19 - (ويطوف عليهم ولدان مخلدون) بصفة الولدان لا يشيبون (إذا رأيتهم حسبتهم) لحسنهم وانتشارهم في الخدمة (لؤلؤا منثورا) من سلكه أو من صدفه وهو أحسن منه في غير ذلك
يقول تعالى ذكره : ويطوف على هؤلاء الأبرار ولدان ، وهم الوصفاء ، مخلدون .
اختلف أهل التأويل في معنى " مخلدون " فقال بعضهم : معنى ذلك : أنهم لا يموتون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله " ويطوف عليهم ولدان مخلدون " : أي لا يموتون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال :ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
وقال آخرون : عني بذلك " ولدان مخلدون " : مسورون .
وقال آخرون : بل عني به أنهم مقرطون ، وقيل : عني به أنهم دائم شبابهم ، لا يتغيرون عن تلك السن .
وذكر عن العرب أنها تقول للرجل إذا كبر وثبت سواد شعره : إنه لمخلد ، وكذلك إذا كبروتثبتت أضراسه وأسنانه قيل : إنه لمخلد ، يراد به أنه ثابت الحال ، وهذا تصحيح لما قال قتادة من أن معناه : لا يموتون ، لأنهم إذا ثبتوا على حال واحدة فلم يتغيروا بهرم ولا شيب ولا موت ، فهم مخلدون ، وقيل : إن معنى قوله " مخلدون " مسورون بلغة حمير ، وينشد لبعض شعرائهم :
ومخلدات باللجين كأنما أعجازهن أقاوز الكثبان
وقوله : " إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا " يقول تعالى ذكره : إذا رأيت يا محمد هؤلاء الولدان مجتمعين أو مفترقين ، تحسبهم في حسنهم ، ونقاء بياض وجوههم ، وكثرتهم ، لؤلؤاً مبدداً ، أو مجتمعاً مصبوباً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " لؤلؤا منثورا " قال : من كثرتهم وحسنهم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " إذا رأيتهم حسبتهم " من حسنهم وكثرتهم " لؤلؤا منثورا " وقال قتادة عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو ، قال ما من أهل الجنة من أحد إلا ويسعى عليه ألف غلام ، كل غلام على عمل ما عليه صاحبه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : " حسبتهم لؤلؤا منثورا " قال : في كثرة اللؤلؤ وبياض اللؤلؤ .
قوله تعالى:" ويطوف عليهم ولدان مخلدون" بين من الذي يطوف عليهم بالآنية، أي ويخدمهم ولدان مخلدون، فإنهم أخف في الخدمة. ثم قال: " مخلدون" أي باقون على ما هم عليه من الشباب والغضاضة والحسن، لا يهرمون ولا يتغيرون، ويكونون على سن واحدة على مر الأزمنة. وقيل : مخلدون لا يموتون. وقيل: مسورون مقرطون، أي محلون والتخليد التحلية. وقد تقدم هذا.
"إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا" أي ظننتم من حسنهم وكثرتهم وصفاء ألوانهم: لؤلؤا مفرقاً في عرصة المجلس، واللؤلؤ إذا نثر على بساط كان أحسن منه منظوماً. وعن المأمون انه ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل، وهو على بساط منسوج من ذهب، وقد نثرت عليه نساء دار الخليفة اللؤلؤ، فنظر إليه منثوراً على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقال: لله در أبي نواس كأنه أبصر هذا حيث يقول:
كأنه صغرى وكبرى من فقاقعها حصباء در على أرض من الذهب
وقيل : إنما شبههم بالمنثور، لأنهم سراع في الخدمة، بخلاف الحور العين إذ شبههن باللؤلؤ المكنون المخزون، لأنهن لا يمتهن بالخدمة.
يخبر تعالى عن أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم وما أسبغ عليهم من الفضل العميم فقال تعالى: "متكئين فيها على الأرائك" وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الصافات, وذكر الخلاف في الاتكاء هل هو الاضطجاع أو التمرفق أو التربع أو التمكن في الجلوس, وأن الأرائك هي السرر تحت الحجال. وقوله تعالى: "لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً" أي ليس عندهم حر مزعج ولا برد مؤلم بل هي مزاج واحد دائم سرمدي لا يبغون عنها حولا "ودانية عليهم ظلالها" أي قريبة إليهم أغصانها "وذللت قطوفها تذليلاً" أي متى تعاطاه دنا القطف إليه وتدلى من أعلى غصنه كأنه سامع طائع كما قال تعالى في الاية الأخرى: "وجنى الجنتين دان" وقال جل وعلا: "قطوفها دانية" قال مجاهد : "وذللت قطوفها تذليلاً" إن قام ارتفعت معه بقدر, وإن قعد تذللت له حتى ينالها, وإن اضطجع تذللت له حتى ينالها فذلك قوله تعالى : "تذليلاً" وقال قتادة : لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد, وقال مجاهد أرض الجنة من ورق وترابها من المسك, وأصول شجرها من ذهب وفضة, وأفنانها من اللؤلؤ الرطب والزبرجد والياقوت والورق والثمر بين ذلك, فمن أكل منها قائماً لم تؤذه, ومن أكل منها قاعداً لم تؤذه, ومن أكل منها مضطجعاً لم تؤذه.
