(وأنفقوا في سبيل الله) طاعته بالجهاد وغيره (ولا تلقوا بأيديكم) أي أنفسكم والباء زائدة (إلى التهلكة) الهلاك بالإمساك عن النفقة في الجهاد أو تركه لأنه يقوي العدو عليكم (وأحسنوا) بالنفقة وغيرها (إن الله يحب المحسنين) أي يثيبهم
قوله تعالى وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأديكم إلى التهلكة روى البخاري عن حذيفة قال نزلت هذه الآية في النفقة
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه وابن حيان والحاكم وغيرهم عن أبي أيوب الأنصاري قال نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا إن أموالنا قد ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله يرد علينا ما قلنا وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو
وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي جبيرة بن الضحاك قال كانت الأنصار يتصدقون ويعطون ما شاء الله فأصابتهم سنة فأمسكوا فأنزل الله ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة الآية
وأخرج أيضا بسند صحيح عن النعمان بن بشير قال كان الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفر لي فأنزل الله ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة
وله شاهد عن البراء أخرجه الحاكم
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، ومن عنى بقوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة".فقال بعضهم: عنى بذلك: "وأنفقوا في سبيل الله"- و "سبيل الله": طريقه الذي أمر أن يسلك فيه إلى عدوه من المشركين لجهادهم وحربهم، "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"- يقول: ولا تتركوا النفقة في سبيل الله، فإن الله يعوضكم منها أجرا ويرزقكم عاجلا.ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب سلم بن جنادة والحسن بن عرفة قالا، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش،عن سفيان، عن حذيفة: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: يعني في ترك النفقة.حدثني محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة- وحدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن ابي عدي، عن شعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة- وحدثني محمد بن خلف العسقلاني قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الأعمش- وحدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عاصم- جميعا، عن شقيق، عن حذيفة قال: هو ترك النفقة في سبيل الله.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي صالح، عن عبدالله بن عباس أنه قال في هذه الآية: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: تنفق في سبيل الله، وإن- لم يكن لك إلا مشقص- أو: سهم- شعبة الذي يشك في ذلك. حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن ابي عدي، عن شعبة، عن منصور، عن أبي صالح الذي كان يحدث عنه الكلبي، عن ابن عباس قال: إن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص أنفقته. حدثني ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن أبي صالح، عن ابن عباس: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: في النفقة. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله، ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله. حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عكرمة قال: نزلت في النفقات في سبيل الله، يعني قوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة". حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن وهب قال، أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الاية: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: كان القوم في سبيل الله، فيتزود الرجل، فكان أفضل زادا من الآخر. أنفق البائس من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء، أحب أن يواسي صاحبه. فأنزل الله: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة". حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال، حدثنا آدم قال، حدثنا شيبان، عن منصور بن المعتمر، عن أبي صالح مولى أم هانىء، عن ابن عباس في قوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: لا يقولن أحدكم إني لا أجد شيئا، إن لم يجد إلا مشقصا فليتجهز به فى سبيل الله.حدثنا ابن عبد الأعلى الصنعاني قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت داود- يعني: ابن أبي هند- عن عامر: أن الأنصار كان احتبس عليهم بعض الرزق، وكانوا قد أنفقوا نفقات. قال: فساء ظنهم، وأمسكوا. قال: فأنزل الله: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: وكانت التهلكة سوء ظنهم وإمساكهم. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى- وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل- عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: تمنعكم نفقة في حق خيفة العيلة.حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"- قال: وكان قتادة يحدث أن الحسن حدثه-: أنهم كانوا يسافرون ويغزون ولا ينفقون من أموالهم- أو قال: ولا ينفقون في ذلك- فأمرهم الله أن ينفقوا في مغازيهم في سبيل الله.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، يقول: لا تمسكوا بأيديكم عن النفقة في سبيل الله.حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وأنفقوا في سبيل الله"- أنفق في سبيل الله ولو عقالا- "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"- تقول: ليس عندي شيء.