وسأل جماعة النبي صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ، فنزل: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) منهم بعلمي فأخبرهم بذلك (أجيب دعوة الداع إذا دعان) بإنالته ما سأل (فليستجيبوا لي) دعائي بالطاعة (وليؤمنوا) يداوموا على الإيمان (بي لعلهم يرشدون) يهتدون
قوله تعالى وإذا سألك عبادي عني الآية أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو الشيخ وغيرهم من طرق عن جرير بن عبد الحميد عن عبدة السجستاني عن الصلت بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جدة قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فسكت عنه فأنزل الله وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم أين ربنا فأنزل الله وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية مرسل وله طرق أخرى
وأخرج ابن عساكر عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجزوا عن الدعاء فإن الله أنزل علي أدعوني أستجب لكم فقال رجل يا رسول الله ربنا يسمع الدعاء أم كيف ذلك فأنزل الله وإذا سألك عبادي عني الآية
وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح أنه بلغه لما نزلت وقال ربكم ادعوني أستجب لكم قالوا لا نعلم أي ساعة ندعو فنزلت وإذا سألك عبادي عني إلى قوله يرشدون
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وإذا سألك يا محمد عبادي عني: أين أنا؟ فإني قريب منهم أسمع دعاءهم، وأجيب دعوة الداعي منهم.وقد اختلف فيما أنزلت فيه هذه الآية.فقال بعضهم: نزلت في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أقريب ربنا فنناجيه، أو بعيد فنناديه؟فأنزل الله: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب" الآية.حدثنا بذلك ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبدة السجستاني، عن الصلب بن حكيم، عن أبيه، عن جده.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن عوف، عن الحسن قال: سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم: أين ربنا؟ فأنزل الله تعالى ذكره: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" الآية.وقال آخرون: بل نزلت جوابا لمسألة قوم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : أي ساعة يدعون الله فيها؟.
ذكر من قال ذلك:حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: لما نزلت: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60] قالوا: فنزلت: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب" إلى قوله: "لعلهم يرشدون" .حدثنا أحمد بن إسحق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عنابن جريج، عن عطاء في قوله: "أجيب دعوة الداع إذا دعان"، قالوا: لو علمنا أي ساعة ندعو! فنزلت: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب" الآية. حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: زعم عطاء بن أبي رباح أنه بلغه: لما نزلت: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60 ]، قال الناس: لو نعلم أي ساعة ندعو! فنزلت: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون". حدثنا موسى بن هرون قال حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"، قال: ليس من عبد مؤمن يدعو الله إلا استجاب له، فإن كان الذي يدعو به هو له رزق في الدنيا أعطاه الله، وإن لم يكن له رزقا في الدنيا ذخره له إلى يوم القيامة، ودفع عنه به مكروها.حدثني المثنى قال، حدثنا الليث بن سعد، عن ابن صالح، عمن حدثه: أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أعطى أحذ الدعاء ومنع الإجابة، لأن الله يقول: "ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60]- ومعنى متأولي هذا التأويل: "وإذا سألك عبادي عني": أي ساعة يدعونني؟ فإني منهم قريب في
كل وقت، أجيب دعوة الداع إذا دعان.وقال آخرون: بل نزلت جواباً لقول قوم قالوا- إذ قال الله لهم: "ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60]-: إلى أين ندعوه؟. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال مجاهد:"ادعوني أستجب لكم"[غافر:60] قالوا: إلى أين؟ فنزلت: "أينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم" [البقرة:115].وقال آخرون:بل نزلت جوابا لقوم قالوا:كيف ندعو؟ ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لما أنزل الله: "ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60] قال رجال: كيف ندعو يا نبي الله؟ فأنزل الله: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب" إلى قوله: "يرشدون". وأما قوله: "فليستجيبوا لي"، فإنه يعني: فليستجيبوا لي بالطاعة. يقال منه: استجبت له، واستجبته، بمعنى أجبته، كما قال كعب بن سعد الغنوي:
