(ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم) في الصلاة (قبل المشرق والمغرب) نزل رداً على اليهود والنصارى حيث زعموا ذلك (ولكن البرَّ) أي ذا البر وقرئ بفتح الباء أي البار (من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب) أي الكتب (والنبيين وآتى المال على) مع (حبه) له (ذوي القربى) القرابة (واليتامى والمساكين وابن السبيل) المسافر (والسائلين) الطالبين (وفي) فك (الرقاب) المكاتبين والأسرى (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) المفروضة وما قبله في التطوع (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) الله أو الناس (والصابرين) نصب على المدح (في البأساء) شدة الفقر (والضراء) المرض (وحين البأس) وقت شدة القتال في سبيل الله (أولئك) الموصوفون بما ذكر (الذين صدقوا) في إيمانهم أو ادعاء البر (وأولئك هم المتقون) الله
قوله تعالى ليس البر الآية ك قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة قال كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق فنزلت ليس البر أن تولوا وجوهكم الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال ذكر لنا أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر فأنزل الله هذه الآية ليس البر أن تولوا فدعا الرجل فتلاها عليه وكان قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ثم مات على ذلك يرجى له ويطمع له في خير فأنزل الله ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب وكانت اليهود توجهت قبل المغرب والنصارى قبل المشرق
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: ليس البر الصلاة وحدها، ولكن البر الخصال التي أبينها لكم. حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب"، يعني: الصلاة. يقول: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا، فهذا منذ تحول من مكة إلى المدينة، ونزلت الفرائض، وحد الحدود. فأمر الله بالفرائض والعمل بها. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح،
عن مجاهد: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب" ، ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله.حدثني القاسم قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن عباس قال: هذه الآية نزلت بالمدينة: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب"، يعني: الصلاة. يقول: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك. قال ابن جريج، وقال مجاهد: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب"، يعني السجود، ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم، أنه قال فيها، قال يقول: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك. وهذا حين تحول من مكة إلى المدينة، فأنزل الله الفرائض وحد الحدود بالمدينة، وأمر بالفرائض أن يؤخذ بها. وقال آخرون: عنى الله بذلك اليهود والنصارى. وذلك أن اليهود تصلي فتوجه قبل المغرب، والنصارى تصلي فتوجه قبل المشرق، فأنزل الله فيهم هذه الاية، يخبرهم فيها أن البر غير العمل الذي يعملونه، ولكنه ما بيناه في هذه الآية. ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى تصلي قبل المشرق، فنزلت: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب". حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر"، ذكر لنا أن رجلاً سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن البر فأنزل الله هذه الآية. وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا الرجل فتلاها عليه. وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ثم مات على ذلك يرجى له ويطمع له في خير، فأنزل الله: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب". وكانت اليهود توجهت قبل المغرب، والنصارى قبل المشرق- "ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر" الاية.حدثني المثنى قال حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قال: كانت اليهود تصلي قبل المغرب، والنصارى قبل المشرق، فنزلت: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب". قال أبو جعفر: وأولى هذين القولين بتأويل الآية، القول الذي قاله قتادة وقتادة بن أنس: أن يكون عنى بقوله: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب"، اليهود والنصارى. لأن الآيات قبلها مضت بتوبيخهم ولومهم، والخبر عنهم وعما اعد لهم من أليم العذاب. وهذا في سياق ما قبلها، إذ كان الأمر كذلك،- "ليس البر"،- أيها اليهود والنصارى، أن يولي بعضكم وجهه قبل المشرق وبعضكم قبل المغرب، "ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب" الاية. فإن قال قائل ة فكيف قيل: "ولكن البر من آمن بالله"، وقد علمت أن "البر" فعل، و "من" اسم، فكيف يكون الفعل هو الإنسان؟ قيل: إن معنى ذلك غير ما توهمته، وإنما معناه: ولكن البر بر آمن بالله واليوم الاخر، فوضع "من" موضع الفعل، اكتفاء بدلالته، ودلالة صلته التي هي له صفة، من الفعل المحذوف، كما تفعله العرب، فتضع الأسماء مواضع أفعالها التي هي بها مشهورة، فتقول: الجود حاتم، والشجاعة عنترة، و إنما الجود حاتم والشجاعة عنترة، ومعناها الجود جود حاتم فتستغني بذكر حاتم إذ كان معروفاً بالجود من إعادة ذكر الجود بعد الذي قد ذكرته، فتضعه موضع جوده ، لدلالة الكلام على ما حذفته، استغناء
بما ذكرته عما لم تذكره. كما قيل "واسأل القرية التي كنا فيها" [يوسف: 82] والمعنى: أهل القرية،وكما قال الشاعر، وهو ذو الخرق الطهوي:
حسبت بغام راحلتي عناقاً! وما هي، ويب غيرك بالعناق
يريد: بغام عناق، أو صوت [عناق]، كما يقال: حسبت صياحي أخاك ، يعني له: حسبت صياحي صياح أخيك. وقد يجوز أن يكون معنى الكلام: ولكن البار من آمن بالله، فيكون "البر" مصدراً وضع موضع الاسم. القول في تأويل قوله تعالى:"وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب" قال أبو جعفر: يعنى تعالى ذكره بقوله: "وآتى المال على حبه"، وأعطى ماله في حين محبته اياه، وضنه به، وشحه عليه، كما:حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت ليثا، عن زبيد، عن مرة بن شراحيل البكيلي، عن عبدالله بن مسعود: "وآتى المال على حبه"، أي: يؤتيه وهو صحيح شحيح، يأمل العيش ويخشى الفقر.حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن- وحدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق- قالا جميعاً، عن سفيان، عن زبيد اليامي، عن مرة، عن عبدالله: "وآتى المال على حبه"، قال: وأنت صحيح، تأمل العيش، وتخشى الفقر. حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن زبيد اليامي، عن عبدالله أنه قال في هذه الآية: "وآتى المال على حبه"، قال: وأنت حريص شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر.
حدثنا أحمد بن نعمة المصري قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا الليث قال، حدثنا إبراهيم بن أعين، عن شعبة بن الحجاج، عن زبيد اليامي، عن مرة الهمداني قال، قال عبدالله بن مسعود في قول الله: "وآتى المال على حبه ذوي القربى"، قال: حريصاً شحيحاً، يأمل الغنى ويخشى الفقر. حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا، حدثنا هشيم قال، أخبرنا إسمعيل بن سالم، عن الشعبي، سمعته يسأل: هل على الرجل حق في ماله سوى الزكاة؟ قال: نعم! وتلا هذه الآية: "وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة ". حدثنا أبو كريب قال، حدثنا سويد بن عمرو الكلبي قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، أخبرنا أبو حمزه قال، قلت للشعبي: إذا زكى الرجل ماله، أيطيب له ماله؟ فقرأ هذه الآية: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب" إلى "وآتى المال على حبه" إلى آخرها، ثم قال: حدثتني فاطمة بنت قيس أنها قالت: يا رسول الله، إن لي سبعين مثقالاً من ذهب. فقال: اجعليها في قرابتك. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك قال، حدثنا أبو حمزة- فيما أعلم- عن عامر، عن فاطمة بنت قيس أنها سمعته يقول: إن في المال لحقاً سوى الزكاة. حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي حيان قال، حدثني مزاحم بن
زفر قال، كنت جالساً عند عطاء فأتاه أعرابي فقال له: إن لي إبلا، فهل علي فيها حق بعد الصدقة؟ قال: نعم! قال: ماذا؟ قال: عارية الدلو، وطروق الفحل، والحلب. حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، ذكره عن مرة الهمداني في: "وآتى المال على حبه" قال: قال عبدالله بن مسعود: تعطيه وأنت صحيح شحيح، تطيل الأمل، وتخاف الفقر. وذكر أيضاً عن السدي أن هذا شيء واجب في المال، حق على صاحب المال أن يفعله، سوى الذي عليه من الزكاة.