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو غسان قال، حدثنا زهير قال، حدثنا خصيف، عن عكرمة في قوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال: لما أمر الله بالنفقة، فكانوا- أو بعضهم- يقولون: ننفق فيذهب مالنا ولا يبقى لنا شيء! قال: فقال: أنفقوا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. قال: أنفقوا وأنا أرزقكم. حدثني المثنى قال، حدثنا عمروبن عون قال، حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن قال: نزلت في النفقة.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، أخبرنا ابن همام الأهوازي قال، أخبرنا يونس، عن الحسن في "التهلكة"، قال: أمرهم الله بالنفقة في سبيل الله، وأخبرهم أن ترك النفقة في سبيل الله لتهلكة. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن قوله: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: يقول: أنفقوا في سبيل الله ما قل وكثر- قال: وقال لي عبدالله بن كثير: نزلت في النفقة في سبيل الله. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: لا يقولن الرجل لا أجد شيئا! قد هلكت! فليتجهز ولو بمشقص.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله. "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، يقول: أنفقوا ما كان من قليل أو كثير، ولا تستسلموا ولا تنفقوا شيئا فتهلكوا.حدثني المثنى قال حدثنا إسحق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قال: "التهلكة": أن يمسك الرجل نفسه وماله عن النفقة في الجهاد في سبيل الله.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، عن الحسن في قوله:"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" فتدعوا النفقة في سبيل الله. وقال آخرون، ممن وجهوا تأويل ذلك إنى أنه معنية به النفقة: معنى ذلك: وأنفقوا في سبيل الله،ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، فتخرجوا في سبيل الله بغير نفقة ولا قوة.ذكر مر قال ذلك:حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: إذا لم يكن عندك ما تنفق، فلا تخرج بنفسك بغير نفقة ولا قوة: فتلقي بيديك إلى التهلكة.وقال آخرون: بل معناه: أنفقوا في سبيل الله، ولا تلقوا بأيديكم- فيما أصبتم من الآثام- إلى التهلكة، فتيأسوا من رحمة الله، ولكن ارجوا رحمته واعملوا الخيرات. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحق، عن البراء بن عازب في قوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: هو الرجل يصيب الذنوب فيلقي بيده إلى التهلكة، يقول: لا توبة لي. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكربن عياش قال، حدثنا أبو إسحق، عن البراء قال:سأله رجل: أحمل على المشركين وحدي فيقتلوني، أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة؟ فقال: لا، إنما التهلكة في النفقة. بعث الله رسوله فقال: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك" [النساء: 84]. حدثنا الحسن بن عرفة وابن وكيع قالا، حدثنا وكيع بن الجراح، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحق السبيعي، عن البراء بن عازب في قول الله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: هو الرجل يذنب الذنب فيقول: لا يغفر الله له.حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا اسرائيل، عن أبي إسحق قال: سمعت البراء، وسأله رجل فقال: يا أبا عمارة، أرأيت قول الله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، أهو الرجل يتقدم فيقاتل حتى يقتل؟ قال: لا، ولكنه الرجل يعمل بالمعاصي، ثم يلقي بيده ولا يتوب.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين، عن أبي إسحق قال: سمعت البراء، وسأله رجل فقال: الرجل يحمل على كتيبة وحده فيقاتل، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ فقال: لا، ولكن التهلكة أن يذنب الذنب فيلقي بيده فيقول: لا تقبل لي توبة.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن الجراح، عن أبي إسحق قال: قلت للبراء بن عازب: يا أبا عمارة، الرجل يلقى ألفا من العدو فيحمل عليهم، وإنما هو وحده، أيكون ممن قال: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"؟ فقال: لا، ليقاتل حتى يقتل! قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك" [النساء: 84]. حدثنا مجاهد بن موسى قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا هشام، وحدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن هشام، عن محمد قال: وسألت عبيدة عن قول الله: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" الآية، فقال عبيدة: كان الرجل يذنب الذنب- قال: حسبته قال: العظيم- فيلقي بيده فيستهلك، زاد يعقوب في حديثه: فنهوا عن ذلك، فقيل: "أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة". حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا هشام، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن ذلك فقال: هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم، ويلقي بيده إلى التهلكة، ويقول: لا توبة له!- يعني قوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة". حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن محمد، عن عبيدة في قوله:"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: كان الرجل يصيب الذنب فيلقي بيده. حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: القنوط. حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن يونس وهشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم، يقول: لا توبة لي! فيلقي بيده. