(أو لما أصابتكم مصيبة) بأحد بقتل سبعين منكم (قد أصبتم مثليها) ببدر بقتل سبعين وأسر سبعين منهم (قلتم) متعجبين (أنى) من أين لنا (هذا) الخذلان ونحن مسلمون ورسول الله فينا ، الجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري (قل) لهم (هو من عند أنفسكم) لأنكم تركتم المركز فخذلتم (إن الله على كل شيء قدير) ومنه النصر ومنعه وقد جازاكم بخلافكم
قوله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة الآية أخرج ابن أبي حاتم عن عمر ابن الخطاب قال عوقبوا يوم أحد بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله أو لما أصابتكم مصيبة الآية
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك : أوحين أصابتكم ، أيها المؤمنون ، "مصيبة"، وهي القتلى الذين قتلوا منهم يوم أحد، والجرحى الذين جرحوا منهم بأحد-وكان المشركون قتلوا منهم يومئذ سبعين نفراً- "قد أصبتم مثليها"، يقول : قد أصبتم ، أنتم أيها المؤمنون ، من المشركين مثلي هذه المصيبة التي أصابوا هم منكم ، وهي المصيبة التي أصابها المسلمون من المشركين ببدر، وذلك أنهم قتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين ، "قلتم أنى هذا"، يعني : قلتم لما أصابتكم مصيبتكم بأحد، "أنى هذا"، من أي وجه هذا؟ ومن أين أصابنا هذا الذي أصابنا، ونحن مسلمون وهم مشركون ، وفينا نبي الله صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحي من السماء، وعدونا أهل كفر بالله وشرك ؟ "قل" يا محمد للمؤمنين بك من أصحابك ، "هو من عند أنفسكم"، يقول : قل لهم : أصابكم هذا الذي أصابكم من عند أنفسكم ، بخلافكم أمري وترككم طاعتي ، لا من عند غيركم ، ولا من قبل أحد سواكم ، "إن الله على كل شيء قدير"، يقول : إن الله على جميع ما أراد بخلقه من عفو وعقوبة، وتفضل وانتقام ، "قدير"، يعني : ذو قدرة.
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "قل هو من عند أنفسكم"، بعد إجماع جميعهم على أن تأويل سائر الآية على ما قلنا في ذلك من التأويل. فقال بعضهم: تأويل ذلك : "قل هو من عند أنفسكم"، بخلافكم على نبي الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أشار عليكم بترك الخروج إلى عدوكم والإصحار لهم حتى يدخلوا عليكم مدينتكم ويصيروا بين آطامكم ، فأبيتم ذلك عليه ، وقلتم : اخرج بنا إليهم حتى نصحر لهم فنقاتلهم خارج المدينة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا"، أصيبوا يوم أحد، قتل منهم سبعون يومئذ، وأصابوا مثليها يوم بدر، قتلوا من المشركين سبعين وأسروا سبعين ، "قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم"، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم أحد، حين قدم أبو سفيان والمشركون ، "فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : أنا في جنة حصينة، يعني بذلك المدينة، فدعوا القوم أن يدخلوا علينا نقاتلهم. فقال له ناس من أصحابه من الأنصار: يا نبي الله ، إنا نكره أن نقتل في طوق المدينة، وقد كنا نمتنع من الغزو في الجاهلية، فبالإسلام أحق أن نمتنع منه ! فأبرز بنا إلى القوم. فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته ، فتلاوم القوم فقالوا : عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره! اذهب يا حمزة فقل لنبي الله صلى الله عليه وسلم: أمرنا لأمرك تبع". فأتى حمزة فقال له : يا نبي الله ، إن القوم قد تلاوموا وقالوا: أمر لا لأمرك تبع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز، وإنه ستكون فيكم مصيبة. قالوا: يا نبي الله ، خاصة أو عامة؟ قال : سترونها- ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن بقراً تنحر، فتأولها قتلا في أصحابه ، ورأى أن سيفه ذا الغفار انفصم ، فكان قتل عمه حمزة، قتل يومئذ، وكان يقال له : أسد الله ، ورأى أن كبشاً عتر، فتأوله كبش الكتيبة، عثمان بن أبي طلحة، أصيب يومئذ، وكان معه لواء المشركين.
حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع بنحوه ، غير أنه قال : "قد أصبتم مثليها"، يقول : مثلي ما أصيب منكم ، "قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم"، يقول : بما عصيتم. حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة قال : أصيب المسلمون يوم أحد مصيبة، وكانوا قد أصابوا مثليها يوم بدر ممن قتلوا وأسروا، فقال الله عز وجل : "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها".
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عمر بن عطاء، عن عكرمة قال : قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين ، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين ، فذلك قوله : "قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا"، إذ نحن مسلمون ، نقاتل جميعاً لله وهؤلاء مشركون ، "قل هو من عند أنفسكم"، عقوبة لكم بمعصيتكم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ما.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن : "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم"، قالوا: فإنما أصابنا هذا وإنا قبلنا الفداء يوم بدر من الأسارى، وعصينا النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فمن قتل منا كان شهيداً، ومن بقي منا كان مطهراً ، رضينا ربناً!
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن وابن جريج قالا: معصيتهم أنه قال لهم : لا تتبعوهم ، يوم أحد، فاتبعوهم.
حدثنا محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم ذكر ما أصيب من المؤمنين - يعني بأحد - وقتل منهم سبعون إنساناً - "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها"، كانوا يوم بدر أسروا سبعين رجلاً وقتلوا سبعين ، "قلتم أنى هذا"، أي : من أين هذا، "قل هو من عند أنفسكم"، أنكم عصيتم.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها"، يقول : إنكم أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : ثم ذكر المصيبة التي أصابتهم فقال : "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم"، أي : إن تك قد أصابتكم مصيبة في إخوانكم ، فبذنوبكها، قد أصبتم مثليها قبل من عدوكم ، في اليوم الذي كان قبله ببدر، قتلى وأسرى، ونسيتم معصيتكم وخلافكم ما أمركم به نبيكم صلى الله عليه وسلم. أنتم أحللتم ذلك بأنفسكم ، "إن الله على كل شيء قدير"، أي : إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو، قدير.
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها"، الآية، يعني بذلك : أنكم أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد.
وقال بعضهم : بل تأويل ذلك : "قل هو من عند أنفسكم"، بإساركم المشركين يوم بدر، وأخذكم منهم الفداء، وترككم قتلهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث بن سوار، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : أسر المسلمون من المشركين سبعين وقتلوا سبعين ، "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختاروا أن تأخذوا منهم الفداء فتتقووا به على عدوكم ، وإن قبلتموه قتل منكم سبعون ، أو تقتلوهم . فقالوا : بل نأخذ الفدية منهم وبقتل منا سبعون. قال : فأخذوا الفدية منهم ، وقتلوا منهم سبعين". قال عبيدة : وطلبوا الخيرتين كلتيهما.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : أنه قال في أسارى بدر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم.قالوا: بل نأخذ الفداء فنستمتع به ، ويستشهد منا بعدتهم.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني إسماعيل ، عن ابن عون ، عن محمد، عن عبيدة السلماني ، وحدثني حجاج ، عن جرير، عن محمد، عن عبيدة السلماني ، عن علي قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا محمد، إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين : أن يقدموا فتضرب أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم. قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فذكر ذلك لهم ، فقالوا : يا رسول الله ، عشائرنا خواننا!! لا بل نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا، ويستشهد منا عدتهم ، فليس في ذلك ما نكره ! قال : فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلاً، عدة أسارى أهل بدر.
الألف للاستفهام ، والواو للعطف ، " مصيبة " أي غلبة ، " قد أصبتم مثليها " يوم بدر بأن قتلتم منهم سبعين وأسرتم سبعين ، والأسير في حكم المقتول ، لأن الآسر يقتل أسيره إن أراد ، أي فهزمتموهم يوم بدر ويوم أحد أيضاً في الابتداء ، وقتلتم فيه قريباً من عشرين ، قتلتم منهم في يومين ، ونالوا منكم في يوم أحد ، " قلتم أنى هذا " أي من أين أصابنا هذا الإنهزام والقتل ، ونحن نقاتل في سبيل الله ، ونحن مسلمون ، وفينا النبي والوحي ، وهم مشركون ! " قل هو من عند أنفسكم " يعني مخالفة الرماة ، وما من قوم أطاعوا نبيهم في حرب إلا نصروا ، لأنهم إذا أطاعوا فهم حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ، وقال قتادة و الربيع بن أنس : يعني سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج بعد ما أراد الإقامة بالمدينة ، وتأولها ، في الرؤيا التي رآها درعاً حصينة ، علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، هو اختيارهم الفداء يوم بدر على القتل ، وقد قيل لهم : إن فاديتم الأسارى قتل منكم على عدتهم ، وروى البيهقي : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال " قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأسارى يوم بدر : إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء واستشهد منكم بعدتهم " ، فكان آخر السبعين ثابت بن قيس قتل يوم اليمامة ، فمعنى " من عند أنفسكم " على القولين الأولين بذنوبكم ، وعلى القول الأخير باختياركم .