حدثنا الربيع عن سليمان قال، حدثنا أسد قال، حدثنا سويد بن عبدالله، عن أبي حمزة،عن عامر، " عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في المال حق سوى الزكاة، وتلا هذه الآية "ليس البر" إلى آخر الآية " .
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن زبيد اليامي، عن مرة بن شراحيل، عن عبدالله في قوله: "وآتى المال على حبه"، قال: أن يعطي الرجل وهو صحيح شحيح به، يأمل العيش ويخاف الفقر.قال أبو جعفر: فتأويل الاية: وأعطى المال- وهو له محب، حريص على جمعه، شحيح به- ذوي قرابته، فوصل به أرحامهم وإنما قلت عنى بقوله: "ذوي القربى"، ذوي قرابة مؤدي المال على حبه، للخبر الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره فاطمة بنت قيس. و" قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل: أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل على ذي القرابة الكاشح". وأما "اليتامى" "والمساكين"، فقد بينا معانيهما فيما مضى. وأما "ابن السبيل"، فإنه المجتاز بالرجل. ثم اختلف أهل العلم في صفته. فقال بعضهم: هو الضيف من ذلك. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وابن السبيل" قال، هو الضيف قال: قد ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت. قال: وكان يقول: حق الضيافة ثلاث ليال، فكل شيء أضافه بعد ذلك صدقة". وقال بعضهم: هو المسافر يمر عليك. ذكر من قال ذلك:حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر: "وابن السبيل"، قال: المجتاز من أرض إلى أرض. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وقتادة في قوله: "وابن السبيل"، قال: الذي يمر عليك هو مسافر. حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عمن ذكره، عن ابن جريج عن مجاهد وقتادة مثله. وإنما قيل للمسافر ابن السبيل ، لملازمته الطريق- والطريق هوالسبيل - فقيل لملازمته اياه في سفره: ابنه ، كما يقال لطير الماء ابن الماء، لملازمته إياه، وللرجل الدي أتت عليه الدهور ابن الأيام والليالي والأزمنة، ومنه قول ذي الرمة:
وردت اعتسافاً، والثريا كانها على قمة الرأس ابن ماء محلق
وأما قوله: "والسائلين"، فإنه يعني به: المستطعمين الطالبين، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن إدريس، عن حصين، عن عكرمة في قوله: "والسائلين"، قال: الذي يسألك.وأما قوله: "وفي الرقاب" فإنه يعني بذلك: وفي فك الرقاب من العبودة (1)، وهم المكاتبون الذين يسعون في فك رقابهم من العبودة، بأداء كتاباتهم التي فارقوا عليها ساداتهم.القول في تأويل قوله تعالى:"وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا" قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وأقام الصلاة" أدام العمل بها بحدودها. وبقوله: "وآتى الزكاة"، أعطاها على ما فرضها الله عليه. فإن قال قائل: وهل من حق يجب في مال إيتاؤه فرضاً غير الزكاة؟ قيل: قد اختلف أهل التأويل في ذلك: فقال بعضهم: فيه حقوق تجب سوى الزكاة، واعتلوا لقولهم ذلك بهذه الآية، وقالوا: لما قال الله تبارك وتعالى: "وآتى المال على حبه ذوي القربى"، ومن سمى الله معهم، ثم قال بعد: "وأقام الصلاة وآتى الزكاة"، علمنا أن المال- الذي وصف المؤمنين به أنهم يؤتونه ذوي القربى ومن سمى معهم- غير الزكاة التي ذكر أنهم يؤتونها. لأن ذلك لو كان مالاً واحداً لم يكن لتكريره معنى مفهوم. قالوا: فلما كان غير جائز أن يقول تعالى ذكره قولاً لا معنى له، علمنا أن حكم المال الأول غير الزكاة، وأن الزكاة التي ذكرها بعد غيره. قالوا: وبعد، فقد أبان تأويل أهل التأويل صحة ما قلنا في ذلك.
-قال آخرون: بل المال الأول هو الزكاة، ولكن الله وصف إيتاء المؤمنين من آتوه ذلك، في أول الآية. فعرف عباده- بوصفه ما وصف من أمرهم- المواضع التي يجب عليهم أن يضعوا فيها زكواتهم، ثم دلهم بقوله بعد ذلك: "وآتى الزكاة"، أن المال الذي آتاه القوم هو الزكاة المفروضة- كانت- عليهم، إذ كان أهل سهمانها هم الذين أخبر في أول الآية أن القوم آتوهم أموالهم.وأما قوله: "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا"، فإنه يعني تعالى ذكره: والذين لا ينقضون عهد الله بعد المعاهدة، ولكن يوفون به ويتمونه على ما عاهدوا عليه من عاهدوه عليه، كما: حدثت عن عماربن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة بن أنس في قوله: "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا"، قال: فمن أعطى عهد الله ثم نقضه، فالثه ينتقم منه. ومن أعطى ذمة النبي صلى الله عليه وسلم ثم غدر بها، فالنبي صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القيامة.