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، حدثني أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة أنه قال: هي في الرجل يصيب الذنب العظيم فيلقي بيده، ويرى أنه قد هلك.وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنفقوا في. سبيل الله، ولا تتركوا الجهاد في سبيله. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني حياة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران قال: غزونا المدينة، يريد القسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، قال: فصففنا صفين لم أر صفين قط أعرض ولا أطول منهما، والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة. قال: فحمل رجل منا على العدو، فقال الناس: مه! لا إله إلا الله، يلقي بيده إلى التهلكة! قال أبو أيوب الأنصاري: إنما تتأولون هذه الآية هكذا، أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة، أو يبلي من نفسه! إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار! إنا لما نصر الله نبيه وأظهر الاسلام، قلنا بيننا معشر الأنصار خفيا من رسول الله- كه: إنا قد كنا تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها! فأنزل الله الخبر من السماء: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" الاية، فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وندع الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية. حدثني محمد بن عمارة الأسدي وعبدالله بن أبي زياد قالا حدثنا أبو عبد الرحمن عبدالله بن يزيد قال، أخبرني حيوة وابن لهيعة قالا، حدثنا يزيد بن أبي حبيب قال، حدثني أسلم أبو عمران مولى تجيب قال: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، قال: وصففنا صفا عظيما من المسلمين، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا مقبلاً، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله! ألقى بيده إلى التهلكة! فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله-صلى الله عليه وسلم
فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل! وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار! إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصريه، قلنا فيما بيننا بعضنا لبعض سرا من رسول الله: إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنا قمنا فيها، فأصلحنا ما ضاع منها! فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به، فقال: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، بالإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال ونصلحها، فأمرنا بالغزو. فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر بالإنفاق في سبيله بقوله: "وأنفقوا في سبيل الله"- وسبيله: طريقه الذي شرعه لعباده وأوضحه لهم. ومعنى ذلك: وأنفقوا في إعزاز ديني الذي شرعته لكم، بجهاد عدوكم الناصبين لكم الحرب على الكفر بي، ونهاهم أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة فقال: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة".وذلك مثل، والعرب تقول للمستسلم للأمر: أعطى فلان بيديه، وكذلك يقال للممكن من نفسه مما أريد به: أعطى بيديه. فمعنى قوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، ولا تستسلموا للهلكة، فتعطوها أزمتكم فتهلكوا. والتارك النفقة في سبيل الله عند وجوب ذلك عليه، مستسلم للهلكة بتركه أداء فرض الله عليه في ماله. وذلك أن الله جل ثناؤه جعل أحد سهام الصدقات المفروضات الثمانية في سبيله، فقال: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" إلى قوله: "وفي سبيل الله وابن السبيل" [التوبة: 60]. فمن ترك إنفاق ما لزمه من ذلك في سبيل الله على ما لزمه، كان للهلكة مستسلما، وبيديه للتهلكة ملقيا.
وكذلك الآئس من رحمة الله لذنب سلف منه، ملق بيديه إلى التهلكة، لأن الله قد نهى عن ذلك فقال: "ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" [يوسف: 87].وكذلك التارك غزو المشركين وجهادهم، في حال وجوب ذلك عليه، في حال حاجة المسلمين إليه، مضيع فرضا، ملق بيده إلى التهلكة. فإذ كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، ولم يكن الله عز وجل خص منها شيئا دون شيء، فالصواب من القول في ذلك، أن يقال: إن الله نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا، والاستسلام للهلكة- وهي العذاب- بترك ما لزمنا من فرائضه. فغير جائز لأحد منا الدخول في شيء يكرهه الله منا، مما نستوجب بدخولنا فيه عذابه. غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن الأغلب من تأويل الاية: وأنفقوا، أيها المؤمنون، في سبيل الله، ولا تتركوا النفقة فيها، فتهلكوا باستحقاقكم- بترككم ذلك- عذابي، كما:حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، قال: التهلكة عذاب الله. قال أبو جعفر: فيكون ذلك إعلاماً منه لهم- بعد أمره إياهم بالنفقة- ما لمن ترك النفقة المفروضة عليه في سبيله، من العقوبة في المعاد.فإن قال قائل: فما وجه إدخال الباء في قوله: "ولا تلقوا بأيديكم"، وقد علمت أن المعروف من كلام العرب: ألقيت إلى فلان درهما دون ألقيت إلى فلان بدرهم ؟قيل: قد قيل إنها زيدت نحو زيادة القائل الباء في قوله: جذبت بالثوب، وجذبت الثوب وتعلقت به وتعلقته، و "تنبت بالدهن" [المؤمنون: 20]، وإنما هو: تنبت الدهن.
