفاته (لا إله إلا هو) هو (الرحمن الرحيم) وطلبوا آية على ذلك فنزل:
القول في تأويل قوله عز وجل:"وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم"قال أبو جعفر: قد بينا فيما مضى معنى الألوهية، وأنها اعتباد الخلق. فمعنى قوله: "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم": والذي يستحق عليكم أيها الناس الطاعة له، ويستوجب منكم العبادة، معبود واحد ورب واحد، فلا تعبدوا غيره، ولا تشركوا معه سواه، فإن من تشركونه معه في عبادتكم إياه، هو خلق من خلق إلهكم مثلكم، وإلهكم إله واحد، لا مثل له ولا نظير. واختلف في معنى وحدانيته تعالى ذكره. فقال بعضهم: معنى وحدانية الله، معنى نفي الأشباه والأمثال عنه، كما يقال: فلان واحد الناس- وهو واحد قومه، يعني بذلك أنه ليس له في الناس مثل، ولا له في قومه شبيه ولا نظير. فكذلك معنى قول الله واحد، يعني به: الله لا مثيل له ولا نظير.فزعموا أن الذي دلهم على صحة تأويلهم ذلك، أن قول القائل: "واحد" يفهم لمعان أربعة. أحدها: أن يكون واحداً من جنس، كالإنسان الواحد من الإنس. والآخر: أن يكون غير متفرق، كالجزء الذي لا ينقسم. والثالث: أن يكون معنياً به: المثل والاتفاق، كقول القائل: هذان الشيآن واحد، يراد بذلك: أنهما متشابهان، حتى صارا لاشتباههما في المعاني كالشيء الواحد. والرابع: أن يكون مراداً به نفي النظير عنه والشبيه.قالوا: فلما كانت المعاني الثلاثة من معاني الواحد منتفية عنه، صح المعنى الرابع الذي وصفناه.وقال آخرون: معنى وحدانيته تعالى ذكره، معنى انفراده من الأشياء، وانفراد الأشياء منه. قالوا: وإنما كان منفرداً وحده، لأنه غير داخل في شيء ولا داخل فيه شيء. قالوا: ولا صحة لقول القائل: واحد، من جميع الأشياء إلا ذلك. وأنكر قائلو هذه المقالة المعاني الأربعة التي قالها ا لآخرون. وأما قوله: "لا إله إلا هو"، فإنه خبر منه تعالى ذكره أنه لا رب للعالمين غيره، ولا يستوجب على العباد العبادة سواه، وأن كل ما سواه فهم خلقه، والواجب على جميعهم طاعته والانقياد لأمره، وترك عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، وهجر الأوثان والأصنام. لأن جميع ذلك خلقه، وعلى جميعهم الدينونة له بالوحدانية والألوهة، ولا تنبغي الألوهة إلا له، إذ كان ما بهم من نعمة في الدنيا فمنه، دون ما يعبدونه من الأوثان ويشركون معه من الإشراك؟ وما يصيرون إليه من نعمة في الاخرة فمنه، وأن ما أشركوا معه من الإشراك لا يضر ولا ينفع في عاجل ولا في آجل، ولا في دنيا ولا في آخرة. وهذا تنبيه من الله تعالى ذكره أهل الشرك به على ضلالهم، ودعاء منه لهم إلى الأوبة من كفرهم، والإنابة من شركهم. ثم عرفهم تعالى بذكره بالآية التي تتلوها، موضع استدلال ذوي الألباب منهم على حقيقة ما نبههم عليه من توحيده وحججه الواضحة القاطعة عذرهم، فقال تعالى ذكره: أيها المشركون، إن جهلتم أو شككتم في حقيقة ما أخبرتكم من الخبر: من أن إلهكم إله واحد، دون ما تدعون ألوهيته من الأنداد والأوثان، فتدبروا حججي وفكروا فيها، فإن من حججي خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزلت من السماء من ماء فأحييت به الأرض بعد موتها، وما بثثت فيها من كل دابة، والسحاب الذي سخرته بين السماء والأرض. فإن كان ما تعبدونه من الأوثان والآلهة والأنداد وسائر ما تشركون به، إذا اجتمع جميعه فتظاهر أو انفرد بعضه دون بعض، يقدر على أن يخلق نظير شيء من خلقي الذى سميت لكم، فلكم بعبادتكم ما تعبدون من دوني حينئذ عذر، والا فلا عذر لكم في اتخاذ إله سواي، ولا إله لكم ولما تعبدون غيري.فليتدبر أولو الألباب إيجاز الله احتجاجه على جميع أهل الكفر به والملحدين في توحيده، في هذه الآية وفي التي بعدها، بأوجز كلام، وأبلغ حجة، وألطف معنى يشرف بهم على معرفة فضل حكمة الله وبيانه.
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : "وإلهكم إله واحد" لما حذر تعالى من كتمان الحق بين ان أول ما يجب إظهاره ولا يجوز كتمانه أمر التوحيد ، ووصل ذلك بذكر البرهان ، وعلم طريق النظر، وهو الفكر في عجائب الصنع ، ليعلم أنه لا بد له من فاعل لا يشبهه شيء . قال ابن عباس رضي الله عنهما : قالت كفار قريش : يا محمد انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى سورة الإخلاص وهذه الآية . وكان للمشركين ثلثمائة وستون صنماً ، فبين الله أنه واحد .