وقد بينت العهد فيما مضى، بما أغنى عن إعادته ههنا. القول قي تأويل قوله تعالى: "والصابرين في البأساء والضراء" قال أبو جعفر: وقد بينا تأويل الصبر فيما مضى قبل. فمعنى الكلام: والمانعين أنفسهم- في البأساء والضراء وحين البأس- مما يكرهه الله لهم، الحابسيها على ما أمرهم به من طاعته. ثم قال أهل التأويل في معنى "البأساء والضراء" بما:حدثني به الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثني أبي- وحدثني موسى قال،حدثنا عمرو بن حماد- قالا جميعاً، حدثنا أسباط عن السدي، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود أنه قال: أما البأساء فالفقر، وأما الضراء فالسقم. حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي- وحدثني المثنى قال، حدثنا الحماني- قالا جميعاً، حدثنا شريك، عن السدي، عن مرة، عن عبدالله في قوله: "والصابرين في البأساء والضراء" قال: البأساء الجوع، والضراء المرض.حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن السدي، عن مرة، عن عبدالله قال: البأساء الحاجة، والضراء المرض. حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد عن قتادة قال: كنا نحدث أن البأساء البؤس والفقر، وأن الضراء السقم. وقد قال النبي أيوب صلى الله عليه وسلم "أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" [الأنبياء:83]. حدثت عن عماربن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "والصابرين في البأساء والضراء"، قال: البؤس: الفاقة والفقر، والضراء: في النفس، من وجع أو مرض يصيبه في جسده.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "البأساء والضراء"، قال: البأساء: البؤس، والضراء: الزمانة في الجسد.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا عبيد، عن الضحاك قال: "البأساء والضراء"، المرض.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "والصابرين في البأساء والضراء"، قال: البأساء: البؤس والفقر، والضراء: السقم والوجع.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبيد بن الطفيل قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في هذه الاية: "والصابرين في البأساء والضراء"، أما البأساء: الفقر، والضراء: المرض.قال أبو جعفر: وأما أهل العربية فإنهم اختلفوا في ذلك. فقال بعضهم: "البأساء والضراء"، مصدر جاء على فعلاء ليس له أفعل لأنه اسم، كما قد جاء أفعل في الأسماء ليس له فعلاء، نحو أحمد. وقد قالوا في الصفة أفعل ، ولم يجىء له فعلاء، فقالوا: أنت من ذلك أوجل ، ولم يقولوا: وجلاء.وقال بعضهم: هو اسم للفعل. فإن "البأساء"، البؤس، "والضراء" الضر. وهو اسم يقع إن شئت لمؤنث، وإن شئت لمذكر، كما قال زهير:
فتنتج لكم غلمان أشأم، كلهم كأحمر عاد، ثم ترضع فتفطم
يعني: فتنتج لكم غلمان شؤم. وقال بعضهم: لو كان ذلك اسماً يجوز صرفه إلى مذكر ومؤنث، لجاز إجراء أفعل في النكرة،ولكنه اسم قام مقام المصدر. والدليل على ذلك قوله: لئن طلبت نصرتهم لتجدنهم غير أبعد، بغير إجراء. وقال: إنما كان اسماً للمصدر، لأنه إذا ذكر علم أنه يراد به المصدر.وقال غيره: لو كان ذلك مصدراً فوقع بتأنيث، لم يقع بتذكير، ولو وقع بتذكير، لم يقع بتأنيث. لأن
من سمي بـ أفعل لم يصرف إلى على، ومن سمي فعلى لم يصرف إلى أفعل ، لأن كل اسم يبقى بهيئته لا يصرف إلى غيره، ولكنهما لغتان. فإذا وقع بالتذكير، كان بأمر أشأم ، وإذا وقع "البأساء والضراء"، وقع: الخلة البأساء، والخلة الضراء. وإن كان لم يبن على الضراء، الأضر، ولا على الأشأم ، الشأماء لأنه لم يرد من تأنيثه التذكير، ولا من تذكيره التأنيث، كما قالوا امرأة حسناء، ولم يقولوا: رجل أحسن ، وقالوا: جل أمرد، ولم يقولوا: امرأة مرداء. فإذا قيل: الخصلة الضراء و الأمر الأشأم ، دل على المصدر، ولم يحتج إلى أن يكون اسماً، وإن كان قد كفى من المصدر. وهذا قول مخالف تأويل من ذكرنا تأويله من أهل العلم في تأويل "البأساء والضراء"، وإن كان صحيحاً على مذهب العربية. وذلك أن أهل التأويل تأولوا "البأساء" بمعنى: البؤس، "والضراء" بمعنى: الضر في الجسد. وذلك من تأويلهم مبني على أنهم وجهوا "البأساء والضراء" إلى أسماء الأفعال، دون صفات الأسماء ونعوتها. فالذي هو أولى بـ "البأساء والضراء"، على قول أهل التأويل، أن تكون "البأساء والضراء" أسماء أفعال، فتكون "البأساء" اسماً للبؤس ، و "الضراء" اسماً لضر.وأما الصابرينفنصب، وهو من نعت من على وجه المدح. لأن من شأن العرب- إذا تطاولت صفة الواحد- إلاعتراض بالمدح والذم بالنصب أحياناً، وبالرفع أحياناً، كما قال الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وذا الرأي حين تغم الامور بذات الصليل وذات اللجم
فنصب يث الكتيبة، وذا الرأي على المدح، والاسم قبلهم مخفوض لأنه من صفة واحد، ومنه قول الآخر:
فليت التي فيها النجوم تواضعت على كل غث منهم وسمين
غيوث الورى في كل محل وأزمة أسود الشرى يحمين كل عرين
وقد زعم بعضهم أن قوله "والصابرين في البأساء"، نصب عطفاً على "السائلين" كأن معنى الكلام كان عنده: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين، وابن السبيل والسائلين والصابرين في البأساء والضراء. وظاهر كتاب الله يدل على خطأ هذا القول. وذلك أن "والصابرين في البأساء والضراء"، هم أهل الزمانة في الأبدان، وأهل الإقتار في الأموال. وقد مضى وصف القوم بإيتاء- من كان ذلك صفته- المال في قوله: "والمساكين وابن السبيل والسائلين". وأهل الفاقة والفقر، هم أهل "البأساء والضراء"، لأن من لم يكن من أهل الضراء ذا بأساء، لم يكن ممن له قبول الصدقة، وإنما له قبولها إذا كان جامعا إلى ضرائه بأساء، وإذا جمع إليها بأساء، كان من أهل المسكنة الذين قد دخلوا في جملة "المساكين" الذين قد مضى ذكرهم قبل قوله: "والصابرين في البأساء". وإذا كان كذلك، ثم نصب "الصابرين في البأساء" بقوله "وآتى المال على حبه"، كان الكلام تكريراً بغير فائدة معنى. كأنه قيل: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين. والله يتعالى عن أن يكون ذلك في خطابه عباده. ولكن معنى ذلك: ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء. "والموفون" رفع، لأنه من صفة "من"، و "من" رفع، فهو معرب بإعرابه. "والصابرين" نصب- وإن كان من صفته- على وجه المدح الذي وصفنا قبل.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وحين البأس"، والصابرين في وقت البأس، وذلك وقت شدة القتال في الحرب، كما: حدثني الحسين بن عمروبن محمد العنقزي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أسباط، عن السدي، عن مرة، عن عبدالله في قول الله: "وحين البأس"، قال: حين القتال. حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي، عن مرة، عن عبدالله مثله. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وحين البأس"، القتال. حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: "وحين البأس"، أي عند مواطن القتال. حدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "وحين البأس"، القتال.حدثت عن عماربن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، "وحين البأس"، عند لقاء العدو.حدثنى المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا عبيدة، عن الضحاك: "وحين البأس"، القتال. حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبيد بن الطفيل أبو سيدان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: "وحين البأس"، قال: القتال.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "أولئك الذين صدقوا"، من آمن بالله واليوم الاخر، ونعتهم النعت الذي نعتهم به في هذه الاية. يقول: فمن فعل هذه الأشياء، فهم الذين صدقوا الله في إيمانهم، وحققوا قولهم بأفعالهم، لا من ولى وجهه قبل المشرف والمغرب وهو يخالف الله في أمره ، وينقض عهده وميثاقه، ويكتم الناس بيان ما أمره الله ببيانه، ويكذب رسله. وأما قوله: "وأولئك هم المتقون"، فإنه يعني: وأولئك الذين اتقوا عقاب الله، فتجنبوا عصيانه،وحذروا وعده، فلم يتعذوا حدوده. وخافوه، فقاموا بأداء فرائضه.وبمثل الذي قلنا في قوله: "أولئك الذين صدقوا"، كان قتادة بن أنس يقول. حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "أولئك الذين صدقوا"، قال: فتكلموا بكلام الإيمان، فكانت حقيقته العمل، صدقوا الله. قال: وكان الحسن يقول: هذا كلام الإيمان، وحقيقته العمل، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء.
فيه ثمان مسائل :
الأولى :قوله تعالى : "ليس البر" اختلف من المراد بهذا الخطاب ، فقال قتادة : ذكر لنا أن رجلاً سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن البر ، فأنزل الله هذه الآية . قال : وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، ثم مات على ذلك وجبت له الجنة ، فأنزل الله هذه الآية . وقال الربيع و قتادة ايضاً : الخطاب لليهود والنصارى لأنهم اختلفوا في التوجه والتولي ، فاليهود إلى المغرب قبل بيت المقدس ، والنصارى إلى المشرق مطلع الشمس ، وتكلموا في تحويل القبلة وفضلت كل فرقة توليتها ، فقيل لهم : ليس البر ما أنتم فيه ، ولكن البر من آمن بالله .