وقال آخرون: الباء في قوله: "ولا تلقوا بأيديكم"، أصل للكنية. لأن كل فعل واقع كنى عنه، فهو مضطر إليها. نحو قولك في رجل كلمته فأردت الكناية عن فعله، فإذا أردت ذلك قلت: فعلت به، قالوا: فلما كان الباء هي الأصل، جاز إدخال الباء وإخراجها في كل فعل سبيله سبيل كنيته. وأما "التهلكة"، فإنها التفعلة من الهلاك.قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "وأحسنوا"، أحسنوا أيها المؤمنون في أداء ما ألزمتكم من فرائضي، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من معاصي، ومن الإنفاق في سبيلي، وعود القوي منكم على الضعيف ذي الخلة، فإني أحب المحسنين في ذلك، كما:حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، أخبرنا سفيان، عن أبي إسحق، عن رجل من الصحابة في قوله: "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" قال: أداء الفرائض. وقال بعضهم: معناه: أحسنوا الظن بالله.ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا حفص بن عمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين"، قال: أحسنوا الظن بالله، يبركم.وقال آخرون: أحسنوا بالعود على المحتاج.ذكر من قال ذلك: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين"، عودوا على من ليس في يده شيء.
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : روى البخاري عن حذيفة :
"وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال : نزلت في النفقة . وروى يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال :
غزونا القسطنطينية ، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن الوليد ، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة ، فحمل رجل على العدو ، فقال الناس : مه مه لا إله إلا الله ، يلقي بيديه إلى التهلكة ! فقال أبو أيوب :سبحان الله ! أنزلت هذه الآية فينا نعاشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه ، قلنا : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها ، فأنزل الله عز وجل : "وأنفقوا في سبيل الله" الآية . وافلقاء باليد إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها ، وندع الجهاد . فلم يزل أبو أيوب مجاهداً في سبيل الله حنى دفن بالقسطنطينية ، فقبره هناك . فأخبرنا أبو أيوب ان الإلقاء باليد إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله ، وأن الآية نزلت في ذلك . وروي مثله عن حذيفة و الحسن و قتادة و مجاهد والضحاك .
قلت : وروى الترمذي عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم ابي عمران هذا الخبر بمعناه فقال : كنا بمدينة الروم ، فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم ، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر ، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر ، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد ، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ، فصاح الناس وقالوا : سبحان الله ! يلقي بيديه إلى التهلكة . فقام أبو ايوب الأنصاري فقال : يا أيها الناس ، إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل ، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه ، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : :إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه ، فلو أقمنا في أموالنا فاصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد عليه ما قلنا : "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" . فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو ، فما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح . وقال حذيفة بن اليمان وابن عباس و عكرمة و عطاء و مجاهد وجمهور الناس : المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة في سبيل الله وتخافوا العيلة ، فيقول الرجل : ليس عندي ما أنفقه . وإلى هذا المعنى ذهب البخاري إذ لم يذكر غيره ، والله أعلم . قال ابن عباس : أنفق في سبيل الله ، وإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص ، ولا يقولن أحدكم : لا أجد شيئاً . ونحوه عن السدي : أنفق ولو عقالاً ، ولا تلقي بيدك إلى التهلكة فتقول : ليس عندي شيء . وقول ثالث قاله ابن عباس ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر الناس بالخروج إلى الجهاد قام إليه أناس من الأعراب حاضرين بالمدينة فقالوا : بماذا نتجهز ! فوالله مالنا زاد ولا يطعمنا أحد ، فنزل قوله تعالى : "وأنفقوا في سبيل الله" يعني تصدقوا يا أهل الميسرة في سبيل الله ، يعني في طاعة الله "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" يعني ولا تمسكوا بأيديكم عن الصدقة فتهلكوا ، وهكذا قال مقاتل . ومعنى قول ابن عباس : ولا تمسكوا عن الصدقة فتهلكوا ، أي لا تمسكوا عن النفقة على الضعفاء ، فإنهم إذا تخلفوا عنكم غلبكم العدو فتهلكوا . وقول رابع ـ قيل للبراء بن عازب في هذه الآية : :أهو الرجل يحمل على الكتيبة ؟ فقال لا ، ولكنه الرجل يصيب الذنب فيلقي بيديه ويقول : قد بالغت في المعاصي ولا فائدة في التوبة ، فييأس من الله فينهمك بعد ذلك في المعاصي . فالهلاك : اليأس من الله ، وقاله عبيدة السلماني . وقال زيد بن أسلم : المعنى لا تسافروا في الجهاد بغير زاد ، وقد كان فعل ذلك قوم فأداهم ذلك إلى الانقطاع في الطريق ، أو يكوت عالة على الناس . فهذه خمسة أقوال . و سبيل الله هنا : الجهاد ، واللفظ يتناول بعد جميع سبله . والباء في بأيديكم زائدة ، التقدير تلقوا أيديكم . ونظيره "ألم يعلم بأن الله يرى" . وقال المبرد : "بأيديكم" أي بأنفسكم ، فعبر بالبعض عن الكل ، كقوله : "فبما كسبت أيديكم" ، "بما قدمت يداك" . وقيل :هذا ضرب مثل ، تقول : فلان ألقى بيده في أمر كذا إذا استستلم ، لأن المستسلم في القتال يلقي سلاحه بيديه ، فكذلك فعل كل عاجز في أي فعل كان ، ومنه قول عبد المطلب : والله إن إلقاءنا بايدينا للموت لعجز . وقال قوم : التقدير لا تلقوا أنفسكم بأيديكم ،كما تقول : لا تفسد حالك برايك . والتهلكة ( بضم اللام ) مصدر من هلك يهلك هلاكاً وهلكاً وتهلكة ، أي لا تأخذوا فيما يهلككم ، قاله الزجاج وغيره . أي إن لم تنفقوا عصيتم الله وهلكتم . وقيل : إن معنى الآية لا تمسكوا أموالكم فيرثها منكم غيركم ، فتهلكوا بحرمان منفعة اموالكم . ومعنى آخر :ولا تمسكوا فيذهب عنكم الخلف في الدنيا والثواب في الآخرة . ويقال "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" يعني لا تنفقوا من حرام فيرد عليكم فتهلكوا . ونحوه عن عكرمة قال : "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال :"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" . وقال الطبري : قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة عام في جميع ما ذكر لدخوله فيه ، إذ اللفظ يحتمله .
الثانية : اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده ، فقال القاسم بن مخيمرة والقاسم بن محمد وعبد الملك من علمائنا : لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة ، وكان لله بنية خالصة ، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة . وقيل : إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل ، لأن مقصوده واحد منهم ، وذلك بين في قوله تعالى : "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله" . وقال ابن خويز منداد : فأما أن يحمل الرجل على مائة أو على جملة العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج فلذلك حالتان : إن علم وغلب على ظنه أن سيقتل من حمل عليه وينجو فحسن ، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكى نكاية أو سيبلى أو يؤثر أثراً ينتفع به المسلمون فجائز أيضاً . وقد بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس نفرت خيل المسلمين من الفيلة ، فعمد رجل منهم فصنع فيلاً من طين وأنس بن فرسه حتى ألفه ، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل فحمل على الفيل الذي كان يقدمها فقيل له : إنه قاتلك . فقال : : لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين . وكذلك يوم اليمامة لما تحصنت بنو حنيفة بالحديقة ، قال رجل من المسلمين : ضعوني في الحجفة وألقوني إليهم ، ففعلوا وقاتلهم وحده وفتح الباب .
قلت : ومن هذا ما روي :
"أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً ؟ قال : فلك الجنة . فانغمس في العدو حتى قتل " . وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك :
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش ، فلما رهقوه قال : من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل . ثم رهقوه ايضاً فقال: من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة . فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل . فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أنصفنا أصحابنا " . هكذا الرواية : " أنصفنا " بسكون الفاء أصحابنا بفتح الباء ، أي لم ندلهم للقتال حتى قتلوا . وروي بفتح الفاء ورفع الباء ، ووجهها أنها ترجع لمن فر عنه من أصحابه ، والله أعلم . وقال محمد بن الحسن : لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده ، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو ، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه ، لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين . فإن كان قصده تجزية المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه ، ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه . وإذا كان قصده إرهاب العدو وليعلم صلابة المسلمين في الدين فلا يبعد جوازه . وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله : "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم" الآية ، إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه . وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه متى رجا نفعاً في الدين فبدل نفسه فيه حتى قتل كان في أعلى درجات الشهداء ، قال الله تعالى : "وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور" . وقد روى عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر فقتله" . وسيأتي القول في هذا في آل عمرا إن شاء الله تعالى .
الثالثة : قوله تعالى : "وأحسنوا" أي في الإنفاق في الطاعة ، وأحسنوا الظن بالله في إخلافه عليكم . وقيل : "وأحسنوا" في أعمالكم بامتثال الطاعات ، روي ذلك عن بعض الصحابة .
