17 - (قال رب بما أنعمت) بحق إنعامك (علي) بالمغفرة اعصمني (فلن أكون ظهيرا) عونا (للمجرمين) الكافرين بعد هذه إن عصمتني
وقوله: " قال رب بما أنعمت علي " يقول تعالى ذكره: قال موسى رب بإنعامك علي بعفوك عن قتل هذه النفس " فلن أكون ظهيرا للمجرمين " يعني المشركين، كأنه أقسم بذلك، وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله ( فلا تجعلني ظهيرا للمجرمين) كأنه على هذه القراءة دعا ربه، فقال: اللهم لن أكون ظهيراً ولم يستثن عليه السلام حين قال " فلن أكون ظهيرا للمجرمين " فابتلي.
وكان قتادة يقول في ذلك ما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " فلن أكون ظهيرا للمجرمين " يقول: فلن أعين بعدها ظالماً على فجره، قال: وقلما قالها رجل إلا ابتلي، قال: فابتلي كما تسمعون.
قوله تعالى : " قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين " فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " قال رب بما أنعمت علي " أي من المعرفة والحكم والتوحيد " فلن أكون ظهيرا للمجرمين " أي عوناً للكافرين . قال القشيري : ولم يقل بما أنعمت على من المغفرة ، لأن هذا قبل الوحي ، وما كان عالماً بأن الله غفر له ذلك القتل . وقال الماوردي : " بما أنعمت علي " فيه وجهان : أحدهما : من المغفرة ، وكذلك ذكر المهدوي و الثعلبي . قال المهدوي : " بما أنعمت علي " من المغفرة فلم تعاقبني . الوجه الثاني : من الهداية .
قلت : قوله " فغفر له " يدل على المغفرة ، والله أعلم . قال الزمخشري قوله تعالى : " بما أنعمت علي " يجوز أن يكون قسماً جوابه محذوف تقديره ، أقسم بإنعامك على بالمغفرة لأتوبهن " فلن أكون ظهيرا للمجرمين " وأن يكون استعطافاً كأنه قال : رب اعضمني بحق ما أنعمت علي من المغفرة فلن أكون إن عصمتني ظهيراً للمجرمين . وأراد بمظاهرة المجرمين إما صحبة فرعون وانظامه في جملته . وتكثير سواده ، حين كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد ، وكان يسمى ابن فرعون ، وإما بمظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم ، كمظاهرة الإسرائيلي المؤدية إلى القتل الذي لم يحل له قتله . وقيل : أراد إني وإن أسأت في هذا اقتل الذي لم أومر به فلا أترك نصرة المسلمين على المجرمين ، فعلى هذا كان الإسرائيلي مؤمنا ونصرة المؤمن واجبة في جميع الشرائع . وقيل في بعض الروايات : إن ذلك الإسرائيلي كان كافراً ، وإنما قيل له إنه من شيعته لأنه كان إسرائيلياً ولم يرد الموافقة في الدين ، فعلى هذا ندم لأنه أعان كافراً على كافر ، فقال لا أكون بعدها ظهيراً للكافرين . وقيل : ليس هذا خبراً بل هو دعاء ، أي فلا أكون بعد هذا ظهيراً ، أي فلا تجعلني يا رب ظهيراً للمجرمين . وقال الفراء : المعنى ، اللهم فلن أكون ظهيراً للمجرمين ، وزعم أن قوله هذا قول ابن عباس . قال النحاس : وأن يكون بمعنى الخبر أولى وأشبه بنسق الكلام ، كما يقال : لا أعصيك لأنك أنعمت علي ، وهذا قول ابن عباس على الحقيقة لا ماحكاه الفراء لأن ابن عباس قال : لم يستثن فابتلي من ثاني يوم ، والاستثناء لا يكون في الدعاء ، لا يقال : اللهم اغفر لي إن شئت ، وأعجب الأشياء أن الفراء روى بان عباس هذا ثم حكى عنه قوله .
قلت : قد مضى هذا المعنى ملخصاً مبيناً في سورة ( النمل ) وأنه خبر لا دعاء . وعن ابن عباس لم يستثن فابتلي به مرة أخرى يعني لم يقل فلن أكون إن شاء الله . وهذا نحو قوله : " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا " [ هود : 113 ] .
