(ومثل) صفة (الذين كفروا) ومن يدعوهم إلى الهدى (كمثل الذي ينعق) يصوت (بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) أي صوتا ولا يفهم معناه أي في سماع الموعظة وعدم تدبرها كالبهائم تسمع صوت راعيها ولا تفهمه ، هم (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) الموعظة
القول في تأويل قوله تعالى: "ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء" قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: مثل الكافر- في قلة فهمه عن الله ما يتلى عليه في كتابه، وسوء قبوله لما يدعى إليه من توحيد الله ويوعظ به- مثل البهيمة التي تسمع الصوت إذا نعق بها، ولا تعقل ما يقال لها. ذكر من قال ذلك: حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: "ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء"، قال: مثل البعير أو مثل الحمار، تدعوه فيسمع الصوت ولا يفقه ما تقول. حدثني محمد بن عبدالله بن زريع قال، حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال،حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: "كمثل الذي ينعق بما لا يسمع"، قال: هو كمثل الشاة ونحو ذلك. حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه،
عن ابن عباس قوله: "ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء"، كمثل البعير والحمار والشاة، إن قلت لبعضها: كل ، لا يعلم ما تقول، غير أنه يسمع صوتك. وكذلك الكافر، إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته، لم يعقل ما تقول، غير أنه يسمع صوتك.حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: مثل الدابة، تنادى فتسمع ولا تعقل ما يقال لها. كذلك الكافر، يسمع الصوت ولا يعقل حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد: "كمثل الذي ينعق بما لا يسمع"، قال: مثل الكافر مثل البهيمة، تسمع الصوت ولا تعقل.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "كمثل الذي ينعق"، مثل ضربه الله للكافر يسمع ما يقال له ولا يعقل، كمثل البهيمة تسمع النعيق ولا تعقل.حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء"، يقول: مثل الكافر كمثل البعير والشاة، يسمع الصوت ولا يعقل ولا يدري ما عني به. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء"، قال: هو مثل ضربه الله للكافر. يقول: مثل هذا الكافر مثل هذه البهيمة التي تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها. فكذلك الكافر لا ينتفع بما يقال له. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة قال: هو مثل الكافر، يسمع الصوت ولا يعقل ما يقال له.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: سألت عطاء ثم قلت له: يقال: لا تعقل- يعني البهيمة- إلا أنها تسمع دعاء الداعي حين ينعق بها، فهم كذلك لا يعقلون وهم يسمعون. فقال: كذلك. قال: وقال مجاهد: "الذي ينعق"، الراعي "بما لا يسمع" من البهائم. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "كمثل الذي ينعق" الراعي "بما لا يسمع" من البهائم. حدثني موسى قال، حدثنا عمرو، قال حدثنا أسباط، عن السدي: "كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء"، لا يعقل ما يقال له، إلا أن تدعى فتأتي، أو ينادى بها فتذهب. وأما "الذي ينعق"، فهو راعي الغنم، كما ينعق الراعي بما لا يسمع ما يقال له، إلا أن يدعى أو ينادى. فكذلك محمد صلى الله عليه وسلم، يدعو من لا يسمع إلا خرير الكلام، يقول الله: "صم بكم عمي" [البقرة: 18].قال أبو جعفر: ومعنى قائلي هذا القول- في تأويلهم ما تأولوا، على ما حكيت عنهم-: ومثل وعظ الذين كفروا وواعظهم، كمثل نعق الناعق بغنمه ونعيقه بها. فأصيف المثل إلى الذين كفروا، وترك ذكر الوعظ والواعظ ، لدلالة الكلام على ذلك. كما يقال: إذا لقيت فلاناً فعظمه تعظيم السلطان ، يراد به: كما تعظم السلطان، وكما قال الشاعر:
