(لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) وهم اليهود قالوه لما نزل {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} وقالوا: لو كان غنيا ما استقرضنا (سنكتب) نأمر بكتب (ما قالوا) في صحائف أعمالهم ليجازوا عليه ، وفي قراءةٍ {سيُكْتَب} بالياء مبنياً للمفعول (و) نكتب (قتلَهم) بالنصب والرفع (الأنبياء بغير حق ونقول) بالنون والياء أي الله لهم في الآخرة على لسان الملائكة (ذوقوا عذاب الحريق) النار
قوله تعالى لقد سمع الله أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال دخل أبو بكر بيت المدراس فوجد يهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص فقال له والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر وإنه إلينا لفقير ولو كان غنيا عنا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم فغضب أبو بكر فضرب وجهه فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد انظر ما صنع صاحبك بي فقال يا أبا بكر ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله قولا عظيما يزعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء فجحد فنحاص فأنزل الله لقد سمع الله قول الذين قالوا الآية
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أتت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فقالوا يا محمد افتقر ربك يسأل عباده فأنزل الله لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير الآية
قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية وآيات بعدها نزلت في بعض اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر الآثار بذلك.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا محمد بن إسحق قال ، حدثنا محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة : أنه حدثه عن ابن عباس قال : دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المدراس ، فوجد من يهود ناساً كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص ، كان من علمائهم وأحبارهم ، ومعه حبر يقال له أشيع. فقال أبو بكر رضي الله عنه لفنحاص : ويحك يا فنحاص ، اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله ، قد جاءكم بالحق من عند الله ، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل! قال فنحاص : والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير! وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، لو كان عنا غنياً ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم! ينهاكم عن الربا ويعطيناه! ولو كان عنا غنياً ما أعطانا الربا! فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة، وقال : والذي نفسي بيده ، لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله! فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين . فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد، انظر ما صنع بي صاحبك ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا رسول الله ، إن عدو الله قال قولاً عظيماً، زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء! فلما قال ذلك غضبت لله مما قالع ، فضربت وجهه. فجحد ذلك فنحاص وقال : ما قلت ذلك ! فأنزل الله تبارك وتعالى فيما قال فنحاص ، رداً عليه ، وتصديقاً لأبي بكر: "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق"، وفي قول أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب: "ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور" [آل عمران : 186].
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس قال : دخل أبو بكر، فذكر نحوه ، غير أنه قال : وإنا عنه لأغنياء، وما هو عنا بغني ، ولو كان غنياً، ثم ذكر سائر الحديث نحوه.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء"، قالها فنحاص اليهودي من بني مرثد، لقيه أبو بكر فكلمه فقال له : يا فنحاص ، اتق الله وآمن وصدق ، وأقرض الله قرضا حسناً! فقال فنحاص : يا أبا بكر، تزعم أن ربنا فقير يستقرضنا أموالنا! وما يستقرض إلا الفقير من الغني ! إن كان ما تقول حقاً، فإن الله إذا لفقير! فأنزل الله عز وجل هذا، فقال أبو بكر: فلولا هدنة كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بني مرثد لقتلته.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : صك أبو بكر رجلاً منهم ، الذين قالوا: "إن الله فقير ونحن أغنياء"، لم يستقرضنا وهو غني؟! وهم يهود
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح قال : "الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء"، لم يستقرضنا وهو غني ؟ قال شبل : بلغني أنه فنحاص اليهودي ، وهو الذي قال : "إن الله ثالث ثلاثة" [المائدة :173] "يد الله مغلولة" [المائدة:4].
حدثنا ابن حميد قال ، حدثني يحيى بن واضح قال ، حدثنا عن عطاء، عن الحسن قال : لما نزلت : "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا" [البقرة: 245 -الحديد: ا ا]، قالت اليهود: إن ربكم يستقرض منكم ! فأنزل الله : "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء".
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عمرو، عن عطاء، عن الحسن البصري قال : لما نزلت : "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" [البقرة :245]- الحديد: 11]، قال : عجبت اليهود فقالت : إن الله فقير يستقرض ! فنزلت : "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء".
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء"، ذكر لنا أنها نزلت في حي بن أخطب ، لما أنزل الله : "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة" [البقرة :245] قال : يستقرضنا ربنا، إنما يستقرض الفقير الغني!
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة قال : لما نزلت : "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" [البقرة: 245 ]- الحديد :ا1]، قالت اليهود : إنما يستقرض الفقير من الغني!! قال : فأنزل الله: "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء".
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، سمعت ابن زيد يقول في قوله : "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء"، قال : هؤلاء يهود.
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا : لقد سمع الله قول الذين قالوا من اليهود: إن الله فقير إلينا ونحن أغنياء عنه ، سنكتب ما قالوا من الإفك والفرية على ربهم ، وقتلهم أنبياءهم بغير حق.