الثانية : قوله تعالى : "لا إله إلا هو" نفي وإثبات . أولها كفر وآخرها إيمان ، ومعناه لا معبود إلا الله . وحكي عن الشبلي رحمه الله أنه كان يقول : الله ، ولا يقول : لا إله ، فسئل عن ذلك فقال أخشى أن آخذ في كلمة الجحود ولا أصل إلى كلمة الإقرار .
قلت :وهذا من علومهم الدقيقة ، التي ليست لها حقيقة ، فإن الله جل اسمه ذكر هذا المعنى في كتابه نفياً وإثباتاً وكرره ، ووعد بالثواب الجزيل لقائله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، خرجه الموطأ و البخاري و مسلم وغيرهم . وقال صلى الله عليه وسلم :
"من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" . خرجه مسلم . والمقصود القلب لا اللسان ، فلو قال : لا إله ومات ومعتقده وضميره الوحدانية وما يجب له من الصفات لكان من أهل الجنة باتفاق أهل السنة . وقد أتينا على معنى اسمه الواحد ، ولا إله إلا هو والرحمن الرحيم في الكتاب الأسنى ، في شرح أسماء الله الحسنى . والحمد لله .
يخبر تعالى عن تفرده بالإلهية, أنه لا شريك له ولا عديل, له, بل هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا إله إلا هو, وأنه الرحمن الرحيم وقد تقدم تفسير هذين الاسمين في أول الفاتحة, وفي الحديث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال "اسم الله الأعظم في هاتين الايتين "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" و" الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم "" ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية بخلق السموات والأرض وما فيهما وما بين ذلك مما ذرأ وبرأ من المخلوقات الدالة على وحدانيته, فقال:
وقد تقدم تفسير 163- "الرحمن الرحيم". وقوله: "وإلهكم إله واحد" فيه الإرشاد إلى التوحيد وقطع علائق الشرك، والإشارة إلى أن أول ما يجب بيانه ويحرم كتمانه هو أمر التوحيد.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة وسعد بن معاذ أخو بني الأشهل وخارجة بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج نفراً من أحبار اليهود عن بعض ما في التوراة، فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم، فأنزل الله فيهم: "إن الذين يكتمون ما أنزلنا" الآية. وقد روي عن جماعة من السلف أن الآية نزلت في أهل الكتاب لكتمهم نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب قال: " كنا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه فتسمعه كل دابة الثقلين، فتلعنه كل دابة سمعت صوته، فذلك قول الله تعالى: "ويلعنهم اللاعنون" " يعني دواب الأرض. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: الجن والإنس وكل دابة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان قال في تفسير الآية: إن دواب الأرض والعقارب والخنافس يقولون: إنما منعنا القطر بذنوبهم فيلعنونهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر قال: يلعنهم كل شيء حتى الخنفساء. وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن كتم العلم والوعيد لفاعله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: "إلا الذين تابوا وأصلحوا" قال: أصلحوا ما بينهم وبين الله، وبينوا الذي جاءهم من الله ولم يكتموه ولم يجحدوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "أتوب عليهم" يعني أتجاوز عنهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: يعني بالناس أجمعين المؤمنين. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: "خالدين فيها" يقول: خالدين في جهنم في اللعنة. وقال في قوله: "ولا هم ينظرون" يقول: ألا ينظرون فيعتذرون. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولا هم ينظرون" قال: لا يؤخرون. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي والترمذي وصححه وابن ماجه عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم"، و" الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم "". وأخرج الديلمي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شيء أشد على مردة الجن من هؤلاء الآيات التي في سورة البقرة "وإلهكم إله واحد" الآيتين".
163. قوله تعالى: " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " سبب نزول هذه الآية أن كفار قريش قالوا يا محمد صف لنا ربك وانسبه فأنزل الله تعالى هذه الآية وسورة الإخلاص والواحد الذي لا نظير له ولا شريك له.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا بكر بن إبراهيم و أبو عاصم عن عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن في هاتين الآيتين اسم الله الأعظم " إلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " و" الله لا إله إلا هو الحي القيوم "".
قال أبو الضحى : لما نزلت هذه الآية قال المشركون: إن محمداً يقول إن إلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين
163-" وإلهكم إله واحد " خطاب عام ، أي المستحق منكم العبادة واحد لا شريك له يصح أن يعبد أو يسمى إلهاً . " لا إله إلا هو " تقرير للوحدانية ، وإزاحة لأن يتوهم أن في الوجود إلهاً ولكن لا يستحق منهم العبادة . " الرحمن الرحيم " كالحجة عليها ، فإنه لما كان مولى النعم كلها أصولها وفروعها وما سواه إما نعمة أو منعم عليه لم يستحق العبادة أحد غيره ، وهما خبران آخران لقوله إلهكم ،أو لمبتدأ محذوف . قيل لما سمعه المشركون تعجبوا وقالوا : إن كنت صادقاً فائت بآية نعرف بها صدقكك فنزلت .
163. Your God is One God; there is no God save Him, the Beneficent, the Merciful.
163 - And your God is one God: there is no God but he, most gracious, most merciful.