(لن يستنكف) يتكبر ويأنف (المسيح) الذي زعمتم أنه إله عن (أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون) عند الله لا يستنكفون أن يكونوا عبيدا وهذا من أحسن الاستطراد ذكر للرد على من زعم أنها آلهة أو بنات الله كما رد بما قبله على النصارى الزاعمين ذلك المقصود خطابهم (ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا) في الآخرة
يعني جل ثناؤه بقوله : "لن يستنكف المسيح"، لن يأنف ولن يستكبر المسيح ، "أن يكون عبدا لله"، يعني : من أن يكون عبداً لله ، كما:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون"، لن يحتشم المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة.
وأما قوله : "ولا الملائكة المقربون"، فإنه يعني : ولن يستنكف أيضاً من الإقرار لله بالعبودة والإذعان له بذلك ، رسله "المقربون"، الذين قربهم الله ورفع منازلهم على غيرهم من خلقه.
وروي عن الضحاك أنه كان يقول في ذلك ، ما :
حدثني به جعفر بن محمد البزوري قال ، حدثنا يعلى بن عبيد، عن الأجلح قال : قلت لالضحاك : ما "المقربون"؟ قال : أقربهم إلى السماء الثانية .
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك : ومن يتعظم عن عبادة ربه ، ويأنف من التذلل والخضوع له بالطاعة من الخلق كلهم ، ويستكبر عن ذلك ، "فسيحشرهم إليه جميعا"، يقول : فسيبعثهم يوم القيامة جميعاً، فيجمعهم لموعدهم عنده.
قوله تعالى:" لن يستنكف المسيح " أي لن يأنف ولن يحتشم " أن يكون عبدا لله " أي من أن يكون فهو في موضع نصب وقرأ الحسن: إن يكون بكسر الهمزة على أنها نفي هو بمعنى ما والمعنى ما يكون له ولد وينبغي رفع يكون ولم يذكره الرواية " ولا الملائكة المقربون " أي من رحمة الله ورضاه فدل بهذا على أن الملائكة أفضل من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وكذا " ولا أقول إني ملك " [ هود : 31[ وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى في البقرة " ومن يستنكف " أي يأنف " عن عبادته ويستكبر " فلا يفعلها " فسيحشرهم إليه " أي إلى المحشر " جميعا" فيجازى كلا بما يستحق، كما بينه في الآية بعد هذا " فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله " إلى قوله : " نصيرا" وأصل يستنكف نكف فالياء والسين والتاء زوائد يقال: نكفت من الشيء واستنكفت منه وأنكفته أي نزهته عما يستنكف منه ومنه الحديث سئل عن سبحان الله فقال:
"إنكاف الله من كل سوء" يعني تنزيهه وتقديسه عن الأنداد والأولاد وقال الزجاج: استنكف أي أنف مأخوذ من نكفت الدمع إذا نحيته بإصبعك عن خدك ومنه الحديث .
"ما ينكف العرق عن جبينه" أي ما ينقطع ومنه الحديث :
" جاء بجيش لا ينكف آخره لا ينقطع آخره "وقيل: هو من النكف وهو العيب يقال: ما عليه في هذه الأمر نكف ولا وكف أي عيب: أي لن يمتنع المسيح ولن يتنزه من العبودية ولن ينقطع عنها ولن يعيبها .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا إبراهيم بن موسى, حدثنا هشام عن ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس: قوله: "لن يستنكف" لن يستكبر. وقال قتادة: لن يحتشم "المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون" وقد استدل بعض من ذهب إلى تفضيل الملائكة على البشر بهذه الاية حيث قال: "ولا الملائكة المقربون" وليس له في ذلك دلالة, لأنه إنما عطف الملائكة على المسيح, لأن الاستنكاف هو الامتناع, والملائكة أقدر على ذلك من المسيح, فلهذا قال: "ولا الملائكة المقربون" ولا يلزم من كونهم أقوى وأقدر على الامتناع أن يكونوا أفضل. وقيل: إنما ذكروا لأنهم اتخذوا آلهة مع الله كما اتخذ المسيح, فأخبر تعالى أنهم عبيد من عباده وخلق من خلقه, كما قال تعالى: "وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون" الايات, ولهذا قال: "ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً" أي فيجمعهم إليه يوم القيامة, ويفصل بينهم بحكمه العدل الذي لا يجور فيه, ولا يحيف, ولهذا قال: "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" أي فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة, ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه وسعة رحمته وامتنانه, وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي, عن الأعمش, عن سفيان, عن عبد الله مرفوعاً, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" قال: أجورهم "أدخلهم الجنة" "ويزيدهم من فضله" قال "الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في دنياهم " وهذا إسناد لا يثبت.. وإذا روي عن ابن مسعود موقوفاً, فهو جيد "وأما الذين استنكفوا واستكبروا" أي امتنعوا من طاعة الله وعبادته واستكبروا عن ذلك "فيعذبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً" كقوله: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" أي صاغرين حقيرين ذليلين كما كانوا ممتنعين مستكبرين.
