19 - (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) أي أهل ذلك (كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله) في الفضل (والله لا يهدي القوم الظالمين) الكافرين ، نزلت رداً على من قال ذلك وهو العباس أو غيره
قال أبو جعفر: وهذا توبيخ من الله ذكره لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت، فأعلمهم جل ثناؤه أن الفخر في الإيمان واليوم الآخر والجهاد في سبيله، لا في الذي افتخروا به من السدانة والسقاية.
وبذلك جاءت الآثار وتأويل أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، حدثني معاوية بن سلام، عن جده أبي سلام الأسود، عن النعمان بن بشير الأنصاري قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج! وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام! وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم! فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. قال:ففعل، فأنزل الله تبارك وتعالى: " أجعلتم سقاية الحاج " إلى قوله: " والله لا يهدي القوم الظالمين ".
حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر "، قال العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج، ونفك العاني! قال الله: " أجعلتم سقاية الحاج "، إلى قوله: " الظالمين "، يعني أن ذلك كان في الشرك، ولا أقبل ما كان في الشرك.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " أجعلتم سقاية الحاج "، إلى قوله: " الظالمين "، وذلك أن المشركين قالوا: عمارة بيت الله، وقيام على السقاية، خير ممن آن وجاهد، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون، من أجل أنهم أهله وعماره. فذكر الله استكبارهم وإعراضهم، فقال لأهل الحرم من المشركين: " قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون " [المؤمنون: 66 - 67]، يعني أنهم يستكبروا بالحرم. وقال: " به سامرا "، لأنهم كانوا يسمرون، ويهجرون القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم. فخير الإيمان بالله والجهاد مع نبي الله صلى الله عليه وسلم، على عمران المشركين البيت وقيامهم على السقاية. ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به، أن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه. قال الله: " لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين "، يعني: الذين زعموا أنهم أهل العمارة، فسماهم الله ((ظالمين))، بشركهم، فلم تغن عنهم العمارة شيئاً.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، اخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير، عن النعمان بن بشير، أن رجلاً قال: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج! وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام، إلا أن أعمر المسجد الحرام! وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم! فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صلى الجمعة دخلنا عليه! فنزلت: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام " إلى قوله: " لا يستون عند الله ".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عمرو، عن الحسن قال: نزلت في علي، وعباس، وعثمان، وشيبة، تكلموا في ذلك، " فقال العباس: ما أراني إلا تارك سقايتنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقيموا على سقايتكم، فإن لكم فيها خيراً ".
... قال أخبرنا عبد الرزاق قال، اخبرنا ابن عيينة ، عن إسمعيل، عن الشعبي قال: نزلت في علي، والعباس، تكلما في ذلك.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرت عن أبي صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار، وعباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، فقال طلحة: أنا صاحب البيت، معي مفتاحه، لو أشاء بت فيه! وقال عباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، ولو أشاء بت في المسجد! وقال علي: ما أدري ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد! فأنزل الله: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام "، الآية كلها.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن قال: لما نزلت: " أجعلتم سقاية الحاج "، " قال العباس: ما أراني إلا تارك سقايتنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أقيموا على سقايتكم، فإن لكم فيها خيراً ".
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله "، قال: افتخر علي، وعباس، وشيبة بن عثمان، فقال العباس: أنا أفضلكم، أنا أسقي حجاج بيت الله! وقال شيبة: أنا أعمر مسجد الله! وقال علي: أنا هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجاهد معه في سبيل الله! فأنزل الله: " الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله " إلى " نعيم مقيم ".
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " أجعلتم سقاية الحاج "، الآية، أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك، فقال العباس: أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونفك العاني، ونحجب البيت، ونسقي الحاج! فأنزل الله: " أجعلتم سقاية الحاج "، الآية.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذاً: أجعلتم، أيها القوم، سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، كإيمان من آمن بالله واليوم الآخروجاهد في سبيل الله، " لا يستون " هؤلاء، وأولئك، ولا تعتدل أحوالهما عند الله ومنازلهما، لأن الله تعالى لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملاً، " والله لا يهدي القوم الظالمين "، يقول: والله لا يوفق لصالح الأعمال من كان به كافراً، ولتوحيده جاحداً.
