(ومن الناس من يتخذ من دون الله) أي غيره (أندادا) أصناما (يحبونهم) بالتعظيم والخضوع (كحب الله) أي كحبهم له (والذين آمنوا أشدُّ حبا لله) من حبهم للأنداد لأنهم لا يعدلون عنه بحال ما ، والكفار يعدلون في الشدة إلى الله. (ولو ترى) تبصر يا محمد (الذين ظلموا) باتخاذ الأنداد (إذ يرون) بالبناء للفاعل والمفعول يبصرون (العذاب) لرأيت أمرا عظيما وإذ بمعنى إذا (أن) أي لأن (القوة) القدرة والغلبة (لله جميعا) حال (وأن الله شديد العذاب) وفي قراءة {يرى} والفاعل ضمير السامع ، وقيل الذين ظلموا فهي بمعنى يعلم وأن وما بعدها سدت مسد المفعولين وجواب لو محذوف والمعنى لو علموا في الدنيا شدة عذاب الله وأن القدرة لله وحده وقت معاينتهم له وهو يوم القيامة لما اتخذوا من دونه أندادا
القول في تأويل قوله تعالى:"ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله"قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أن من الناس من يتخذ من دون الله أنداداً له.وقد بينا فيما مضى أن الند، العدل، بما يدل على ذلك من الشواهد، فكرهنا إعادته.وأن الذين اتخذوا هذه الأنداد من دون الله، يحبون أندادهم كحب المؤمنين الله. ثم أخبرهم أن المؤمنين أشد حباً لله، من متخذي هذه الأنداد لأندادهم.واختلف أهل التأويل في الأنداد التي كان القوم اتخذوها، وما هي.فقال بعضهم: هي آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله.ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: قوله: "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله"، من الكفار لأوثانه. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح،عن مجاهد في قوله تعالى ذكره: "يحبونهم كحب الله"، مباهاة ومضاهاة للحق بالأنداد، "والذين آمنوا أشد حبا لله"، من الكفار لأوثانهم. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر،عن أبيه، عن قتادة قوله: " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله"، قال: هي الآلهة التي تعبد من دون الله، يقول: يحبون أوثانهم كحب الله، "والذين آمنوا أشد حبا لله"، أي: من الكفار لأوثانهم.حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله"، قال: هؤلاء المشركون. أندادهم: آلهتهم التي عبدوا مع الله، يحبونهم كما يحب الذين آمنوا الله، والذين آمنوا أشد حباً لله من حبهم هم آلهتهم. وقال آخرون: بل الأنداد في هذا الموضع، إنما هم سادتهم الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله تعالى ذكره. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله"، قال: الأنداد من الرجال، يطيعونهم كما يطيعون الله، إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله. فإن قال قائل: وكيف قيل: "كحب الله"؟ وهل يحب الله الأنداد؟ وهل كان متخذو الأنداد يحبون الله، فيقال: "يحبونهم كحب الله"؟
قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إليه، وإنما ذلك نظير قول القائل: بعت غلامي كبيع غلامك،بمعنى: بعته كما بيع غلامك، وكبيعك غلامك، واستوفيت حقي منه استيفاء حقك ، بمعنى استيفاءك حقك، فتحذف من الثاني كناية اسم المخاطب، اكتفاء بكنايته في الغلام و الحق كما قال الشاعر:
فلست مسلماً مادمت حياً على زيد بتسليم الأمير
يعني بذلك: كما يسلم على الأمير.فمعنى الكلام إذا: ومن الناس من يتخذ، أيها المؤمنون، من دون الله أنداداً يحبونهم كحبكم الله.
