17 - (ولقد يسرنا القرآن للذكر) سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر (فهل من مدكر) متعظ به وحافظ له والاستفهام بمعنى الأمر أي احفظوه واتعظوا به وليس يحفظ من كتب الله عن ظهر قلب غيره
وقوله " ولقد يسرنا القرآن للذكر " يقول تعالى ذكره : ولقد سهلنا القرآن بيناه وفصلناه للذكر لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتعظ وهوناه .
كما حدثنا محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " يسرنا القرآن للذكر" قال : هوناه .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن هب قال : قال ابن زيد في قوله " ولقد يسرنا القرآن للذكر " قال : يسرنا : بينا .
وقوله " فهل من مدكر " يقول : فهل من معتبر متعظ يتذكر فيعتبر بما فيه من العبر والذكر .
وقد قال بعضهم في تأويل ذلك : هل من طالب علم أو خير فيعان عليه وذلك قريب المعنى مما قلناه ولكنا اخترنا العبارة التي عبرناها في تأويله لأن ذلك هو الأغلب من معانيه على ظاهره .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ثنا سعيد عن قتادة " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " يقول : فهل من طالب خير يعان عليه .
حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال : ثنا يعقوب قال : ثني الحارث بن عبيد الإيادي قال : سمعت قتادة يقول في قول الله " فهل من مدكر " قال : هل من طالب خير يعان عليه .
حدثنا علي بن سهل قال : ثنا ضمرة بن ربيعة أو أيوب بن سويد أو كلاهما عن ابن شؤذب عن مطر في قوله " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " قال : هل من طالب علم فيعان عليه .
"ولقد يسرنا القرآن للذكر " أي سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه فهل من طالب لحفظه فيعان عليه ويجوز أن يكون المعنى ولقد هيأناه للذكر مأخوذ من يسر ناقته للسفر إذا رحلها ويسر فرسه للغزو إذا أسرجه وألجمه قال
وقمت إليه باللجام ميسرا هنالك يجزيني الذي كنت أصنع
وقال سعيد بن جبير ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن وقال غيره ولم يكن هذا لبني إسرائيل ولم يكونوا يقرؤون التوراة إلا نظرا غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله عليهم ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة عن ظهر قلبه حين أحرقت على ما تقدم بيانه في سورة براءة فيسر الله تعالى على هذه الأمة حفظ كتابه ليذكروا ما فيه أي يفتعلوا الذكر والافتعال هو أن ينجع فيهم ذلك حتى يصير كالذات وكالتركيب فيهم . " فهل من مدكر " قارئ يقرؤه . وقال أبو بكر بالوراق وابن شوذب فهل من طالب خير وعلم فيعان عليه وكرر في هذه السورة للتنبيه والإفهام وقيل إن الله تعالى اقتص في هذا السورة على هذه الأمة أنباء الأمم وقصص المرسلين ، وما عاملتهم به الأمم ، وما كان من عقبى أمورهم وأمور المرسلين فكان في كل قصة ونبأ ذكر للمستمع أن لو ادكر . وإنما كرر هذه الآية عند ذكر كل قصة بقوله " فهل من مدكر" لأن هل كلمة استفهام تستدعي إفهامهم التي ركبت في أجوافهم وجعلها حجة عليهم فاللام من هل للاستعراض والهاء للاستخراج .
يقول تعالى: "كذبت" قبل قومك يا محمد "قوم نوح فكذبوا عبدنا" أي صرحوا له بالتكذيب واتهموه بالجنون "وقالوا مجنون وازدجر" قال مجاهد: وازدجر. أي استطير جنوناً, وقيل: وازدجر أي انتهروه وزجروه وتواعدوه لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين, قاله ابن زيد وهذا متوجه حسن "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" أي إني ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم فانتصر أنت لدينك. قال الله تعالى: "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" قال السدي: وهو الكثير "وفجرنا الأرض عيوناً" أي نبعت جميع أرجاء الأرض حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيوناً, "فالتقى الماء" أي من السماء والأرض "على أمر قد قدر" أي أمر مقدر.
قال ابن جريج عن ابن عباس "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" كثير لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب, فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم, فالتقى الماءان على أمر قد قدر, وروى ابن أبي حاتم أن ابن الكواء سأل علياً عن المجرة فقال: هي شرج السماء, ومنها فتحت السماء بماء منهمر "وحملناه على ذات ألواح ودسر" قال ابن عباس وسعيد بن جبير والقرظي وقتادة وابن زيد: هي المسامير, واختاره ابن جرير, قال: وواحدها دسار. ويقال: دسير كما يقال حبيك وحباك والجمع حبك, وقال مجاهد: الدسر أضلاع السفينة. وقال عكرمة والحسن: هو صدرها الذي يضرب به الموج. وقال الضحاك: طرفاها وأصلها, وقال العوفي عن ابن عباس: هو كلكلها أي صدرها. وقوله: "تجري بأعيننا" أي بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلاءتنا "جزاء لمن كان كفر" أي جزاء لهم على كفرهم بالله وانتصاراً لنوح عليه السلام.