ووضع الاسم موضع المصدر في قوله: " كمن آمن بالله "، إذ كان معلوماً معناه، كما قال الشاعر:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ولكنما الفتيان كل فتىً ندي
فجعل خبر ((الفتيان))، ((أن))، وهو كما يقال: ((إنما السخاء حاتم، والشعر زهير)).
الأولى- قوله تعالى: "أجعلتم سقاية الحاج" التقدير في العربية: أجعلتم أصحاب سقاية الحاج، أو أهل سقاية الحاج، مثل من آمن بالله وجاهد في سبيله. ويصح أن يقدر الحذف في من آمن أي أجعلتم عمل سقي الحاج كعمل من آمن. وقيل: التقدير كإيمان من آمن. والسقاية مصدر كالسعاية والحماية. فجعل الاسم بموضع المصدر إذ علم معناه، مثل إنما السخاء حاتم، وإنما الشعر زهير. وعمارة المسجد الحرام مثل "واسأل القرية" (يوسف: 82). وقرأ أبو وجزة أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام سقاة جمع ساق والأصل سقية على فعلة، كذا يجمع المعتل من هذا، نحو قاض وقضاة وناس ونساة. فإن لم يكن معتلاً جمع على فعلة نحو ناسئ ونسأة، للذين كانوا ينسئون الشهور. وكذا قرأ ابن الزبير وسعيد بن جبير سقاة وعمرة، إلا أن ابن جبير نصب المسجد على إرادة التنوين في عمرة. وقال الضحاك: سقاية بضم السين، وهي لغة. والحاج اسم جنس الحجاج. وعمارة المسجد الحرام: معاهدته والقيام بمصالحه. وظاهر هذه الآية أنها مبطلة قول من افتخر من المشركين بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، كما ذكره السدي. قال: افتخر عباس بالسقاية، وشيبة بالعمارة، وعلي بالإسلام والجهاد، فصدق الله علياً وكذبهما، وأخبر أن العمارة لا تكون بالكفر، وإنما تكون بالإيمان والعبادة وأداء الطاعة. وهذا بين لا غبار عليه. ويقال: إن المشركين سألوا اليهود وقالوا: نحن سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام، أفنحن أفضل أم محمد وأصحابه؟ فقالت لهم اليهود عناداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم أفضل. وقد اعترض هنا إشكال، وهو ما جاء في صحيح مسلم عن النعمان بن بشير قال:
(3309) كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو يوم الجمعة- ولكن إذا صليت الجمعة دخلت واستفتيته فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله عز وجل: "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر" إلى آخر الآية. وهذا المساق يقتضي أنها إنما نزلت عند اختلاف المسلمين في الأفضل من هذه الأعمال. وحينئذ لا يليق أن يقال لهم في آخر الآية: "والله لا يهدي القوم الظالمين" فتعين الإشكال. وإزالته بأن يقال: إن بعض الرواة تسامح في قوله، فأنزل الله الآية. وإنما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم الآية على عمر حين سأله فظن الراوي أنها نزلت حينئذ، واستدل بها النبي صلى الله عليه وسلم على أن الجهاد أفضل مما قال أولئك الذين سمعهم عمر، فاستفتى لهم فتلا عليه ما قد كان أنزل عليه، لا أنها نزلت في هؤلاء. والله أعلم. فإن قيل: فعلى هذا يجوز الاستدلال على المسلمين بما أنزل في الكافرين، ومعلوم أن أحكامهم مختلفة. قيل له: لا يستبعد أن ينتزع مما أنزل الله في المشركين أحكام تليق بالمسلمين. وقد قال عمر: إنا لو شئنا لاتخذنا سلائق وشواء وتوضح صفحة وترفع أخرى، ولكنا سمعنا قول الله تعالى: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها" (الأحقاف: 20). وهذه الآية نص في الكفار، ومع ك ففهم منها عمر الزجر عما يناسب أحوالهم بعض المناسبة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة. فيمكن أن تكون هذه الآية من هذا النوع. وهذا نفيس وبه يزول الإشكال ويرتفع الإبهام. والله أعلم.
قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس في تفسير هذه الاية قال: إن المشركين قالوا: عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد, وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره, فذكر الله استكبارهم وإعراضهم, فقال لأهل الحرم من المشركين "قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامراً تهجرون" يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال "به سامراً" كانوا يسمرون به ويهجرون القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم فخير الله الإيمان والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به, وإن كانوا يعمرون بيته ويحرمون به. قال الله تعالى: " لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسماهم الله ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئاً.
وقال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاية قال: قد نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر ببدر قال: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي ونفك العاني, قال الله عز وجل: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني أن ذلك كله كان في الشرك ولا أقبل ما كان في الشرك, وقال الضحاك بن مزاحم: أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك, فقال العباس: أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونفك العاني ونحجب البيت ونسقي الحاج, فأنزل الله "أجعلتم سقاية الحاج" الاية.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي: قال: نزلت في علي والعباس رضي الله عنهما بما تكلما في ذلك, وقال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني ابن لهيعة عن أبي صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه ولو أشاء بت فيه. وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد, فقال علي رضي الله عنه: ما أدري ما تقولان لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد, فأنزل الله عز وجل "أجعلتم سقاية الحاج ؟" الاية كلها, وهكذا قال السدي إلا أنه قال: افتخر علي والعباس وشيبة بن عثمان وذكر نحوه, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن عمرو عن الحسن قال: نزلت في علي وعباس وعثمان وشيبة تكلموا في ذلك, فقال العباس: ما أراني إلا أني تارك سقايتنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيراً" ورواه محمد بن ثور: عن معمر عن الحسن فذكر نحوه, وقد ورد في تفسير هذه الاية حديث مرفوع فلا بد من ذكره هنا, قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رجلاً قال: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر رضي الله عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك يوم الجمعة, ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه. فنزلت " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون ".
(طريق أخرى) قال الوليد بن مسلم حدثني معاوية بن سلام عن جده أبي سلام الأسود عن النعمان بن بشير الأنصاري قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل لله عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. قال ففعل فأنزل الله عز وجل " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " ورواه مسلم في صحيحه وأبو داود وابن جرير وهذا لفظه, وابن مردويه وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه.
والاستفهام في 19- "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام" للإنكار، والسقاية والعمارة مصدران كالسعاية والحماية، وفي الكلام حذف، والتقدير: أجعلتم أصحاب سقاية الحاج وعمارة المسجد، أو أهلهما "كمن آمن" حتى يتفق الموضوع والمحمول أو يكون التقدير في الخبر: أي جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كعمل من آمن أو كإيمان من آمن. وقرأ ابن أبي وجزة السعدي وابن الزبير وسعيد بن جبير أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام، جمع ساق وعامر، وعلى هذه القراءة لا يحتاج إلى تقدير محذوف، والمعنى: أن الله أنكر عليهم التسوية بين ما كان تعمله الجاهلية من الأعمال التي صورتها صورة الخير، وإن لم ينتفعوا بها وبين إيمان المؤمنين وجهادهم في سبيل الله، وقد كان المشركون يفتخرون بالسقاية والعمارة ويفضلونهما على عمل المسلمين، فأنكر الله عليهم ذلك، ثم صرح سبحانه بالمفاضلة بين الفريقين وتفاوتهم وعدم استوائهم فقال: " لا يستون عند الله " أي لا تساوي تلك الطائفة الكافرة الساقية للحجيج العامرة للمسجد الحرام هذه الطائفة المؤمنة بالله واليوم الآخر المجاهدة في سبيله، ودل سبحانه بنفي الاستواء على نفي الفضيلة التي يدعيها المشركون: أي إذا لم تبلغ أعمال الكفار إلى أن تكون مساوية لأعمال المسلمين، فكيف تكون فاضلة عليها كما يزعمون، ثم حكم عليهم بالظلم وأنهم مع ظلمهم بما هم فيه من الشرك لا يستحقون الهداية من الله سبحانه، وفي هذا إشارة إلى الفريق.