وداع دعا: يامن يجيب إلى الندى؟ فلم يستجبه عند ذاك مجيب
يريد: فلم يجبه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد وجماعة غيره. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني الحجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهدقوله: "فليستجيبوا لي"، قال: فليطيعوا لي. قال: الاستجابة، الطاعة.حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال: سألت عبد الله بن المبارك عن قوله: "فليستجيبوا لي"، قال: طاعه الله. وقال بعضهم: معنى "فليستجيبوا لي": فليدعوني.ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هرون، عن أبي رجاء الخراساني، قال: "فليستجيبوا لي"، فليدعوني. وأما قوله: "وليؤمنوا بي" فإنه يعني: وليصدقوا. أي: وليؤمنوا بي، إذا هم استجابوا لي بالطاعة،
أني لهم من وراء طاعتهم لي في الثواب عليها، وإجزالي الكرامة لهم عليها.وأما الذي تأول قوله: "فليستجيبوا لي"، أنه بمعنى: فليدعوني، فإنه كان يتأول قوله: "وليؤمنوا بي"، وليؤمنوا بي أني أستجيب لهم.ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصوربن هرون، عن أبي رجاء الخراساني: "وليؤمنوا بي"، يقول: أني أستجيب لهم.وأما قوله: "لعلهم يرشدون"، فإنه يعني: فليستجيبوا لي بالطاعة، وليؤمنوا بي فيصدقوا على طاعتهم إياي بالثواب مني لهم، وليهتدوا بذلك من فعلهم فيرشدوا، كما: حدثني به المثنى قال، حدثنا إسحق، قال حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن قتادة في قوله: "لعلهم يرشدون"، يقول: لعلهم يهتدون.فإن قال لنا قائل: وما معنى هذا القول من الله تعالى ذكره؟ فأنت ترى كثيرا من البشريدعون الله فلا يجاب لهم دعاء، وقد قال: "أجيب دعوة الداع إذا دعان"؟.قيل: إن لذلك وجهين من المعنى:أحدهما: أن يكون معنيا بالدعوة، العمل بما ندب الله إليه وأمر به. فيكون تأويل الكلام: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ممن أطاعني وعمل بما أمرته به، أجيبه بالثواب على طاعته إياي إذا أطاعني. فيكون معنى الدعاء: مسألة العبد ربه ما وعد أولياءه على طاعتهم بعملهم بطاعته، ومعنى الإجابة من الله التي ضمنها له، الوفاء له بما وعد العاملين له بما أمرهم به، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "إن الدعاء هو العبادة ".حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جويبر، عن الأعمش، عن ذر، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدعاء هو العبادة". ثم قرأ: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" [غافر: 60].فأخبر صلى الله عليه وسلم أن دعاء الله إنما هو عبادته ومسألته، بالعمل له والطاعة.وبنحو الذي قلنا في ذلك ذكر أن الحسن كان يقول. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصوربن هرون، عن عبد الله بن المبارك، عن قتادة بن أنس، عن الحسن أنه قال فيها: "ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60]، قال: اعملوا وأبشروا، فإنه حق على الله أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله. والوجه الآخر: أن يكون معناه: أجيب دعوة الداع إذا دعان إن شئت. فيكون ذلك، وإن كان عاما مخرجه في التلاوة، خاصا معناه.
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "وإذا سألك" المعنى وإذا سألوك عن المعبود فأخبرهم أنه قريب يثيب على الطاعة ويجيب الداعي ، ويعلم ما يفعله العبد من صوم وصلاة وغير ذلك . واختلف في سبب نزولها ، فقال مقاتل : إن عمر رضي الله عنه واقع امرأته بعدما صلى العشاء فندم على ذلك وبكى ، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ورجع مغتماً ، وكان ذلك قبل نزول الرخصة ، فنزلت هذه الاية : "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب" . وقيل : لما وجب عليهم في الابتداء ترك الأكل بعد النوم فأكل بعضهم ثم ندم ، فنزلت هذه الآية في قبول التوبة ونسخ ذلك الحكم ، على ما يأتي بيانه . وروى الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس قال : قالت اليهود كيف يسمع ربنا دعاءنا ، وانت تزعم أن بيننا وبين السماء خمسمائة عام ، وغلظ كل سماء مثل ذلك ؟ فنزلت هذه الاية .
وقال الحسن : سببها أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فنزلت . وقال عطاء و قتادة : لما نزلت : "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" قال قوم : في أي ساعة ندعوه ؟ فنزلت .
الثانية : قوله تعالى : "فإني قريب" أي بالإجابة . وقيل بالعلم . وقيل : قريب من أوليائي بالإفضال والإنعام .