القول في تأويل قوله تعالى:"ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأه عامة أهل المدينة والشأم: "ولو يرى الذين ظلموا" بالتاء "إذ يرون العذاب" بالياء "أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب" بفتح أن و أن كلتيهما- بمعنى: ولو ترى يا محمد الذين كفروا وظلموا أنفسهم، حين يرون عذاب الله ويعاينونه "أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب".ثم في نصب أن و أن في هذه القراءة وجهان: أحدهما أن تفتح بالمحذوف من الكلام الذي هو مطلوب فيه، فيكون تأويل الكلام حينئذ: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا إذ يرون عذاب الله، لأقروا- ومعنى ترى: تبصر- أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب. ويكون الجواب حينئذ- إذا فتحت أن على هذا الوجه- متروكاً، قد اكتفي بدلالة الكلام عليه، ويكون المعنى ما وصفت. فهذا أحد وجهي فتح أن، على قراءة من قرأ ولو ترىبـ التاء.والوجه الآخر في الفتح: أن يكون معناه: ولو ترى، يا محمد، إذ يرى الذين ظلموا عذاب الله،لأن القوة لله جميعاً، وأن الله شديد العذاب، لعلمت مبلغ عذاب الله. ثم تحذف اللام فتفتح بذلك المعنى، لدلالة الكلام عليها،وقرأ ذلك آخرون من سلف القراء:(ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إن القوة لله جميعا وإن الله شديد العذاب). بمعنى: ولو ترى، يا محمد، الذين ظلموا حين يعاينون عذاب الله، لعلمت الحال التي يصيرون إليها. ثم أخبر تعالى ذكره خبراً مبتدأ عن قدرته وسلطانه، بعد تمام الخبر الأول فقال: (إن القوة لله جميعا) في الدنيا والآخرة، دون من سواه من الأنداد والآلهة، (وإن الله شديد العذاب) لمن أشرك به، وادعى معه شركاء، وجعل له نداً.
وقد يحتمل وجهاً آخر في قراءة من كسر إن في ترىبالتاء. وهو أن يكون معناه: ولو ترى، يا محمد، الذين ظلموا إذ يرون العذاب يقولون: إن القوة لله جميعاً وإن الله شديد العذاب. ثم تحذف القول وتكتفي منه بالمقول.وقرأ ذلك آخرون: "ولو يرى الذين ظلموا" بالياء "إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب" بفتح الألفمن أن وأن، بمعنى: ولو يرى الذين ظلموا عذاب الله الذي أعد لهم في جهنم، لعلموا حين يرونه فيعاينونه أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب، إذ يرون العذاب. فتكون ن الأولى منصوبة لتعلقها بجواب لوالمحذوف، ويكون الجواب متروكاً، وتكون الثانية معطوفة على الأولى. وهذه قراءة عامة القراء الكوفيين والبصريين وأهل مكة.وقد زعم بعض نحوي البصرة أن تأويل قراءة من قرأ: "ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب" بالياء في يرى وفتح لألفين في أن وأن : ولو يعلمون، لأنهم لم يكونوا علموا قدر ما يعاينون من العذاب. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم، فإذا قال: ولو ترى، فإنما يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم .ولو كسر إن على الابتداء، إذا قال: "ولو يرى" جاز، لأن لو يرى لو يعلم.وقد تكون لو في معنى لا يحتاج معها إلى شيء. تقول للرجل: أما والله لو يعلم، ولو تعلم
كما قال الشاعر:
إن يكن طبك الدلال، فلو في سالف الدهر والسنين الخوالي
هذا ليس له جواب إلا في المعنى، وقال الشاعر:
وبحظ مما نعيش، ولا تذ هب بك الترهات في الأهوال
فأضمر: فعيشي.قال: وقرأ بعضهم: ولوترى، وفتح أن على ترى. وليس بذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم، ولكن