الثانية : قرأ حمزة وحفص البر بالنصب ، لأن ليس من أخوات كان ،يقع بعدها المعرفتان فتجعل أيهما شئت الاسم أو الخبر ، فلما وقع بعد ليس : البر نصبه ، وجعل أن تولوا الاسم ،وكان المصدر أولى بأن يكون اسماً لأنه لا يتنكر ، والبر قد يتنكر والفعل أقوى في التعريف . وقرأ الباقون البر بالرفع على أنه اسم ليس ، وخبره أن تولوا ، تقديره : ليس البر توليتكم وجوهكم ، وعلى الأول ليس توليتكم وجوهكم البر ، كقوله : "ما كان حجتهم إلا أن قالوا" ، "ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا" "فكان عاقبتهما أنهما في النار" وما كان مثله . ويقوي قراءة الرفع أن الثاني معه الباء إجماعاً فيه قوله : "وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها" ولا يجوز فيه إلا الرفع ، فحمل الأول على الثاني أولى من مخالفته له . وكذلك هو في مصحف أبي بالباء ليس البر بأن تولوا وكذلك في مصحف ابن مسعود أيضاً ، وعليه أكثر القراء ، والقراءتان حسنتان .
الثالثة : قوله تعالى : "ولكن البر من آمن بالله" البر ها هنا اسم جامع للخير ، والتقدير : ولكن البر بر من آمن ، فحذف المضاف ، كقوله تعالى : "واسأل القرية" ، "وأشربوا في قلوبهم العجل" قاله الفراء و قطرب و الزجاج . وقال الشاعر :
فإنما هي إقبال وإدبار
أي ذات إقبال وذات إدبا . وقال النابغة :
وكيف تواصل من أصبحت خلالته كأبي مرحب
أي كخلاله أبي مرحب ، فحذف . وقيل :المعنى ولكن ذا البر ، كقوله تعالى : "هم درجات عند الله" أي ذوو درجات . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وفرضت الفرائض وصرفت القبلة إلى الكعبة وحدت الحدود أنزل الله هذه الآية فقال : ليس البر كله أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك ، ولكن البر ـ أي ذا البر ـ من آمن بالله ، إلى آخرها ، قاله ابن عباس و مجاهد و الضحاك و عطاء و سفيانو الزجاج أيضاً . ويجوز أن يكون البر بمعنى البار والبر ، والفاعل قد يسمى بمعنى المصدر ، كما يقال : رجل عدل ، وصوم وفطر . وفي التنزيل : "إن أصبح ماؤكم غورا" أي غائراً ، وهذا اختيار أبي عبيدة . وقال المبرد : لو كنت ممن يقرأ القرآن لقرأت "ولكن البر" بفتح الباء .
الرابعة : قوله تعالى : "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين" فقيل : يكون الموفون عطفاً على من لأن من في موضع جمع ومحل رفع ، كأنه قال: ولكن البر المؤمنون والموفون ، قاله الفراءو الأخفش . والصابرين نصب على المدح ، أو بإضمار فعل . والعرب تنصب على المدح وعلى الذم كأنهم يريدون بذلك إفراد الممدوح والمذموم ولا يتبعونه أول الكلام ، وينصبونه . فأما المدح فقوله : "والمقيمين الصلاة" . وأنشد الكسائي :
وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم إلا نميرا أطاعت أمر غاويها
الظاعنين ولما يظعنوا أحدا والقائلون لمن دار نخليها
وأنشد أبو عبيدة :
لا يبعدون قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك والطيبون معاقد الأزر
وقال آخر :
نحن بني ضبة أصحاب الجمل
فنصب على المدح . وأما الذم فقوله تعالى : "ملعونين أينما ثقفوا" الآية . وقال عروة بن الورد :
سقوني الخمر ثم تكنفوني عداة الله من كذب وزر
وهذا مهيع في النعوت ، لا مطعن فيه من جهة الإعراب ، موجود في كلام العرب كما بيناه . وقال بعض من تعسف في كلامه : إن هذا غلط من الكتاب حين كتبوا مصحف الإمام ، قال: والدليل على ذلك ما روي عن عثمان أنه نظر في المصحف فقال : أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها . وهكذا قال في سورة النساء والمقيمين الصلاة ، وفي سورة المائدة "والصابئون" . والجواب ما ذكرناه . وقيل : الموفون رفع على الابتداء والخبر محذوف ، تقديره وهم الموفون . وقال الكسائي : والصابرين عطف على ذوي القربى كأنه قال : وآتى الصابرين . قال النحاس : وهذا القول خطأ وغلط بين ، لأنك إذا نصبت والصابرين ونسقته على ذوي القربى دخل في صلة من وإذا رفعت والموفون على أنه نسق على من فقد نسقت على من من قبل أن تتم الصلة ، وفرقت بين الصلة والموصول بالمعطوف . وقال الكسائي : وفي قراءة عبد الله والموفين ، والصابرين . وقال النحاس : يكونان منسوقين على ذوي القربى أو على المدح . قال الفراء : وفي قراءة عبد الله في النساء : "والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة" . وقرأ يعقوب والأعمش والموفون والصابرون بالرفع فيهما . وقرأ الجحدري بعهودهم . وقد قيل : إن والموفون عطف على الضمير الذي في آمن وأنكره أبو علي وقال : ليس المعنى عليه ، إذ ليس المراد أن البر بر من آمن بالله هو والموفون ، أي آمنا جميعاً . كما تقول : الشجاع من أقدم هو وعمرو ، إنما الذي بعد قوله من آمن تعداد لأفعال من آمن وأوصافهم .
الخامسة : قال علماؤنا : وهذه آية عظيمة من أمهات الأحكام ، لأنها تضمنت ست عشرة قاعدة : الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته ـ وقد أتينا عليها في الكتاب الأسنى ـ والنشر والحشر والميزان والصراط والحوض والشفاعة والجنة والنار ـ وقد أتينا عليها في كتاب التذكرة ـ والملائكة والكتب المنزلة وأنها حق من عند الله ـ كما تقدم ـ والنبيين وإنفاق المال فيما يعن من الواجب والمندوب وإيصال القرابة وترك قطعهم وتفقد اليتيم وعدم إهماله والمساكين كذلك ، ومراعاة ابن السبيل ـ قيل المنقطع به ، وقيل : الضيف ـ والسؤال وفك الرقاب . وسيأتي بيان هذا في آية الصدقات ، والمحافظة على الصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهود والصبر في الشدائد . وكل قاعدة من هذه القواعد تحتاج إلى كتاب . وتقدم التنبيه على أكثرها ، ويأتي بيان باقيها بما فيها في مواضعها إن شاء الله تعالى .
واختلف هل يعطى اليتيم من صدقة التطوع بمجرد اليتم على وجه الصلة وإن كان غنياً ، أو لا يعطى حتى يكون فقيراً ، قولان للعلماء . وهذا على أن يكون إيتاء المال غير الزكاة الواجبة ، على ما نبينه آنفاً .