فلست مسلماً مادمت حياً على زيد بتسليم الأمير
يراد به: كما يسلم على الأمير.وقد يحتمل أن يكون المعنى- على هذا التأويل الذي تأوله هؤلاء-: ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم عن الله وعن رسوله، كمثل المنعوق به من البهائم، الذي لا يفقه من الأمر والنهي غير الصوت. وذلك أنه لو قيل له: اعتلف، أورد الماء، لم يدر ما يقال له غير الصوت الذي يسمعه من قائله. فكذلك الكافر، مثله في قلة فهمه لما يؤمر به وينهى عنه- بسوء تدبره إياه وقلة نظره وفكره فيه- مثل هذ المنعوق به فيما أمر به ونهي عنه. فيكون المعنى للمنعوق به، والكلام خارج على الناعق، كما قال نابغة بني ذبيان:
وقد خفت، حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل
والمعنى: حتى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي، وكما قال الآخر:
كانت فريضة ما تقول، كما كان الزناء فريضة الرجم
والمعنى: كما كان الرجم فريضة الزنا، فجعل الزنا فريضة الرجم، لوضوح معنى الكلام عند سامعه، وكما قال الآخر:
إن سراجاً لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره
والمعنى: يحلى بالعين، فجعله تحلى به العين. ونظائر ذلك من كلام العرب أكثر من أن تحصى، مما توجهه العرب من خبر ما تخبر عنه إلى ما صاحبه، لظهور معنى ذلك عند سامعه، فتقول: اعرض الحوض على الناقة، وإنما تعرض الناقة على الحوض، وما أشبه ذلك من كلامها.وقال آخرون: معنى ذلك: ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم وأوثانهم التي لا تسمع ولا تعقل،كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، وذلك الصدى الذي يسمع صوته ولا يفهم به عنه الناعق شيئاً. فتأويل الكلام على قول قائلي ذلك: ومثل الذين كفروا وآلهتهم- في دعائهم إياها وهي لا تفقه ولا تعقل- كمثل الناعق بما لا يسمعه الناعق إلا دعاء ونداء، أي: لا يسمع منه الناعق إلا دعاءه. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء"، قال: الرجل الذي يصيح في جوف الجبال فيجيبه فيها صوت يراجعه يقال له الصدى. فمثل آلهة هؤلاء لهم، كمثل الذي يجيبه بهذا الصوت، لا ينفعه، لا يسمع إلا دعاء ونداء. قال: والعرب تسمي ذلك الصدى. وقد تحتمل الآية على هذا التأويل وجهاً آخر غير ذلك. وهو أن يكون معناها: ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم، كمثل الناعق بغنم له من حيث لا تسمع صوته غنمه، فلا تنتفع من نعقه بشيء، غير أنه في عناء من دعاء ونداء. فكذلك الكافر في دعائه آلهته، إنما هو في عناء من دعائه إياها وندائه لها، ولا ينفعه شيء.
قال أبو جعفر: وأولى التأويل عندي بالآية، التأويل الأول الذي قاله ابن عباس ومن وافقه عليه. وهو أن معنى الآية: ومثل وعظ الكافر وواعظه، كمثل الناعق بغنمه ونعيقه، فإنه يسمع نعقه ولا يعقل كلامه، على ما قد بينا قبل. فأما وجه جواز حذف وعظ اكتفاء بالمثل منه، فقد أتينا على البيان عنه في قوله: "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" [البقرة: 17] وفي غيره من نظائره من الآيات، بما فيه الكفاية من إعادته. وإنما اخترنا هذا التأويل، لأن هذه الآية نزلت في اليهود، وإياهم عنى الله تعالى ذكره بها، ولم تكن اليهود أهل أوثان يعبدونها، ولا أهل أصنام يعظمونها ويرجون نفعها أو دفع ضرها. ولا وجه- إذ كان ذلك كذلك- لتأويل من تأول ذلك أنه بمعنى: مثل الذين كفروا في ندائهم الآلهة ودعائهم إياها. فإن قال قائل: وما دليلك على أن المقصود بهذه الآية اليهود؟ قيل: دليلنا على ذلك ما قبلها من الآيات وما بعدها، فإنهم هم المعنيون به. فكان ما بينهما بأن
