17 - (لنفتنهم) لنختبرهم (فيه) فنعلم كيف شكرهم على ظهور (ومن يعرض عن ذكر ربه) القرآن (يسلكه) بالياء والنون ندخله (عذابا صعدا) شاقا
وقوله " ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا " يقول عز وجل : ومن يعرض عن ذكر ربه الذي ذكره به ، وهو هذا القرآن ، ومعناه : ومن يعرض عن استماع القرآن واستعماله ، يسلكه الله عذاباً صعداً : يقول : يسلكه الله عذاباً شديداً شاقاً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا " يقول : مشقة من العذاب يصعد فيها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن أبن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " عذابا صعدا " قال : مشقة من العذاب .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس " عذابا صعدا " قال : جبل في جهنم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " يسلكه عذابا صعدا " عذاباً لا راحة فيه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " عذابا صعدا " قال : صعوداً من عذاب الله لا راحة فيه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " يسلكه عذابا صعدا " قال : الصعد : العذاب المنصب .
واختلفت القراء في قراءة قوله " يسلكه " فقرأه بعض قراء مكة والبصرة ( نسلكه ) بالنون اعتباراً بقوله " لنفتنهم " أنها بالنون ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بالياء ، بمعنى : يسلكه الله رداً على الرب في قوله " ومن يعرض عن ذكر ربه " .
قوله تعالى " لنفتنهم فيه" أي لنختبرهم كيف شكرهم فيه عل تلك النعم. وقال عمر في هذه الآية : اينما كان الماء كان المال، واينما كان المال كانت الفتنة. فمعنى (( لأسقيناهم)) لوسعنا عليهم في الدنيا، وضرب الماء الغدق الكثير لذلك مثلاً، لأن الخير والرزق كله بالمطر يكون، فأقيم مقامه، كقوله تعالى: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " [ الأعراف : 96] وقوله تعالى : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" [ المائدة: 66] أي بالمطر. والله أعلم. وقال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والضحاك وقتادة ومقاتل وعطية وعبيد بن عمير والحسن: كان والله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، ففتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر والمقوقس والنجاشي ففتنوا بها، فوثبوا على إمامهم فقتلوه. يعني عثمان بن عفان. وقال الكلبي وغيره: (( وألو استقاموا على الطريقة)) التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفاراً لوسعنا أرزاقهم مكراً بهم واستدراجاص لهم، حتى يفتتنوا بها، فنعذبهم بها في الدنيا والآخرة. وهذا قول قاله الربيع بن أنس وزيد بن أسل وابنه والكلبي والثمالي ويمان بن رئاب وابن كيسان وأبو مجلز، واستدلوا بقوله تعالى" فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء" [ الأنعام : 44] الآية . وقوله تعالى :" ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة" [ الزخرف : 33] الآية ، والأول أشبه، لأن الطريقة معرفة بالألف واللام، فالأوجب ان تكون طريقته طريقة الهدى، ولأن الاستقامة لا تكون إلا مع الهدى. وفي صحيح مسلم عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه :
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا)) قالوا : وما زهرة الدنيا؟ قال : (( بركات الأرض...)) وذكر الحديث". وقال عليه السلام :
" (( فوالله ما الفقر اخشى عليكم، وانما اخشى عليكم ان تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما اهلكنهم))."
