18 - (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) أي المؤمنون والفاسقون
وأخرج الواحدي وابن عساكر من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ للكتبية منك فقال له علي اسكت فإنما أنت فاسق فنزلت أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار مثله وأخرج ابن عدي والخطيب في تاريخه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله
وأخرج الخطيب وابن عساكر من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط وذلك في سباب كان بينهما كذا في هذه الرواية أنها نزلت في عقبة بن الوليد لا الوليد
يقول تعالى ذكره: أفهذا الكافر المكذب بوعد الله ووعيده، المخالف أمر الله ونهيه، كهذا المؤمن بالله، المصدق بوعده ووعيده، المطيع له في أمره ونهيه، كلا لا يستوون عند الله: يقول: لا يعتدل الكفار بالله، والمؤمنون به عنده، فيما هو فاعل بهم يوم القيامة. وقال " لا يستوون " فجمع، وإنما ذكر قبل ذلك اثنين: مؤمناً، وفاسقاً، لأنه لم يرد بالمؤمن: مؤمناً واحداً، وبالفاسق: فاسقاً واحداً، وإنما أريد به جميع الفساق، وجميع المؤمنين بالله. فإذا كان الاثنان غير مصمود لهما، ذهبت بهما العرب مذهب الجمع.
وذكر أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه، والوليد بن عقبة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت بالمدينة، في علي بن أبي طالب، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، كان بين الوليد وبين علي كلام، فقال الوليد بن عقبة: أنا أبسط منك لساناً، وأحد منك سناناً، وأرد منك للكتيبة، فقال علي: اسكت، فإنك فاسق، فأنزل الله فيهما " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " ... إلى قوله " به تكذبون ".
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " قال: والله ما استووا في الدنيا، ولا عند الموت، ولا في الآخرة.
فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: "أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون" أي ليس المؤمن كالفاسق، فلهذا آتينا هؤلاء المؤمنين الثواب العظيم. قال ابن عباس وعطاء بن يسار: نزلت الآية في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وذلك أنهما تلاحيا فقال الوليد: أنا أبسط منك لساناً وأحد سناناً وأرد للكتيبة - وروي وأملأ في الكتيبة - جسداً. فقال له علي: اسكت! فإنك فاسق، فنزلت الآية. وذكر الزجاج والنحاس أنها نزلت في علي وعقبة بن أبي معيط. قال ابن عطية: وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية، لأن عقبة لم يكن بالمدينة، وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر. ويعترض القول الآخر بإطلاق اسم الفسق على الوليد. وذلك يحتمل أن يكون في صدر إسلام الوليد لشيء كان في نفسه، أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما لم يكن، حتى نزلت فيه: "إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا" الحجرات:6 على ما يأتي في الحجرات بيانه. ويحتمل أن تطلق الشريعة ذلك عليه، لأنه كان على طرف مما يبغي، وهو الذي شرب الخمر في زمن عثمان رضي الله عنه، وصلى الصبح بالناس ثم التفت وقال: أتريدون أن أزيدكم، ونحو هذا مما يطول ذكره.
الثانية: لما قسم الله تعالى المؤمنين والفاسقين الذين فسقهم بالكفر - لأن التكذيب في آخر الآية يقتضي ذلك - اقتضى ذلك نفي السماواة بين المؤمن والكافر، ولهذا منع القصاص بينهما، إذ من شرط وجوب القصاص المساواة بين القاتل والمقتول. وبذلك احتج علماؤنا على أبي حنيفة في قتله المسلم بالذمي. وقال: أراد نفي المساواة هاهنا في الآخرة في الثواب وفي الدنيا في العدالة. ونحن حملناه على عمومه، وهو أصح، إذ لا دليل يخصه، قاله ابن العربي.
