ونزل فيمن حرم السوائب ونحوها: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً) حال (طيباً) صفة مؤكدة أي مستلذاً (ولا تتبعوا خطوات) طرق (الشيطان) أي تزيينه (إنه لكم عدو مبين) بين العداوة
القول في تأويل قوله تعالى: "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: يا أيها الناس كلوا مما أحللت لكم من الأطعمة على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم ، فطيبته لكم- مما تحرمونه على أنفسكم من البحائر والسوائب والوصائل وما أشبه ذلك مما لم أحرمه عليكم- دون ما حرمته عليكم من المطاعم والمآكل فنجسته من ميتة ودم ولحم خنزير وما هل به لغيري. ودعوا خطوات الشيطان- الذي يوبقكم فيهلككم، ويوردكم موارت العطب، ويحرم عليكم موالكم- فلا تتبعوها ولا تعملوا بها، إنه- يعني بقوله: "إنه" إن الشيطان، والهاء في قوله: "إنه" عائدة على الشيطان- لكم أيها الناس "عدو مبين"، يعني: أنه قد أبان لكم عداوته، بإبائه عن السجود لأبيكم، وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة، واستزله بالخطيئة، وأكل من الشجرة. يقول تعالى ذكره: فلا تنتصحوه، أيها الناس، مع إبانته لكم العداوة، ودعوا ما يأمركم به، والتزموا طاعتي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه مما أحللته لكم وحرمته عليكم، دون ما حرمتموه أنتم على أنفسكم ، حللتموه، طاعة منكم للشيطان واتباعاً لأمره.ومعنى قوله: "حلالا"، طلقاً(1) وهو مصدر من قول القائل: قد حل لك هذا الشيء، أي صار لك مطلقاً، فهو يحل لك حلالاً وحلاً، ومن كلام العرب: هو لك حل ، أي: طلق.وأما قوله: "طيبا"، فإنه يعني به: طاهراً غير نجس ولا محرم.وأما الخطوات فإنه جمع خطوة، والخطوة بعد ما بين قدمي الماشي. والخطوة بفتح الخاء الفعلة الواحدة من قول القائل: خطوت خطوة واحدة. وقد تجمع الخطوة خطا و الخطوة تجمع خطوات ، وخطاء .والمعنى في النهي عن اتباع خطواته، النهي عن طريقه وأثره فيما دعا إليه، مما هو خلاف طاعة الله تعالى ذكره.واختلف أهل التأويل في معنى الخطوات فقال بعضهم: خطوات الشيطان: عمله، ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا عبدالله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح،عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "خطوات الشيطان" ، يقول: عمله.وقال بعضهم: "خطوات الشيطان" ، خطاياه.ذكر من قال:حدثني محمد بن عمرو،حدثنا أبو عاصم،حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيحعن مجاهدفي قوله:"خطوات الشيطان"،قال خطيئته. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: خطاياه. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"ولا تتبعوا خطوات الشيطان"، قال: خطاياه.حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قوله: "خطوات الشيطان"، قال: خطايا الشيطان التي يأمر بها. وقال آخرون: "خطوات الشيطان"، طاعته. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان"، يقول: طاعته. وقال آخرون: "خطوات الشيطان"، النذور في المعاصي. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن سليمان، عن أبي مجلز في قوله: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان"، قال: هي النذور في المعاصي. قال أبو جعفر: وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه في تأويل قوله: "خطوات الشيطان"،قريب معنى بعضها من بعض. لأن كل قائل منهم قولاً في ذلك، فإنه أشار إلى نهي اتباع الشيطان في آثاره وأعماله. غير أن حقيقة تأويل الكلمة هو ما بينت، من أنها- بعد ما بين قدميه ، ثم تستعمل في جميع آثاره وطرقه، على ما قد بينت.
فيه أربع مسائل :
الأولى :قوله تعالى : "يا أيها الناس" الآية . قيل : إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني مدلج فيما حرموه على أنفسهم من الأنعام ، واللفظ عام . والطيب هنا الحلال ، فهو تأكيد لاختلاف اللفظ ، وهذا قول مالك في الطيب . وقال الشافعي : الطيب المستلذ ، فهو تنويع ، ولذلك يمنع أكل الحيوان القذر . وسيأتي بيان هذا في الأنعام و الأعراف إن شاء الله تعالى .
الثانية : قوله تعالى : "حلالا طيبا" حلالا حال ، وقيل مفعول . وسمي الحلال حلالا لانحلال عقدة الحظر عنه . قال سهل بن عبد الله : النجاة في ثلاثة : أكل الحلال ، وأداء الفرائض ، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقال أبو عبد الله الساجي واسمه سعيد بن يزيد : خمس خصال بها تمام العلم ، وهي :معرفة الله عز وجل ، ومعرفة الحق وإخلاص العمل لله ، والعمل على السنة ، وأكل الحلال ، فإن فقدت واحدة لم يرفع العمل . قال سهل : ولا يصح أكل الحلال إلا بالعلم ، ولا يكون المال حلالا حتى يصفو من ست خصال :الربا والحرام والسحت ـ وهو اسم مجمل ـ والغلول والمكروه والشهبة .