قوله تعالى :" ومن يعرض عن ذكر ربه" يعني القرآن، قاله ابن زيد. وفي إعراضه عنه وجهان: أحدهما عن القبول، ان قيل انها في اهل الكفر. الثاني عن العمل، ان قيل انها في المؤمنين. وقيل :(( ومن يعرض عن ذكر ربه)) أي لم يشكر نعمه " يسلكه عذابا صعدا " قرأ الكوفيون وعياش عن أبي عمرو (( يسلكه)) بالياء واختاره ابو عبيدى وابو حاتم، لذكر اسم الله اولا فقال : (( ومن يعرض عن ذكر ربه)) الباقون (( نسلكه)) بالنون. وروي عن مسلم بن جندب ضم النون وكسر اللام. وكذلك قرأ طلحة والأعرج وهما لغتان، سلكه وأسلحه بمعنى، أي ندخله." عذابا صعدا " أي شاقاً شديداً. قا ل ابن عباس : هو جبل في جهنم. الخدري : كلما جعلوا أيديهم عليه ذابت. وعن ابن عباس : ان المعنى مشقة من العذاب. وذلك معلوم في اللغة ان الصعد: المشقة، تقول: تصعدني الأمر : إذا شق عليك، ومنه قول عمر: ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح، أي ما شق علي. وعذاب صعد أي شديد. والصعد : مصدر صعد، يقال : صعد صعداً وصعوداً ، فوصف به العذاب، لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه. وقال ابو عبيدة : الصعد مصدر، أي عذاباً ذا صعد، والمشي في الصعود يشق. والصعود. العقبة الكؤود. وقال عكرمة : هو
صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها، فإذا انتهى ال أعلاها حدر الى جهنم. وقال الكلبي : يكلف الوليد بن المغيرة ان يصعد جبلاً في النار من صخرة ملساء، يجذب من أمامه بسلاسل، ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها، ولا يبلغ في أربعين سنة. فإذا بلغ أعلاها احدر الى اسفلها، ثم يكلف ايضاً صعودها فذك دأبه أبداً، وهو قوله تعالى : " سأرهقه صعودا " [ المدثر: 17].
يقول تعالى مخبراً عن الجن أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم "وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك" أي غير ذلك "كنا طرائق قدداً" أي طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة, قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد "كنا طرائق قدداً" أي منا المؤمن ومنا الكافر. وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه: حدثنا أسلم بن سهل بحشل , حدثنا علي بن الحسن بن سليمان وهو أبو الشعثاء الحضرمي شيخ مسلم , حدثنا أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول تروح إلينا جني فقلت له: ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال الأرز, قال: فأتيناهم به فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحداً, فقلت فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال: نعم فقلت فما الرافضة فيكم ؟ قال: شرنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزني فقال هذا إسناد صحيح إلى الأعمش , وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال: سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد:
قلوب براها الحب حتى تعلقت مذاهبها في كل غرب وشارق
تهيم بحب الله والله ربها معلقة بالله دون الخلائق
وقوله تعالى: "وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً" أي نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا وأنا لا نعجزه في الأرض, ولو أمعنا في الهرب فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا "وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به" يفتخرون بذلك وهو مفخر لهم وشرف رفيع وصفة حسنة, وقولهم "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً" قال ابن عباس وقتادة وغيرهما: فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته كما قال تعالى: "فلا يخاف ظلماً ولا هضماً" " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون " أي منا المسلم ومنا القاسط, وهو الجائر عن الحق الناكب عنه, بخلاف المقسط فإنه العادل "فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً" أي طلبوا لأنفسهم النجاة "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً" أي وقوداً تسعر بهم.
وقوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه " اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين: (أحدهما) وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي كثيراً, والمراد بذلك سعة الرزق, كقوله تعالى: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " وكقوله تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" وعلى هذا يكون معنى قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنختبرهم, كما قال مالك عن زيد بن أسلم : لنفتنهم لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية.
(ذكر من قال بهذا القول) قال العوفي عن ابن عباس : " وألو استقاموا على الطريقة " يعني بالاستقامة الطاعة, وقال مجاهد " وألو استقاموا على الطريقة " قال: الإسلام وكذا قال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعطاء والسدي ومحمد بن كعب القرظي, وقال قتادة " وألو استقاموا على الطريقة " يقول: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا وقال مجاهد : " وألو استقاموا على الطريقة " أي: طريقة الحق, وكذا قال الضحاك واستشهد على ذلك بالايتين اللتين ذكرناهما, وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنبتليهم به. وقال مقاتل : نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين.
