19 - (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا) هو ما يعد للضيف (بما كانوا يعملون)
وقوله " أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى " يقول تعالى ذكره: أما الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بما أمرهم الله ورسوله، فلهم جنات المأوى: يعني بساتين المساكن التي يسكنونها في الآخرة ويأوون إليها. وقوله " نزلا بما كانوا يعملون " يقول: نزلاً بما أنزلهموها جزاء منه لهم بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعته. وقوله " وأما الذين فسقوا " يقول تعالى ذكره: وأما الذين كفروا بالله، وفارقوا طاعته " فمأواهم النار " يقول: فمساكنهم التي يأون إليها في الآخرة النار " كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به " في الدنيا " تكذبون " أن الله أعدها لأهل الشرك به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
قوله تعالى: "أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى" أخبر عن مقر الفريقين غداً، فللمؤمنين جنات المأوى، أي يآوون إلى الجنات، فأضاف الجنات إلى المأوى لأن ذلك الموضع يتضمن جنات. "نزلا" أي ضيافة. والنزل: ما يهيأ للنازل والضيف. وقد مضى في آخر آل عمران وهو نصب على الحال من الجنات، أي لهم الجنات معدة، ويجوز أن يكون مفعولاً له.
يخبر تعالى عن عدله وكرمه أنه لا يساوي في حكمه يوم القيامة من كان مؤمناً بآياته متبعاً لرسله, بمن كان فاسقاً أي خارجاً عن طاعة ربه, مكذباً لرسل الله إليه, كما قال تعالى: "أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون" وقال تعالى: "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار" وقال تعالى: "لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة" الاية, ولهذا قال تعالى ههنا "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون" أي عند الله يوم القيامة, وقد ذكر عطاء بن يسار والسدي وغيرهما أنها نزلت في علي بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط , ولهذا فصل حكمهم فقال "أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات" أي صدقت قلوبهم بآيات الله وعملوا يمقتضاها وهي الصالحات "فلهم جنات المأوى" أي التي فيها المساكن والدور والغرف العالية "نزلا" أي ضيافة وكرامة "بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا" أي خرجوا عن الطاعة فمأواهم النار, كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها, كقوله "كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها" الاية قال الفضيل بن عياض : والله إن الأيدي لموثقة, وإن الأرجل لمقيدة, وإن اللهب ليرفعهم, والملائكة تقمعهم "وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون" أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً.
وقوله تعالى: " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر " قال ابن عباس : يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها, وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه. وروي مثله عن أبي بن كعب وأبي العالية والحسن وإبراهيم النخعي والضحاك وعلقمة وعطية ومجاهد وقتادة وعبد الكريم الجزري وخصيف . وقال ابن عباس في رواية عنه: يعني به إقامة الحدود عليهم. وقال البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة : يعني به عذا ب القبر. وقال النسائي , أخبرنا عمرو بن علي , أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص , و أبي عبيدة عن عبد الله "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر" قال: سنون أصابتهم.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني عبد الله بن عمر القواريري , حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العوفي عن يحيى الجزار , عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب في هذه الاية "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر" قال: القمر والدخان قد مضيا والبطشة واللزام, ورواه مسلم من حديث شعبة به موقوفاً نحوه. وعند البخاري عن ابن مسعود نحوه. وقال عبد الله بن مسعود أيضاً في رواية عنه: العذاب الأدنى ما أصابهم من القتل والسبي يوم بدر, وكذا قال مالك عن زيد بن أسلم . قال السدي وغيره: لم يبق بيت بمكة إلا دخله الحزن على قتيل لهم أو أسير, فأصيبوا أو غرموا, ومنهم من جمع له الأمران.
وقوله تعالى: "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها" أي لا أظلم ممن ذكره الله بآياته وبينها له ووضحها, ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها كأنه لا يعرفها. قال قتادة .: إياكم والإعراض عن ذكر الله, فإن من أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرة, وأعوز أشد العوز, وعظم من أعظم الذنوب, ولهذا قال تعالى متهدداً لمن فعل ذلك "إنا من المجرمين منتقمون" أي سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام. وروى ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكلاعي , حدثنا محمد بن المبارك , حدثنا إسماعيل بن عياش , حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن معاذ بن جبل قال: " سمعت رسول الله يقول: ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من عقد لواء في غير حق, أو عق والديه, أو مشى مع ظالم ينصره فقد أجرم " , يقول الله تعالى: "إنا من المجرمين منتقمون" ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش به وهذا حديث غريب جداً.
ثم بين سبحانه عاقبة حال الطائفتين وبدأ بالمؤمنين فقال: 19- "أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى" قرأ الجمهور "جنات" بالجمع، وقرأ طلحة بن مصرف جنة المأوى بالإفراد، والمأوى هو الذي يأوون إلأيه، وأضاف الجنات إليه لكونه المأوى الحقيقي، وقيل المأوى جنة من الجنات، وقد تقدم الكلام على هذا، ومعنى "نزلا" أنها معدة لهم عند نزولهم، وهو في الأصل ما يعد للنازل من الطعام والشراب كما بيناه في آل عمران، وانتصابه على الحال. وقرأ أبو حيوة نزلا بسكون الزاي، والباء في "بما كانوا يعملون" للسببية: أي بسبب ما كانوا يعملونه، أو بسبب عملهم.
19- "أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى"، التي يأوي إليها المؤمنون، "نزلاً بما كانوا يعملون".
19ـ " أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى " فإنها المأوى الحقيقي والدنيا منزل مرتحل عنها لا محالة . وقيل المأوى جنة من الجنان . " نزلاً " سبق تفسيره في سورة (( آل عمران )) . " بما كانوا يعملون " بسبب أعمالهم أو على أعمالهم .
19. But as for those who believe and do good works, for them are the Gardens of Retreat, a welcome (in reward) for what they used to do.
19 - For those who believe and do righteous deeds, are Gardens as hospitable homes, for their (good) deeds.