18 - (يومئذ تعرضون) للحساب (لا تخفى) بالتاء والياء (منكم خافية) من السرائر
وقوله " يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية " يقول تعالى ذكره : يومئذ أيها الناس تعرضون على ربكم ، وقيل : ثلاث عرضات .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي ، قال : ثنا وكيع بن الجراح ، قال : ثنا علي بن علي الرفاعي ، عن الحسن ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : تعرض الناس ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة ، فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه ، وآخذ بشماله .
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سليمان بن حيان ، عن مروان الأصغر ، عن أبي وائل عن عبد الله ، قال : يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات : عرضتان معاذير وخصومات والعرضة الثالثة تطير الصحف في الأيدي .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله " يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية " ذكر لنا " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : يعرض الناس ثلاث عرضات يوم القيامة ، فأما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير وجدال ، وأما العرضة الثالثة فتطير الصحف في الأيدي " .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، بنحوه .
وقوله " لا تخفى منكم خافية " يقل جل ثناؤه : لا تخفى على الله منكم خافية ، لأنه عالم بجميعكم ، محيط بكلكم .
قوله تعالى:"يومئذ تعرضون" أي على الله، دليله: "وعرضوا على ربك صفا"الكهف:48 وليس ذلك عرضاً يعلم به ما لم يكن عالماً به، بل معناه الحساب وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة. وروى الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فأخذ بيمينه وأخذ بشماله". خرجه الترمذي قال: ولا يصح من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة. "لا تخفى منكم خافية" أي هو عالم بكل شئ من أعمالكم. فـ خافية على هذا بمعنى خفية، كانوا يخفونها من أعمالهم، قاله ابن شجرة. وقيل: لا يخفى عليه إنسان، أي لا يبقى إنسان لا يحاسب. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: لا يخفى المؤمن من الكافر ولا البر من الفاجر. وقيل: لا تستتر منكم عورة.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يحشر الناس حفاةً عراةً ". وقرأ الكوفين إلا عاصماً لا يخفى بالياء، لأن تأنيث الخافية غير حقيقي، نحو قوله تعالى:"وأخذ الذين ظلموا الصيحة" هود:67 واختاره أبو عبيد، لأنه قد حال بين الفعل وبين الاسم المؤنث الجار والمجرور. والباقون بالتاء. واختاره أبو حاتم لتأنيث الخافية.
يقول تعالى مخبراً عن أهوال يوم القيامة وأول ذلك نفخة الفزع ثم يعقبها نفخة الصعق حين يصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله, ثم بعدها نفخة القيام لرب العالمين والبعث والنشور وهي هذه النفخة, وقد أكدها ههنا بأنها واحدة لأن أمر الله لا يخالف ولا يمانع ولا يحتاج إلى تكرار ولا تأكيد, وقال الربيع : هي النفخة الأخيرة والظاهر ما قلناه, ولهذا قال ههنا: "وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة" أي فمدت مد الأديم العكاظي وتبدلت الأرض غير الأرض "فيومئذ وقعت الواقعة" أي قامت القيامة "وانشقت السماء فهي يومئذ واهية" قال سماك عن شيخ من بني أسد عن علي قال: تنشق السماء من المجرة, رواه ابن أبي حاتم وقال ابن جريج : هي كقوله "وفتحت السماء فكانت أبواباً" وقال ابن عباس : متخرقة والعرش بحذائها "والملك على أرجائها" الملك اسم جنس أي الملائكة على أرجاء السماء, قال ابن عباس : على ما لم يه منها أي حافاتها, وكذا قال سعيد بن جبير والأوزاعي , وقال الضحاك : أطرافها, وقال الحسن البصري : أبوابها, وقال الربيع بن أنس في قوله: "والملك على أرجائها" يقول: على ما استدق من السماء ينظرون إلى أهل الأرض.
وقوله تعالى: "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" أي يوم القيامة يحمل العرش ثمانية من الملائكة, ويحتمل أن يكون المراد بهذا العرش العظيم أو العرش الذي يوضع في الأرض يوم القيامة لفصل القضاء, والله أعلم بالصواب. وفي حديث عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب في ذكر حملة العرش أنهم ثمانية أوعال, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد , حدثنا زيد بن الحباب , حدثني أبو السمح البصري , حدثنا أبو قبيل حيي بن هانىء أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: حملة العرش ثمانية ما بين موق أحدهم إلى مؤخر عينه مسيرة مائة عام. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي قال: كتب إلي أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري , حدثني أبي , حدثنا إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أذن لي أن أحدثكم عن ملك من حملة العرش بعد ما بين شحمة أذنه وعنقه مخفق الطير سبعمائة عام" وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات, وقد رواه أبو داود في كتاب السنة من سننه, حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله , حدثنا أبي , حدثنا إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" هذا لفظ أبي داود .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا يحيى بن المغيرة , حدثنا جرير عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" قال: ثمانية صفوف من الملائكة قال: وروي عن الشعبي وعكرمة والضحاك وابن جريج مثل ذلك, وكذا روى السدي عن أبي مالك عن ابن عباس : ثمانية صفوف, وكذا روى العوفي عنه, وقال الضحاك عن ابن عباس : الكروبيون ثمانية أجزاء كل جزء منهم بعدة الإنس والجن والشياطين والملائكة. وقوله تعالى: "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" أي تعرضون على عالم السر والنجوى الذي لا يخفى عليه شيء من أموركم بل هو عالم بالظواهر والسرائر والضمائر, ولهذا قال تعالى: "لا تخفى منكم خافية" وقد قال ابن أبي الدنيا : أخبرنا إسحاق بن إسماعيل , أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا, فإنه أخف عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع , حدثنا علي بن رفاعة عن الحسن عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات, فأما عرضتان فجدال ومعاذير, وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله" ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع به وقد رواه الترمذي عن أبي كريب عن علي بن علي بن الحسن عن أبي هريرة به, وقد روى ابن جرير عن مجاهد بن موسى عن يزيد بن سليمان بن حيان عن مروان الأصغر عن أبي وائل عن عبد الله قال: " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: عرضتان معاذير وخصومات, والعرضة الثالثة تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله " , ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلاً مثله.