قال البخاري: حدثنا إسحاق أخبرنا النضر , أخبرنا شعبة عن سليمان, سمعت أبا وائل عن حذيقة "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال: نزلت في النفقة, ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح عن أبي معاوية عن الأعمش به, مثله قال وروي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان نحو ذلك, وقال الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه, ومعنا أبو أيوب الأنصاري, فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة, فقال أبو أيوب نحن أعلم بهذه الاية, إنما نزلت فينا, صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد ونصرناه, فلما فشا الإسلام وظهر , اجتمعنا معشر الأنصار نجياً فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره, حتى فشا الإسلام وكثر أهله, وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد, وقد وضعت الحرب أوزارها فنرجع إلى أهلينا وأولادنا, فنقيم فيهما, فنزل فينا "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة", فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وعبد بن حميد, في تفسيره, وابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه والحافظ أبو يعلى في مسنده, وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه, كلهم من حديث يزيد بن أبي حبيب به, وقال الترمذي حسن صحيح غريب, وقال الحاكم على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ولفظ أبي داود عن أسلم أبي عمران: كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر , وعلى أهل الشام رجل يريد فضالة بن عبيد, فخرج من المدينة صف عظيم من الروم, فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على الروم حتى دخل فيهم, ثم خرج إلينا فصاح الناس إليه, فقالوا سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة فقال أبو أيوب: يا أيها الناس, إنكم لتتأولون هذه الاية على غير التأويل وإنما نزلت فينا معشر الأنصار , إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه, قلنا فيما بيننا: لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها, فأنزل الله هذه الاية, وقال أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق السبيعي, قال: قال رجل للبراء بن عازب, إن حملت على العدو وحدي فقتلوني, أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة ؟ قال: لا, قال الله لرسوله: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك" وإنما هذه في النفقة, رواه ابن مردويه وأخرجه الحاكم في مستدركه, من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق به, وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, ورواه الترمذي وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن البراء, فذكره وقال بعد قوله "لا تكلف إلا نفسك", ولكن التهلكة أن يذنب الرجل الذنب فيلقي بيده إلى التهلكة ولا يتوب, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو صالح, كاتب الليث, حدثني الليث, حدثنا عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي بكر ابن نمير بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن عبد الرحمن الأسود بن عبد يغوث, أخبره أنهم حاصروا دمشق فانطلق رجل من أزد شنوءة, فأسرع إلى العدو وحده ليستقبل, فعاب ذلك عليه المسلمون, ورفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص, فأرسل إليه عمرو فرده, وقال عمرو: قال الله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة", وقال عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, في قوله تعالى: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة", قال: ليس ذلك في القتال, إنما هو في النفقة أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله ولا تلق بيدك إلى التهلكة, قال حماد بن سلمة, عن داود, عن الشعبي عن الضحاك بن أبي جبير , قال: كانت الأنصار يتصدقون وينفقون من أموالهم, فأصابتهم سنة فأمسكوا عن النفقة في سبيل الله, فنزلت: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" وقال الحسن البصري "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال: هو البخل, وقال سماك بن حرب عن النعمان بن بشير, في قوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة", أن يذنب الرجل الذنب فيقول: لا يغفر لي, فأنزل الله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" رواه ابن مردويه, وقال ابن أبي حاتم, وروي عن عبيدة السلماني والحسن وابن سيرين وأبي قلابة نحو ذلك, يعني نحو قول النعمان بن بشير , أنها في الرجل يذنب الذنب فيعتقد أنه لا يغفر له, فيلقي بيده إلى التهلكة, أي يستكثر من الذنوب فيهلك. ولهذا روى علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: التهلكة عذاب الله, وقال ابن أبي حاتم وابن جرير, جميعاً حدثنا يونس حدثنا ابن وهب, أخبرني أبو صخر عن القرظي محمد بن كعب, أنه كان يقول في هذه الاية: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال: كان القوم في سبيل الله, فيتزود الرجل, فكان أفضل زاداً من الاخر , أنفق البائس من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء, أحب أن يواسي صاحبه فأنزل الله "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة", وقال ابن وهب أيضاً: أخبرني عبد الله بن عياش عن زيد بن أسلم في قول الله "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" وذلك أن رجالاً يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم, بغير نفقة, فإما أن يقطع بهم وإما كانوا عيالاً, فأمرهم الله أن يستنفقوا من المشي. وقال لمن بيده فضل "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين". ومضمون الاية الأمر بالإنفاق في سبيل الله, في سائر وجوه القربات ووجوه الطاعات, وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء, وبذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوهم, والإخبار عن ترك فعل ذلك بأنه هلاك ودمار لمن لزمه واعتاده, ثم عطف بالأمر بالإحسان, وهو أعلى مقامات الطاعة, فقال: "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين".