الثالثة: قوله تعالى: "لا يستوون" قال الزجاج وغيره: من يصلح للواحد والجمع. النحاس: لفظ من يؤدي عن الجماعة، فلهذا قال: لا يستوون، هذا قول كثير من النحويين. وقال بعضهم: لا يستوون لاثنين، لأن الاثنين جمع، لأنه واحد جمع مع آخر . وقاله الزجاج أيضاً. والحديث يجل على هذا القول، لأنه عن ابن عباس. وغيره قال: نزلت "أفمن كان مؤمنا" في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، "كمن كان فاسقا" في الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وقال الشاعر:
أليس المـوت بينهمـا سـواء إذا مـاتـوا وصـاروا في القبـور
يخبر تعالى عن عدله وكرمه أنه لا يساوي في حكمه يوم القيامة من كان مؤمناً بآياته متبعاً لرسله, بمن كان فاسقاً أي خارجاً عن طاعة ربه, مكذباً لرسل الله إليه, كما قال تعالى: "أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون" وقال تعالى: "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار" وقال تعالى: "لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة" الاية, ولهذا قال تعالى ههنا "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون" أي عند الله يوم القيامة, وقد ذكر عطاء بن يسار والسدي وغيرهما أنها نزلت في علي بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط , ولهذا فصل حكمهم فقال "أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات" أي صدقت قلوبهم بآيات الله وعملوا يمقتضاها وهي الصالحات "فلهم جنات المأوى" أي التي فيها المساكن والدور والغرف العالية "نزلا" أي ضيافة وكرامة "بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا" أي خرجوا عن الطاعة فمأواهم النار, كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها, كقوله "كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها" الاية قال الفضيل بن عياض : والله إن الأيدي لموثقة, وإن الأرجل لمقيدة, وإن اللهب ليرفعهم, والملائكة تقمعهم "وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون" أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً.
وقوله تعالى: " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر " قال ابن عباس : يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها, وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه. وروي مثله عن أبي بن كعب وأبي العالية والحسن وإبراهيم النخعي والضحاك وعلقمة وعطية ومجاهد وقتادة وعبد الكريم الجزري وخصيف . وقال ابن عباس في رواية عنه: يعني به إقامة الحدود عليهم. وقال البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة : يعني به عذا ب القبر. وقال النسائي , أخبرنا عمرو بن علي , أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص , و أبي عبيدة عن عبد الله "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر" قال: سنون أصابتهم.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني عبد الله بن عمر القواريري , حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العوفي عن يحيى الجزار , عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب في هذه الاية "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر" قال: القمر والدخان قد مضيا والبطشة واللزام, ورواه مسلم من حديث شعبة به موقوفاً نحوه. وعند البخاري عن ابن مسعود نحوه. وقال عبد الله بن مسعود أيضاً في رواية عنه: العذاب الأدنى ما أصابهم من القتل والسبي يوم بدر, وكذا قال مالك عن زيد بن أسلم . قال السدي وغيره: لم يبق بيت بمكة إلا دخله الحزن على قتيل لهم أو أسير, فأصيبوا أو غرموا, ومنهم من جمع له الأمران.
وقوله تعالى: "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها" أي لا أظلم ممن ذكره الله بآياته وبينها له ووضحها, ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها كأنه لا يعرفها. قال قتادة .: إياكم والإعراض عن ذكر الله, فإن من أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرة, وأعوز أشد العوز, وعظم من أعظم الذنوب, ولهذا قال تعالى متهدداً لمن فعل ذلك "إنا من المجرمين منتقمون" أي سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام. وروى ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكلاعي , حدثنا محمد بن المبارك , حدثنا إسماعيل بن عياش , حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن معاذ بن جبل قال: " سمعت رسول الله يقول: ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من عقد لواء في غير حق, أو عق والديه, أو مشى مع ظالم ينصره فقد أجرم " , يقول الله تعالى: "إنا من المجرمين منتقمون" ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش به وهذا حديث غريب جداً.
18- "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً" الاستفهام للإنكار: أي ليس المؤمن كالفاسق فقد ظهر ما بينهما من التفاوت، ولهذا قال: "لا يستوون" ففيه زيادة تصريف لما أفاده الإنكار الذي أفاده الاستفهام. قال الزجاج: جعل الاثنين جماعة حيث قال: "لا يستوون" لأجل معنى من، وقيل: لكون الاثنين أقل الجمع، وسيأتي بيان سبب نزولها آخر البحث.
قوله عز وجل: 18- "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون"، نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه، وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شيء، فقال الوليد بن عقبة لعلي اسكت فإنك صبي وأنا والله أبسط منك لساناً، وأحد منك سناناً، وأشجع منك جناناً، وأملأ حشواً في الكتيبة. فقال له علي: اسكت فإنك فاسق، فأنزل الله تعالى: "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون"، ولم يقل: لا يستويان، لأنه لم يرد مؤمناً واحداً وفاسقاً واحداً، بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين.
18ـ " أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً " خارجاً عن الإيمان " لا يستوون " في الشرف والمثوبة تأكيد وتصريح والجمع للحمل على المعنى .
18. Is he who is a believer like unto him who is an evil liver? They are not alike.
18 - Is then the man who believes no better than the man who is rebellious and wicked? not equal are they.