يقول تعالى: " أو لما أصابتكم مصيبة " وهي ما أصيب منهم يوم أحد من قتل السبعين منهم "قد أصبتم مثليها" يعني يوم بدر, فإنهم قتلوا من المشركين سبعين قتيلاً, وأسروا سبعين أسيراً, "قلتم أنى هذا" أي من أين جرى علينا هذا "قل هو من عند أنفسكم" قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا قراد أبو نوح , حدثنا عكرمة بن عمار , حدثنا سماك الحنفي أبو زميل , حدثني ابن عباس , حدثني عمر بن الخطاب , قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل, عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء, فقتل منهم سبعون, وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه, وكسرت رباعيته, وهشمت البيضة على رأسه, وسال الدم على وجهه, فأنزل الله " أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم " بأخذكم الفداء. وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غزوان وهو قراد أبو نوح بإسناده ولكن بأطول منه, وهكذا قال الحسن البصري , وقال ابن جرير : حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثنا إسماعيل ابن علية عن ابن عون عن محمد عن عبيد , ح, قال سنيد وهو حسين : وحدثني حجاج عن جرير , عن محمد عن عبيدة , عن علي رضي الله عنه, قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا محمد, إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى, وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين: إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم, وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم, قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس, فذكر لهم ذلك فقالوا: يا رسول الله, عشائرنا وإخواننا ألا نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا, ويستشهد منا عدتهم, فليس في ذلك ما نكره ؟ قال: فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلاً, عدة أسارى أهل بدر " , وهكذا رواه النسائي والترمذي من حديث أبي داود الحفري عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة , عن سفيان بن سعيد , عن هشام بن حسان , عن محمد بن سيرين به, ثم قال الترمذي : حسن غريب, لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة , وروى أبو أسامة عن هشام نحوه, وروى عن ابن سيرين عن عبيدة , عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وقال محمد بن إسحاق و ابن جريج والربيع بن أنس والسدي "قل هو من عند أنفسكم" أي بسبب عصيانكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم, يعني بذلك الرماة "إن الله على كل شيء قدير" أي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه, ثم قال تعالى: "وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله" أي فراركم بين يدي عدوكم وقتلهم لجماعة منكم وجراحتهم لاخرين, كان بقضاء الله وقدره, وله الحكمة في ذلك "وليعلم المؤمنين" أي الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا " وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم " يعني بذلك أصحاب عبد الله بن أبي ابن سلول الذين رجعوا معه في أثناء الطريق, فاتبعهم رجال من المؤمنين يحرضونهم على الإياب والقتال والمساعدة, ولهذا قال "أو ادفعوا" قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأبو صالح والحسن والسدي : يعني كثروا سواد المسلمين, وقال الحسن بن صالح : ادفعوا بالدعاء, وقال غيره: رابطوا, فتعللوا قائلين " لو نعلم قتالا لاتبعناكم " قال مجاهد : يعنون لو نعلم أنكم تلقون حرباً لجئناكم, ولكن لا تلقون قتالاً. قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ , وغيرهم من علمائنا, كلهم قد حدث, قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حين خرج إلى أحد في ألف رجل من أصحابه, حتى إذا كان بالشوط بين أحد والمدينة, انحاز عنه عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس, وقال: أطاعهم فخرج وعصاني, ووالله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس ؟ فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب, واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم, قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكن لا نرى أن يكون قتال, فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الإنصراف عنهم, قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم, ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل: "هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان" استدلوا به علة أن الشخص قد تتقلب به الأحوال, فيكون في حال أقرب إلى الكفر, وفي حال أقرب إلى الإيمان, لقوله: "هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان". ثم قال تعالى: "يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم" يعني أنهم يقولون القول ولا يعتقدون صحته, ومنه قولهم هذا " لو نعلم قتالا لاتبعناكم " فإنهم يتحققون أن جنداً من المشركين قد جاؤوا من بلاد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسبب ما أصيب من سراتهم يوم بدر. وهم أضعاف المسلمين أنه كائن بينهم قتال لا محالة. ولهذا قال تعالى: "والله أعلم بما يكتمون" ثم قال تعالى: "الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا" أي لو سمعوا من مشورتنا عليهم في القعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل, قال الله تعالى: " قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين " أي إن كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت, فينبغي أنكم لا تموتون, والموت لا بد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة, فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين. قال مجاهد عن جابر بن عبد الله : نزلت هذه الاية في عبد الله بن أبي ابن سلول.