يكون خبراً عنهم، أحق وأولى من أن يكون خبراً عن غيرهم، حتى تأتي الأدلة واضحة بانصراف الخبر عنهم إلى غيرهم. هذا، مع ما ذكرنا من الأخبار عمن ذكرنا عنه أنها فيهم نزلت، والرواية التي روينا عن ابن عباس أن الاية التي قبل هذه الآية نزلت فيهم. وبما قلنا من أن هذه الآية معني بها اليهود، كان عطاء يقول- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال لي عطاء في هذه الآية: هم اليهود الذين أنزل الله فيهم: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا" إلى قوله: "فما أصبرهم على النار" [البقرة: 174- 175].وأما قوله: ينعق فإنه يصوت بالغنم، النعيق، والنعاق ، ومنه قول الأخطل:
فانعق بضأنك يا جرير، فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا
يعني: صوت به.القول في تأويل قوله:"صم بكم عمي فهم لا يعقلون"قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "صم بكم عمي"، هؤلاء الكفار الذين مثلهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء "صم" عن الحق فهم لا يسمعون- "بكم" يعني: خرس عن قيل الحق والصواب، والإقرار بما أمرهم الله أن يقروا به، وتبيين ما أمرهم الله تعالى ذكره أن يبينوه من أمر محمد صلى الله عليه وسلم للناس، فلا ينطقون به ولا يقولونه، ولا يبينونه للناس-، "عمي" عن الهدى وطريق الحق فلا يبصرونه، كما: حدثنا بشربن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: "صم بكم عمي" يقول: صم عن الحق فلا يسمعونه، ولا ينتفعون به ولا يعقلونه، عمي عن الحق والهدى فلا يبصرونه، بكم عن الحق فلاينطقون به. حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي "صم بكم عمي"، يقول: عن الحق. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، ابن عباس: "صم بكم عمي"، يقول: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه. وأما الرفع في قوله: "صم بكم عمي"، فإنه أتاه من قبل الابتداء والاستئناف، يدل على ذلك قوله: "فهم لا يعقلون"، كما يقال في الكلام: هو أصم لا يسمع، وهو أبكم لا يتكلم .
شبه تعالى واعظ الكفار وداعيهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم بالراعي الذي ينعق بالغنم والإبل فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه ، ولا تفهم ما يقول : هكذا فسره ابن عباس و مجاهد و عكرمة و السدي و الزجاج و الفراء وسيبويه ، وهذه نهاية الإيجاز . قال سيبويه : لم يشبهوا بالناعق إنما شبهوا بالمنعوق به . والمعنى : ومثلك يا محمد ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم ، فحذف لدلالة المعنى .
وقال ابن زيد : المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم الآلهة الجماد كمثل الصائح في جوف الليل فيجيبه الصدى ، فهو يصيح بما لا يسمع ، ويجيبه ما لا حقيقة فيه ولا منتفع . وقال قطرب : المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم ما لا يفهم ، يعني الأصنام ، كمثل الراعي إذا نعق بغنمه وهو لايدري أين هي . قال الطبري : المراد مثل الكافرين في دعائهم آلهتهم كمثل الذي ينعق بشيء بعيد فهو لا يسمع من أجل البعد ، فليس للناعق من ذلك إلا النداء الذي يتعبه وينصبه . ففي هذه التأويلات الثلاثة يشبه الكفار بالناعق الصائح ، والأصمام بالمنعوق به . والنعيق : زجر الغنم والصياح بها ، يقال : نعق الراعي بغنمه نعيقاً ونعاقاً ونعقاناً ، أي صاح بها وزجرها . قال الأخطل :
انعق بضأنك يا جرير فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا
قال القتبي : لم يكن جرير راعي ضأن ، وإنما أراد أن بني كليب يعيرون برعي الضأن ، وجرير منهم ، فهو في جهلهم . والعرب تضرب المثل براعي الغنم في الجهل ويقولون : ـ أجهل من راعي ضأن ـ قال القتبي : ومن ذهب إلى هذا في معنى الآية كان مذهباً ، غير أنه لم يذهب إليه أحد من العلماء فيما نعلم .
والنداء للبعيد ، والدعاء للقريب ، ولذلك قيل للأذان بالصلاة نداء للأباعد . وقد تضم النون في النداء والأصل الكسر . ثم شبه تعالى الكافرين بأنهم صم بكم عمي .وقد تقدم في أول السورة .
