195 - ثم بين غاية عجزهم وفضل عابديهم عليهم فقال (ألهم أرجل يمشون بها أم) بل أ (لهم أيد) جمع يد (يبطشون بها أم) بل أ (لهم أعين يبصرون بها أم) بل أ (لهم آذان يسمعون بها) استفهام إنكاري ، أي ليس لهم شيء من ذلك مما هو لكم فكيف تعبدونهم وأنتم أتم حالاً منهم (قل) لهم يا محمد (ادعوا شركاءكم) إلى هلاكي (ثم كيدون فلا تنظرون) تمهلون فإني لا أبالي بكم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين عبدوا الأصنام من دونه، معرفهم جهل ما هم عليه مقيمون: ألأصنامكم هذه، أيها القوم، " أرجل يمشون بها "، فيسعون معكم ولكم في حوائجكم، ويتصرفون بها في منافعكم، " أم لهم أيد يبطشون بها "، فيدفعون عنكم وينصرونكم بها عند قصد من يقصدكم بشر ومكروه، " أم لهم أعين يبصرون بها "، فيعرفونكم ما عاينوا وأبصروا مما تغيبون عنه فلا ترونه، " أم لهم آذان يسمعون بها "، فيخبرونكم بما سمعوا دونكم مما لم تسمعوه. يقول جل ثناؤه: فإن كانت آلهتكم التي تعبدونها ليس فيها شيء من هذه الآلات التي ذكرتها، والمعظم من الأشياء إنما يعظم لما يرجى منه من المنافع التي توصل إليه بعض هذه المعاني عندكم، فما وجه عبادتكم أصنامكم التي تعبدونها، وهي خالية من كل هذه الأشياء التي بها يوصل إلى اجتلاب النفع ودفع الضر؟وقوله: " قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون "، قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان: ادعوا شركاءكم الذين جعلتموهم لله شركاء في العبادة، " ثم كيدون "، أنتم وهي، " فلا تنظرون "، يقول: فلا تؤخرون بالكيد والمكر، ولكن عجلوا بذلك. يعلمه جل ثناؤه بذلك أنهم لن يضروه، وأنه قد عصمه منهم، ويعرف الكفرة به عجز أوثانهم عن نصرة من بغي أولياؤهم بسوء.
وقرأ أبو جعفر وشيبة "أم لهم أيد يبطشون بها" بضم الطاء، وهي لغة واليد والرجل والأذن مؤنثات يصغرن بالهاء. وتزاد في اليد ياء في التصغير، وترد إلى أصلها فيقال: يدية بالتشديد لاجتماع الياءين.
قوله تعالى: "قل ادعوا شركاءكم" أي الأصنام. "ثم كيدون" أنتم وهي. "فلا تنظرون" أي فلا تؤخرون. والأصل كيدوني حذفت الياء لأن الكسرة تدل عليها. وكذا فلا تنظرون. والكيد المكر. والكيد الحرب، يقال: غزا فلم يلق كيداً.
هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان, وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة, لا تملك شيئاً من الأمر ولا تضر ولا تنفع, ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها, بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر, وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم, ولهذا قال: "أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئاً ولا يستطيع ذلك, كقوله تعالى: "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز" أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة بل لو سلبتهم الذبابة شيئاً من حقير المطاعم وطارت, لما استطاعوا إنقاذه منها, فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر ؟ ولهذا قال تعالى: "لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل "أتعبدون ما تنحتون" الاية.
ثم قال تعالى: " ولا يستطيعون لهم نصرا " أي لعابديهم "ولا أنفسهم ينصرون" يعني ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء, كما كان الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة كما أخبر تعالى عنه في قوله: "فراغ عليهم ضرباً باليمين" وقال تعالى: "فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون" وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما, وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطباً للأرامل ليعتبر قومهما بذلك ويرتؤوا لأنفسهم, فكان لعمرو بن الجموح وكان سيداً في قومه صنم يعبده ويطيبه, فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة, فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به, فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفاً ويقول له: انتصر, ثم يعودان لمثل ذلك, ويعود إلى صنيعه أيضاً, حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت, ودلياه في حبل في بئر هناك, فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل, وقال:
تالله لو كنت إلهاً مستدن لم تك والكلب جميعاً في قرن
ثم أسلم فحسن إسلامه, وقتل يوم أحد شهيداً رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس مأواه, وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم" الاية, يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها, وسواء لديها من دعاها ومن دحاها, كما قال إبراهيم "يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً" ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم, بل الأناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش, وتلك لا تفعل شيئاً من ذلك, وقوله "قل ادعوا شركاءكم" الاية, أي استنصروا بها علي فلا تؤخروني طرفة عين, واجهدوا جهدكم "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" أي الله حسبي وكافي, وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ, وهو وليي في الدنيا والاخرة وهو ولي كل صالح بعدي وهذا كما قال هود عليه السلام لما قال له قومه " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " وكقول الخليل " أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين " الايات, وكقوله لأبيه وقومه " إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين* وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ".