قوله 165- "أو لما أصابتكم مصيبة" الألف للاستفهام بقصد التقريع، والواو للعطف. والمصيبة: الغلبة والقتل الذي أصيبوا به يوم أحد "قد أصبتم مثليها" يوم بدر، وذلك أن الذين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعون. وقد كانوا قتلوا من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين، فكان مجموع القتلى والأسرى يوم بدر مثلي القتلى من المسلمين يوم أحد، والمعنى: أحبن ما أصابكم من المشركين نصف ما أصابهم منكم قبل ذلك جزعتم وقلتم من أين أصابنا هذا؟ وقد وعدنا بالنصر. وقوله "أنى هذا" أي من أين أصابنا هذا الانهزام والقتل ونحن نقاتل في سبيل الله، ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وعدنا الله بالنصر عليهم. وقوله "قل هو من عند أنفسكم" أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب عن سؤالهم بهذا الجواب: أي هذا الذي سألتم عنه هو من عند أنفسكم بسبب مخالفة الرماة لما أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من لزوم المكان الذي عينه لهم، وعدم مفارقتهم له على كل حال- وقيل: إن المراد بقوله "هو من عند أنفسكم" خروجهم من المدينة. ويرده أن الوعد بالنصر إنما كان بعد ذلك، وقيل: هو اختيارهم الفداء يوم بدر على القتل.
165-" أو لما " أي: حين "أصابتكم مصيبة" ، بأحد ،"قد أصبتم مثليها" ، يوم بدر، وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين وقتل المسلمون منهم ببدر سبعين وأسروا سبعين،"قلتم أنى هذا"، من أين لنا هذا القتل والهزيمة ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا؟" قل هو من عند أنفسكم" روى عبيدة السلمانيعن علي رضي الله عنه، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأساري ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يقدموا فتضرب أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ، فقالوا: يا رسول الله عشائرنا وإخواننا، لا بل نأخذ فداءهم فنقوى بها على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم [فقتل منهم يوم احد] سبعون من أسارى أهل بدر ، فهذا معنى قوله تعالى:" قل هو من عند أنفسكم" أي: بأخذكم الفداء واختياركم القتل،" إن الله على كل شيء قدير ".
165" أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا " الهمزة للتقريع والتقرير، والوا عاطفة للجملة على ما سبق من قصة أحد أو على محذوف مثل أفعلتم كذا وقلتم، ولما ظرفه المضاف إلى ما أصابتكم أي أقلتم حين أصابتكم مصيبة وهي قتل سبعين منكم يوم أحد، والحال إنكم نلتم ضعفاً يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من أين هذا أصابنا وقد وعدنا الله النصر. " قل هو من عند أنفسكم " أي مما اقترفته أنفسكم من مخالفة الأمر بترك المركز فإن الوعد كان مشروطاً بالثبات والمطاوعة، أو اختيار الخروج من المدينة. وعن علي رضي الله تعالى عنه باختياركم الفداء يوم بدر. " إن الله على كل شيء قدير " فيقدر على النصر ومنعه وعلى أن يصيب بكم ويصيب منكم.
165. And was it so, when a disaster smote you, though ye had smitten (them with a disaster) twice (as great), that ye said: How is this? Say (unto them, O Muhammad): It is from yourselves. Lo! Allah is Able to do all things.
165 - What when a single disaster smites you, although ye smote (your enemies) with one twice as great, do ye say? whence is this? say (to them): it is from yourselves: for God hath power over all things.