أراد أن يعلم ذلك الناس، كما قال تعالى ذكره: "أم يقولون افتراه" [السجدة: 2] ليخبر الناس عن جهلهم، وكما قال: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض" [البقرة: 107].قال أبو جعفر: وأنكر قوم أن تكون أن عاملاً فيها قوله: "ولو يرى". وقالوا: إن الذين ظلموا قد علموا حين يرون العذاب أن القوة لله جميعاً، فلا وجه لمن تأول ذلك: ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله. وقالوا: إنما عمل في أن جواب لو الذي هو بمعنى العلم، لتقدم العلم الأول.وقال بعض نحويي الكوفة: من نصب أن القوة لله وأن الله شديد العذاب ، ممن قرأ: "ولو يرى" بالياء، فإنما نصبها بإعمال الرؤية فيها، وجعل الرؤية واقعة عليها. وأما من نصبها ممن قرأ ولو ترى بالتاء، فإنه نصبها على تأويل: لأن القوة لله جميعاً، ولأن الله شديد العذاب. قال:ومن كسرهما ممن قرأ بالتاء، فإنه يكسرهما على الخبر.وقال آخرون منهم: فتح أن في قراءة من قرأ: "ولو يرى الذين ظلموا" بالياء، بإعمال يرى وجواب الكلام حينئذ متروك، كما ترك جواب: "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض " [الرعد: 31]، لأن معنى الجنة والنار مكرر معروف. وقالوا: جائز كسر إن ، في قراءة من قرأ بـ الياء وإيقاع لرؤية على إذ في المعنى، وأجازوا نصب أن على قراءة من قرأ ذلك ـ التاء، لمعنى نية فعل آخر، وأن يكون تأويل الكلام: "ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب" [يرون]، أن القوة لله جميعاً وزعموا أن كسر إن الوجه، إذا قرئت ولو ترى ـ التاء على الاستئناف، لأن قوله: ولو ترى قد وقع على "الذين ظلموا".قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندنا في ذلك: "ولو يرى الذين ظلموا"- بالتاء من ترى "إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب" بمعنى: لرأيت أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب. فيكون قوله: لرأيت الثانية، محذوفة مستغنى بدلالة قوله: "ولو يرى الذين ظلموا"عن ذكره، إذ كان جواباً لـ لو.ويكون الكلام، وإن كان مخرجه مخرج الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم - معنيا به غيره. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا شك عالماً بأن القوة لله جميعاً، وأن الله شديد العذاب. ويكون ذلك نظير قوله: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض" [البقرة:107]، وقد بيناه في موضعه.وإنما اخترنا ذلك على قراءة الياء، لأن القوم إذا رأوا العذاب، قد أيقنوا أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب، فلا وجه أن يقال: لو يرون أن القوة لله جميعاً- حينئذ. لأنه إنما يقال: لو رأيت لمن لم ير، فأما من قد رآه، فلا معنى لأن يقال له: ورأيت.ومعنى قوله: "إذ يرون العذاب"، إذ يعاينون العذاب، كما:حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:"ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب"، يقول: لو عاينوا العذاب.وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: "ولو يرى الذين ظلموا"، ولو ترى، يا محمد، الذين ظلموا أنفسهم فاتخذوا من دوني أنداداً يحبونهم كحبكم إياي، حين يعاينون عذابي يوم القيامة الذي أعددت لهم لعلمتم أن القوة كلها لي دون الأنداد والآلهة، وأن الأنداد والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئاً، ولا تدفع عنهم عذاباً أحللت بهم، وأيقنتم أني، شديد عذابي لمن كفر بي، وادعى معي إلهاً غيري.
لما أخبر الله سبحانه وتعالى في الآية قبل ما دل على وحدانيته وقدرته وعظم سلطانه أخبر أن مع هذه الآيات القاهرة لذوي العقول من يتخذ معه أنداداً ، وواحدها ند ، وقد تقدم . والمراد الأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها كعبادة الله مع عجزها ، قاله مجاهد .