وقوله "والذين تدعون من دونه" إلى آخر الاية, مؤكد لما تقدم إلا أنه بصيغة الخطاب وذلك بصيغة الغيبة, ولهذا قال "لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون", وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" كقوله تعالى: "إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم" الاية. وقوله "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" إنما قال "ينظرون إليك" أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد, ولهذا عاملهم معاملة من يعقل لأنها على صورة مصورة كالإنسان وتراهم ينظرون إليك, فعبر عنها بضمير من يعقل, وقال السدي: المراد بهذا المشركون, وروي عن مجاهد نحوه, والأول أولى, وهو اختيار ابن جرير, وقاله قتادة.
والاستفهام في قوله: 195- "ألهم أرجل" وما بعده للتقريع والتوبيخ: أي هؤلاء الذين جعلتموهم شركاء ليس لهم شيء من الآلات التي هي ثابتة لكم فضلاً عن أن يكونوا قادرين على ما تطلبونه منهم، فإنهم كما ترون هذه الأصنام التي تعكفون على عبادتها ليست لهم "أرجل يمشون بها" في نفع أنفسهم فضلاً عن أن يمشوا في نفعكم وليس "لهم أيد يبطشون بها" كما يبطش غيرهم من الأحياء، وليس "لهم أعين يبصرون بها" كما تبصرون، وليس "لهم آذان يسمعون بها" كما تسمعون، فكيف تدعون من هم على هذه الصفة من سلب الأدوات، وبهذه المنزلة من العجز، وأم في هذه المواضع هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة كما ذكره أئمة النحو. وقرأ سعيد بن جبير "إن الذين تدعون" بتخفيف إن ونصب عباداً: أي ما الذين تدعون " من دون الله عباد أمثالكم " على إعمال إن النافية عمل ما الحجازية وقد ضعفت هذه القراءة بأنها خلاف ما رجحه سيبويه وغيره من اختيار الرفع في خبرها، وبأن الكسائي قال: إنها لا تكاد تأتي في كلام العرب بمعنى ما إلا أن يكون بعدها إيجاب كما في قوله: "إن الكافرون إلا في غرور"، والبطش: الأخذ بقوة. وقرأ أبو جعفر "يبطشون" بضم الطاء، وهي لغة، ثم لما بين لهم حال هذه الأصنام، وتعاور وجوه النقص والعجز لها من كل باب، أمره الله بأن يقول لهم ادعوا شركاءكم الذين تزعمون أن لهم قدرة على النفع والضر "ثم كيدون" أنتم وهم جميعاً بما شئتم من وجوه الكيد "فلا تنظرون" أي فلا تمهلوني ولا تؤخرون إنزال الضرر بي من جهتها، والكيد: المكر، وليس بعد هذا التحدي لهم والتعجيز لأصنامهم شيء.
195 - " ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها " قرأ أبو جعفر بضم الطاء هنا وفي القصص والدخان ، وقرأ آخرون بكسر الطاء ، " أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها " ، أراد أن قدرة المخلوقين تكون بهذه الجوارح والآلات ، وليست للأصنام هذه الآلات ، فأنتم مفضلون عليهم بالأرجل الماشية والأيدي الباطشة والأعين الباصرة والآذان السامعة ، فكيف تعبدون من أنتم أفضل وأقدر منهم ؟ " قل ادعوا شركاءكم " ، يا معشر المشركين ، " ثم كيدون " ، أنتم وهم ، " فلا تنظرون " ، أي : لا تمهلوني واعجلوا في كيدي .
195."ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها"وقرئ " إن الذين " بتخفيف " أن " ونصب " عباد " على أنها نافية عملت عمل ما الحجازية ولم يثبت مثله ، و" يبطشون " بالصم ها هنا وفي ( القصص) والدخان ) . " قل ادعوا شركاءكم " واستعينوا بهم في عداوتي ." ثم كيدون " فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكر ، وهي أنتم وشركاؤكم . " فلا تنظرون " فلا تمهلون فإني لا أبالي بكم لوثوقي على ولاية الله تعالى وحفظه.
195. Have they feet wherewith they walk, or have they hands wherewith they hold, or have they eyes wherewith they see, or have they ears wherewith they hear? Say: Call upon your (so called) partners (of Allah), and then contrive against me, spare me not!
195 - Have they feet to walk with? or hands to lay hold with? or eyes to see with? or earth to hear with? say: call your God partners, scheme (your worst) against me, and give me no respite