18 - (أولئك الذين حق) وجب (عليهم القول) بالعذاب (في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين)
يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه الصفة صفتهم ، الذين وجب عليهم عذاب الله ، و حلت بهم عقوبته وسخطه ، فيمن حل به عذاب الله على مثل الذي حل بهؤلاء من الأمم الذين مضوا من الجن و الإنس ، الذين كذبوا رسل الله ، وعتوا عن أمر ربهم .
وقوله " إنهم كانوا خاسرين " يقول تعالى ذكره : إنهم كانوا المغبونين ببيعهم الهدى بالضلال و النعيم بالعقاب .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا معاذ بن هشام قال ثنا أبي ، عن قتادة عن الحسن قال : الجن لا يموتون ، قال قتادة : فقلت " أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت " ...
قوله تعالى : " أولئك الذين حق عليهم القول " يعني الذين أشار إليهم ابن أبي بكر في قوله أحيوا لي مشايخ قريش ، وهم المعنيون بقوله : " وقد خلت القرون من قبلي " ، فأما ابن أبي بكر عبد الله أو عبد الرحمن فقد أجاب الله فيه دعاء أبيه في قوله : " وأصلح لي في ذريتي " على ما تقدم ، ومعنى : ( حق عليهم القول ) أي وجب عليهم العذاب ، وهي كلمة الله : ( هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي ) ، " في أمم " أي مع أمم ، " قد خلت " ، تقدمت ومضت ، " من قبلهم من الجن والإنس " الكافرين ، " إنهم " أي تلك الأمم الكافرة ، " كانوا خاسرين " لأعمالهم ، أي ضاع سعيهم وخسروا الجنة .
لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما ومالهم عنده من الفوز, والنجاة, عطف بحال الأشقياء العاقين للوالدين فقال: "والذي قال لوالديه أف لكما" وهذا عام في كل من قال هذا, ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقوله ضعيف, لأن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أسلم بعد ذلك, وحسن إسلامه وكان من خيار أهل زمانه, وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في ابن لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما وفي صحة هذا نظر, والله تعالى أعلم. وقال ابن جريج عن مجاهد: نزلت في عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما قاله ابن جريج وقال آخرون عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما, وهذا أيضاً قول السدي, وإنما هذا عام في كل من عق والديه وكذب بالحق, فقال لوالديه "أف لكما" عقهما.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن العلاء, حدثنا يحيى بن أبي زائدة, عن إسماعيل بن أبي خالد, أخبرني عبد الله بن المديني, قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله تعالى قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأياً حسناً, وأن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما, فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: أهرقلية ؟ إن أبا بكر رضي الله عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته, ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده, فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه أف لكما ؟ فقال عبد الرحمن رضي الله عنه: ألست ابن اللعين الذين لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباك ؟ قال وسمعتهما عائشة رضي الله عنها فقالت: يامروان أنت القائل لعبد الرحمن رضي الله عنه كذا وكذا ؟ كذبت ما فيه نزلت ولكن نزلت في فلان ابن فلان, ثم انتحب مروان ثم نزل عن المنبر, حتى أتى باب حجرتها, فجعل يكلمها حتى انصرف, وقد رواه البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز, استعمله معاوية بن أبي سفيان, رضي الله عنهما, فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما شيئاً, فقال: خذوه, فدخل بيت عائشة رضي الله عنها فلم يقدروا عليه, فقال مروان: إن هذا الذي أنزل فيه "والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي" فقالت عائشة رضي الله عنها من وراء الحجاب: ما أنزل الله عز وجل فينا شيئاً من القرآن إلا أن الله تعالى أنزل عذري.
(طريق أخرى) قال النسائي: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا أمية بن خالد, حدثنا شعبة عن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية رضي الله عنه لابنه, قال مروان: سنة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: سنة هرقل وقيصر. فقال مروان: هذا الذي أنزل الله تعالى فيه "والذي قال لوالديه أف لكما" الاية. فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: كذب مروان والله ما هو به, ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته, ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله.
وقوله: "أتعدانني أن أخرج" أي أبعث "وقد خلت القرون من قبلي" أي قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر "وهما يستغيثان الله" أي يسألان الله فيه أن يهديه ويقولان لولدهما "ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين" قال الله تعالى: "أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين" أي دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم, من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة. وقوله: "أولئك" بعد قوله: "والذي قال" دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك. وقال الحسن وقتادة: هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث. وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود من طريق هشام بن عمار, حدثنا حماد بن عبد الرحمن, حدثنا خالد بن الزبرقان الحلبي عن سليم بن حبيب عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعة لعنهم الله تعالى من فوق عرشه, وأمنت عليهم الملائكة: مضل المساكين" قال خالد الذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول: هلم أعطيك, فإذا جاءه قال: ليس معي شيء "والذي يقول للماعون ابن وليس بين يديه شيء, والرجل يسأل عن دار القوم فيدلونه على غيرها, والذي يضرب الوالدين حتى يستغيثا" غريب جداً.
وقوله تبارك وتعالى: "ولكل درجات مما عملوا" أي لكل عذاب بحسب عمله "وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون" أي لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, درجات النار تذهب سفالاً ودرجات الجنة تذهب علواً, وقوله عز وجل: "ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها" أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً, وقد تورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن كثير من طيبات المآكل والمشارب. وتنزه عنها ويقول: إني أخاف أن أكون كالذين قال الله لهم وبخهم وقرعهم: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها" وقال أبو مجلز: ليفقدن أقوام حسنات كانت لهم في الدنيا فيقال لهم "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا" وقوله عز وجل: "فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون" فجوزوا من جنس عملهم فكما متعوا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق وتعاطوا الفسق والمعاصي, جازاهم الله تبارك وتعالى بعذاب الهون, وهو الإهانة والخزي والالام الموجعة والحسرات المتتابعة والمنازل في الدركات المفظعة, أجارنا الله سبحانه وتعالى من ذلك كله.
17- "أولئك الذين حق عليهم القول" أي أولئك القائلون هذه المقالات هم الذين حق عليهم القول: أي وجب عليهم العذاب بقوله سبحانه لإبليس: "لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين" كما يفيده قوله: "في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس"، وجملة "إنهم كانوا خاسرين" تعليل لما قبله، وهذا يدفع كون سبب نزول الآية عبد الرحمن بن أبي بكر وأنه الذي قال لوالديه ما قال، فإنه من أفاضل المؤمنين، وليس ممن حقت عليه كلمة العذاب، وسيأتي بيان النزول في آخر البحث إن شاء الله.
18. " أولئك الذين حق عليهم القول "، الآية، أعلم الله تعالى أن هؤلاء قد حقت عليهم عليهم كلمة العذاب، وعبد الرحمن مؤمن من أفاضل المسلمين فلا يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب.
ومعنى ((أولئك الذين حق عليهم القول)): وجب عليهم العذاب، " في أمم "، [مع أمم]، " قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ".
18-" أولئك الذين حق عليهم القول " بأنهم أهل النار وهو يرد النزول في عبد الرحمن لأنه يدل على أنه من أهلها لذلك وقد جب عنه إن كان لإسلامه . " في أمم قد خلت من قبلهم " كقوله في أصحاب الجنة . " من الجن والإنس " بيان للأمم . " إنهم كانوا خاسرين " تعليل للحكم على الاستئناف .
18. Such are those on whom the Word concerning nations of the Jinn and mankind which have passed away before them hath effect. Lo! they are the losers.
18 - Such are they against whom is proved the Sentence among the previous generations of Jinns and men, that have passed away; for they will be (utterly) lost.