السادسة : قوله تعالى : "وآتى المال على حبه" استدل به من قال :إن في المال حقاً سوى الزكاة وبها كمال البر. وقيل : المراد الزكاة المفروضة ، والأول أصح ، لما خرجه الدار قطني " عن فاطمة بنت قيس قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن في المال حقا سوى الزكاة ثم تلا قوله هذه الآية : "ليس البر أن تولوا وجوهكم" إلى آخر الآية " . وأخرجه ابن ماجة في سننه و الترمذي في جامعه وقال : هذا حديث ليس إسناده بذاك ، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف . وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله وهو أصح .
قلت :والحديث وإن كان فيه مقال فقد دل على صحته معنى ما في الاية نفسها من قوله تعالى : "وأقام الصلاة وآتى الزكاة" فذكر الزكاة مع الصلاة وذلك دليل على أن المراد بقوله : "وآتى المال على حبه" ليس الزكاة المفروضة ، فإن ذلك كان يكون تكراراً ، والله أعلم . واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها . قال مالك رحمه الله : يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم . وهذا إجماع أيضاً ، وهو يقوي ما اخترناه ، والموفق الإله .
السابعة : قوله تعالى : "على حبه" الضمير في "حبه" اختلف في عوده ، فقيل : يعود على المعطي للمال ، وحذف المفعول وهو المال . ويجوز نصب ذوي القربى بالحب ، فيكون التقدير على حب المعطي ذوي القربى . وقيل : يعود على المال ، فيكون المصدر مضافاً إلى المفعول . قال ابن عطية : ويجيء قوله "على حبه" اعتراضاً بليغاً أثناء القول .
قلت : ونظيره قوله الحق "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا" فإنه جمع المعنيين ، الاعتراض وإضافة المصدر إلى المفعول ، أي على حب الطعام . ومن الاعتراض قوله الحق : "ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك" وهذا عندهم يسمى التتميم ، وهو نوع من البلاغة ، ويسمى أيضاً الاحتراس والاحتياط ، فتمم بقوله "على حبه" وقوله : "وهو مؤمن" ، ومنه قول زهير :
من يلق يوما على علاته هرما يلق السماحة منه والندى خلقا
وقال امرؤ القيس :
على هيكل يعطيك قبل سؤاله أفانين جري غير كز ولا وان
فقوله : على علاته و قبل سؤاله تتميم حسن ، ومنه قول عنترة :
أثني علي بما علمت فإنني سهل مخالفتي إذا لم أظلم
فقوله إذا لم أظلم تتميم حسن . وقا لطرفة :
فسقى ديارك غير مفسدها صوب الربيع وديمة تهمي
وقال الربيع بن ضبع الفزاري :
فنيت وما يفنى صنيعي ومنطقي وكل امرىء إلا أحاديثه فان
فقوله : غير مفسدها ، و إلا أحاديثه تتميم واحتراس . وقال ابو هفان :
فأفنى الردى أرواحنا غير ظالم وأفنى الندى أموالنا غير عائب
فقوله غير ظالم ، و غير غائب تتميم واحتياط ، وهو في الشعر كثير . وقيل :يعود على الإيتاء ، لأن الفعل يدل على مصدره ، وهو كقوله تعالى : "ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم" أي البخل خيراً لهم ، فإذا اصابت الناس حاجة أو فاقة فإيتاء المال حبيب إليهم . وقيل : يعود على اسم الله تعالى في قوله : "من آمن بالله" . والمعنى المقصود أن يتصدق المرء في هذه الوجوه وهو صحيح شحيح يخشى الفقر ويأمن البقاء .
الثامنة : قوله تعالى : "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا" أي فيما بينهم وبين الله تعالى وفيما بينهم وبين الناس . "والصابرين في البأساء والضراء" البأساء : الشدة والفقر . والضراء : :المرض والزمانة ، قاله ابن مسعود . وقال عليه السلام :
"يقول الله تعالى أيما عبد من عبادي ابتليته ببلاء في فراشه فلم يشك إلي عواده أبدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمه فإن قبضته فإلى رحمتي وإن عافيته عافيته وليس له ذنب . قيل :يا رسول الله ، ما لحم خير من لحمه ؟ قال : لحم لم يذنب . قيل: فما دم خير من دمه ؟ قال : دم لم يذنب" . والبأساء والضراء اسمان بنيا على فعلاه ، ولا فعل لهما ، لأنهما اسمان وليسا بنعت . "وحين البأس" أي وقت الحرب .
قوله تعالى : "أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون" وصفهم بالصدق والتقوى في أمورهم والوفاء بها ، وأنهم كانوا جادين في الدين ، وهذا غاية الثناء . والصدق : خلاف الكذب . ويقال : صدقوهم القتال . والصديق : الملازم للصدق ، وفي الحديث :
"عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا" .
اشتملت هذه الاية على جمل عظيمة وقواعد عميمة, وعقيدة مستقيمة, كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبيد بن هشام الحلبي, حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عامر بن شفي, عن عبد الكريم, عن مجاهد, عن أبي ذر: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان ؟ فتلا عليه "ليس البر أن تولوا وجوهكم" إلى آخر الاية, قال: ثم سأله أيضاً, فتلاها عليه, ثم سأله فقال: "إذا عملت حسنة أحبها قلبك, وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك" وهذا منقطع, فإن مجاهداً لم يدرك أبا ذر , فإنه مات قديماً, وقال المسعودي: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن قال: جاء رجل إلى أبي ذر , فقال: ما الإيمان ؟ فقرأ عليه هذه الاية "ليس البر أن تولوا وجوهكم" حتى فرغ منها, فقال الرجل: ليس عن البر سألتك, فقال أبو ذر: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار بيده "المؤمن إذا عمل حسنة سرته ورجا ثوابها, وإذا علم سيئة أحزنته وخاف عقابها" ورواه ابن مردويه,. وهذا أيضاً منقطع, والله أعلم.