الثالثة : قوله تعالى : "ولا تتبعوا" نهي "خطوات الشيطان" خطوات جمع خطوة وخطوة بمعنى واحد . قال الفراء : الخطوات جمع خطوة ، بالفتح . وخطوة ( بالضم ) : ما بين القدمين . وقا لالجوهري : وجمع القلة خطوات وخطوات وخطوات ، والكثير خطاً . والخطوة (بالفتح ) : المرة الواحدة ، والجمع خطوات ( بالتحريك ) وخطاء ، مثل ركوة وركاء ، قال امرؤ القيس :
لها وثبات كوثب الظباء فواد خطاء وواد مطر
وقرأ أبو السمال العدوي وعبيد بن عمير خطوات بفتح الخاء والطاء . وروي عن علي بن أبي طالب و قتادة والأعرج وعمرو بن ميمون والأعمش خطوات بضم الخاء والطاء والهمزة على الواو . وقال الأخفش : وذهبوا بهذه القراءة إلى أنها جمع خطيئة ، من الخطأ لا من الخطو . والمعنى على قراءة الجمهور : ولا تقفوا أثر الشيطان وعمله ، وما لم يرد به الشرع فهو منسوب إلى الشيطان . قال ابن عباس : "خطوات الشيطان" أعماله . مجاهد : خطاياه . السدي : طاعته . أبو مجلز : هي النذور في المعاصي .
قلت : والصحيح أن اللفظ عام في كل ما عدا السنن والشرائع من البدع والمعاصي . وتقدم القول في الشيطان مستوفى .
الرابعة : قوله تعالى : "إنه لكم عدو مبين" أخبر تعالى بأن الشيطان عدو ، وخبره حق وصدق . فالواجب على العاقل أن يأخذ من هذا العدو الذي قد أبان عداوته من زمن آدم ، وبذل نفسه وعمره في إفساد أحوال بني آدم ، وقد أمر الله تعالى بالحذر منه فقال جل من قائل : "ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" وقال : "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء" وقال : "ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا" وقال : "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" وقال : "إنه عدو مضل مبين" وقال :"إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير" . وهذا غاية في التحذير ، ومثله في القرآن كثر . وقال عبد الله بن عمر : إن إبليس موثق في الأرض السفلى ، فإذا تحرك فإن كل شر في الأرض بين اثنين فصاعداً من تحركه . وخرج الترمذي من حديث أبي مالك الأشعري وفيه :
"وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله" الحديث . وقال فيه : حديث حسن صحيح غريب .
لما بين تعالى أنه لا إله إلا هو, وأنه المستقل بالخلق, شرع يبين أنه الرزاق لجميع خلقه, فذكر في مقام: الامتنان أنه أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالاً من الله طيباً, أي مستطاباً في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول, ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان وهي طرائقه ومسالكه فيما أضل اتباعه فيه من تحريم البحائر والسوائب والوصائل ونحوها, مما كان زينه لهم في جاهليتهم, كما في حديث عياض بن حمار الذي في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "يقول الله تعالى: إن كل مال منحته عبادي فهو لهم حلال ـ وفيه ـ وإن خلقت عبادي حنفاء, فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم, وحرمت عليهم ما أحللت لهم" وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا محمد بن عيسى بن شيبة المصري , حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي, حدثنا أبو عبد الله الجوزجاني رفيق إبراهيم بن أدهم, حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس, قال تليت هذه الاية عند النبي صلى الله عليه وسلم "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً" فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله, ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة, فقال "يا سعد أطب مطعمك, تكن مستجاب الدعوة, والذي نفس محمد بيده, إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً, وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به".