وقوله تعالى: "ولقد تركناها آية" قال قتادة: أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة, والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن, كقوله تعالى: " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون " وقال تعالى: "إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية" ولهذا قال ههنا: "فهل من مدكر" أي فهل من يتذكر ويتعظ. قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود عن ابن مسعود قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم "فهل من مدكر" وهكذا رواه البخاري, حدثنا يحيى, حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد, عن عبد الله قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم "فهل من مدكر" وقال النبي صلى الله عليه وسلم "فهل من مدكر" وروى البخاري أيضاً من حديث شعبة, عن أبي إسحاق, عن الأسود, عن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "فهل من مدكر". وقال: حدثنا أبو نعيم, حدثنا زهير عن أبي إسحاق أنه سمع رجلاً سأل الأسود فهل من مذكر أو مدكر, قال: سمعت عبد الله يقرأ فهل من مدكر, وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فهل من مدكر. دالاً. وقد أخرج مسلم هذا الحديث وأهل السنن إلا ابن ماجه من حديث أبي إسحاق.
وقوله تعالى: "فكيف كان عذابي ونذر" أي كيف كان عذابي لمن كفر بي وكذب رسلي, ولم يتعظ بما جاءت به نذري, وكيف انتصرت لهم وأخذت لهم بالثأر "ولقد يسرنا القرآن للذكر" أي سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس, كما قال: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب" وقال تعالى: "فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدا" قال مجاهد: "ولقد يسرنا القرآن للذكر" يعني هونا قراءته, وقال السدي: يسرنا تلاوته على الألسن, وقال الضحاك عن ابن عباس: لولا أن الله يسره على لسان الادميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل, قلت: ومن تيسيره تعالى على الناس تلاوة القرآن ما تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف" وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة, وقوله: "فهل من مدكر" أي فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يسر الله حفظه ومعناه ؟ وقال محمد بن كعب القرظي: فهل من منزجر عن المعاصي ؟.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الحسن بن رافع, حدثنا ضمرة عن ابن شوذب, عن مطر هو الوراق في قوله تعالى: "فهل من مدكر" هل من طالب علم فيعان عليه, وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم عن مطر الوراق, ورواه ابن جرير, وروي عن قتادة مثله.
17- "ولقد يسرنا القرآن للذكر" أي سهلناه للحفظ، وأعنا عليه من أراد حفظه، وقيل هيأناه للتكذر والاتعاظ "فهل من مدكر" أي متعظ بمواعظه ومعتبر بعبره. وفي الآية الحث على درس القرآن والاستكثار من تلاوته والمسارعة في تعلمه ومدكر أصله مذتكر كما تقدم قريباً.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما". وروي عنه من طريق أخرى عند مسلم والترمذي وغيرهم قال: فنزلت "اقتربت الساعة وانشق القمر" وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال: "انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا". وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه قال: رأيت القمر منشقاً شقتين مرتين: مرة بمكة قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم: شقة على أبي قبيس، وشقة على السويداء. وذكر أن هذا سبب نزول الآية. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم عنه أيضاً قال: رأيت القمر وقد انشق. وأبصرت الجبل بين فرجتي القمر. وله طرق عنه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال: "اقتربت الساعة وانشق القمر" قال: كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فرقتين: فرقة من دون الجبل. وفرقة خلفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم عن أبي في قوله: "وانشق القمر" قال: انشق القمر ونحن بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل، فقال الناس: سحرنا محمد، فقال رجل: إن كان سحركم فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم عن عبد الرحمن السلمي قال: "خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "اقتربت الساعة وانشق القمر" ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، اليوم المضمار وغداً السباق" وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "مهطعين" قال: ناظرين. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" قال كثير: لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب وفتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم، فالتقى الماآن. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً "على ذات ألواح ودسر" قال: الألواح ألواح السفينة، والدسر: معاريضها التي تشد بها السفينة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً في قوله: "ودسر" قال: المسامير. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: الدسر كلكل السفينة. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عنه أيضاً في قوله: "ولقد يسرنا القرآن للذكر" قال: لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلموا بكلام الله. وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعاً مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس "فهل من مدكر" قال: هل من متذكر.
17. " ولقد يسرنا "، سهلنا، " القرآن للذكر "، ليتذكر ويعتبر به، وقال سعيد بن جبير : يسرناه للحفظ والقراءة، وليس شيء من كتب الله يقرأ كله ظاهراً إلا القرآن " فهل من مدكر"، متعظ بمواعظه.
17-" ولقد يسرنا القرآن " سهلناه أو هيأناه من يسير ناقته للسفر إذا رحلها . " للذكر " للادكار والاتعاظ بأن صرفنا فيه أنواع المواعظ والعبر ، أو للحفظ بالاختصار وعذوبة اللفظ . " فهل من مدكر " متعظ .
17. And in truth We have made the Quran easy to remember; but is there any that remembered?
17 - And We have indeed made the Quran easy to understand and remember: then is there any that will receive admonition?