قوله تعالى : "يحبونهم كحب الله" أي يحبون أصنامهم على الباطل كحب المؤمنين لله على الحق ، قاله المبرد ، وقال معناه الزجاج . أي أنهم مع عجز الصنام يحبونهم كحب المؤمنين لله مع قدرته . وقال ابن عباس و السدي :المراد بالأنداد الرؤساء المتبعون ، يطيعونهم في معاصي الله . وجاء الضمير في "يحبونهم" على هذا على الأصل ، وعلى الأول جاء ضمير من يعقل على غير الأصل . وقال ابن كيسان و الزجاج أيضاً : معنى يحبونهم كحب الله أي يسوون بين الأصنام وبين الله تعالى في المحبة . قال أبو إسحاق : وهذا القول الصحيح ، والدليل على صحته : "والذين آمنوا أشد حبا لله" . وقرأ أبو رجاء "يحبونهم" بفتح الياء . وكذلك ما كان منه في القرآن ، وهي لغة ، يقال : حببت الرجل فهو محبوب . قال الفراء : أنشدني أبو تراب :
أحب لحبها السودان حتى حبيب لحبها سود الكلاب
و من في قوله من يتخذ في موضع رفع بالابتداء ، و يتخذ على اللفظ ، ويجوز في غير القرآن يتخذون على المعنى ، و يحبونهم على المعنى ، و يحبهم على اللفظ ، وهو في موضع نصب على الحال من الضمير الذي في يتخذ أي محبين ، وإن شئت كان نعتاً للأنداد ، أي محبوبة . والكاف من كحب نعت لمصدر محذوف ، أي يحبونهم حباً كحب الله . "والذين آمنوا أشد حبا لله" أي أشد من حب أهل الأوثان لأوثانهم والتابعين لمتبوعهم . وقيل : إنما قال: "والذين آمنوا أشد حبا لله" لأن الله تعالى أحبهم أولا ثم أحبوه . ومن شهد له محبوبه بالمحبة كانت محبته أتم ، قال الله تعالى : "يحبهم ويحبونه" . وسيأتي بيان حب المؤمنين لله تعالى وحبه لهم في سورة آل عمران إن شاء الله تعالى .
قوله تعالى : "ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب" قراءة أهل المدينة وأهل الشام بالتاء ، وأهل مكة وأهل الكوفة وأبو عمرو بالياء ، وهو اختيار أبي عبيد . وفي الآية إشكال وحذف ، فقال أبو عبيد : المعنى : لو يرى الذين ظلموا في الدنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه أن القوة لله جميعا . و يرى على هذا من رؤية البصر . قال النحاس في كتاب معاني القرآن له : وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير . وقال في كتاب إعراب القرآن له :وروي عن محمد بن يزيد أنه قال : هذا التفسير الذي جاء به أبو عبيد بعيد ، وليست عبارته فيه بالجيدة ، لأنه يقدر : ولو يرى الذين ظلموا العذاب ، فكأنه يجعله مشكوكاً فيه وقد أوجبه الله تعالى ، ولكن التقدير وهو قول الأخفش : ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله . و يرى بمعنى يعلم ، أي لو يعلمون حقيقة قوة الله عز وجل وشدة عذابه ، فـ يرى واقعة على أن القوة لله ، وسدت مسد المفعولين . و الذين فاعل يرى ، وجواب لو محذوف ، أي ليتبينوا ضرر اتخاذهم الآلهة ، كما قال عز وجل . "ولو ترى إذ وقفوا على ربهم" ، "ولو ترى إذ وقفوا على النار" ولم يأت لـ لو جواب . ؟قال الزهري و قتادة : الإضمار اشد للوعيد ، ومثهل قول القائل : لو رأيت فلاناً والسياط تأخذه ! ومن قرأ بالتاء فالتقدير : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه واستعظامهم له لأقورا أن القوة لله ، فالجواب مضمر على هذا النحو من المعنى وهو العامل في أن وتقدير آخر : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا رؤيتهم العذاب وفزعهم منه لعلمت أن القوة لله جميعاً . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك ، ولكن خوطب والمراد أمته ، فإن فيهم من يحتاج إلى تقوية علمه بمشاهدة مثل هذا .ويجوز أن يكون المعنى : قل يا محمد للظالم هذا . وقيل : أن في موضع نصب مفعول من أجله ، أي لأن القوة لله جميعاً . وأنشد سيبويه :
وأغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
أي لادخاره ، والمعنى : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال ولا ستعظمت ما حل بهم . ودخلت إذا وهي لما مضى في إثبات هذه المستقبلات تقريباً للأمر وتصحيحاً لوقوعه . وقرأ ابن عامر وحده يرون بضم الياء ، والباقون بفتحها . وقرأ الحسن ويعقوب وشيبة وسلام وأبو جعفر إن القوة ، وإن ال له بكسر الهمزة فيهما على الأستئناف أو على تقدير القول ، أي ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب يقولون إن القوة لله . وثبت بنص هذه الآية القوة لله ، بخلاف قول المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة ، تعالى الله عن قولهم .
يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا ومالهم في الدار الاخرة حيث جعلوا له أنداداً أي أمثالاً ونظراء , يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه, وهو الله لا إله إلا هو , ولا ضد له, ولا ند له, ولا شريك معه. وفي الصحيحين "عن عبد الله بن مسعود , قال: قلت: يا رسول الله, أي الذنب أعظم ؟ قال أن تجعل لله نداً وهو خلقك" وقوله: "والذين آمنوا أشد حباً لله" ولحبهم لله وتمام معرفتهم به وتوقيرهم وتوحيدهم له, لا يشركون به شيئاً بل يعبدونه وحده, ويتوكلون عليه, ويلجأون في جميع أمورهم إليه. ثم توعد تعالى المشركين به الظالمين لأنفسهم بذلك, فقال "ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً" قال بعضهم: تقدير الكلام, لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن القوة لله جميعاً, أي أن الحكم له وحده لا شريك له, وأن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه "وأن الله شديد العذاب" كما قال " فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد " يقول لو يعلمون ما يعاينونه هنالك وما يحل بهم من الأمر الفظيع المنكر الهائل على شركهم وكفرهم لانتهوا عما هم فيه من الضلال ثم أخبر عن كفرهم بأوثانهم وتبري المتبوعين من التابعين, فقال: "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا" تبرأت منهم الملائكة الذين كانوا يزعمون أنهم يعبدونهم في الدار الدنيا, فيقول الملائكة: "تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون" ويقولون: "سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون", والجن أيضاً تتبرأ منهم, ويتنصلون من عبادتهم لهم, كما قال تعالى: "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين" وقال تعالى: " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً" وقال الخليل لقومه "إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين" وقال تعالى: "ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين * قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون" وقال تعالى: " وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم " وقوله: "ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب" أي عاينوا عذاب الله وتقطعت بهم الحيل وأسباب الخلاص ولم يجدوا عن النار معدلاً ولا مصرفاً. قال عطاء عن ابن عباس "وتقطعت بهم الأسباب" قال المودة, وكذا قال مجاهد في رواية ابن أبي نجيح, وقوله: " وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا " أي لو أن لنا عودة إلى الدار الدنيا حتى نتبرأ من هؤلاء ومن عبادتهم, فلا نلتفت إليهم بل نوحد الله تعالى عنهم بذلك, ولهذا قال: "كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم" أي تذهب وتضمحل كما قال تعالى: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً" وقال تعالى: "مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف" الاية, وقال تعالى: "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء" الاية, ولهذا قال تعالى: "وما هم بخارجين من النار".
لما فرغ سبحانه من الدليل على وحدانيته، أخبر أن مع هذا الدليل الظاهر المفيد لعظيم سلطانه، وجليل قدرته وتفرده بالخلق، قد وجد في الناس من يتخذ معه سبحانه نداً يعبده من الأصنام. وقد تقدم تفسير الأنداد، مع أن هؤلاء الكفار لم يقتصروا على مجرد عبادة الأنداد، بل أحبوها حباً عظيماً وأفرطوا في ذلك إفراطاً بالغاً، حتى صار حبهم لهذه الأوثان ونحوها متمكناً في صدورهم كتمكن حب المؤمنين لله سبحانه، فالمصدر في قوله: 165- "كحب الله" مضاف إلى المفعول، والفاعل محذوف وهو المؤمنون. ويجوز أن يكون المراد كحبهم لله: أي عبدة الأوثان قاله ابن كيسان والزجاج. ويجوز أن يكون هذا المصدر من المبني للمجهول: أي كما يحب الله. والأول أولى لقوله: "والذين آمنوا أشد حباً لله" فإنه استدراك لما يفيده