الثالثة : قوله تعالى : "أجيب دعوة الداع إذا دعان" أي أقبل عبادة من عبدني ، فالدعاء بمعنى العبادة ، والإجابة بمعنى القبول . دليله ما رواه أبو داود عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"الدعاء هو العبادة قال ربكم ادعوني استجب لكم" فسمي الدعاء عبادة ، ومنه قوله تعالى : "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" أي دعائي . فأمر تعالى بالدعاء وحض عليه وسماه عبادة ، ووعد بأن يستجيب لهم . روى ليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"أعطيت أمتي ثلاثاً لم تعط إلا الأنبياء كان الله إذا بعث نبياً قال ادعني استجب لك وقال لهذه الأمة ادعوني استجب لكم وكان الله إذا بعث النبي قال له ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه ما جعل عليكم في الدين من حرج وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيداً على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس" . وكان خالد الرعي يقول : عجبت لهذه الأمة في "ادعوني أستجب لكم" أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة ، وليس بينهما شرط . قال له قائل مثل ماذا ؟ قال مثل قوله : "وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات" فها هنا شرط ، وقوله : "وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق" فليس فيه شرط العمل ، ومثل قوله : "فادعوا الله مخلصين له الدين" فها هنا ، وقوله : "ادعوني أستجب لكم" ليس فيه شرط . وكانت الأمم تفزغ إلى انبيائها في حوائجهم حتى تسال الأنبياء لهم ذلك .
فإن قيل : فما للداعي قد يدعو فلا يجاب ؟ فالجواب أن يعلم أن قوله الحق في الآيتين اجيب استجب لا يقتضي الاستجابة مطلقاً لكل داع على التفصيل ، ولا بكل مطلوب على التفصيل ، فقد قال ربنا تبارك وتعالى في آية أخرى : "ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين" وكل مصر على كبيرة عالماً بها أو جاهلاً فهو معتد ، وقد أخبر أنه لا يحب المعتدين فكيف يستجيب له . وأنواع الاعتداء كثيرة ، يأتي بيانها هنا وفي الأعراف إن شاء الله تعالى . وقال بعض العلماء : أجيب إن شئت ، كما قال : "فيكشف ما تدعون إليه إن شاء" فيكون هذا من باب المطلق والمقيد . وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث فأعطي اثنتين ومنع واحدة ، على ما يأتي بيانه في الأنعام إن شاء الله تعالى . وقيل : إنما مقصود هذا الإخبار تعريف جميع المؤمنين أن هذا وصف ربهم سبحانه أنه يجيب دعاء الداعين في الجملة ، وأنه قريب من العبد يسمع دعاءه ويعلم اضطراره فيجيبه بما شاء وكيف شاء "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له" الآية . وقد يجيب السيد عبده والوالد ولده ثم لا يعطيه سؤله . فالإجابة كانت حاصلة لا محالة عند وجود الدعوة ، لأن أجيب وأستجب خبر لا ينسخ فيصير المخبر كذاباً . يدل على هذا التأويل ما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"من فتح له في الدعاء فتحت له أبواب الإجابة" . وأوحى الله تعالى إلى داود :
أن قل للظلمة من عبادي لا يدعوني فإني اوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني وإني إذا أجبت الظلمة لعنتهم . وقال قوم : إن الله يجيب كل الدعاء ، فأما إن تظهر الإجابة في الدنيا ، وإما أن يكفر عنه ، وإما إن يدخر له في الآخر ، لمارواه أبو سعيد الخدري قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما إن يدخر له وإما إن يكف عنه من السوء بمثلها . قالوا : إذن نكثر ؟ قال : الله أكثر " . خرجه أبو عمر بن عبد البر ، وصححه أبو محمد عبد الحق ، وهو في الموطأ منقطع السند . قال أبو عمر : وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند لقول الله تعالى : "ادعوني أستجب لكم" فهذا كله من الإجابة . وقال ابن عباس : كل عبد دعا استجيب له ، فإن كان الذي يدعو به رزقاً له في الدنيا أعطيه ، وإن لم يكن رزقاً في الدنيا ذخر له .