وقوله جلت عظمته: "ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب" أي يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام وهي من فضة وأكواب الشراب وهي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم, وقوله " قواريرا * قوارير من فضة " فالأول منصوب بخبر كان أي كانت قوارير, والثاني منصوب إما على البدلية أو تمييز لأنه بينه بقوله جل وعلا: "قوارير من فضة"
قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وغير واحد: بياض الفضة في صفاء الزجاج والقوارير لا تكون إلا من زجاج, فهذه الأكواب هي من فضة وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها, وهذا مما لا نظير له في الدنيا, قال ابن المبارك عن إسماعيل عن رجل عن ابن عباس : ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة. رواه ابن أبي حاتم : وقوله تعالى: "قدروها تقديراً" أي على قدر ريهم لا تزيد عنه ولا تنقص بل هي معدة لذلك مقدرة حسب ري صاحبها, وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح وقتادة وابن أبزى , وعبد الله بن عبيد الله بن عمير والشعبي وابن زيد , وقاله ابن جرير وغير واحد, وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة, وقال العوفي عن ابن عباس "قدروها تقديراً" قدرت للكف وهكذا قال الربيع بن أنس , وقال الضحاك , على قدر كف الخادم, وهذا لا ينافي القول الأول فإنها مقدرة في القدر والري.
وقوله تعالى: "ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً" أي ويسقون يعني الأبرار أيضاً في هذه الأكواب "كأساً" أي خمراً "كان مزاجها زنجبيلاً" فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد, وتارة بالزنجبيل وهو حار ليعتدل الأمر, وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة, وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفاً كما قال قتادة وغير واحد: وقد تقدم قوله جل وعلا "عيناً يشرب بها عباد الله" وقال ههنا: "عيناً فيها تسمى سلسبيلاً" أي الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلاً, وقال عكرمة : اسم عين في الجنة, وقال مجاهد : سميت بذلك لسلاسة سيلها وحدة جريها, وقال قتادة : "عيناً فيها تسمى سلسبيلاً" عين سلسة مستقيد ماؤها, وحكى ابن جرير عن بعضهم أنها سميت بذلك لسلاستها في الحلق واختار هو أنها تعم ذلك كله وهو كما قال.
وقوله تعالى: " ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا " أي يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة "مخلدون" أي على حالة واحدة مخلدون عليها لا يتغيرون عنها لا تزيد أعمارهم عن تلك السن, ومن فسرهم بأنهم مخرصون في آذانهم الأقرطة فإنما عبر عن المعنى بذلك, لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير. وقوله تعالى: "إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً" أي إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً, ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن. وقال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو : ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف خادم كل خادم على عمل ما عليه صاحبه.
وقوله جل وعلا: "وإذا رأيت" أي وإذا رأيت يا محمد "ثم" أي هناك يعني في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسرور "رأيت نعيماً وملكاً كبيراً" أي مملكة لله هناك عظيمة وسلطاناً باهراً. وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لاخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً إليها: إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها. وقد قدمنا في الحديث المروي من طريق ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألف سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة فما ظنك بما هو أعلى منزلة وأحظى عنده تعالى ؟ " وقد روى الطبراني ههنا حديثاً غريباً جداً فقال: حدثنا علي بن عبد العزيز , حدثنا محمد بن عمار الموصلي , حدثنا عقبة بن سالم عن أيوب بن عتبة عن عطاء عن ابن عمر قال: " جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل واستفهم فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة, أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به إني لكائن معك في الجنة ؟ قال: نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله كان له بها عهد عند الله, ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة أو نعم الله فتكاد تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته ونزلت هذه السورة " هل أتى على الإنسان حين من الدهر" إلى قوله " ملكا كبيرا " فقال الحبشي: وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة قال : نعم فاستبكى حتى فاضت نفسه " . قال ابن عمر : ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيده.
وقوله جل جلاله: " عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق " أي لباس أهل الجنة فيها الحرير ومنه سندس وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم, والإستبرق منه ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر كما هو المعهود في اللباس "وحلوا أساور من فضة" وهذه صفة الأبرار, وأما المقربون فكما قال تعالى: "يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير" ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده: "وسقاهم ربهم شراباً طهوراً" أي طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة, كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هناك عينين, فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما فأذهب الله ما في بطونهم من أذى, ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم, فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن. وقوله تعالى: "إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً" أي يقال لهم ذلك تكريماً لهم وإحساناً إليهم كما قال تعالى: "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية" وكقوله تعالى: "ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" وقوله تعالى: "وكان سعيكم مشكوراً" أي جزاكم الله تعالى على القليل بالكثير.
19- "ويطوف عليهم ولدان مخلدون" لما فرغ سبحانه من وصف شرابهم، ووصف آنيتهم، ووصف السقاة الذين يسقونهم ذلك الشراب. ومعنى "مخلدون" باقون على ما هم عليه من الشباب والطراوة والنضارة، لا يهرمون ولا يتغيرون، وقيل معنى "مخلدون" لا يموتون، وقيل التخليد التحلية: أي محلون "إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً" إذا نظرت إليهم ظننتهم لمزيد حسنهم وصفاء ألوانهم ونضارة وجوههم لؤلؤاً مفرقاً.قال عطاء: يريد في بياض اللون وحسنه، واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط كان أحسن منه منظوماً. قال أهل المعاني: إنما شبهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة، ولو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم، وقيل إنما شبههم بالمنثور لأنهم سراع في الخدمة، بخلاف الحور العين فإنهم شبههن باللؤلؤ المكنون لأنهن لا يمتهن بالخدمة.
19- "ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً"، قال عطاء: يريد في بياض اللؤلؤ وحسنه، واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط، كان أحسن منه منظوماً. وقال أهل المعاني: إنما شبهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة، فلو كانوا صفاً لشبهوا المنظوم.
19-" ويطوف عليهم ولدان مخلدون " دائمون " إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً " من صفاء ألوانهم وانبثاثهم في مجالسهم وانعكاس شعاع بعضهم إلى بعض .
19. There serve them youths of everlasting youth, whom, when thou seest, thou wouldst take for scattered pearls.
19 - And round about them will (serve) youths of perpetual (freshness): If thou seest them, thou wouldst think them scattered Pearls.