19 - (كلا) ردع له (لا تطعه) يا محمد في ترك الصلاة (واسجد) صل لله (واقترب) منه بطاعته
وقوله : "كلا " يقول تعالى ذكره : ليس الأمر كما يقول أبو جهل ، إذا ينهى محمداً عن عبادة ربه ، والصلاة له " لا تطعه " يقول جل ثناؤه لنبيه حمد صلى الله عليه وسلم : لا تطع أبا جهل فيما أمرك به من ترك الصلاة لربك " واسجد " لربك " واقترب " منه ، وبالتحبب إليه بطاعته ، فإن أبا جهل لن يقدر على ضرك ، ونحن نمنعك منه .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال :ثنا سعيد ، عن قتادة " كلا لا تطعه واسجد واقترب " ذكر لنا أنها نزلت في أبي جهل ، قال : لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن عنقه ، فأنزل الله " كلا لا تطعه واسجد واقترب " قال نبي الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه الذي قال أبو جهل ، قال : لو فعل لاختطفته الزبانية .
قوله تعالى:" كلا لا تطعه واسجد واقترب "
"كلا" أي ليس الأمر على ما يظنه أبو جهل. " لا تطعهما " أي فيما دعاك إليه من ترك الصلاة. " واسجد" أي صل لله"واقترب" أي تقرب إلى الله جل ثناؤه بالطاعة والعبادة. وقيل: المعنى: إذا سجدت فاقترب من الله بالدعاء." روى عطاء عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أقرب ما يكون العبد من ربه، وأحبه إليه، جبهته في الأرض ساجداً لله )."
قال علماؤنا: وإنما كان ذلك لأنها نهاية العبودية والذلة، ولله غاية العزة، وله العزة التي لا مقدار لها، فكلما بعدت من صفته، قربت من جنته، ودنوت من جواره في داره."في الحديث الصحيح:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما الركوع فعظموا فيه الرب. وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فإنه قمن أن يستجاب لكم) " . وقال أحسن من قال:
وإذا تذللت الرقاب تواضعاً منا إليك فعزها في ذلها
وقال زيد بن أسلم:
اسجد أنت يا محمد مصلياً، واقترب أنت يا أبا جهل من النار.
قوله تعالى:" واسجد" هذا من السجود. يحتمل أن يكون بمعنى السجود في الصلاة، ويحتمل أن يكون سجود التلاوة في هذه السورة. قال ابن العربي: (والظاهر أنه سجود الصلاة) لقوله تعالى: " أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى " -إلى قوله- " كلا لا تطعه واسجد واقترب "، لو لا ما ثبت في لصحيحمن رواية مسلم وغيره من الأئمة" عن أبي هريرة أنه قال : سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في " إذا السماء انشقت" [الإنشقاق:1]، وفي " اقرأ باسم ربك الذي خلق" [العلق:1] سجدتين، فكان هذا نصاً على أن المراد سجود التلاوة. وقد روى ابن وهب، عن حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
عزائم السجود اربع :(ألم) و(حم. تنزيل من الرحمن الرحيم) و(النجم) و(اقرأ باسم ربك). وقال ابن العربي: (وهذا أن صح يلزم عليه السجود الثاني من سورة (الحج)، وإن كان مقترناً بالركوع، لأنه يكون معناه اركعوا في موضع الركوع، واسجدوا في موضع السجود). وقد قال اب نافع ومطرف: وكان مالك يسجد في خاصة نفسه بخاتمة هذه السورة من (قرأ باسم ربك )وابن وهب يراها من العزائم.
قلت :" و" قد روينا من حديث مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر قال:
لما أنزل الله تعالى" اقرأ باسم ربك الذي خلق" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (اكتبها يا معاذ) فأخذ معاذ اللوح والقلم والنون- وهي الدواة- فكتبها معاذ، فلما بلغ " كلا لا تطعه واسجد واقترب " سجد اللوح، وسج القلم، سجدت النون، هم يقولون : اللهم ارفع به ذكراً، اللهم احطط به وزراً، اللهم اغفر به ذبناً. قال معاذ: سجدت، أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسجد " .
ختمت السورة. والحمد لله على ما فتح ومنح وأعطى. وله الحمد والمنة.
يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله, ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال: "إن إلى ربك الرجعى" أي إلى الله المصير والمرجع وسيحاسبك على مالك من أين جمعته وفيم صرفته. قال ابن أبي حاتم : حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ , حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو عميس عن عون قال: قال عبد الله : منهومان لا يشبعان صاحب العلم وصاحب الدنيا ولا يستويان, فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان قال ثم قرأ عبد الله "إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى" وقال للاخر "إنما يخشى الله من عباده العلماء" وقد روي هذا مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا".
ثم قال تعالى: " أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى " نزلت في أبي جهل لعنه الله, توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولاً فقال: "أرأيت إن كان على الهدى" أي فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله أو أمر بالتقوى وأنت تزجره وتتوعده على صلاته, ولهذا قال: " ألم يعلم بأن الله يرى " أي أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه. وسيجازيه على فعله أتم الجزاء. ثم قال تعالى متوعداً ومتهدداً: "كلا لئن لم ينته" أي لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد " لنسفعا بالناصية " أي لنسمنها سواداً يوم القيامة ثم قال: "ناصية كاذبة خاطئة" يعني ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في أفعالها "فليدع ناديه" أي قومه وعشيرته أي ليدعهم يستنصر بهم "سندع الزبانية" وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أو حزبه ؟.