قلت : وحديث أبي سعيد الخدري وإن كان إذناً بالإجابة في إحدى ثلاث فقد دلك على صحة ما تقدم من اجتناب الاستثناء المانع من الإجابة حيث قال فيه : ما لم يدع بإثم أو قطعية رحم وزاد مسلم : ما لم يستعجل . رواه عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل ـ قيل : يا رسول الله ، ما الاستعجال ؟ قال ـ يقول قد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء" . وروى البخاري و مسلم و أبو داود عن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي" . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : يحتمل قوله "يستجاب لأحدكم" الإخبار عن وجوب وقوع الإجابة ، والإخبار عن جواز وقوعها ، فإذا كان بمعنى الإخبار عن الوجوب والوقوع فإن الإجابة تكون بمعنى الثلاثة الأشياء المتقدمة . فإذا قال : قد دعوت فلم يستجب لي ، بطل وقوع أحد هذه الثلاثة الأشياء وعري الدعاء من جميعها . وإن كان بمعنى جواز الإجابة فإن الإجابة حينئذ تكون بفعل ما دعا به خاصة ، ويمنع من ذلك قول الداعي : قد دعوت فلم يستجب لي ، لأن ذلك من باب القنوط وضعف اليقين والسخط .
قلت : ويمنع من أجابة الدعاء ايضاً أكل الحرام وما كان في معناه ، قال صلى الله عليه وسلم :
"الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" وهذا استفهام على جهة الاستبعاد من قبول دعاء من هذه صفته ، فإن إجابة الدعاء لا بد لها من شروط في الداعي وفي الدعاء وفي الشيء المدعو به . فمن شرط الداعي أن يكون عالماً بأن لا قادر على حاجته إلا الله ، وأن الوسائط في قبضته ومسخرة بتسخيره ، وأن يدعو بنية صادقة وحضور قلب ، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ، وأن يكون مجتنباً لأكل الحرام ، وألا يمل من الدعاء . ومن شرط المدعو فيه أن يكون من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعا ، كما قال : "ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم" فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب ، ويدخل في الرحم جميع حقوق المسلمين ومظالمهم . وقال سهل بن عبد الله التستري : شروط الدعاء سبعة : أولها التضرع والخوف والرجاء والمدوامة والخشوع والعموم وأكل الحلال . وقال ابن عطاء : إن للدعاء أركاناً وأجنحة وأسباباً وأوقاتاً ، فإن أسبابه انجح . فأركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع ، وأجنحته الصدق ، ومواقيته الأسحار ، واسبابه الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل :شرائطه أربع ـ أولها حفظ القلب عند الوحدة ، وحفظ اللسان مع الخلق ، وحفظ العين عن النظر إلى ما لا يحل ، وحفظ البطن من الحرام . وقد قيل :إن من شرط الدعاء أن يكون سليماً من اللحن ، كما أنشد بعضهم :
ينادي ربه باللحن ليث كذاك إذا دعاه لا يجيب
وقيل لإبراهيم بن أدهم : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟ قال : لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه ، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته ، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به ، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها ، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها ، وعرفتم النار فلم تهربوا منها ، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه ، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له ، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا ، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس . قال علي رضي الله عنه لنوف البكالي . يا نوف ، إن الله أوحى إلى داود أن مر بني إسرائيل ألا يدخلوا بيتاً من بيوتي إلا بقلوب طاهرة ، وأبصار خاشعة ، وأيد نقية ، فإني لا استجيب لأحدكم منهم ، ما دام لأحد من خلقي مظلمة . يا نوف ، لا تكونن شاعراً ولا عريفاً ولا شرطياً ولا جابياً ولا عشارا ، فإن داود قام في ساعة من الليل فقال : إنها ساعة لا يدعو عبد إلا استجيب له فيها ، إلا أن يكون عريفاً أو شرطياً أو جانبياً أو عشاراً ، أو صاحب عرطبة ، وهي الطنبور ، أو صاحب كوبة ، وهي الطبل . قال علماؤنا : ولا يقل الداعي : اللهم أعطني إن شئت ، اللهم أغفر لي إن شئت ، اللهم إرحمني إن شئت ، بل يعري سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة ، ويسأل سؤال من يعلم أنه لا يفعل إلا أن يشاء . وأيضاً فإن في قوله : إن شئت نوع من الاستغناء عن مغفرته وعطائه ورحمته ، كقول القائل : إن شئت أن تعطيني كذا فأفعل ، لا يستعمل هذا إلا مع الغنى عنه ، وأما المضطر إليه فإنه يعزم في مسألته ويسأل سؤال فقير مضطر إلى ما سأله . روى الأئمة واللفظ لـ لبخاري عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له" . وفي الموطأ : "اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت" . قال علماؤنا : قوله "فليعزم المسألة" دليل على أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء من الإجابة ، ولا يقنط من رحمة الله ، لأنه يدعو كريماً . قال سفيان بن عيينة :لا يمنعن أحداً من الدعاء ما يعلمه من نفسه فإن الله قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس ، "قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين" . وللدعاء أوقات وأحوال يكون الغالب فيها الإجابة ، وذلك كالسحر ووقت الفطر ، وما بين الأذان والإقامة ، وما بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء ، وأوقات الاضطرار وحالة السفر والمرض ، وعند نزول المطر والصف في سبيل الله . كل هذا جاءت به الاثار ، ويأتي بيانها في مواضعها . وروى شهر بن حوشب أن أم الدرداء قالت له : يا شهر ، ألا تجد القشعريرة ؟ قلت نعم . قالت : فادع الله فإن الدعاء مستجاب عند ذلك . وقال جابر بن عبد الله :
"دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح ثلاثاً يوم الاثنين ويوم الثلاثاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين . فعرفت السرور في وجهه" . قال جابر : ما نزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة .
الرابعة : قوله تعالى : "فليستجيبوا لي" قال أبو رجاء الخراساني فليدعوا لي . وقال ابن عطية :المعنى فليطلبوا أن أجيبهم . وهذا هو باب استفعل أي طلب الشيء إلا ما شذ ، مثل استغنى الله . وقال مجاهد وغيره : المعنى فليجيبوا إلي فيما دعوتهم إليه من الإيمان ، أي الطاعة والعمل . ويقال : أجاب واستجاب بمعنى ، ومنه قول الشاعر :
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي لم يجبه . والسين زائدة واللام لام الأمر . وكذا "وليؤمنوا" وجزمت لام الأمر لأنها تجعل الفعل مستقبلاً لا غير ، فأشبهت إن التي للشرط . وقيل : لأنها لا تقع إلا على الفعل . والرشاد خلاف الغي . وقد رشد يرشد رشداً . ورشد ( بالكسر ) يرشد رشداً ، لغة فيه . وأرشده الله . والمراشد : مقاصد الطرق . والطريق الأرشد : نحو الأقصد . وتقول : هو لرشدة . خلاف قولك : لزنية . وأم راشد : كنية للفأرة . وبنو رشدان : بطن من العرب ، عن الجوهري . وقال الهروي : الرشد والرشد والرشاد : الهدى والاستقامة ، ومنه قوله : "لعلهم يرشدون" .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا يحيى بن المغيرة أخبرنا جرير عن عبدة بن أبي برزة السجستاني, عن الصلت بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده, أن أعرابياً قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم, أقريب ربنا فنناجيه, أم بعيد فنناديه ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" إذا أمرتهم أن يدعوني فدعوني استجبت, ورواه ابن جرير عن محمد بن حميد الرازي, عن جرير به, ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ الأصبهاني من حديث محمد بن أبي حميد عن جرير به, وقال عبد الرزاق أخبرنا جعفر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أين ربنا ؟ فأنزل الله عز وجل "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" الأية وقال ابن جريج عن عطاء أنه بلغه لما نزلت "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" قال الناس لو نعلم أي ساعة ندعو؟ فنزلت "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي, حدثنا خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي, عن أبي موسى الأشعري, قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة, فجعلنا لا نصعد شرفاً ولا نعلو شرفاً ولا نهبط وادياً, إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير, قال: فدنا منا, فقال "يا أيها الناس, اربعوا على أنفسكم, فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً, إنما تدعون سميعاً بصيراً, إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته, يا عبد الله بن قيس, ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله" أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة من حديث أبي عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل عنه بنحوه, وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود, حدثنا شعبة, حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني" وقال الإمام أحمد حدثنا علي بن إسحاق, أنبأنا عبد الله, أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر , حدثنا إسماعيل بن عبيد الله عن كريمة بنت خشخاش المزنية, قالت: حدثنا أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه". (قلت) وهذا كقوله تعالى: "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون", وقوله لموسى وهارون عليهما السلام "إنني معكما أسمع وأرى" والمراد من هذا أنه تعالى لا يخيب دعاء داع, ولا يشغله عنه شيء, بل هو سميع الدعاء, ففيه ترغيب في الدعاء, وأنه لا يضيع لديه تعالى, كماقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا رجل: أنه سمع أبا عثمان النهدي, يحدث عن سلمان يعني الفارسي رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تعالى ليستحي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيراً فيردهما خائبتين" ـ قال يزيد: سموا لي هذا الرجل, فقالوا: جعفر بن ميمون ـ وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث جعفر بن ميمون صاحب الأنماط به, وقال الترمذي: حسن غريب, ورواه بعضهم ولم يرفعه, قال الشيخ الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله في أطرافه, وتابعه أبو همام محمد بن الزبرقان عن سليمان التيمي, عن أبي عثمان النهدي به, وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو عامر, حدثنا علي بن دؤاد أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم, إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته, وإما أن يدخرها له في الأخرى, وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها" قالوا: إذاً نكثر ؟ قال: "الله أكثر ", وقال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج, أنبأنا محمد بن يوسف, حدثنا ابن ثوبان عن أبيه, عن مكحول, عن جبير بن نفير: أن عبادة بن الصامت, حدثهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة إلا آتاه الله إياها, أو كف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم" ورواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي, عن محمد بن يوسف الفريابي, عن ابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان به, وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه, وقال الإمام مالك عن ابن شهاب, عن أبي عبيد مولى ابن أزهر , عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "يستجاب لأحدكم مالم يعجل, يقول دعوت فلم يستجب لي" أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك به, وهذا لفظ البخاري رحمه الله وأثابه الجنة, وقال مسلم في صحيحه: حدثني أبو الطاهر, حدثنا ابن وهب, أخبرني معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد, عن أبي إدريس الخولاني, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال "لا يزال يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم مالم يستعجل قيل: يا رسول الله, وما الاستعجال ؟ قال يقول قد دعوت وقد دعوت, فلم أر يستجاب لي, فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء" وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا أبو هلال عن قتادة, عن أنس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال العبد بخير مالم يستعجل قالوا: وكيف يستعجل ؟ قال: يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي", وقال الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره: حدثني يونس بن عبد الأعلى, حدثنا ابن وهب, حدثني أبو صخر: أن يزيد بن عبد الله بن قسيط حدثه عن عروة بن الزبير, عن عائشة رضي الله عنها, أنها قالت: ما من عبد مؤمن يدعو الله بدعوة فتذهب حتى تعجل له في الدنيا أو تدخر له في الاخرة إذا لم يعجل أو يقنط , قال عروة: قلت: يا أماه كيف عجلته وقنوطه ؟ قالت: يقول: سألت فلم أعط ودعوت فلم أجب. قال ابن قسيط : وسمعت سعيد بن المسيب يقول كقول عائشة سواء, وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا بكر بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلى عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "القلوب أوعية, وبعضها أوعى من بعض, فإذا سألتم الله أيها الناس, فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة, فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل" وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب, حدثنا إسحاق بن إبراهيم ابن أبي نافع بن معد يكرب ببغداد, حدثني بن أبي نافع بن معد يكرب, قال: كنت أنا وعائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آية "أجيب دعوة الداع إذا دعان" قال: يا رب مسألة عائشة فهبط جبريل فقال الله يقرؤك السلام هذا عبدي الصالح بالنية الصادقة وقلبه نقي يقول يا رب فأقول لبيك فأقضي حاجته وهذا حديث غريب من هذا الوجه. وروى ابن مردويه من حديث الكلبي عن أبي صالح, عن ابن عباس, حدثني جابر بن عبد الله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" الاية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أمرت بالدعاء وتوكلت بالإجابة, لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك, لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك, أشهد أنك فرد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد, وأشهد أن وعدك حق, ولقاءك حق, والجنة حق, والنار حق, والساعة آتية لا ريب فيها, وأنت تبعث من في القبور". وقال الحافظ أبو بكر البزار: وحدثنا الحسن بن يحيى الأزدي ومحمد بن يحيى القطعي, قالا: حدثنا الحجاج بن منهال, حدثنا صالح المدي عن الحسن, عن أنس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى يا ابن آدم واحدة لك واحدة لي وواحدة فيما بيني وبينك, فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئاً وأما التي لك فما عملت من شيء وفيتكه وأما الذي بيني وبينك, فمنك الدعاء وعلي الإجابة", وفي ذكره تعالى هذه الاية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام, إرشاد إلى اجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة, بل وعند كل فطر, كما رواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا أبو محمد المليكي عن عمرو, هو ابن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو , عن أبيه, عن جده عبد الله بن عمرو , قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة, فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا, وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في سننه: حدثنا هشام بن عمار, أخبرنا الوليد بن مسلم عن إسحاق بن عبد الله المدني, عن عبيد الله بن أبي مليكة, عن عبد الله بن عمرو, قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد" قال عبيد الله بن أبي مليكة: سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي, وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل, والصائم حتى يفطر , ودعوة المظلوم, يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء, يقول بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين".