أصل يستنكف نكف وباقي الحروف زائدة، يقال: نكفت من الشيء واستنكفت منه وأنكفته: أي نزهته عما يستنكف منه. قال الزجاج: استنكف أي: أنف، مأخوذ من نكفت الدمع: إذا نحيته بأصبعك عن خديك، وقيل: هو من النكف وهو العيب، يقال: ما عليه في هذا الأمر نكف ولا كف: أي عيب. ومعنى الأول: لن يأنف عن العبودية ولن يتنزه عنها. ومعنى الثاني: لن يعيب العبودية ولن ينقطع عنها "ولا الملائكة المقربون" عطف على المسيح: أي ولن يستنكف الملائكة المقربون عن أن يكونوا عباداً لله.
وقد استدل بهذا القائلون بتفضيل الملائكة على الأنبياء، وقرر صاحب الكشاف وجه الدلالة بما لا يسمن ولا يغني من جوع وادعى أن الذوق قاض بذلك، ونعم الذوق العربي إذا خالطه محبة المذهب وشابه شوائب الجمود كان هكذا، وكل من يفهم لغة العرب يعلم أن من قال لا يأنف من هذه المقالة إمام ولا مأموم أو لا كبير ولا صغير أولا جليل ولا حقير، ثم يدل هذا على أن المعطوف أعظم شأناً من المعطوف عليه، وعلى كل حال فما أردأ الاشتغال بهذه المسألة وما أقل فائدتها وما أبعدها عن أن تكون مركزاً من المراكز الشرعية الدينية وجسراً من الجسور "ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر" أي: يأنف تكبراً ويعد نفسه عن العبادة "فسيحشرهم إليه جميعاً" المستنكف وغيره، فيجازي كلاً بعمله. وترك ذكر غير المستنكف هنا لدلالة أول الكلام عليه، ولكون الحشر لكلا الطائفتين.
172-قوله تعالى:"لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله"،وذلك "أن وفد نجران قالوا: يا محمد إنك تعيب صاحبنا فتقول:إنه عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم :إنه ليس بعار لعيسى عليه السلام أن يكون عبداً للهفنزل:"لن يستنكف المسيح"" لن يأنف ولن يتعظم ، والاستنكاف : التكبر مع الأنفة ،"ولا الملائكة المقربون"، وهم حملة العرض، لا يأنفون أن يكونوا عبيداً لله، ويستدل بهذه الآية من يقول بتفضيل الملائكة على البشر، لأن الله تعالى ارتقى من عيسى إلى الملائكة، ولا يرتقى إلا إلى الأعلى ، لا يقال: لا يستنكف فلان من هذا ولا عبده ،إنما يقال: فلان لا يستنكف من هذا ولا مولاه ، ولا حجة لهم فيه لأنه لم يقل ذلك رفعاً لمقامهم على مقام البشر،بل رداً على الذين يقولون الملائكة آلهة، كما رد على النصارى قولهم المسيح ابن الله ، وقال رداً على النصارى بزعمهم،فإنهم يقولون بتفضيل الملائكة. قوله تعالى:"ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً"قيل:الاستنكاف هو التكبر مع الأنفة ، والاستكبار هو العلو والتكبير عن غير أنفة.
172" لن يستنكف المسيح " لن يأنف، من نكفت الدمع إذا نحيته بإصبعك كيلا يرى أثره عليك. " أن يكون عبدا لله " من أن يكون عبداً له فإن عبوديته شرف يتباهى به، وإنما لمذلة والاستنكاف في عبودية غيره. روي "أن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تعيب صاحبنا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى عليه الصلاة والسلام ، قال عليه السلام: وأي شيء أقول. قالوا: تقول إنه عبد الله ورسوله، قال: إنه ليس بعار أن يكون عبد الله، قالوا: بلى فنزلت" " ولا الملائكة المقربون " عطف على المسيح أي ولا يستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيداً لله، واحتج به من زعم أنه فضل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقال مساقه لرد قول النصارى في رفع المسيح عن مقام لعبودية وذلك يقتضي أن يكون المعطوف أعلى درجة من المعطوف عليه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه، وجوابه أن الآية للرد على عبدة المسيح والملائكة فلا يتجه ذلك وإن سلم اختصاصها بالنصارى فلعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير دون التكبير كقولك: أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرءوس، وإن أراد به التكبير فغايته تفضيل المقربين من الملائكة وهم الكروبيون الذين هم حول العرش، أو من على منهم رتبة من الملائكة على المسيح من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقاً والنزاع فيه " ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر " ومن يرتفع عنها، والاستكبار دون الاستنكاف ولذلك عطف عليه وإنما يستعمل من حيث الاستحقاق بخلاف التكبر فإنه قد يكون بالاستحقاق. " فسيحشرهم إليه جميعا " فيجازيهم.
172. The Messiah will never scorn to be a slave unto Allah, nor will the favored angels. Whoso scorneth His service and is proud, all such will He assemble unto Him;
172 - Christ disdaineth not to serve and worship God, nor do the angels, those nearest (to God): those who disdain his worship and are arrogant, he will gather them all together unto himself to (answer).