في هذه الآية الأمر بالإنفاق في سبيل الله، وهو الجهاد، واللفظ يتناول غيره مما يصدق عليه أنه من سبيل الله والباء في قوله: 195- "بأيديكم" زائدة، والتقدير: ولا تلقوا أيديكم، ومثله: "ألم يعلم بأن الله يرى" وقال المبرد: "بأيديكم" أي بأنفسكم تعبيراً بالبعض عن الكل، كقوله: "بما كسبت أيديكم" وقيل: هذا مثل مضروب، يقال: فلان ألقى بيده في أمر كذا: إذا استسلم، لأن المستسلم في القتال يلقي سلاحه بيديه، فكذلك فعل كل عاجز في أي فعل كان وقال قوم: التقدير ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم. والتهلكة: مصدر من هلك يهلك هلاكاً وهلكاً وتهلكة: أي لا تأخذوا فيما يهلككم. وللسلف في معنى الآية أقوال سيأتي بيانها، وبيان سبب نزول الآية. والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل ما صدق عليه أنه تهلكة في الدين أو الدنيا فهو داخل في هذا، وبه قال ابن جرير الطبري. ومن جملة ما يدخل تحت الآية أن يقتحم الرجل في الحرب فيحمل على الجيش مع عدم قدرته على التخلص وعدم تأثيره لأثر ينفع المجاهدين، ولا يمنع من دخول هذا تحت الآية إنكار من أنكره من الذين رأوا السبب، فإنهم ظنوا أن الآية لا تجاوز سببها، وهو ظن تدفعه لغة العرب. وقوله: "وأحسنوا" أي في الإنفاق في الطاعة، أو أحسنوا الظن بالله في إخلافه عليكم.
وقد أخرج عبد بن حميد والبخاري والبيهقي في سننه عن حذيفة في قوله: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال: نزلت في النفقة. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: هو ترك النفقة في سبيل الله مخافة العيلة. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه أيضاً. وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الشعب عنه قال: هو البخل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال: كان رجال يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير نفقة، فإما يقطع لهم، وإما كانوا عيالاً، فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة. والتهلكة: أن تهلك رجال من الجوع والعطش ومن المشي. وقال لمن بيده فضل: "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين". وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير والبغوي في معجمه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مانع والطبراني عن الضحاك بن أبي جبير: أن الأنصار كانوا ينفقون في سبيل الله ويتصدقون، فأصابتهم سنة فساء ظنهم وأمسكوا عن ذلك، فأنزل الله الآية. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أسلم بن عمران قال: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد، فخرج صف عظيم من الروم فصفقنا لهم، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله يلقي بيده إلى التهلكة؟ فقام أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إنكم تؤولون الآية هذا التأويل. وإنما أنزلت فينا هذه الآية معشر الأنصار، إن لما أعز الله دينه وكثر ناصروه، قال بعضننا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموال الناس قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها؟ فأنزل الله على نبيه يرد علينا: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" فكانت التهلكة: الإقامة في الأموال وإصلاحها وترك الغزو. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه والبيهقي عن البراء بن عازب قال في تفسير الآية: هو الرجل يذنب الذنب فيلقي بيديه فيقول: لا يغفر الله لي أبداً. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والطبراني والبيهقي في الشعب عن النعمان بن بشير نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير قال في تفسير الآية: إنه القنوط. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: التهلكة عذاب الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنهم حاصروا دمشق فأسرع رجل إلى العدو وحده، فعاب ذلك عليه المسلمون، ورفع حديثه إلى عمرو بن العاص فأرسل إليه فرده، وقال: قال الله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة". وأخرج ابن جرير عن رجل من الصحابة في قوله: "وأحسنوا" قال: أدوا الفرائض. وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال: أحسنوا الظن بالله.