18- "يومئذ تعرضون" أي تعرض العباد على الله لحسابهم، ومثله "وعرضوا على ربك صفا"، وليس ذلك العرض عليه سبحانه ليعلم به ما لم يكن عالماً به. وإنما هو عرض الاختبار والتوبيخ بالأعمال وجملة " لا تخفى منكم خافية " في محل نصب على الحال من ضمير تعرضون: أي تعرضون حال كونه لا يخفى على الله سبحانه من ذواتكم أو أقوالكم وأفعالكم خافية كائنة ما كانت، والتقدير: أي نفس خافية أو فعلة خافية.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "الحاقة" من أسماء القيامة. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عنه قال: ما أرسل الله شيئاً من رسح إلا بمكيال، ولا قطرة من ماء إلا بمكيال إلا يوم نوح ويم عاد. فأما يوم نوح فإن الماء طغى على خزانه فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ " إنا لما طغى الماء " وأما يوم عاد فإن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل، ثم قرأ "بريح صرصر عاتية". وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب نحوه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر مرفوعاً: "قال ما أمر الخزان على عاد إلا مثل موضع الخاتم من الريح، فعتت على الخزان فخرجت من نواحي الأبواب، فذلك قوله: "بريح صرصر عاتية" قال: عتوها عتت على الخزان". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "بريح صرصر عاتية" قال: الغالبة. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطيبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله: "حسوماً" قال: متتابعات. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طرق عن ابن عباس في قوله: "حسوماً" قال: تباعاً، وفي لفظ: متتابعات. وأخرج ابن المنذر عنه "كأنهم أعجاز نخل" قال: هي أصولها، وفي قوله: "خاوية" قال: خربة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه أيضاً في قوله: "إنا لما طغى الماء" قال: طغى على خزانه فنزل، ولم ينزل من السماء ماء إلا بمكيال أو ميزان إلا زمن نوح فإنه طغى على خزانة فنزل بغير كيل ولا وزن. وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق مكحول عن علي بن أبي طالب "في قوله: "وتعيها أذن واعية" قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، فقال علي: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيئاً فنسيته" قال ابن كثير: وهو حديث مرسل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقضيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحق لك أن تعي، فنزلت هذه الآية "وتعيها أذن واعية" فأنت أذن واعية، لعلي" قال ابن كثير: ولا يصح. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عمر في قوله: "أذن واعية" قال: أذن عقلت عن الله. وأخرج الحاكم والبيهقي في البعث عن أبي بن كعب في قوله: "وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة" قال: تصيران غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين، وذلك قوله: " وجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة ". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "فهي يومئذ واهية" قال مخترقة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "والملك على أرجائها" قال: على حافاتها على ما لم [يهي] منها. وأخرج عبد بن حميد وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية وأبو يعلى وابن المنذر وابن خزيمة والحاكم وصححه وابن مردويه والخطيب في [تالي التلخيص] عنه أيضاً في قوله: "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" قال: ثمانية أملاك على صورة الأوعال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً من طرق في الآية قال: يقال ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله، ويقال ثمانية أملاك رؤوسهم عند العرش في السماء السابعة وأقدامهم في الأرض السفلى، ولهم قرون كقرون الوعلة، ما بين أصل قرن أحدهم إلى منتهاه خمسمائة عام. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطاير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله". وأخرج ابن جرير والبيهقي في البعث عن ابن مسعود نحوه.
18- "يومئذ تعرضون" على الله، "لا تخفى"، قرأ حمزة والكسائي: لا يخفى بالياء، وقرأ الآخرون بالتاء، "منكم خافية"، أي فعلة خافية. قال الكلبي: لا يخفى على الله منكم شيء. قال أبو موسى: يعرض الناس ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فعندها تطاير الصحف فآخذ بيمينه وآخذ بشماله.
18-" يومئذ تعرضون " تشبيهاً للمحاسبة بعرض السلطان العسكر لتعرف أحوالهم ، وهذا وإن كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسماً لزمان متسع تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وإدخال أهل الجنة وأهل النار صح ظرفاً للكل . " لا تخفى منكم خافية " سريرة على الله تعالى حتى يكون العرض للاطلاع عليها ، وإنما المراد منه إنشاء الحال والمبالغة في العدل ، أو على الناس كما قال الله تعالى :" يوم تبلى السرائر " وقرأ حمزة و الكسائي بالياء للفصل .
18. On that day ye will be exposed; not a secret of you will be hidden.
18 - That Day shall ye be brought to Judgment: not an act of yours that ye hide will be hidden.