واختلفت القرأة في قراءة قوله : "سنكتب ما قالوا وقتلهم".
فقرأ ذلك قرأة الحجاز وعامة قرأة العراق: "سنكتب ما قالوا" بالنون ، "وقتلهم الأنبياء بغير حق" بنصب القتل.
وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين سيكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق بالياء من سيكتب وبضمها، ورفع القتل، على مذهب ما لم يسم فاعله ، اعتباراً بقراءة يذكر أنها من قراءة عبد الله في قوله : "ونقول ذوقوا"، يذكر أنها في قراءة عبد الله : ويقال.
فاغفل قارىء ذلك وجه الصواب فيما قصد إليه من تأويل القراءة التي تنسب إلى عبد الله ، وخالف الحجة من قرأة الإسلام. وذلك أن الذي ينبغي لمن قرأ سيكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء، على وجه ما لم يسم فاعله ، أن يقرأ: ويقال، وإنما قوله : "ونقول" عطف على قوله : "سنكتب". فالصواب من القراءة أن يوفق بينهما في المعنى بان يقرأ جميعاً على مذهب ما لم يسم فاعله ، أو على مذهب ما يسمى فاعله. فأما أن يقرأ أحدهما على مذهب ما لم يسم فاعله ، والآخر على وجه ما قد سمي فاعله ، من غير معنى الجاه على ذلك ، فاختيار خارج عن الفصيح من كلام العرب.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: "سنكتب" و بالنون "وقتلهم" بالنصب ، لقوله : "ونقول" ولو كانت القراءة في سيكتب بالياء وضمها، لقيل : ويقال على ما قد بينا.
فإن قال قائل : كيف قيل : وقتلهم الأنبياء بغير حق ، وقد ذكرت في الآثار التي رويت أن الذين عنوا بقوله : "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير"، بعض اليهود الذين كانوا على عهد نبينا صلى الله عليه وسلم، ولم يكن من أولئك أحد قتل نبياً من الأنبياء، وإنما هم لم يدركوا نبيا من أنبياء الله فيقتلوه؟
قيل : إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه. وإنما قيل ذلك كذلك ، وإنما الذين عنى الله تبارك وتعالى بهذه الآية، كانوا راضين بما فعل أوائلهم من قتل من قتلوا من الأنبياء، وكانوا منهم وعلى منهاجهم من استحلال ذلك واستجازته. فأضاف جل ثناؤه فعل ما فعله من كانوا على منهاجه وطريقته ، إلى جميعهم ، إذ كانوا أهل ملة واحدة ونحلة واحدة، وبالرضى من جميعهم فعل ما فعل فاعل ذلك منهم ، على ما بينا من نظائره فيما مضى قبل.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : "ونقول"، للقائلين بأن الله فقير ونحن أغنياء، القاتلين أنبياء الله بغير حق حتى يوم القيامة، "ذوقوا عذاب الحريق"، يعني بذلك : عذاب نار محرقة ملتهبة.
والنار اسم جامع للملتهبة منها وغير الملتهبة، وإنما "الحريق" صفة لها يراد أنها محرقة، كما قيل : عذاب أليم يعني : مؤلم ، و وجيع ، يعني : موجع.
قوله تعالى : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " ذكر تعالى قبيح قول الكفار لا سيما اليهود ، وقال أهل التفسير ، لما أنزل الله " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " قال قوم من اليهود منهم حي بن أخطب ، في قول الحسن ، وقال عكرمة وغيره : وهو فنحاص بن عازوراء إن الله فقير ونحن أغنياء يقترض منا ، وإنما قالوا هذا تمويهاً على ضعفائهم ، لا أنهم يعتقدون هذا ، لأنهم أهل كتاب ، ولكنهم كفروا بهذا القول ، لأنهم أرادوا تشكيك الضعفاء منهم ومن المؤمنين ، وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أي أنه فقير على قول محمد صلى الله عليه وسلم لأنه اقترض منا " سنكتب ما قالوا " سنجازيهم عليه ، وقيل : سنكتبه في صحائف أعمالهم ، أي نأمر الحفظة بإثبات قولهم حتى يقرؤوه يوم القيامة في كتبهم التي يؤتونها ، حتى يكون أوكد للحجة عليهم ، وهذا كقوله : " وإنا له كاتبون " وقيل : مقصود الكتابة الحفظ ، أي سنحفظ ما قالوا لنجازيهم ، ( وما ) في قوله ( ما قالوا ) في موضع نصب بـ( سنكتب ) وقرأ الأعمش و حمزة ( سيكتب ) بالياء ، فيكون ( ما ) اسم ما لم يسم فاعله ، واعتبر ذلك بقراءة ابن مسعود : ( ويقال ذوقوا عذاب الحريق ) .