قوله: 186- "وإذا سألك عبادي عني" يحتمل أن السؤال عن القرب والبعد كما يدل عليه قوله: "فإني قريب" ويحتمل أن السؤال عن إجابة الدعاء كما يدل على ذلك قوله: "أجيب دعوة الداع" ويحتمل أن السؤال عما هو أعم من ذلك، وهذا هو الظاهر مع قطع النظر عن السبب الذي سيأتي بيانه. وقوله: "فإني قريب" قيل: بالإجابة، وقيل: بالعلم، وقيل: بالإنعام. وقال في الكشاف: إنه تمثيل لحاله في سهولة إجابته لمن دعاه، وسرعة إنجاحه حاجة من سأله بمن قرب مكانه، فإذا دعي أسرعت تلبيته. ومعنى الإجابة هو معنى ما في قوله تعالى: " ادعوني أستجب لكم " وقيل: معناه أقبل عبادة من عبدني بالدعاء لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أن الدعاء هو العبادة، كما أخرجه أبو داود وغيره من حديث النعمان بن بشير، والظاهر أن الإجابة هنا هي باقية على معناها اللغوي، وكون الدعاء من العبادة لا يستلزم أن الإجابة هي القبول للدعاء: أي جعله عبادة متقبلة، فالإجابة أمر آخر غير قبول هذه العبادة. والمراد أنه سبحانه يجيب بما شاء وكيف شاء، فقد يحصل المطلوب قريباً وقد يحصل بعيداً، وقد يدفع عن الداعي من البلاء ما لا يعلمه بسبب دعائه، وهذا مقيد بعدم اعتداء الداعي في دعائه، كما في قوله سبحانه: "ادعوا ربكم تضرعاً وخفيةً إنه لا يحب المعتدين" ومن الاعتداء أن يطلب ما لا يستحقه ولا يصلح له، كمن يطلب منزلة في الجنة مساوية لمنزلة الأنبياء أو فوقها. وقوله: "فليستجيبوا لي" أي كما أجبتهم إذا دعوني فليستجيبوا لي فيما دعوتهم إليه من الإيمان والطاعات، وقيل معناه: أنهم يطلبون إجابة الله سبحانه لدعائهم باستجابتهم له: أي القيام بما أمرهم به والترك لما نهاهم عنه. والرشد خلاف الغي، رشد يرشد رشداً ورشداً. قال الهروي: الرشد والرشد والرشاد: الهدي والاستقامة. قال: ومنه هذا الآية.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق الصلت بن حكيم عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن قال: سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أين ربنا؟ فأنزل الله هذه الآية. وأخرج ابن مردويه عن أنس أنه سأل أعرابي صلى الله عليه وسلم أين ربنا؟ فنزلت. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعجزوا عن الدعاء، فإن الله أنزل علي "ادعوني أستجب لكم"" فقال رجل: يا رسول الله ربنا يسمع الدعاء أم كيف ذلك؟ فأنزل الله هذه الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء أنه بلغه لما نزلت "ادعوني أستجب لكم" قالوا: لو نعلم أي ساعة ندعو فنزلت. وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يجعل له دعوته، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها". وثبت في الصحيح أيضاً من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي". وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس في قوله: "فليستجيبوا لي" قال: ليدعوني "وليؤمنوا بي" أي أنهم إذا دعوني استجبت لهم. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: "فليستجيبوا لي" أي فليطيعوني. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الربيع بن أنس في قوله: "لعلهم يرشدون" قال: يهتدون.
186. قوله تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال يهود أهل المدينة: يا محمد كيف يسمع ربنا دعاءنا وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام وإن غلظ كل سماء مثل ذلك، فنزلت هذه الآية، وقال الضحاك : سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " وفيه إضمار كأنه قال: فقل لهم إني قريب منهم بالعلم لا يخفى على شيء كما قال: " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " (16-ق).
