(وأتموا الحج والعمرة لله) أدوهما بحقوقهما (فإن أُحصِرتم) منعتم عن إتمامها بعدو (فما استيسر) تيسر (من الهدي) عليكم وهو شاة (ولا تحلقوا رؤوسكم) أي لا تتحللوا (حتى يبلغ الهدي) المذكور (محله) حيث يحل ذبحه وهو مكان الإحصار عند الشافعي فيذبح فيه بنية التحلل ويُفَرَّق على مساكينه ويحلق وبه يحصل التحلل (فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه) كقمل وصداع فحلق في الإحرام (ففدية) عليه (من صيام) الثلاثة أيام (أو صدقة) بثلاثة آصع من غالب قوت البلد على ستة مساكين (أو نسك) أي ذبح شاة وأو للتخيير وألحق به من حلق لغير عذر لأنه أولى بالكفارة ، وكذا من استمتع بغير الخلق كالطيب واللبس والدهن لعذر أو غيره (فإذا أمنتم) العدو بأن ذهب أو لم يكن (فمن تمتع) استمتع (بالعمرة) أي بسبب فراغه منها بمحظورات الإحرام (إلى الحج) أي إلى الإحرام به بأن يكون أحرم بها في أشهره (فما استيسر) تيسر (من الهدي) عليه وهو شاة يذبحها بعد الإحرام به والأفضل يوم النحر (فمن لم يجد) الهدي لفقده أو فقد ثمنه (فصيام) أي فعليه صيام (ثلاثة أيام في الحج) أي في حال الإحرام به فيجب حينئذ أن يحرم قبل السابع من ذي الحجة والأفضل قبل السادس لكراهة صوم يوم عرفة ولا يجوز صومها أيام التشريق على أصح قولي الشافعي (وسبعة إذا رجعتم) إلى وطنكم مكة أو غيرها وقيل إذا فرغتم من أعمال الحج وفيه التفات عن الغيبة (تلك عشَرَة كاملة) جملة تأكيد لما قبلها. (ذلك) الحكم المذكور من وجوب الهدي أو الصيام على من تمتع (لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) بأن لم يكونوا على دون مرحلتين من الحرم عند الشافعي فإن كان فلا دمَ عليه ولا صيام وإن تمتع. وفي ذكر الأهل إشعار باشتراط الاستيطان ، فلو أقام قبل أشهر الحج ولم يستوطن أو تمتع فعليه ذلك وهو أحد وجهين عند الشافعي والثاني لا ، والأهل كناية عن النفس وألحق بالمتمتع فيما ذكر بالسنة القارن وهو من أحرم بالعمرة والحج معا أو يدخل الحج عليها قبل الطواف (واتقوا الله) فيما يأمركم به وينهاكم عنه (واعلموا أن الله شديد العقاب) لمن خالفه
قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله أخرج ابن ابي حاتم عن صفوان ابن أمية قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم متضخما بالزعفران عليه جبة فقال كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي فأنزل الله وأتموا الحج والعمرة لله فقال أين السائل عن العمرة قال ها أنذا فقال له صلى الله عليه وسلم ألق عنك ثيابك ثم اغتسل واستنشق ما استطعت ثم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك
قوله تعالى فمن كان منكم مريضا الآية روى البخاري عن كعب بن عجرة أنه سئل عن قوله ففدية من صيام قال حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا أما تجد شاة قلت لا قال صم ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك فنزلت في خاصة وهي لكل عامة
وأخرج أحمد عن كعب قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرومون وقد حصر المشركون وكانت لي وفرة فجعلت إلهوام تساقط على وجهي فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال أيؤذيك هوام رأسك فأمره أن يحلق قال ونزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك
واخرج الواحدي من طريق عطاء عن ابن عباس قال لما نزلنا الحديبية جاء كعب بن عجرة تنثر هوام رأسه على وجهه فقال يا رسول الله هذا القمل قد أكلني فأنزل الله في ذلك الموقف فمن كان منكم مريضا الآية