قوله تعالى : " وقتلهم الأنبياء بغير حق " أي ونكتب قتلهم الأنبياء ، أي رضاهم بالقتل ، والمراد قتل أسلافهم الأنبياء ، لكن لما رضوا بذلك صحت الإضافة إليهم ، وحسن رجل عند الشعبي قتل عثمان رضي الله عنه فقال له الشعبي شركت في دمه ، فجعل الرضا بالقتل قتلاً ، رضي الله عنه .
قلت : وهذه مسألة عظمى ، حيث يكون الرضا بالمعصية معصية ، وقد روى أبو داود على العرس بن عميرة الكندي " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرها وقال مرة فأنكرها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها " ، وهذا نص قوله تعالى : " بغير حق " تقدم معناه في البقرة ، " ونقول ذوقوا عذاب الحريق " أي يقال لهم في جهنم ، أو عند الموت ، أو عند الحساب هذا ، ثم هذا القول من الله تعالى ، أو من الملائكة ، قولان ، وقراءة ابن مسعود ( ويقال ) والحريق اسم للملتهبة من النار ، والنار تشتمل الملتهبة وغير الملتهبة .
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لما نزل قوله تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة" قالت اليهود: يا محمد, افتقر ربك فسأل عباده القرض ؟ فأنزل الله "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء" الاية, رواه ابن مردويه وابن أبي حاتم . وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المدراس فوجد من يهود أناساً كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص, وكان من علمائهم وأحبارهم, ومعه حبر يقال له أشيع, فقال له أبو بكر : ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم, فو الله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عنده, تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة من فقر, وإنه إلينا لفقير, ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا, وإنا عنه لأغنياء, ولو كان عنا غنياً ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم, ينهاكم عن الربا ويعطينا, ولو كان غنياً ما أعطانا الربا, فغضب أبو بكر رضي الله عنه فضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً, وقال: والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله, فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين. فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا محمد أبصر ما صنع بي صاحبك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : "ما حملك على ما صنعت ؟ فقال: يا رسول الله, إن عدو الله قد قال قولاً عظيماً, زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء, فلما قال ذلك, غضبت لله مما قال, فضربت وجهه, فجحد فنحاص ذلك, وقال: ما قلت ذلك, فأنزل الله فيما قال فنحاص رداً عليه وتصديقاً لأبي بكر "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء" الاية " , رواه ابن أبي حاتم . وقوله "سنكتب ما قالوا" تهديد ووعيد, ولهذا قرنه تعالى بقوله: "وقتلهم الأنبياء بغير حق" أي هذا قولهم في الله وهذه معاملتهم لرسل الله وسيجزيهم الله على ذلك شر الجزاء, ولهذا قال تعالى: "ونقول ذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد" أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتحقيراً وتصغيراً, وقوله تعالى: " الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار " يقول تعالى تكذيياً أيضاً لهؤلاء الذين زعموا أن الله عهد إليهم في كتبهم, أن لا يؤمنوا لرسول حتى يكون من معجزاته أن من تصدق بصدقة من أمته, فتقبلت منه, أن تنزل نار من السماء تأكلها, قاله ابن عباس والحسن وغيرهما. قال الله عز وجل: "قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات" أي بالحجج والبراهين, "وبالذي قلتم" أي وبنار تأكل القرابين المتقبلة, "فلم قتلتموهم" أي فلم قابلتموهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة وقتلتموهم "إن كنتم صادقين" أنكم تتبعون الحق وتنقادون للرسل. ثم قال تعالى مسلياً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير " أي لا يوهنك تكذيب هؤلاء لك, فلك أسوة بمن قبلك من الرسل الذين كذبوا مع ما جاءوا به من البينات وهي الحجج والبراهين القاطعة, "والزبر" وهي الكتب المتلقاة من السماء كالصحف المنزلة على المرسلين, "والكتاب المنير" أي البين الواضح الجلي.
قال أهل التفسير: لما أنزل الله "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً" قال قوم من اليهود هذه المقالة تمويهاً على ضعفائهم لا أنهم يعتقدون ذلك، لأنهم أهل الكتاب، بل أرادوا أنه تعالى إن صح ما طلبه منا من القرض على لسان محمد فهو فقير ليشككوا على إخوانهم في دين الإسلام. قوله 181- "سنكتب ما قالوا" سنكتبه في صحف الملائكة، أو سنحفظه. أو سنجازيهم عليه. والمراد بالوعيد لهم، وأن ذلك لا يفوت على الله، بل هو معد لهم ليوم الجزاء. وجملة سنكتب على هذه مستأنفة جواباً لسؤال مقدر، كأنه قيل: ماذا صنع الله بهؤلاء الذين سمع منهم هذا القول الشنيع؟ فقال: قال لهم "سنكتب ما قالوا". وقرأ الأعمش وحمزة سيكتب بالمثناة التحتية مبني للمفعول. وقرأ برفع اللام من قتلهم ويقول بالياء المثناة تحت. قوله "وقتلهم الأنبياء" عطف على ما قالوا: أي ونكتب قتلهم الأنبياء: أي قتل أسلافهم للأنبياء، وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم رضوا به، جعل ذلك القول قريناً لقتل الأنبياء تنبيهاً على أنه من العظم والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء. قوله "ونقول" معطوف على "سنكتب" أي: نتتقم منهم بعد الكتابة بهذا القول الذي نقوله لهم في النار، أو عند الموت، أو عند الحساب. والحريق: اسم للنار الملتهبة وإطلاق الذوق على إحساس العذاب فيه مبالغة بليغة. وقرأ ابن مسعود ويقال ذوقوا.