195. قوله تعالى: " وأنفقوا في سبيل الله " أراد به الجهاد وكل خير هو في سبيل الله، ولكن إطلاقه ينصرف إلى الجهاد " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قيل: الباء في قوله تعالى " بأيديكم " زائدة، يريد: ولا تلقوا أيديكم، أي أنفسكم " إلى التهلكة " عبر عن النفس بالأيدي كقوله تعالى " بما كسبت أيديكم " (30-الشورى) أي بما كسبتم، وقيل الباء في موضعها، وفيه حذف، أي لاتلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة أي الهلاك، وقيل: التهلكة كل شيء يصير عاقبته إلى الهلاك، أي ولا تأخذوا في ذلك، وقيل: التهلكة ما يمكن الاحتراز عنه، والهلاك مالا يمكن الاحتراز عنه، والعرب لا تقول للإنسان ألقى بيده إلا في الشرك، واختلفوا في تأويل هذه الآية فقال بعضهم: هذا في البخل وترك الإنفاق. يقول " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " بترك الإنفاق في سبيل الله وهو قول حذيفة و الحسن و قتادة و عكرمة و عطاء . وقال ابن عباس: في هذه الآية: أنفق في سبيل الله وإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص، ولا يقولن أحدكم إني لا أجد شيئاً، وقال: السدي بها: أنفق في سبيل الله ولو عقالاً " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ولا تقل: ليس عندي شيء، وقال: سعيد بن المسيب و مقاتل بن حيان : لما أمر الله تعالى بالإنفاق قال رجل: أمرنا بالنفقة في سبيل الله، ولو انفقنا أموالنا بقينا فقراء، فأنزل الله هذه الآية، وقال مجاهد فيها: لا يمنعنكم من نفقة في حق خيفة العيلة.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة أخبرنا أبو غسان أخبرنا خالد بن عبد الله الواسطي أخبرنا واصل مولى أبي عيينة عن بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غضيف قال: أتينا أبا عبيدة نعوده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة، ومن أنفق نفقة على أهله فالحسنة بعشر أمثالها ".
وقال زيد بن أسلم : كان رجال يخرجون في البعوث بغير نفقة فإما أن يقطع بهم، وإما أن كانوا عيالاً فأمرهم الله تعالى بالإنفاق على أنفسهم في سبيل الله، ومن لم يكن عنده شيء ينفقه فلا يخرج بغير نفقة ولا قوت فيلقي بيده إلى التهلكة، فالتهلكة: أن يهلك من الجوع والعطش أو بالمشي، وقيل: أنزلت الآية في ترك الجهاد، قال أبو أيوب الأنصاري : نزلت فينا معشر الأنصار وذلك أن الله تعالى لما أعز دينه ونصر رسوله قلنا فيما بيننا: إنا قد تركنا أهلنا وأموالنا حتى فشا الإسلام ونصر الله نبيه فلو رجعنا إلى أهلينا وأموالنا فأقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " فالتهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد، فما زال أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى كان آخر غزوة غزاها بقسطنطينية في زمن معاوية فتوفي هناك ودفن في أصل سور القسطنطينية وهم يستسقون به.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ".
وقال محمد بن سيرين و عبيدة السلماني : الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى، قال أبو قلابة : هو الرجل يصيب الذنب فيقول: قد هلكت ليس لي توبة فييأس من رحمة الله، وينهمك في المعاصي، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، قال الله تعالى: " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " (87-يوسف).
قوله تعالى: " وأحسنوا " [أي أحسنوا أعمالكم وأخلاقكم وتفضلوا على الفقراء " إن الله يحب المحسنين "]
195-" وأنفقوا في سبيل الله " ولا تمسكوا كل الإمساك . " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " بالإسراف وتضييع وجه المعاش ، أو بالكف عن الغزو والإنفاق فيه ، فإن ذلك يقوي العدو و يسلطهم على إهلاكهم . ويؤيده ما روي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال : لما أعز الله الإسلام وكثر أهله رجعنا إلى أهالينا وأموالنا نقيم فيها ونصلحها فنزلت ، أو بالإمساك وحب المال فإنه يؤدي إى الهلاك المؤيد ، ولذلك سمي البخل هلاكاً وهو في الأصل انتهاء الشيء في الفساد ، والإلقاء : طرح الشيء ، وعدى بإلى لتضمن معنى الانتهاء ، والباء مزيدة والمراد بالأيدي الأنفس ، والتهلكة والهلاك والهلك واحد فهي مصدر كالتضرة والتسرة ، أي لا توقعوا أنفسكم في الهلاك وقيل : معناه لا تجعلوها آخذة بأيديكم ، أو لا تلقوا بأيديكم أنفسكم إليها فحذف المفعول . " وأحسنوا " أعمالكم وأخلاقكم ،أو تفضلوا على المحاويج . " إن الله يحب المحسنين " .
195. Spend your wealth for the cause of Allah, and be not cast by your own hands to ruin; and do good. Lo! Allah loveth the beneficent
195 - And spend of your substance in the cause of God, and make not your own hands contribute to (your) destruction; but do good; for God loveth those who do good.