وقوله: "إنه لكم عدو مبين" تنفير عنه وتحذير منه, كما قال: " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " وقال تعالى: " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا " وقال قتادة والسدي في قوله: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان": كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان, وقال عكرمة: هي نزغات الشيطان, وقال مجاهد: خطاه أو قال خطاياه, وقال أبو مجلز: هي النذور في المعاصي, وقال الشعبي: نذر رجل أن ينحر ابنه, فأفتاه مسروق بذبح كبش, وقال: هذا من خطوات الشيطان, وقال أبو الضحى عن مسروق أتى عبد الله بن مسعود بضرع وملح, فجعل يأكل فاعتزل رجل من القوم فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم, فقال: لا أريده, فقال: أصائم أنت قال: لا, قال: فما شأنك ؟ قال: حرمت أن آكل ضرعاً أبداً, فقال ابن مسعود: هذا من خطوات الشيطان, فاطعم وكفر عن يمينك, رواه ابن أبي حاتم, وقال أيضاً: حدثنا أبي, حدثنا حسان بن عبد الله المصري عن سليمان التيمي, عن أبي رافع, قال: غضبت يوماً على امرأتي, فقالت: هي يوماً يهودية ويوماً نصرانية, وكل مملوك لها حر إن لم تطلق امرأتك, فأتيت عبد الله بن عمر فقال: إنما هذه من خطوات الشيطان, وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة, وهي يومئذ أفقه أمرأة في المدينة, وأتيت عاصماً وابن عمر فقالا مثل ذلك: وقال عبد بن حميد: حدثنا أبو نعيم عن شريك, عن عبد الكريم, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: ما كان من يمين أو نذر في غضب, فهو من خطوات الشيطان, وكفارته كفارة يمين. وقوله: "إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" أي إنما يأمركم عدوكم الشيطان بالأفعال السيئة, وأغلظ منها الفاحشة كالزنا ونحوه, وأغلظ من ذلك وهو القول على الله بلا علم, فيدخل في هذا كل كافر وكل مبتدع أيضاً.
قوله: 168- "يا أيها الناس" قيل: إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني مدلج فيما حرموه على أنفسهم من الأنعام. حكاه القرطبي في تفسيره، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقوله: "حلالاً" مفعول أو حال، وسمي الحلال حلالاً لانحلال عقدة الحظر عنه. والطيب هنا هو المستلذ كما قاله الشافعي وغيره. وقال مالك وغيره: هو الحلال فيكون تأكيداً لقوله: "حلالاً". ومن في قوله: "مما في الأرض" للتبعيض للقطع بأن في الأرض ما هو حرام " خطوات " جمع خطوة بالفتح والضم، وهي بالفتح للمرة، وبالضم لما بين القدمين. وقرأ القراء خطؤات بفتح الخاء، وقرأ أبو سماك بفتح الخاء والطاء، وقرأ علي وقتادة والأعرج وعمرو بن ميمون والأعمش خطؤات بضم الخاء والطاء والهمز على الواو. قال الأخفش: وذهبوا بهذه القراءة إلى أنها جمع خطية من الخطأ لا من الخطو. قال الجوهري: والخطوة بالفتح: المرة الواحدة، والجمع خطوات وخطا انتهى. والمعنى على قراءة الجمهور: لا تقفوا أثر الشيطان وعمله، وكل ما لم يرد به الشرع فهو منسوب إلى الشيطان، وقيل: هي النذور والمعاصي، والأولى التعميم، وعدم التخصيص بفرد أو نوع. وقوله: "إنه لكم عدو مبين" أي ظاهر العداوة، ومثله قوله تعالى: " إنه عدو مضل مبين " وقوله: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً".
168. قوله تعالى: " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً " نزلت في ثقيف وخزاعه وعامر بن صعصعة وبني مدلج فيما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فالحلال ما أحله الشرع طيباً، قيل: ما يستطاب ويستلذ، والمسلم يستطيب الحلال ويعاف الحرام، وقيل الطيب الطاهر " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " قرأ أبو جعفر و ابن عامر و الكسائي و حفص و يعقوب بضم الطاء والباقون بسكونها وخطوات الشيطان آثاره وزلاته، وقيل هي النذر في المعاصي. وقال أبو عبيدة : هي المحقرات من الذنوب. وقال الزجاج : طرقه " إنه لكم عدو مبين " بين العداوة وقيل مظهر العداوة، وقد أظهر عداوته بإبائه السجود لآدم وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة.
168-" يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً " نزلت في قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس ، وحلالاً مفعول كلوا ، أو صفة مصدر محذوف ، أو حال مما في الأرض ومن للتبعيض إذ يؤكل كل ما في الأرض " طيباً " يستطيبه الشرع ، أو الشهوة المستقيمة . إذ الحلال دل على الأول . " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " لا تقتدوا به في إتباع الهوى فتحرموا الحلال وتحللوا الحرام . وقرأ نافع و أبو عمرو و حمزة و البزي و أبو بكر حيث وقع بتسكين الطاء وهما لغتان في جمع خطوة ،وهي ما بين قدمي الخاطي . وقرئ بضمتين وهمزة جعلت ضمة الطاء كأنها عليها ،و بفتحتين على أنه جمع خطوة وهي المرة من الخطو " إنه لكم عدو مبين " ظاهر العداوة عند ذوي البصيرة وإن كان يظهر الموالاة لمن يغويه ، ولذلك سماه ولياً في قوله تعالى : " أولياؤهم الطاغوت " .
168. O mankind! Eat of that which is lawful and wholesome in the earth, and follow not the footsteps of the devil. Lo! he is an open enemy for you.
168 - O ye people! eat of what is on earth, lawful and good; and do not follow the he is to you an avowed enemy.