181-قوله تعالى:" لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء" قال الحسن ومجاهد: لما نزلت:"من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً" قالت اليهود : إن الله فقير إستقرض منا ونحن أغنياء ، وذكر الحسن: أن قائل هذه المقالة حيي بن اخطب.
وقالعكرمةوالسدي ومقاتل ومحمدبن إسحاق : "كتب النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضاً حسناً ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه ذات يوم بيت مدارسهم فوجد ناساً كثيراً من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم ، يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم ، ومعه حبر آخر يقال له أشيع. فقال أبو بكر لفنحاص: اتق الله وأسلم فو الله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة ، فآمن وصدق وأقرض الله قرضاً حسناً يدخلك الجنة، ويضاعف لك الثواب.
فقال فنحاص: يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرض أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني ؟ فإن كان ما تقول حقاً فإن الله إذاً لفقير ونحن أغنياء وأنه ينهاكم عن الربا ويعطينا ، ولو كان غنياً ما أعطانا الربا.
فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة ، وقال : والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك ياعدو الله ، فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه:ماحملك على ماصنعت؟ فقال: يا رسول الله إن عدو الله قال قولاً عظيماً زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء، فغضبت لله فضربت وجهه ، فجحد ذلك فنحاص ،فأنزل الله تعالى رداً على فنحاص وتصديقاً لأبي بكر رضي الله عنه :"لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء""
"سنكتب ما قالوا" ، من الإفك والفرية على الله (فنجازيهم به) ، وقال مقاتل: سنحفظ عليهم ، وقال الواقدي : سنأمر الحفظة بالكتابة ، نظيره قوله تعالى :"وإنا له كاتبون"، "وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق"، وقرأ حمزة" ليكتب " بضم الياء" وقتلهم" برفع اللام "ويقول" بالياء،و"ذوقوا عذاب الحريق"أي: النار، وهو بمعنى المحرق، كما يقال:"لهم عذاب أليم "،أي: مؤلم.
181" لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " قالته اليهود لما سمعوا " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ". وروي "أنه عليه الصلاة والسلام كتب مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وأن يقرضوا الله قرضاً حسناً فقال فنحاص بن عازوراء: إن الله فقير حتى سأل القرض، فلطمه أبو بكر رضي الله عنه على وجهه وقال: لولا ما بيننا من العهد لضربت عنقك، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجحد ما قاله" فنزلت. والمعنى أنه لم يخف عليه وأنه أعد لهم العقاب عليه. " سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق " أي سنكتبه في صحائف الكتبة، أو سنحفظه في علمنا لا نهمله لأنه كلمة عظيمة إذ هو كفر بالله عز وجل واستهزاء بالقرآن والرسول، ولذلك نظمه مع قتل الأنبياء، وفيه تنبيه على أنه ليس أول جريمة ارتكبوها وأن من اجترأ على قتل الأنبياء لم يستبعد منه أمثال هذا القول. وقرأ حمزة سيكتب بالياء وضمها وفتح التاء وقتلهم بالرفع ويقول بالياء. " ونقول ذوقوا عذاب الحريق " أي وننتقم منهم بأن نقول لهم ذوقوا العذاب المحرق، وفيه مبالغات في الوعيد. والذوق إدراك الطعوم، وعلى الإتساع يستعمل لإدراك سائر المحسوسات والحالات،وذكره ها هنا لأن العذاب مرتب على قولهم الناشىء عن البخل والتهالك على المال، وغالب حجة الإنسان إليه لتحصيل المطاعم ومعظم بخله به للخوف من فقدانه ولذلك كثر ذكر الأكل مع المال.
181. Verily Allah heard the saying of those who said, (when asked for contributions to the war): "Allah, forsooth, is poor, and we are rich! We shall record their saying with their slaying of the Prophets wrongfully and We shall say: Taste ye the punishment of burning!
181 - God hath heard the taunt of those who say: truly, God is indigent and we are rich we shall certainly record their word and (their act) of slaying the prophets in defiance of right, and we shall say: that ye the penalty of the scorching fire