التشبيه من التساوي: أي أن حب المؤمنين لله أشد من حب الكفار للأنداد، لأن المؤمنين يخصون الله سبحانه بالعبادة والدعاء، والكفار لا يخصون أصنامهم بذلك، بل يشركون الله معهم، ويعترفون بأنهم إنما يعبدون أصنامهم ليقربوهم إلى الله، ويمكن أن يجعل هذا: أعني قوله: "والذين آمنوا أشد حباً لله" دليلاً على الثاني، لأن المؤمنين كانوا أشد حباً لله لم يكن حب الكفار للأنداد كحب المؤمنين لله، وقيل: المراد بالأنداد هنا الرؤساء: أي يطيعونهم في معاصي الله، ويقوي هذا الضمير في قولهم: "يحبونهم" فإن لمن يعقل، ويقويه أيضاً قوله سبحانه عقب ذلك: "إذ تبرأ الذين اتبعوا" الآية. قوله: " ولو يرى الذين ظلموا " قراءة أهل مكة والكوفة وأبو عمرو بالياء التحتية، وهو اختيار أبي عبيد. وقراءة أهل المدينة وأهل الشام بالفوقية، والمعنى على القراءة الأولى: لو يرى الذين ظلموا في الدنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه أن القوة لله جميعاً قاله أبو عبيد. قال النحاس: وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير انتهى. وعلى هذا فالرؤية هي البصرية لا القلبية. وروي عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال: هذا التفسير الذي جاء به أبو عبيد بعيد، وليست عبارته فيه بالجيدة، لأنه يقدر: ولو يرى الذين ظلموا العذاب، فكأنه يجعله مشكوكاً فيه. وقد أوجبه الله تعالى، ولكن التقدير وهو الأحسن: ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله- ويرى بمعنى يعلم: أي لو يعلمون حقيقة قوة الله وشدة عذابه. قال: وجواب لو محذوف: أي ليتبينوا ضرر اتخاذهم الآلهة كما حذف في قوله: "ولو ترى إذ وقفوا على النار" "ولو ترى إذ وقفوا على ربهم" ومن قرأ بالفوقية فالتقدير: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه لعلمت أن القوة لله جميعاً. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك ولكن خوطب بهذا الخطاب، والمراد به أمته، وقيل: "أن" في موضع نصب مفعول لأجله: أي لأن القوة لله، كما قال الشاعر:
وأغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
أي لادخاره، والمعنى: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب، لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال، ودخلت "إذ" وهي لما مضى في إثبات هذه المستقبلات تقريباً للأمر وتصحيحاً لوقوعه. وقرأ ابن عامر "إذ يرون" بضم الياء، والباقون بفتحها. وقرأ الحسن ويعقوب وأبو جعفر " أن القوة " و"إن الله" بكسر الهمزة فيهما على الاستئناف، وعلى تقدير القول.
165. قوله تعالى: " ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً " أي أصناماً يعبدونها " يحبونهم كحب الله " أي يحبون آلهتهم كحب المؤمنين الله، وقال الزجاج : يحبون الأصنام كما يحبون الله لأنهم أشركوها مع الله فسووا بين الله وبين أوثانهم في المحبة " والذين آمنوا أشد حباً لله " أي أثبت وأدوم على حبه لأنهم لا يختارون على الله ما سواه والمشركون إذا اتخذوا صنماً ثم رأوا أحسن منه طرحوا الأول واختاروا الثاني قال قتادة : إن الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء ويقبل على الله تعالى كما أخبر الله عز وجل عنهم فقال: " فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين " (65-العنكبوت) والمؤمن لا يعرض عن الله في السراء والضراء والشدة والرخاء.
قال سعيد بن جبير : إن الله عز وجل يأمر يوم القيامة من أحرق نفسه في الدنيا على رؤية الأصنام أن يدخلوا جهننم مع أصنامهم فلا يدخلون لعلمهم أن عذاب جهنم على الدوام، ثم يقول للمؤمنين وهم بين أيدي الكفار: (( إن كنتم أحبائي فادخلوا جهنم )) فيقتحمون فيها فينادي مناد من تحت العرش " والذين آمنوا أشد حباً لله " وقيل إنما قال " والذين آمنوا أشد حباً لله " لأن الله تعالى أحبهم أولاً ثم أحبوه ومن شهد له المعبود بالمحبة كانت محبته أتم قال الله تعالى: " يحبهم ويحبونه " (54-المائدة).