وأما الكلام على تفسير هذه الاية, فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولاً بالتوجه إلى بيت المقدس ثم حولهم إلى الكعبة, شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين, فأنزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك وهو أن المراد إنما هو طاعة الله عز وجل, وامتثال أوامره, والتوجه حيثما وجه واتباع ما شرع, فهذا هو البر والتقوي والإيمان الكامل, وليس في لزوم التوجه إلى جهة من المشرق أو المغرب بر ولا طاعة إن لم يكن عن أمر الله وشرعه, ولهذا قال " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر " الاية, كما قال في الأضاحي والهدايا "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الاية: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا, فهذا حين تحول من مكة إلى المدينة ونزلت الفرائض والحدود, فأمر الله بالفرائض والعمل بها, وروي عن الضحاك ومقاتل نحو ذلك, وقال أبو العالية: كانت اليهود تقبل قبل المغرب, وكانت النصارى تقبل قبل المشرق, فقال الله تعالى: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب" يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل, وروي عن الحسن والربيع بن أنس مثله، وقال مجاهد ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله عز وجل, وقال الضحاك ولكن البر والتقوى أن تؤدوا الفرائض على وجوهها وقال الثوري: "ولكن البر من آمن بالله" الاية قال: هذه أنواع البر كلها, وصدق رحمه الله, فإن من اتصف بهذه الاية, فقد دخل في عرى الإسلام كلها, وأخذ بمجامع الخير كله, وهو الإيمان بالله وأنه لا إله إلا هو, وصدق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسله (والكتاب) وهو اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء, حتى ختمت بأشرفها وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب الذي انتهى إليه كل خير, واشتمل على كل سعادة في الدنيا والاخرة ونسخ به كل ما سواه من الكتب قبله, وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين, وقوله "وآتى المال على حبه" أي أخرجه وهو محب له راغب فيه, نص على ذلك ابن مسعود وسعيد بن جبير وغيرهما من السلف والخلف, كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً "أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح, تأمل الغنى وتخشى الفقر" وقد روى الحاكم في مستدركه من حديث شعبة والثوري عن منصور, عن زبيد, عن مرة, عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ""وآتى المال على حبه" أن تعطيه وأنت صحيح شحيح, تأمل العيش وتخشى الفقر" ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, (قلت) وقد رواه وكيع عن الأعمش, وسفيان عن زبيد, عن مرة, عن ابن مسعود موقوفاً, وهو أصح, والله أعلم, وقال تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً" وقال تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" وقوله: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" نمط آخر أرفع من هذا, وهو أنهم آثروا بما هم مضطرون إليه وهؤلاء أعطوا وأطعموا ما هم محبون له وقوله: "ذوي القربى" وهم قرابات الرجل وهم أولى من أعطي من الصدقة كما ثبت في الحديث "الصدقة على المساكين صدقة, وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة, فهم أولى الناس بك وببرك وإعطائك" وقد أمر الله تعالى بالإحسان إليهم في غير موضع من كتابه العزيز "واليتامى" هم الذين لا كاسب لهم, وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ والقدرة على التكسب, وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن جويبر, عن الضحاك عن النزال بن سبرة, عن علي, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتم بعد حلم" "والمساكين" وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم وسكناهم, فيعطون ما تسد به حاجتهم وخلتهم, وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان, ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه", "وابن السبيل" وهو المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته فيعطى ما يوصله إلى بلده, وكذا الذي يريد سفراً في طاعة فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه, ويدخل في ذلك الضيف, كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين, وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو جعفر الباقر والحسن وقتادة والضحاك والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان "والسائلين" وهم الذين يتعرضون للطلب فيعطون من الزكوات والصدقات, كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن مصعب بن محمد, عن يعلي بن أبي يحيى, عن فاطمة بنت الحسين, عن أبيها ـ قال عبد الرحمن حسين بن علي ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "للسائل حق وإن جاء على فرس" رواه أبو داود "وفي الرقاب" وهم المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم, وسيأتي الكلام على كثير من هذه الأصناف في آية الصدقات من براءة إن شاء الله تعالى, وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا يحيى بن عبد الحميد, حدثنا شريك عن أبي حمزة عن الشعبي, حدثتني فاطمة بنت قيس, أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفي المال حق سوى الزكاة ؟ قالت: فتلا علي "وآتى المال على حبه" ورواه ابن مردويه من حديث آدم بن إياس ويحيى بن عبد الحميد كلاهما عن شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "في المال حق سوى الزكاة" ثم قرأ " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب " وأخرجه ابن ماجه والترمذي, وضعف أبا حمزة ميموناً الأعور , وقد رواه سيار وإسماعيل بن سالم عن الشعبي, وقوله "وأقام الصلاة وآتى الزكاة" أي وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي, وقوله: "وآتى الزكاة" يحتمل أن يكون المراد به زكاة النفس وتخليصها من الأخلاق الدنيئة الرذيلة كقوله: "قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها" وقول موسى لفرعون " هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى " وقوله تعالى: " وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة " ويحتمل أن يكون المراد زكاة المال, كما قاله سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان, ويكون المذكور من إعطاء هذه الجهات والأصناف المذكورين, إنما هو التطوع والبر والصلة, ولهذا تقدم في الحديث عن فاطمة بنت قيس إن في المال حقاً سوى الزكاة, والله أعلم.
وقوله: "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا", كقوله: "الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق" وعكس هذه الصفة النفاق كما صح في الحديث "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا ائتمن خان" وفي الحديث الاخر: "وإذا حدث كذب, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر" وقوله: "والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس" أي في حال الفقر وهو البأساء, وفي حال المرض والأسقام وهو الضراء "وحين البأس" أي في حال القتال والتقاء الأعداء وقاله ابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومرة الهمداني ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان وأبو مالك والضحاك وغيرهم, وإنما نصب "الصابرين" على المدح والحث على الصبر في هذه الأحوال لشدته وصعوبته والله أعلم, وهو المستعان وعليه التكلان, وقوله "أولئك الذين صدقوا", أي هؤلاء الذين اتصفوا بهذا الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم, لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال, فهؤلاء هم الذين صدقوا "وأولئك هم المتقون" لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات.
قوله: 177- "ليس البر" قرأ حمزة وحفص بالنصب على أنه خبر ليس والإسم "أن تولوا" وقرأ الباقون بالرفع على أنه الإسم قيل: إن هذه الآية نزلت للرد على اليهود والنصارى، لما أكثروا الكلام في شأن القبلة عند تحويل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، وقيل: إن سبب نزولها أنه سأل رسول الله سائل، وسيأتي ذلك آخر البحث إن شاء الله. وقوله: "قبل المشرق والمغرب" قيل: أشار سبحانه بذكر المشرق إلى قبلة النصارى لأنهم يستقبلون مطلع الشمس، وأشار بذكر المغرب إلى قبلة اليهود، لأنهم يستقبلون بيت المقدس وهو في جهة الغرب منهم إذ ذاك. وقوله: "ولكن البر" هو اسم جامع للخير، وخبره محذوف تقديره: بر من آمن. قاله الفراء وقطرب والزجاج، وقيل إن التقدير: ولكن ذو البر من آمن، ووجه هذا التقدير: الفرار عن الإخبار باسم العين عن اسم المعنى، ويجوز أن يكون البر بمعنى البار، وهو يطلق المصدر على اسم الفاعل كثيراً، ومنه في التنزيل "إن أصبح ماؤكم غوراً" أي غائراً وهذا اختيار أبي عبيدة. والمراد بالكتاب هنا الجنس أو القرآن، والضمير في قوله: "على حبه" راجع إلى المال، وقيل: راجع إلى الإيتاء المدلول عليه بقوله: "وآتى المال" وقيل: إنه راجع إلى الله سبحانه: أي على حب الله، والمعنى على الأول: أنه أعطى المال وهو يحبه ويشح به، ومنه قوله تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" والمعنى على الثاني: أنه يحب إيتاء المال وتطيب به نفسه، والمعنى على الثالث: أنه أعطى من تضمنته الآية في حب الله عز وجل لا لغرض آخر، وهو مثل قوله: "ويطعمون الطعام على حبه" ومثله قول زهير:
إن الكريم على علاته هرم
وقدم ذوي القربى لكون دفع المال إليهم صدقة وصلة إذا كانوا فقراء، هكذا اليتامى الفقراء أولى بالصدقة من الفقراء الذي ليسوا بيتامى، لعدم قدرتهم على الكسب. والمسكين: الساكن إلى ما في أيدي الناس لكونه لا يجد شيئاً. "وابن السبيل" المسافر المنقطع وجعل ابناً للسبيل لملازمته له. وقوله: "وفي الرقاب" أي في معاونة الأرقاء الذين كاتبهم المالكون لهم، وقيل: المراد شراء الرقاب وإعتاقها، وقيل: المراد فك الأسارى. وقوله: "وآتى الزكاة" فيه دليل على أن الإيتاء المتقدم هو صدقة التطوع، لا صدقة الفريضة. وقوله: "والموفون" قيل: هو معطوف على من آمن، كأنه قيل: ولكن البر المؤمنون والموفون. قاله الفراء والأخفش، وقيل: هو مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف، وقيل: هو لمبتدإ محذوف: أي هم الموفون، وقيل: إنه معطوف على الضمير في آمن، وأنكره أبو علي وقال: ليس المعنى عليه. وقوله: "والصابرين" منصوب على المدح كقوله تعالى: "والمقيمين الصلاة"، ومنه ما أنشده أبو عبيدة:
لا يبعدون قومي الذين هم سم العداوة وآفة الجزر
النـازلــين بكـل مـعـركـــة والطيبين معـاقــد الأزر
وقال الكسائي: هو معطوف على ذوي القربى كأنه قال: وآتى الصابرين. وقال النحاس: إنه خطأ. قال الكسائي: وهي قراءة عبد الله: " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين ". قال النحاس: يكونان على هذه القراءة منسوقين على ذوي القربى أو على المدح. وقرأ يعقوب والأعمش " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين " بالرفع فيهما. " البأساء " الشدة والفقر. "والضراء" المرض والزمانة "وحين البأس" قيل: المراد وقت الحرب، والبأساء والضراء إسمان بنيا على فعلاء ولا فعل لهما لأنهما إسمان وليسا بنعت. وقوله: "صدقوا" وصفهم بالصدق والتقوى في أمورهم والوفاء بها وأنهم كانوا جادين، وقيل: المراد صدقوهم القتال، والأول أولى.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وصححه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فتلا "ليس البر أن تولوا وجوهكم" حتى فرغ منها، ثم سأله أيضاً فتلاها، ثم سأله فتلاها. قال: وإذا عملت بحسنة أحبها قلبك، وإذا عملت بسيئة أبغضها قلبك. وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن القاسم بن عبد الرحمن قال: جاء رجل إلى أبي ذر فقال: ما الإيمان؟ فتلا عليه هذه الآية، ثم ذكر له نحو الحديث السابق. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال: يقول: ليس البر أن تصلوا ولا تعلموا، هذا حين تحول من مكة إلى المدينة وأنزلت الفرائض. وأخرج عنه ابن جرير أنه قال: هذه الآية نزلت بالمدينة، يقول: ليس البر أن تصلوا، لكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر، فأنزل الله: "ليس البر" الآية. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال: كانت اليهود تصلي قبل المغرب، والنصارى قبل المشرق، فنزلت "ليس البر" الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية مثله. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله: "وآتى المال على حبه" قال: يعطي وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخاف الفقر. وأخرج عنه مرفوعاً مثله. وأخرج البيهقي في الشعب عن المطلب "أنه قيل: يا رسول ما آتى المال على حبه فكلنا نحبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤتيه حين تؤتيه ونفسك تحدثك بطول العمر والفقر". وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "وآتى المال على حبه" يعني على حب المال. وأخرج عنه أيضاً في قوله: "ذوي القربى" يعني قرابته. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة" أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي في سننه من حديث سلمان بن عامر الضبي، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث زينب امرأة ابن مسعود "أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجزي عنها من الصدقة النفقة على زوجها وأيتام في حجرها؟ فقال: لك أجران: أجر الصدقة، وأجر القرابة". وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من حديث أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح". وأخرج أحمد والدارمي والطبراني من حديث حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: هو الذي يمر بك وهو مسافر. وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: "والسائلين" قال: السائل الذي يسألك. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "وفي الرقاب" قال: يعني فك الرقاب. وأخرج أيضاً عنه في قوله: "وأقام الصلاة" يعني وأتم الصلاة المكتوبة "وآتى الزكاة" يعني الزكاة المفروضة. وأخرج الترمذي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والدارقطني وابن مردويه عن فاطمة بنت قيس قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في المال حق سوى الزكاة ثم قرأ "ليس البر أن تولوا وجوهكم" الآية". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: "والموفون بعهدهم" قال: فمن أعطى عهد الله ثم نقضه فالله ينتقم منه، ومن أعطى ذمة النبي صلى الله عليه وسلم ثم غدر بها فالنبي صلى الله عليه وسلم خصمه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " يعني فيما بينهم وبين الناس. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الآية قال: "البأساء" الفقر "والضراء" السقم "وحين البأس" حين القتال. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "أولئك الذين صدقوا" قال: فعلوا ما ذكر الله في هذه الآية. وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله: "أولئك الذين صدقوا" قال: تكلموا بكلام الإيمان، فكانت حقيقة العمل صدقوا الله. قال: وكان الحسن يقول هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء.
177. قوله تعالى: " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " قرأ حمزة و حفص : ليس البر بنصب الراء، والباقون برفعها، فمن رفعها جعل " البر" اسم ليس ، وخبره قوله: أن تولوا ، تقديره: ليس البر توليتكم وجوهكم. ومن نصب جعل " أن تولوا " في موضع الرفع على اسم ليس تقديره: ليس توليتكم وجوهكم البر كله، كقةله تعالى " ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا " (25- الجاثية).
والبر كل عمل خير يفضي بصاحبه إلى الجنة واختلفوا في المخاطبين بهذه الآية، فقال قوم: عنى بها اليهود والنصارى، وذلك أن اليهود كانت تصلي قبل المغرب إلى بيت المقدس والنصارى قبل المشرق، وزعم كل فريق منهم: أن البر في ذلك، فأخبر الله تعالى أن البر غير دينهم وعملهم ولكنه ما بينه في هذه الآية وعلى هذا القول قتادة و مقاتل بن حيان . وقال الآخرونك المراد بها المؤمنون وذلك أن الرجل كان في ابتداء الإسلام قبل نزول الفرائض إذا أتى بالشهادتين وصلى الصلاة إلى جهة كانت ثم مات على ذلك وجبت له الجنة.
ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت الفرائض وحددت وصرفت القبلة إلى الكعبة أنزل الله هذه الآية فقال: " ليس البر " أي كله أن تصلوا قبل المشرق والمغرب ولا تعملوا على غير ذلك " ولكن البر " ما ذكر في هذه الآية وعلى هذا القول ابن عباس و مجاهد و عطاء و الضحاك . " ولكن البر " قرأ نافع و ابن عامر ولكن خفيفة النون البر رفع وقرأ الباقون بتشديد النون ونصب البر.
قوله تعالى: " من آمن بالله " جعل من وهي اسم خبر للبر وهو فعل ولا يقال البر زيد واختلفوا في وجهه قيل لما وقع من في موضع المصدر جعله خبراً للبر كأنه قال ولكن البر الإيمان بالله والعرب تجعل الاسم خبراً للفعل وأنشد الفراء :
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ولكنما الفتيان كل فتى ندي
فجعل نبات اللحى خبراً للفتى وقيل فيه إضمار معناه ولكن البر بر من آمن بالله فاستغنى بذكر الأول عن الثاني كقولهم الجود حاتم أي الجود جود حاتم وقيل معناه ولكن ذا البر من آمن بالله كقوله تعالى: " هم درجات عند الله " (163-آل عمران) أي ذو درجات وقيل معناه ولكن البار من آمن بالله كقوله تعالى " والعاقبة للتقوى " (132-طه) أي للمتقي والمراد من البر هاهنا الإيمان والتقوى.
" واليوم الآخر والملائكة " كلهم " والكتاب " يعني الكتب المنزلة " والنبيين " أجمع " وآتى المال " أعطى المال " على حبه " اختلفوا في هذه الكناية فقال أكثر أهل التفسير: إنها راجعة إلى المال أي أعطى المال في حال صحته ومحبته المال قال ابن مسعود: أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا موسى بن إسماعيل أخبرنا عبد الواحد ثنا عمارة بن القعقاع أنا أبو زرعة أخبرنا أبو هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: " أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ".