19-قوله عز وجل: "أجعلتم سقاية الحاج" الآية.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، حدثنا أبو إسحاق أحمد بن محمدبن إبراهيم الثعلبي، حدثنا عبد الله بن حامد بن محمد الوزان، حدثنا أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المعافري، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي، حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، حدثنا النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أسقي الحاج. وقال الآخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام. وقال الآخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتما، فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفتم فيه، ففعل فأنزل الله عز وجل:"أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام"، إلى قوله: " والله لا يهدي القوم الظالمين ".
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال العباس حين أسر يوم بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد، لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحاج، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأخبر أن عمارتهم المسجد الحرام وقيامهم على السقاية لا ينفعهم مع الشرك بالله، والإيمان بالله والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم خير مما هم عليه.
وقال الحسن، والشعبي، ومحمد بن كعب القرظي، نزلت في علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وطلحة بن شيبة، افتخروا فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال علي: ما أدري ما تقولون لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: "أجعلتم سقاية الحاج".
والسقاية: مصدر كالرعاية والحماية.
قوله: "وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر"، فيه اختصار تقديره: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله وجهاد من جاهد في سبيل الله؟.
وقيل: السقاية والعمارة بمعنى الساقي والعامر. وتقديره: أجعلتم ساقي الحاج وعامر المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟ وهذا كقوله تعالى: "والعاقبة للتقوى" أي: للمتقين، يدل عليه قراءة عبد الله بن الزبير وأبي بن كعب أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام على جمع الساقي والعامر.
" كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أبو أسامة، حدثنا يحيى بن مهلب، عن حسين، عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فات رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها،/ فقال:اسقني، فقال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال:اسقني ، فشرب منه، ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها، فقال:اعملوا فإنكم على عمل صالح، ثم قال: لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه، وأشار إلى عاتقه".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أنا عبد الغافر بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن مسلم بن الحجاج، حدثني محمد بن منهال الضرير، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني قال: " كنت جالسا مع ابن عباس عند الكعبة فأتاه أعرابي فقال: ما لي لا أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ؟ أمن حاجة بكم؟ أم من بخل؟ فقال ابن عباس: الحمد لله ما بنا حاجة ولا بخل، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامه فاستسقى، فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة، وقال:أ حسنتم وأجملتم كذا فاصنعوا ، فلا نريد تغيير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم".
19. " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله " السقاية والعمارة مصدر أسقى وعمر فلا يشبهان بالجثث بل لا بد من إضمار تقديره أجعلتم أهل سقاية الحاج كمن آمن ، أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن . ويؤيد الأول قراءة من قرأ _سقاة الحاج وعمرة المسجد ) والمعنى إنكار أن يشبه المشركون وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة ثم قرر ذلك بقوله : " لا يستون عند الله " وبين عدم تساويهم بقوله : " والله لا يهدي القوم الظالمين " أي الكفرة ظلمة بالشرك ومعاداة الرسول عليه الصلاة والسلام منهمكون في الضلالة فكيف يساوون الذين هداهم الله ووفقهم للحق والصواب ،وقيل المراد بالظالمين الذين يسوون بينهم وبين المؤمنين.
19. Count ye the slaking of a pilgrim's thirst and tendance of the Inviolable Place of Worship as (equal to the worth of him) who believeth in Allah and the Last Day, and striveth in the way of Allah? They are not equal in the sight of Allah. Allah guideth not wrongdoing folk.
19 - Do ye make the giving of drink to pilgrims, or the maintenance of the Sacred mosque, equal to (the pious service of) those who believe in God and the last day, and strive with might and main in the cause of God? they are not comparable in the sight of God: and God guides not those who do wrong.