(والقول الثاني) " وألو استقاموا على الطريقة " الضلال "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي لأوسعنا عليهم الرزق استدراجاً, كما قال تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" وكقوله: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد , فإنه قال في قوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة " أي طريقة الضلالة, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان وله اتجاه, ويتأيد بقوله لنفتنهم فيه. وقوله: "ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً" أي عذاباً مشقاً شديداً موجعاً مؤلماً, قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد : "عذاباً صعداً" أي مشقة لا راحة معها, وعن ابن عباس : جبل في جهنم, وعن سعيد بن جبير : بئر فيها.
17- "لنفتنهم فيه" أي لنختبرهم فنعلم كيف شكرهم على تلك النعم. وقال الكلبي: المعنى وأن لو استقاموا على الطريقة التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفاراً، لأوسعنا أرزاقهم مكراً بهم واستدراجاً حتى يفتنوا بها فنعذبهم في الدنيا والآخرة. وبه قال الربيع بن أنس وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن والثمالي ويمان بن زيان وابن كيسان وأبو مجلز، واستدلوا بقوله: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء" وقوله "ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة" الآية والأول أولى "ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً" أي ومن يعرض عن القرآن، أو عن العبادة، أو عن الموعظة أو عن جميع ذلك يسلكه: أي يدخله عذاباً صعداً: أي شاقاً صعباً. قرأ الجمهور "نسلكه" بالنون مفتوحة. وقرأ الكوفيون وأبو عمرو في رواية عنه بالياء التحتية، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله: "عن ذكر ربه" ولم يقل عن ذكرنا. وقرأ مسلم بن جندب وطلحة بن مصرف والأعرج بضم النون وكسر اللام، من أسلكه، وقراءة الجمهور من سلكه. والصعد في اللغة المشقة، تقول تصعد بي الأمر: إذا شق عليك، وهو مصدر صعد، يقال صعد صعداً وصعودا، فوصف به العذاب مبالغة، لأنه يتصعد المعذب: أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه. قال أبو عبيد: الصعد مصدر: أي عذاباً ذا صعد. وقال عكرمة: الصعد هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم كما في قوله: "سأرهقه صعوداً" والصعود العقبة الكئود.
وقوله تعالى: 17- "لنفتنهم فيه"، أي: لنختبرهم كيف شكرهم فيما خولوا. وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والضحاك وقتادة ومقاتل والحسن.
وقال آخرون: معناها وأن لو استقاموا على طريقة الكفر والضلالة لأعطيناهم مالاً كثيراً، ولوسعنا عليهم لنفتنهم فيه، عقوبةً لهم واستدراجاً حتى يفتتنوا بها فنعذبهم، وهذا قول الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان، كما قال الله: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء" الآية (الأنعام- 44).
"ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه"، قرأ أهل الكوفة ويعقوب: "يسلكه" بالياء وقرأ الآخرون بالنون، أي: ندخله، "عذاباً صعداً"، قال ابن عباس: شاقاً، والمعى ذا صعد، أي: ذا مشقة. قال قتادة: لا راحة فيه. وقال مقاتل: لا فرح فيه. قال الحسن: لا يزداد إلا شدة. والأصل فيه أن الصعود يشق على الناس.
17-" لنفتنهم فيه " لنختبرهم كيف يشكرونه ، وقيل معناه أن لو استقام الجن على طريقتهم القديمة ولم يسلموا باستماع القرآن لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم لنوقعهم في الفتنة ونعذبهم في كفرانهم . " ومن يعرض عن ذكر ربه " عن عبادته أو موعظته أو حيه . " يسلكه " يدخله وقرأ غير الكوفيين بالنون . " عذاباً صعداً " شاقاً يعلو المعذب ويغلبه مصدر وصف به .
17. That We may test them thereby, and whoso turneth away from the remembrance of his Lord; He will thrust him into ever growing torment.
17 - That We might try them by that (means). But if any turns away from the remembrance of his Lord, He will cause him to undergo a severe Penalty.