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الواحد عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري قال:" لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم ".
قوله تعالى: " أجيب دعوة الداع إذا دعان " قرأ أهل المدينة غير قالون و أبو عمرو بإثبات الياء فيهما في الوصل، والباقون بحذفها وصلاً ووقفاً، وكذلك اختلف القراء في إثبات الياءات المحذوفة من الخط وحذفها في التلاوة، ويثبت يعقوب جميعها وصلاًووقفاً، واتفقوا على إثبات ما هو مثبت في الخط وصلاً ووقفاً " فليستجيبوا لي " قيل: الاستجابة بمعنى الإجابة، أي: فليجيبوا لي بالطاعة، والإجابة في اللغة: الطاعة وإعطاء ما سئل فالإجابة من الله تعالى العطاء، ومن العبد الطاعة، وقيل: فليستجيبوا لي أي ليستدعوا مني الإجابة، وحقيقته فليطيعوني " وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " لكي يهتدوا، فإن قيل فما وجه قوله تعالى: " أجيب دعوة الداع " وقوله " ادعوني أستجب لكم " وقد يدعى كثيراً فلا يجيب؟ قلنا: اختلفوا في معنى الآيتين قيل معنى الدعاء ههنا الطاعة، ومعنى الإجابة الثواب، وقيل معنى الآيتين خاص وإن كان لفظهما عاماً، تقديرهما: " أجيب دعوة الداع " إن شئت، كما قال: " فيكشف ما تدعون إليه إن شاء " (41-الأنعام) أو أجيب دعوة الداعي إن وافق القضاء أو: أجيبه إن كانت الإجابة خيراً له أو أجيبه إن لم يسأل محالاً.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح أن ربيعة بن زيد حدثه عن أبي إدريس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يستجيب الله لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قالوا وما الاستعجال يا رسول الله؟ قال: يقول قد دعوتك يارب، قد دعوتك يارب، قد دعوتك يارب، فلا أراك تستجيب لي، فيستحسر عند ذلك فيدع الدعاء ".
وقيل هو عام، ومعنى قوله " أجيب " أي اسمع، ويقال ليس في الآية أكثر من إجابة الدعوة، فأما إعطاء المنية فليس بمذكور فيها، وقد يجيب السيد عبده، والوالد ولده ثم لا يعطيه سؤله فالإجابة كائنة لا محالة عند حصول الدعوة، وقيل معنى الآية أنه لا يخيب دعاءه، فإن قدر له ما سأل أعطاه، وإن لم يقدره له ادخر له الثواب في الآخرة، أو كف عنه به سوءاً والدليل عليه ما أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد زنجويه أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا بن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما على الأرض رجل مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه، الله إياها أو كف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " وقيل: إن الله تعالى يجيب دعاء المؤمن في الوقت ويؤخر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع صوته ويعجل إعطاء من لا يحبه لأنه يبغض صوته، وقيل: إن للدعاء آداباً وشرائط وهي أسباب الإجابة فمن استكملها كان من أهل الإجابة، ومن أخل بها فهو من أهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الإجابة.
-" وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " أي فقل لهم إني قريب ، وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم ، روي : أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت " أجيب دعوة الداع إذا دعان " تقرير للقرب . ووعد للداعي بالإجابة . " فليستجيبوا لي " إذا دعوتهم للإيمان والطاعة كما أجيبهم إذا دعوني لمهماتهم " وليؤمنوا بي " أمر بالثبات والمداومة عليه . " لعلهم يرشدون " راجين إصابة الرشد وهو إصابة الحق . وقرئ بفتح الشين وكسرها . واعلم أنه تعالى لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة ، وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر ، عقبه: بهذه الآية على أنه تعالى خبير بأحوالهم ، سميع لأقوالهم مجيب لدعائهم ، مجازيهم على أعمالهم تأكيداً له وحثاً عليه ، ثم بين أحكام الصوم فقال
186. And when My servant question thee concerning Me, then surely I am nigh. I answer the prayer of the suppliant when he crieth unto Me. So let them bear My call and let them trust in Me, in order that they may be led aright.
186 - When my servants ask thee concerning me, i am indeed close (to them): i listen to the prayer of every suppliant when he calleth on me: let them also, with a will, listen to my call, and believe in me: that they may walk in the right way.