قال البخاري : حدثنا يحيى حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه, فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لئن فعل لأخذته الملائكة" ثم قال تابعه عمرو بن خالد عن عبيد الله يعني ابن عمرو عن عبد الكريم. وكذا رواه الترمذي والنسائي في تفسيرهما من طريق عبد الرزاق به. وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو به, وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وهذا لفظه من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام فمر به أبو جهل بن هشام, فقال يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره, فقال يا محمد بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً فأنزل الله "فليدع ناديه * سندع الزبانية" وقال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته. وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا إسماعيل بن يزيد أبو يزيد , حدثنا فرات عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لاتينه حتى أطأ على عنقه قال: فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة عياناً, ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار, ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً" وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا ابن حميد , حدثنا يحيى بن واضح , أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن الوليد بن العيزار عن ابن عباس قال : قال أبو جهل لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه, فأنزل الله عز وجل "اقرأ باسم ربك الذي خلق" حتى بلغ هذه الاية " لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع ناديه * سندع الزبانية " فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى, فقيل: ما يمنعك ؟ قال: قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب, قال ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا المعتمر عن أبيه , حدثنا نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا: نعم, قال: فقال واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته, ولأعفرن وجهه في التراب, فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته, قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه, قال فقيل له: مالك ؟ فقال: إن بيني وبينه خندقاً من نار, وهولاً وأجنحة قال: فقال رسول الله: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً" قال: وأنزل الله لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا "كلا إن الإنسان ليطغى" إلى آخر السورة, وقد رواه أحمد بن حنبل ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم من حديث معتمر بن سليمان به.
وقوله تعالى: "كلا لا تطعه" يعني يا محمد لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها, وصل حيث شئت, ولا تباله فإن الله حافظك وناصرك وهو يعصمك من الناس "واسجد واقترب" كما ثبت في الصحيح عند مسلم من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن عمارة بن غزية , عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" وتقدم أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد في "إذا السماء انشقت" و "اقرأ باسم ربك الذي خلق" آخر تفسير سورة اقرأ, ولله الحمد والمنة, وبه التوفيق والعصمة.
ثم كرر الردع والزجر فقال: 19- "كلا لا تطعه" أي لا تطعه فيما دعاك إليه من ترك الصلاة "واسجد" أي صل لله غير مكترث به، ولا مبال بنهيه "واقترب" أي تقرب إليه سبحانه بالطاعة والعبادة. وقيل المعنى: إذا سجدت اقترب من الله بالدعاء. وقال زيد بن أسلم: واسجد أنت يا محمد، واقترب أنت يا أبا جهل من النار، والأولى أولى. والسجودهذا الظاهر أن المراد به الصلاة، وقيل سجود التلاوة، ويدل على هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من السجود عند تلاوة هذه الآية، كما سيأتي إن شاء الله.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن عبد الله بن شداد قال: "أتى جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اقرأ. ما أقرأ؟ فضمه ثم قال: يا محمد اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" حتى بلغ "ما لم يعلم"" وفي الصحيحين: وغيرهما من حديث عائشة "فجاءه الملك، فقال: اقرأ، فقال: قلت ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد فقال: " اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم "" الآية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة عياناً" وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟ إنك لتعلم أن ما بها رجل أكثر نادياً مني، فأنزل الله " فليدع ناديه * سندع الزبانية " فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فقيل: ما يمنعك؟ فقال: قد اسود ما بيني وبينه". قال ابن عباس: والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه. وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا نعم، قال: واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأن على رقبته، قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيده، فقيل له مالك؟ فقال: إن بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً" قال: وأنزل الله " كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى " إلى آخر السورة: يعني أبا جهل " فليدع ناديه " يعني قومه "سندع الزبانية" يعني الملائكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: " أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى " قال: أبو جهل بن هشام حين رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلي على ظهره وهو ساجد لله عز وجل. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله: " لنسفعا " قال: لنأخذن. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً "فليدع ناديه" قال: ناصره، وقد قدمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد في "إذا السماء انشقت" وفي "اقرأ باسم ربك الذي خلق".
ثم قال:
19- "كلا"، ليس الأمر على ما عليه أبو جهل، "لا تطعه"، في ترك الصلاة، "واسجد"، صل لله، "واقترب"، من الله.
أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني، أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، حدثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السراج ومحمد بن سلمة قالوا: أخبرنا وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن عمارة بن غزية عن سمي مولى أبي بكر أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء فيها".
19-" كلا " ردع أيضاً للناهي . " لا تطعه " أي اثبت أنت على طاعتك . " واسجد " داوم على سجودك . " واقترب " وتقرب إلى ربك وفي الحديث " أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد " .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة العلق أعطي من الأجر كأنما قرأ المفصل كله " .
19. Nay! Obey not thou him. But prostrate thyself, and draw near (unto Allah).
19 - Nay, heed him not: but bow down in adoration, and bring thyself the closer (to God)!