18 - (قال) فرعون لموسى (ألم نربك فينا) في منازلنا (وليدا) صغيرا قريبا من الولادة بعد فطامه (ولبثت فينا من عمرك سنين) ثلاثين سنة يلبس من ملابس فرعون ويركب من مراكبه وكان يسمى ابنه
وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر عليه منه ، وهو : فأتيا فرعون فأبلغاه رسالة ربهما إليه ، فقال فرعون : ألم نربك فينا يا موسى وليدا ، ولبثت فينا من عمرك سنين ، وذلك مكثه عنده قبل قتله القتيل الذي قتله من القبط ، وفعلت فعلتك التي فعلت : يعني قتله النفس التي قتل من القبط .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين " قال فعلتها إذا وأنا من الضالين . قال : قتل النفس .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وإنما قيل " وفعلت فعلتك " لأنها مرة واحدة ، ولا يجوز كسر الفاء إذا أريد بها هذا لمعنى . وذكر عن الشعبي أنه قرأ ذلك وفعلت فعلتك بكسر الفاء ، وهي قراءة لقراءة القراء من أهل الأمصار مخالفة .
وقوله " وأنت من الكافرين " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وأنت من الكافرين بالله على ديننا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني موس بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين " يعني على ديننا هذا الذي تعيب . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأنت من الكافرين نعمتنا عليك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين " قال : ربيناك فينا وليدا ، فهذا الذي كافأتنا أن قتلت منا نفسا ، وكفرت نعمتنا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس "وأنت من الكافرين " يقول : كافرا للنعمة أن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر .
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله ابن زيد أشبه بتأويل الآية ، لأن فرعون لم يكن مقرا لله بالربوبية وإنما كان يزعم أنه هو الرب ، فغير جائز أن يقول لموسى ، إن كان موسى كان عنده على دينه يوم قتل القتيل على ماقاله السدي : فعلت الفعلة وأنت من الكافرين ، الإيمان عنده : هو دينه الذي كان عليه موسى عنده ، إلا أن يقول قائل : إنما أراد :وأنت من الكافرين يومئذ يا موسى ، على قولك اليوم ، فيكون ذلك وجها يتوجه . فتأويل الكلام إذن : وقتلت الذي قتلت منا وأنت من الكافرين نعمتنا عليك ، وإحساننا إليك في قتلك إياه . وقد قيل : معنى ذلك : وأنت الآن من الكافرين لنعمتي عليك ، وتربيتي إياك .
قوله تعالى : " ولبثت فينا من عمرك سنين " فمتى كان هذا الذي تدعيه . ثم قرره بقتل القبطي .
يخبر تعالى عما أمر به عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام حين ناداه من جانب الطور الأيمن, وكلمه وناجاه, وأرسله واصطفاه, وأمره بالذهاب إلى فرعون وملئه, ولهذا قال تعالى: " أن ائت القوم الظالمين * قوم فرعون ألا يتقون * قال رب إني أخاف أن يكذبون * ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون * ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون " هذه أعذار سأل الله إزاحتها عنه, كما قال في سورة طه " قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري " إلى قوله " قد أوتيت سؤلك يا موسى ".
وقوله تعالى: "ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون" أي بسبب قتل ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من بلاد مصر "قال كلا" أي قال الله له: لا تخف من شيء من ذلك كقوله " سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون " "فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون" كقوله " إنني معكما أسمع وأرى " أي إنني معكما بحفظي وكلاءتي ونصري وتأييدي " فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين " كقوله في الاية الأخرى "إنا رسولا ربك" أي كل منا أرسل إليك "أن أرسل معنا بني إسرائيل" أي أطلقهم من إسارك وقبضتك وقهرك وتعذيبك, فإنهم عباد الله المؤمنون وحزبه المخلصون, وهم معك في العذاب المهين, فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون هنالك بالكلية, ونظر إليه بعين الازدراء والغمص, فقال "ألم نربك فينا وليداً" الاية, أي أما أنت الذي ربيناه فينا وفي بيتنا وعلى فراشنا, وأنعمنا عليه مدة من السنين, ثم بعد هذا قابلت ذلك الإحسان بتلك الفعلة أن قتلت منا رجلاً, وجحدت نعمتنا عليك, ولهذا قال "وأنت من الكافرين" أي الجاحدين. قاله ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم , واختاره ابن جرير , "قال فعلتها إذاً" أي في تلك الحال "وأنا من الضالين" أي قبل أن يوحى إلي وينعم الله علي بالرسالة والنبوة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم "وأنا من الضالين" أي الجاهلين. قال ابن جريج : وهو كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين" الاية, أي انفصل الحال الأول وجاء أمر آخر, فقد أرسلني الله إليك فإن أطعته سلمت, وإن خالفته عطبت, ثم قال موسى "وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل" أي وما أحسنت إلي وربيتني مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل فجعلتهم عبيداً وخدماً تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك, أفيفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأت إلى مجموعهم, أي ليس ما ذكرته شيئاً بالنسبة إلى ما فعلت بهم.
معنى القول: 18- "قال ألم نربك فينا وليداً" أي قال فرعون لموسى بعد أن أتياه وقالا له ما أمرهما الله به، ومعنى فينا أي في حجرنا ومنازلنا، أراد بذلك المن عليه والاحتقار له: أي ربيناك لدينا صغيراً ولم نقتلك فيمن قتلنا من الأطفال "ولبثت فينا من عمرك سنين" فمتى كان هذا الذي تدعيه؟ قيل لبث فيهم ثماني عشرة سنة، وقيل أربعين سنة: ثم قرر بقتل القبطي.
18- "قال ألم نربك فينا وليداً"، صبياً، "ولبثت فينا من عمرك سنين"، وهو ثلاثون سنة.
18-" قال " أي فرعون لموسى بعد ما أتياه فقالا له ذلك . " ألم نربك فينا " في منازلنا . " وليداً " طفلاً سمي به لقربه من الولادة . " ولبثت فينا من عمرك سنين " قيل لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج إلى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله ثلاثين ، ثم بقي بعد الغرق خمسين .
18. (Pharaoh) said (unto Moses): Did we not rear thee among us as a child? And thou didst dwell many years of thy life among us,
18 - (Pharaoh) said: Did we not cherish thee as a child among us, and didst thou not stay in our midst many years of thy life?