يقول تعالى: وإذا قيل لهؤلاء الكفرة من المشركين: اتبعوا ما أنزل الله على رسوله, واتركوا ما أنتم عليه من الضلال والجهل, قالوا في جواب ذلك: بل نتبع ما ألفينا, أي وجدنا عليه آباءنا, أي من عبادة الأصنام والأنداد, قال الله تعالى منكراً عليهم: " أو لو كان آباؤهم " أي الذين يقتدون بهم ويقتفون أثرهم "لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون" أي ليس لهم فهم ولا هداية. وروى ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس: أنها نزلت في طائفة من اليهود دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام, فقالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا, فأنزل الله هذه الاية, ثم ضرب لهم تعالى مثلاً. كما قال تعالى: " للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء " فقال "ومثل الذين كفروا" أي فيما هم فيه من الغي والضلال والجهل كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها بل إذا نعق بها راعيها, أي دعاها إلى ما يرشدها لا تفقه ما يقول ولا تفهمه بل إنما تسمع صوته فقط . هكذار روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وعكرمة وعطاء والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والربيع بن أنس نحو هذا. وقيل: إنما هذا مثل ضرب لهم في دعائهم الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئاً واختاره ابن جرير , والأول أولى, لأن الأصنام لا تسمع شيئاً ولا تعقله ولا تبصره ولا بطش لها ولا حياة فيها. وقوله "صم بكم عمي" أي صم عن سماع الحق, بكم لا يتفوهون به, عمي عن رؤية طريقه ومسلكه "فهم لا يعقلون" أي لا يعلمون شيئاً ولا يفهمونه.
وقوله: 171- "ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق" فيه تشبيه واعظ الكافرين، وداعيهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم بالراعي الذي ينعق بالغنم أو الإبل فلا يسمع إلا دعاء ونداء ولا يفهم ما يقول، هذا فسره الزجاج والفراء وسيبويه، وبه قال جماعة من السلف. قال سيبويه: لم يشبهوا بالناعق، إنما شبهوا بالمنعوق به، والمعنى: مثلك يا محمد ومثل الذين كفروا، كمثل الناعق والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم فحذف لدلالة المعنى عليه. وقال قطرب: المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم ما لا يفهم: يعني الأصنام، كمثل الراعي إذا نعق بغنمه وهو لا يدري أين هي وبه قال ابن جرير الطبري. وقال ابن زيد: المعنى: مثل الذين كفروا في دعائهم الآلهة الجماد كمثل الصائح في جوف الليل فيجيبه الصدى فهو يصيح بما لا يسمع، ويجيبه ما لا حقيقة فيه. والنعيق: زجر الغنم والصياح بها، يقال: نعق الراعي بغنمه ينعق نعيقاً ونعاقاً: أي صاح بها وزجرها، والعرب تضرب المثل براعي الغنم في الجهل ويقولون: أجهل من راعي الضأن. وقوله: "صم" وما بعده أخبار لمبتدأ محذوف: أي هم صم بكم عمي. وقد تقدم تفسير ذلك.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: "تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم يعني: " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا " فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه فما يتقبل منه أربعين يوماً، وإيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان" قال: عمله. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال: ما خالف القرآن فهو من خطوات الشيطان. وأخرج عبد بن حميد ابن أبي حاتم عن مجاهد أنه قال: خطاه. وأخرجا أيضاً عن عكرمة قال: هي نزغات الشيطان. وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: هي تزيين الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: ما كان من يمين أو نذر في غضب فهو من خطوات الشيطان، وكفارته كفارة يمين. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه أتى بضرع وملح فجعل يأكل، فاعتزل رجل من القوم، فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم: فقال: لا أريد، فقال: أصائم أنت؟ قال: لا. قال: فما شأنك؟ قال: حرمت على نفسي أن آكل ضرعاً، فقال ابن مسعود: هذا من خطوات الشيطان، فأطعم وكفر عن يمينك. وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن غياث قال: سألت جابر بن زيد عن رجل نذر أن يجعل في أنفه حلقة من ذهب، فقال: هي من خطوات الشيطان ولا يزال عاصياً لله فليكفر عن يمينه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه جعل يمين من حلف أن يحج حبواً من خطوات الشيطان. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال: هي النذور في المعاصي. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: "إنما يأمركم بالسوء" قال: المعصية "والفحشاء" قال: الزنا. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام ورغبهم فيه، وحذرهم عذاب الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف: بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيراً منا، فأنزل الله في ذلك: "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا". وأخرج ابن جرير عن الربيع وقتادة في قوله: "ألفينا" قالا: وجدنا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ومثل الذين كفروا" الآية، قال: كمثل البقر والحمار والشاة إن قلت لبعضهم كلاماً لم يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك، وكذلك الكافر إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك. وروي نحو ذلك عن مجاهد أخرجه عبد بن حميد، وعن عكرمة أخرجه وكيع. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قال لي عطاء في هذه الآية: هم اليهود الذين أنزل الله فيهم "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب" إلى قوله: "فما أصبرهم على النار".
171. " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " والنعيق والنعق صوت الراعي بالغنم معناه مثلك يا محمد ومثل الكفار في وعظهم ودعائهم إلى الله عز وجل كمثل الراعي الذي ينعق بالغنم، وقيل مثل واعظ الكفار وداعيهم معهم كمثل الراعي ينعق بالغنم وهي لا تسمع " إلا دعاء " صوتاً " ونداء " فأضاف المثل إلى الذين كفروا لدلالة الكلام عليه كما في قوله تعالى " واسأل القرية " (82-يوسف) معناه كما أن البهائم تسمع صوت الراعي ولا تفهم وى تعقل ما يقال لها، كذلك الكافر لا ينتفعبوعظك إنما يسمع صوتك. وقيل: معناه: ومثل الذين كفروا في قلة عقلهم وفهمهم عن الله وعن رسوله كمثل المنعوق به من البهائم التي لا تفقه من الأمر والنهي إلا الصوت فيكون المعنى للمنعوق به والكلام خارج عن الناعق وهو فاش في كلام العرب يفعلون ذلك ويقلبون الكلام لايضاح المعنى عندهم، يقولون فلان يخافك كخوف الأسد، أي كخوفه الأسد. وقال تعالى " ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة " (76-القصص) وإنما العصبة تنوء بالمفاتيح وقيل معناه مثل الذين كفروا في دعاء الأصنام التي لاتفقه ولا تعقل كمثل الناعق بالغنم فلا ينتفع من نعيقه بشيء غير أنه في عناء من الدعاء والنداء، كذلك الكافر ليس له من دعاء الآلهة وعبادتها إلا العناء والبلاء كما قال تعالى " إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم " (14-فاطر).
وقيل معنى الآية ومثل الذين كفروا في دعاء الأوثان كمثل الذي يصيح في جوف الجبال فيسمع صوتاً يقال له: الصدى لا يفهم منه شيئاً، فمعنى الآية كمثل الذي ينفق بما لا يسمع منه الناعق إلا دعاء ونداء " صم " يقول العرب لمن يسمع ولا يعقل: كأنه أصم " بكم " عن الخير لا يقولونه " عمي " عن الهدى لا يبصرونه " فهم لا يعقلون ".
171-" ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً " على حذف مضاف تقديره : ومثل داعي الذين كفروا كمثل الذي ينعق ، أو مثل الذين كفروا كمثل بهائم الذي ينعق . والمعنى أن الكفرة لانهماكهم في التقليد لا يلقون أذهانهم إلى ما يتلى عليهم ،ولا يتأملون فيما يقرر معهم ، فهم في ذلك كالبهائم التي ينعق عليها فتسمع الصوت ولا تعرف مغزاه ، وتحس بالنداء ولا تفهم معناه . وقيل هو تمثيلهم في اتباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها ، بالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفهم ما تحته . أو تمثيلهم في دعائهم الأصنام ، بالناعق في نعقه وهو التصويت على البهائم ،وهذا يغني الإضمار ولكن لا يساعده قوله إلا دعاء ونداء ، لأن الأصنام لا تسمع إلا أن يجعل ذلك من باب التمثيل المركب .
" صم بكم عمي " رفع على الذم " فهم لا يعقلون " أي بالفعل للإخلال بالنظر .
171. The likeness of those who disbelieve (in relation to the messenger) is as the likeness of one who calleth unto that which heareth naught except a shout and cry. Deaf, dumb, blind, therefore they have no sense.
171 - The parable of those who reject faith is as if one were to shout like a goat herd, to things that listen to nothing but call and cries: deaf, dumb, and blind, they are void of wisdom.