(وما أصابكم يوم التقى الجمعان) بأحد (فبإذن الله) بإرادته (وليعلم) الله علم ظهور (المؤمنين) حقاً
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك : والذي أصابكم "يوم التقى الجمعان"، وهو يوم أحد، حين التقى جمع المسلمين والمشركين. ويعني ب الذي أصابهم، ما نال من القتل من قتل منهم ، ومن الجراح من جرح منهم ، "فبإذن الله"، يقول : فهو بإذن الله كان ، يعني : بقضائه وقدره فيكم . وأجاب ما بالفاء، لأن ما حرف جزاء، وقد بينت نظير ذلك فيما مض قبل. "وليعلم المؤمنين" "وليعلم الذين نافقوا"، بمعنى : وليعلم الله المؤمنين ، وليعلم الذين نافقوا، أصابكم ما أصابكم يوم التقى الجمعان بأحد، ليميز أهل الإيمان بالله ورسوله المؤمنين منكم من المنافقين فيعرفونهم ، لا يخفى عليهم أمر الفريقين.
وقد بينا تأويل قوله : "وليعلم المؤمنين" فيما مضى، وما وجه ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال ابن إسحق.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين"، أي : ما أصابكم حين التقيتم أنتم وعدوكم ، فبإذني كان ذلك حين فعلتم ما فعلتم ، بعد أن جاءكم نصري ، وصدقتكم وعدي ، ليميز بين المنافقين والمؤمنين ، وليعلم الذين نافقوا منكم، ليظهروا ما فيهم.
يعني يوم أحد من القتل والجرح والهزيمة " فبإذن الله " أي بعلمه ، وقيل : بقضائه وقدره ، قال القفال ، أي فبتخليته بينكم وبينهم ، لا أنه أراد ذلك ، وهذا تأويل المعتزلة ، ودخلت الفاء في " فبإذن الله " لأن ( ما ) بمعنى الذي ، أي والذي أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله ، فأشبه الكلام معنى الشرط ، كما قال سيبويه : الذي قام فله درهم . " وليعلم المؤمنين " .
يقول تعالى: " أو لما أصابتكم مصيبة " وهي ما أصيب منهم يوم أحد من قتل السبعين منهم "قد أصبتم مثليها" يعني يوم بدر, فإنهم قتلوا من المشركين سبعين قتيلاً, وأسروا سبعين أسيراً, "قلتم أنى هذا" أي من أين جرى علينا هذا "قل هو من عند أنفسكم" قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا قراد أبو نوح , حدثنا عكرمة بن عمار , حدثنا سماك الحنفي أبو زميل , حدثني ابن عباس , حدثني عمر بن الخطاب , قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل, عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء, فقتل منهم سبعون, وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه, وكسرت رباعيته, وهشمت البيضة على رأسه, وسال الدم على وجهه, فأنزل الله " أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم " بأخذكم الفداء. وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غزوان وهو قراد أبو نوح بإسناده ولكن بأطول منه, وهكذا قال الحسن البصري , وقال ابن جرير : حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثنا إسماعيل ابن علية عن ابن عون عن محمد عن عبيد , ح, قال سنيد وهو حسين : وحدثني حجاج عن جرير , عن محمد عن عبيدة , عن علي رضي الله عنه, قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا محمد, إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى, وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين: إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم, وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم, قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس, فذكر لهم ذلك فقالوا: يا رسول الله, عشائرنا وإخواننا ألا نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا, ويستشهد منا عدتهم, فليس في ذلك ما نكره ؟ قال: فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلاً, عدة أسارى أهل بدر " , وهكذا رواه النسائي والترمذي من حديث أبي داود الحفري عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة , عن سفيان بن سعيد , عن هشام بن حسان , عن محمد بن سيرين به, ثم قال الترمذي : حسن غريب, لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة , وروى أبو أسامة عن هشام نحوه, وروى عن ابن سيرين عن عبيدة , عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وقال محمد بن إسحاق و ابن جريج والربيع بن أنس والسدي "قل هو من عند أنفسكم" أي بسبب عصيانكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم, يعني بذلك الرماة "إن الله على كل شيء قدير" أي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه, ثم قال تعالى: "وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله" أي فراركم بين يدي عدوكم وقتلهم لجماعة منكم وجراحتهم لاخرين, كان بقضاء الله وقدره, وله الحكمة في ذلك "وليعلم المؤمنين" أي الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا " وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم " يعني بذلك أصحاب عبد الله بن أبي ابن سلول الذين رجعوا معه في أثناء الطريق, فاتبعهم رجال من المؤمنين يحرضونهم على الإياب والقتال والمساعدة, ولهذا قال "أو ادفعوا" قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأبو صالح والحسن والسدي : يعني كثروا سواد المسلمين, وقال الحسن بن صالح : ادفعوا بالدعاء, وقال غيره: رابطوا, فتعللوا قائلين " لو نعلم قتالا لاتبعناكم " قال مجاهد : يعنون لو نعلم أنكم تلقون حرباً لجئناكم, ولكن لا تلقون قتالاً. قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ , وغيرهم من علمائنا, كلهم قد حدث, قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حين خرج إلى أحد في ألف رجل من أصحابه, حتى إذا كان بالشوط بين أحد والمدينة, انحاز عنه عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس, وقال: أطاعهم فخرج وعصاني, ووالله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس ؟ فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب, واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم, قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكن لا نرى أن يكون قتال, فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الإنصراف عنهم, قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم, ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل: "هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان" استدلوا به علة أن الشخص قد تتقلب به الأحوال, فيكون في حال أقرب إلى الكفر, وفي حال أقرب إلى الإيمان, لقوله: "هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان". ثم قال تعالى: "يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم" يعني أنهم يقولون القول ولا يعتقدون صحته, ومنه قولهم هذا " لو نعلم قتالا لاتبعناكم " فإنهم يتحققون أن جنداً من المشركين قد جاؤوا من بلاد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسبب ما أصيب من سراتهم يوم بدر. وهم أضعاف المسلمين أنه كائن بينهم قتال لا محالة. ولهذا قال تعالى: "والله أعلم بما يكتمون" ثم قال تعالى: "الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا" أي لو سمعوا من مشورتنا عليهم في القعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل, قال الله تعالى: " قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين " أي إن كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت, فينبغي أنكم لا تموتون, والموت لا بد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة, فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين. قال مجاهد عن جابر بن عبد الله : نزلت هذه الاية في عبد الله بن أبي ابن سلول.
166- "يوم التقى الجمعان" يوم أحد: أي ما أصابكم يوم أحد من القتل والجرح والهزيمة "فبإذن الله" فبعلمه، وقيل: بقضائه وقدره، وقيل: بتخيله بينكم وبينهم، والفاء دخلت في جواب الموصول لكونه يشبه الشرط كما قال سيبويه. وقوله "وليعلم المؤمنين" عطف على قوله "فبإذن الله" عطف سبب على سبب.
166-"وما أصابكم يوم التقى الجمعان" ، بأحد من القتل والجرح والهزيمة،" فبإذن الله"،أي: بقضائه وقدره، "وليعلم المؤمنين"،أي: ليميز ، وقيل ليرى.
166"وما أصابكم يوم التقى الجمعان" جمع المسلمين وجمع المشركين يريد يوم أحد. "فبإذن الله" فهو كائن بقضائه أو تخليته الكفار سماها إذناً لأنها من لوازمه. "وليعلم المؤمنين".
166. That which befell you, on the day when the two armies met, was by permission of Allah; that He might know the true believers;
166 - What ye suffered on the day the tow armies met, was with the leave of God, in order that he might test the believers,