وقيل هي عائدة على الله عز وجل أي على حب الله تعالى.
" ذوي القربى " أهل القرابة.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي أخبرنا أبو العباس المحبوبي أخبرنا أبو عيسى الترمذي أخبرنا قتيبة أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن عمها سلمان بن عامر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة ".
قوله تعالى: " واليتامى والمساكين وابن السبيل " قال مجاهد : يعني المسافر المنقطع عن أهله يمر عليك ويقال للمسافر ابن السبيل لملازمته الطريق، وقيل: هو الضيف ينزل بالرجل قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " " والسائلين " يعني الطالبين.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبي بجيد الأنصاري وهم عبد الرحمن بن بجيد عن جدته وهي أم بجيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ردوا السائل ولو بظلف محرق " وفي رواية قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لم تجدي شيئاً إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه " قوله تعالى " وفي الرقاب " يعني المكاتبين قاله أكثر المفسرين، وقيل: عتق النسمة وفك الرقبة وقيل: فداء الأسارى " وأقام الصلاة وآتى الزكاة " وأعطى الزكاة " والموفون بعهدهم " فيما بينهم وبين الله عز وجل وفيما بينهم وبين الناس "إذا عاهدوا " يعني إذا وعدوا أنجزوا، وإذا حلفوا ونذروا أوفوا، وإذا عاهدوا أوفوا، وإذا قالوا صدقوا، وإذا ائتمنوا أدوا، واختلفوا في رفع قوله والموفون قيل هو عطف على خبر معناه ولكن ذا البر المؤمنون والموفون بعهدهم وقيل تقديره: وهم الموفون كأنه عد أصنافاً ثم قال: هم الموفون كذا، وقيل رفع على الابتداء والخبر يعني وهم الموفون ثم قال " والصابرين " وفي نصبها أربعة أوجه:
قال أبو عبيدة: نصبها على تطاول الكلام ومن شأن العرب أن تغير الإعراب إذا طال الكلام والنسق ومثله في سورة النساء " والمقيمين الصلاة " (سورة المائدة-162) "والصابئون والنصارى"، وقيل معناه أعني الصابرين، وقيل نصبه نسقاً على قوله ذوي القربى أي وآتي الصابرين.
وقال الخليل : نصب على المدح والعرب تنصب الكلام على المدح والذم [كأنهم يريدون إفراد الممدوح والمذموم فلا يتبعونه أول الكلام وينصبونه فالمدح كقوله تعالى " والمقيمين الصلاة "] (162-النساء).
والذم كقوله تعالى " ملعونين أينما ثقفوا " (61-الأحزاب).
قوله تعالى " في البأساء " أي الشدةوالفقر " والضراء " المرض والزمانة " وحين البأس " أي القتال والحرب.
أخبرنا المطهر بن علي بن عبد الله الفارسي أخبرنا أبو ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي أخبرنا علي بن الجعد أخبرنا زهير عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، يعني إذا اشتد الحرب " أولئك الذين صدقوا " في إيمانهم " وأولئك هم المتقون ".
177-" ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " " البر " كل فعل مرض ، والخطاب لأهل الكتاب فإنهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حولت ، وادعى كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلته ، فرد الله تعالى عليهم وقال ، ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ ، ولكن البر ما بينه الله واتبعه المؤمنون . وقيل عام لهم وللمسلمين ، أي ليس البر مقصوراً بأمر القبلة ، أو ليس البر العظيم الذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها ، وقرأ حمزة و حفص " البر " بالنصب " ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين " أي ولكن البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن بالله ، أو لكن ذا البر من آمن ، ويؤيده قراءة من قرأ ولكن البار . والأول أوفق وأحسن . والمراد بالكتاب الجنس ، أو القرآن . وقرأ نافع و ابن عامر " ولكن " بالتخفيف ورفع " البر " . " وآتى المال على حبه " أي على حب المال ،قال عليه الصلاة والسلام لما سئل أي الصدقة أفضل قال " أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش ، وتخشى الفقر " . وقيل الضمير لله ، أو للمصدر . والجار والمجرور في موضع الحال . " ذوي القربى واليتامى " يريد المحاويج منهم ، ولم يقيد لعدم الالتباس . وقدم ذوي القربى لأن إيتاءهم أفضل كما قال عليه الصلاة والسلام " صدقتك على المسكين صدقة وعلى ذوي رحمك اثنتان ، صدقة وصلة " . " والمساكين " جمع المسكين وهو الذي أسكنته الخلة ، وأصله دائم السكون كالمسكير للدائم السكر . " وابن السبيل " المسافر ، سمي لملازمته السبيل كما سمي القاطع ابن الطريق . وقيل الضيف لأن السبيل يرعف به . " والسائلين " الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال ، وقال عليه السلام " للسائل حق وإن جاء على فرسه " . " وفي الرقاب " وفي تخليصها بمعاونة المكاتبين ، أو فك الأساري ، أو ابتياع الرقاب لعتقها ز " وأقام الصلاة " المفروضة . " وآتى الزكاة " يحتمل أن يكون المقصود منه ومن قوله : " وآتى المال " الزكاة المفروضة ، ولكن الغرض من الأول بيان مصارفها ، ومن الثاني أداؤها والحث عليها . ويحتمل أن يكون المراد بالأول نوافل الصدقات أو حقوقاً كانت في المال سوى الزكاة . وفي الحديث " نسخت الزكاة كل صدقة " . " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " عطف على " من آمن " . " والصابرين في البأساء والضراء " نصبه على المدح ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال . وعن الأزهري : البأساء في الأموال كالفقر ، والضراء في الأنفس كالمرض . " وحين البأس " وقت مجاهدة العدو . " أولئك الذين صدقوا " في الدين واتباع الحق وطلب البر . " وأولئك هم المتقون " عن الكفر وسائر الرذائل . والآية كما ترى جامعة للكلمات الإنسانية بأسرها ، دالة عليها صريحاً أو ضمناً ، فإنهما بكثرتها وتشعبها منحصرة في ثلاثة أشياء : صحة الاعتقاد ، وحسن المعاشرة ، وتهذيب النفس . وقد أشير إلى الأول بقوله : " من آمن بالله " إلى " والنبيين" . وإلى الثاني بقوله: " وآتى المال" إلى " وفي الرقاب" وإلى الثالث بقوله
" وأقام الصلاة " إلى آخرها ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظراً إلى إيمانه واعتقاد بالتقوى ، اعتباراً بمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق . وإليه أشار بقوله عليه السلام " من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان " .
177. It is not righteousness that ye turn your faces to the East and the West; but righteous is he who believeth in Allah and the Last Day and the angels and the Scripture and the Prophets; and giveth his wealth, for love of Him, to kinsfolk and to orphans and the needy and the wayfarer and to those who ask, and to set slaves free; and observeth proper worship and payeth the poor due. And those who keep their treaty when they make one, and the patient in tribulation and adversity and time of stress. Such are they who are sincere. Such are the God fearing.
177 - It is not righteousness that ye turn your faces towards east or west; but it is righteousness to believe in God and the last day, and the angels, and the book, and the messengers; to spend of your substance, out of love for him, for your kin, for orphans, for the needy, for the wayfarer, for those who ask, and for the ransom of slaves; to be steadfast in prayer, and practice regular charity; to fulfil the contracts which ye have made; and to be firm and patient, in pain (or suffering) and adversity, and throughout all periods of panic. such are the people of truth, the God fearing.