قوله تعالى: " ولو يرى الذين ظلموا " قرأ نافع و ابن عامر و يعقوب ولو ترى بالتاء وقرأ الآخرون بالياء وجواب لو هاهنا محذوف ومثله كثير في القرآن كقوله تعالى " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به " (الرعد-31 يعني لكان هذا القرآن فمن قرأ بالتاء معناه ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم من شدة العذاب لرأيت أمرأً عظيماً، وقيل: معناه قل يا محمد: أيها الظالم لو ترى الذين ظلموا أو أشركوا في شدة العقاب لرأيت أمراً فظيعاً، ومن قرأ بالياء معناه ولو يرى الذين ظلموا أنفسهم عند رؤية العذاب أو لو رأوا شدة عذاب الله وعقوبته حين يرون العذاب لعرفوا مضرة الكفر وأن ما اتخذوا من الأصنام لا ينفعهم.
قوله تعالى: " إذ يرون " قرأ ابن عامر بضم الياء والباقون بفتحها " العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب " أي بأن القوة لله جميعاً معناه لرأوا معناه لرأوا وأيقنوا أن القوة لله جميعاً.
وقرا أبو جعفر و يعقوب إن القوة وإن الله بكسر الألف على الاستئناف والكلام تام عند قوله " إذ يرون العذاب " مع إضمار الجواب.
165-" ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً " من الأصنام . وقيل الرؤساء الذين كانوا يطيعونهم لقوله تعالى : " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " ولعل المراد أعم منهما وهو ما يشغله عن الله " يحبونهم " يعظمونهم ويطيعونهم " كحب الله " كتعظيمه والميل إلى طاعته ، أي يسوون بينه وبينهم في المحبة والطاعة ، والمحبة : ميل القلب من الحب ، استعير لحبة القلب ، ثم اشتق منه الحب لأنه أصابها ورسخ فيها ، ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته و الإعتناء بتحصيل مراضيه ، ومحبة الله للعبد إرادة إكرامه واستعماله في الطاعة ، وصونه عن المعاصي . " والذين آمنوا أشد حباً لله " لأنه لا ينقطع محبتهم لله تعالى ، بخلاف محبة الإنداد فإنها لأغراض فاسدة موهومة تزول بأدنى سبب ،ولذلك كانوا يعدلون عن آلهتهم إلى الله تعالى عند الشدائد ،ويعبدون الصنم زماناً ثم يرفضونه إلى غيره .
" ولو يرى الذين ظلموا " ولو يعلم هؤلاء الذين ظلموا باتخاذ الأنداد " إذ يرون العذاب " إذ عاينوه يوم القيامة . وأجرى المستقبل مجرى الماضي لتحققه كقوله تعالى : " ونادى أصحاب الجنة " .
" أن القوة لله جميعاً " ساد مسد مفعولي " يرى " ، وجواب " لو " محذوف . أي لو يعلمون أن القوة لله جميعاً إذا عاينوا العذاب لندموا أشد الندم . وقيل هو متعلق الجواب والمفعولان محذوفان ، والتقدير : ولو يرى الذين ظلموا أندادهم لا تنفع ، لعلموا أن القوة لله كلها لا ينفع ولا يضر غيره . و قرأ ابن عامر و نافع و يعقوب : و لو ترى على أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي ولو ترى ذلك لرأيت أمراً عظيماً ، و ابن عامر : " إذ يرون " على البناء للمفعول ، و يعقوب " إن " بالكسر وكذا " وأن الله شديد العذاب " على الاستئناف ، أو إضمار القول .
165. Yet of mankind are some who take unto themselves objects of worship which they set as) rivals to Allah, loving them with a love like (that which is the due) of Allah (only) Those who believe are stauncher in their love for Allah, that those who do evil had but known, (on the day) when they behold the doom, that power belongeth wholly to Allah, and that Allah is severe in punishment!
165 - Yet there are men who take (for worship) others besides God, as equal (with God): they love them as they should love God. but those of faith are overflowing in their love for God. if only the unrighteous could see, behold, they would see the penalty: that to God belongs all power, and God will strongly enforce the penalty.