الثانية : قال سلمة بن نبيط : بعث عبد الرحمن بن مسلم إلى الضحاك بعطاء أهل بخاري وقلا : أعطهم ، فقال : أعفني ، فلم يزل يستعفيه حتى أعفاه . فقيل له ما عليك أن تعطيهم وأنت لا ترزؤهم ، فقال : أعفني ، فلم يزل يستعفيه حتى أعفاه . فقيل له ما عليك أن تعطيهم وأنت لا ترزؤهم شيئاً ؟ فقال : لا أحب أن أعين الظلمة على شيء من أمرهم . وقال عبيد بن الوليد الوصافي قلت لعطاء بن أبي رباح : إن لي يأخذ بقلمه ، وإنما يحسب ما يدخل ويخرج ، وله عيال ولو ترك ذلك لا حتاج وادان ؟ فقال : من الرأس ؟ قلت خالد بن عبد الله القسري ، قال : أما تقرأ ما قال العبد الصالح : " رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين " قال ابن عباس : فلم يستثن فابتلى به ثانية فأعانه الله ، فالا يعينهم أخوك فإن الله يعينه _ قال عطاء : فلا يحل لأحد أن يعين ظلماً ولا يكتب له ولا يصحبه ، وأنه إن فعل شيئاً من ذلك فقد صار معيناً للظالمين . وفي الحديث : " ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلماً فيجمعون في تابوت من حديد فيرمى به في جهنم " ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته ثبت الله قميه على الصراط يوم القيامة يوم تزل فيه الأقدام ومن مشى مع ظالم ليعينه على ظلمه أزل الله قدميه على الصراط يوم تدحض فيه الأقدام " . وفي الحديث :
"من مشى مع ظالم فقد أجرم " فالمشي مع الظالم لا يكون جرماً إلا إذا مشى معه ليعينه ، لأنه ارتكب نهي الله تعالى في قوله سبحانه تعالى : " ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " [ المائد: 2] .
لما ذكر تعالى مبدأ أمر موسى عليه السلام, ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى, آتاه الله حكماً وعلماً. قال مجاهد : يعني النبوة "وكذلك نجزي المحسنين" ثم ذكر تعالى سبب وصوله إلى ما كان تعالى قدره له من النبوة والتكليم في قضية قتله ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من الديار المصرية إلى بلاد مدين, فقال تعالى: "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها" قال ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس : وذلك بين المغرب والعشاء. وقال ابن المنكدر عن عطاء بن يسار عن ابن عباس : كان ذلك نصف النهار, وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة "فوجد فيها رجلين يقتتلان" أي يتضاربان ويتنازعان "هذا من شيعته" أي إسرائيلي "وهذا من عدوه" أي قبطي, قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق , فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام, فوجد موسى فرصة وهي غفلة الناس, فعمد إلى القبطي "فوكزه موسى فقضى عليه" قال مجاهد : فوكزه أي طعنه بجمع كفه. وقال قتادة : وكزه بعصا كانت معه, فقضي عليه, أي كان فيها حتفه فمات "قال" موسى "هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي" أي بما جعلت لي من الجاه والعز والنعمة "فلن أكون ظهيراً" أي معيناً "للمجرمين" أي الكافرين بك, المخالفين لأمرك.
17- "قال رب بما أنعمت علي" هذه الباء يجون أن تكون باء القسم والجواب مقدر: أي أقسم بإنعامك علي لأتوبن وتكون جملة "فلن أكون ظهيراً للمجرمين" كالتفسير للجواب وكأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرماً. ويجوز أن تكون هذه الباء هي باس السببية متعلقة بمحذوف: أي اعصمني بسبب ما أنعمت به علي، ويكون قوله فلن أكون ظهيراً أتومترتباً عليه، ويكون في ذلك استعطاف لله تعالى وتوصل إلى إنعامه بإنعامه، و ما في قوله بما أنعمت إما موصولة أو مصدرية، والمراد بما أنعم به عليه: هو ما آتاه من الحكم والعلم أو بالمغفرة أو بالجميع، وأراد بمظاهرة المجرمين: إما صحبة فرعون والانتظام في جملته في ظاهر الأمر، أو مظاهرته على ما فيه إثم. قال الكسائي والفراء: ليس قوله: "فلن أكون ظهيراً للمجرمين" خبراً بل هو دعاء: أي فلا تجعلني يا رب ظهيراً لهم. قال الكسائي، وفي قراءة عبد الله فلا تجعلني يا رب ظهيراً للمجرمين وقال الفراء: المعنى اللهم فلن أكون ظهيراً للمجرمين. وقال النحاس: إن جعله من باب الخبر أوفى وأشبه بنسق الكلام.
17- "قال رب بما أنعمت علي"، بالمغفرة، "فلن أكون ظهيراً"، عوناً، "للمجرمين"، قال ابن عباس: للكافرين، وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافراً، وهو قول مقاتل، وقال قتادة: لن أعيد بعدها على خطيئة، قال ابن عباس: لم يستثن فابتلي به في اليوم الثاني.
17 " قال رب بما أنعمت علي " قسم محذوف الجواب أي أقسم بإنعامك علي بالمغفرة وغيرها لأتوبن . " فلن أكون ظهيراً للمجرمين " أو استعطاف أي بحق إنعامك علي اعصمني فلن أكون معيناً لمن أدت معاونته إلى جرم . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أنه لم يستثن فابتلي به مرة أخرى ، وقيل معناه بما أنعمت علي من القوة أعين أولياءك فلن أستعملها في مظاهرة أعدائك .
17. He said: My Lord! Forasmuch as Thou hast favored me, I will nevermore be a supporter of the guilty.
17 - He said: O my Lord! for that Thou hast bestowed thy Grace on me, never shall I be a help to those who sin!