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك:فقال بعضهم: معنى ذلك: أتموا الحج بمناسكه وسننه، وأتموا العمرة بحدودها وسننها. ذكر من قال ذلك: حدثنى عبيد بن إسماعيل الهباري قال، حدثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن ابراهيم، عن علقمة:"وأتموا الحج والعمرة لله"، قال: هو في قراءة عبدالله: "وأتموا الحج والعمرة "، قال: لا تجاوزوا بالعمرة البيت، قال إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال: كذلك قال ابن عباس. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم أنه قرأ: " وأتموا الحج والعمرة ". حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن ابراهيم، عن علقمة أنه قرأ: " وأتموا الحج والعمرة ". حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وأتموا الحج والعمرة لله"، يقول: من أحرم بحج أو بعمرة، فليس له أن يحل حتى يتمها. تمام الحج يوم النحر، إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حل من إحرامه كله. وتمام العمرة، إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة، فقد حل. حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى- وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل- جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله"، قال: ما أمروا فيهما. حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله"، قال: قال إبراهيم، عن علقمة بن قيس، قال: الحج مناسك الحج، و"العمرة" لا يجاوز بها البيت. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: "وأتموا الحج والعمرة لله"، قال قال: تقضي مناسك الحج: عرفة والمزدلفة ومواطنها. والعمرة للبيت، أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يحل.وقال آخرون: تمامها أن تحرم بهما مفردين من دويرة أهلك. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو ابن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي أنه قال: جاء رجل إلى علي فقال له في هذه الآية: "وأتموا الحج والعمرة لله"، أن تحرم من دويرة أهلك حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن شعبة، عن عمرو ابن مرة، عن عبد الله بن سلمة قال: جاء رجل إلى علي رضوان الله عليه فقال: أرأيت قول الله عز وجل: "وأتموا الحج والعمرة لله"؟ قال: أن تحرم من دويرة أهلك. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير قال: من تمام العمرة أن تحرم من دويرة أهلك. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن ثور بن يزيد، عن سليمان بن موسى، عن طاوس قال: تمامهما إفرادهما مؤتنفتين من أهلك.حدثني المثنى قال، حدثنا سفيان، عن ثور، عن سليمان بن موسى، عن طاوس: "وأتموا الحج والعمرة لله"، قال: تفردهما مؤقتتين من أهلك، فذلك تمامهما.وقال آخرون: تمام العمرة أن تعمل في غير أشهر الحج، وتمام الحج أن يؤتى بمناسكه كلها، حتى لا يلزم عامله دم بسبب قران ولا متعة.
ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله"، قال: وتمام العمرة ما كان في غير أشهر الحج. ومن كان في أشهر الحج ثم أقام حتى يحج، فهي متعة، عليه فيها الهدي إن وجد، وإلا صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله"، قال: ما كان في غير أشهر الحج فهي عمرة تامة، وما كان في أشهر الحج فهي متعة، وعليه الهدي.
حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن ابن عون قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة. قال: فقيل له: العمرة في المحرم؟ قال: كانوا يرونها تامة.
وقال آخرون: إتمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد غيرهما.
ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني رجل، عن سفيان قال: هو- يعني تمامهما- أن تخرج من أهلك لا تريد إلا الحج والعمرة، وتهل من الميقات. ليس أن تخرج لتجارة ولا ولا لحاجة، حتى إذا كنت قريبا من مكة قلت: لو حججت أو اعتمرت! وذلك يجزىء، ولكن التمام أن تخرج له، لا تخرج لغيره.وقال آخرون: بل معنى ذلك: أتموا الحج والعمرة لله إذا دخلتم فيهما.ذكر من قال ذلك:حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ليست العمرة واجبة على أحد من الناس. قال فقلت له: قول الله تعالى: "وأتموا الحج والعمرة لله"؟ قال: ليس من الخلق أحد ينبغي له إذا دخل في أمر إلا أن يتمه، فإذا دخل فيها لم ينبغ له أن يهل يوماً أو يومين ثم يرجع، كما لو صام يوما، لم ينبغ له أن يفطرفي نصف النهار. وكان الشعبي يقرأ ذلك رفعا.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة قال، حدثني سعيد بن أبي بردة: أن الشعبي وأبا بردة تذاكرا العمرة، قال: فقال الشعبي: تطوع، "وأتموا الحج والعمرة لله". وقال أبو بردة: هي واجبة: "وأتموا الحج والعمرة لله".حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا ابن عون، عن الشعبي أنه كان يقرأ: "وأتموا الحج والعمرة لله".وقد روي عن الشعبي خلاف هذا القول، وإن كان المشهور عنه من القول هو هذا، وذلك ما: حدثني به المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن الشعبي قال: العمرة واجبة. فقراءة من قال: العمرة واجبة- نصبها، بمعنى: أقيموا فرض الحج والعمرة، كما: حدثنا محمد بن المثنى قال، أخبرنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يقول: سمعت مسروقا يقول: أمرتم في كتاب الله بأربع: بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، والعمرة. قال: ثم تلا هذه الآية: "ولله على الناس حج البيت" [آل عمران 97]، " وأتموا الحج والعمرة لله ". حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس قال: سمعت ليثا يروي، عن الحسن، عن مسروق قال: أمرنا بإقامة أربعة: الصلاة والزكاة، والعمرة والحج، فنزلت العمرة من الحج منزلة الزكاة من الصلاة. حدثنا ابن بشار قال، أنبأنا محمد بن بكر قال، حدثنا ابن جريج قال، قال علي بن حسين وسعيد بن جبير- وسئلا: أواجبة العمرة على الناس؟ فكلاهما قال: ما نعلمها إلا واجبة، كما قال الله: "وأتموا الحج والعمرة لله".
حدثنا سوار بن عبد الله قاله، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: سأل رجل سعيد بن جبير عن العمرة: فريضة هي أم تطوع؟ قال: فريضة. قال: فإن الشعبي يقول: هي تطوع! قال: كذب الشعبي، وقرأ: "وأتموا الحج والعمرة لله". حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عمن سمع عطاء يقول في قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله"، قال: هما واجبان، الحج والعمرة. قال أبو جعفر: فتأويل هؤلاء في قوله تبارك وتعالى: "وأتموا الحج والعمرة لله" أنهما فرضان واجبان أمر الله تبارك وتعالى بإقامتهما، كما أمر بإقامة الصلاة، وأنهما فريضتان، وأوجب العمرة وجوب الحج. وهم عدد كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين، كرهنا تطويل الكتاب بذكرهم وذكر الروايات عنهم. وقالوا: معنى قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله"، وأقيموا الحج والعمرة. ذكر بعض من قال ذلك: حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عنالسدي قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله"، يقول: أقيموا الحج والعمرة.
حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا اسرائيل، عن ثوير، عن أبيه عن علي: وأقيموا الحج والعمرة للبيت، ثم هي واجبة مثل الحج. حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا إسرائيل قال، حدثنا ثويرعن أبيه، عن عبد الله: " وأتموا الحج والعمرة "، ثم قال عبد الله: والله لولا التحرج وأني لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها شيئا لقلت: إن العمرة واجبة مثل الحج.قال أبو جعفر: وكأنهم عنوا بقولهم: أقيموا الحج والعمرة: ائتوا بهما، بحدودهما وأحكامهما على مافرض عليكم.وقال آخرون ممن قرأ قراءة هؤلاء بنصب العمرة: العمرة تطوع، ورأوا أنه لا دلالة على وجوبها في نصبهم العمرة في القراءة، إذ كان من الأعمال ما قد يلزم العبد عمله وإتمامه بدخوله فيه، ولم يكن ابتداء الدخول فيه فرضا عليه. وذلك كالحج التطوع، لا خلاف بين الجميع فيه أنه إذا أحرم به أن عليه المضي فيه وإتمامه، ولم يكن فرضا عليه ابتداء الدخول فيه. قالوا: فكذلك العمرة غير فرض واجب الدخول فيها ابتداء، غير أن على من دخل فيها وأوجبها على نفسه إتمامها بعد الدخول فيها. قالوا: فليس في أمر الله بإتمام الحج والعمرة، دلالة على وجوب فرضها. قالوا: وإنما أوجبنا فرض الحج بقوله عز وجل: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" [آل عمران 97].وممن قال ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين. ذكر بعض من قال ذلك: حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن ابراهيم قال: قال عبد الله: الحج فريضة، والعمرة تطوع. حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن النخعي، عن ابن مسعود مثله.وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن عثمة قال، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن سعيد بن جبير قال: العمرة ليست بواجبة.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن سماك قال: سألت إبراهيم عن العمرة فقال: سنة حسنة. حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم مثله. حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن إبراهيم مثله.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم مثله. حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، قال، حدثنا عبد الله بن
عون، عن الشعبي قال: العمرة تطوع.قال أبو جعفر: فأما الذين قرأوا ذلك برفع "العمرة"، فإنهم قالوا: لا وجه لنصبها. فالعمرة إنما هي زيارة البيت، ولا يكون مستحقا اسم معتمر إلا وهو له زائر. قالوا: و إذا كان لا يستحق اسم معتمر الا بزيارته- وهو متى بلغه فطاف به وبالصفا والمروة، فلا عمل يبقى بعده يؤمر بإتمامه بعد ذلك، كما يؤمر بإتمامه الحاج بعد بلوغه والطواف به وبالصفا والمروة، بإتيان عرفة والمزدلفة والوقوف بالمواضع التي أمر بالوقوف بها، وعمل سائر أعمال الحج الذي هو من تمامه بعد إتيان البيت- لم يكن لقول القائل للمعتمر: أتم عمرتك وجه مفهوم. وإذا لم يكن له وجه مفهوم، فالصواب من القراءة في "العمرة" الرفع، على أنه من أعمال البر لله، فتكون مرفوعة بخبرها الذي بعدها، وهو قوله: "لله".قال أبو جعفر: وأولى القرائتين بالصواب في ذلك عندنا، قراءة من قرأ بنصب "العمرة"،
على العطف بها على "الحج"، بمعنى الأمر بإتمامهما له. ولا معنى لاعتلال من اعتل في رفعها بأن "العمرة" زيارة البيت. فإن المعتمر متى بلغه، فلا عمل بقي عليه يؤمر بإتمامه. وذلك أنه إذا بلغ البيت فقد انقضت زيارته، وبقي عليه تمام العمل الذي أمره الله به في اعتماره وزيارته البيت، وذلك هو الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، وتجنب ما أمر الله بتجنبه إلى إتمامه ذلك. وذلك عمل- وإن كان مما لزمه بإيجاب الزيارة على نفسه- غير الزيارة. هذا، مع إجماع الحجة على قراءة "العمرة" بالنصب، ومخالفة جميع قرأة الأمصار قراءة من قرأ ذلك رفعا. ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على خطأ من قرأ ذلك رفعا.وأما أولى القولين اللذين ذكرنا بالصواب في تأويل قوله: "والعمرة لله"، على قراءة من قرأ
ذلك نصبا، فقول عبد الله بن مسعود ومن قال بقوله، من أن معنى ذلك: وأتموا الحج والعمرة لله الى البيت، بعد إيجابكم إياهما، لا أن ذلك أمر من الله عز وجل- بابتداء عملهما والدخول فيهما، وأداء عملهما بتمامه- بهذه الآية. وذلك أن الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا: من أن يكون أمرا من الله عز وجل بإقامتهما ابتداءا وإيجابا منه على العباد فرضهما، وأن يكون أمرا منه بإتمامهما بعد الدخول فيهما، وبعد إيجاب موجبهما على نفسه. فإذ كانت الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا، فلا حجة فيها لأحد الفريقين على الآخر، إلا وللآخر عليه فيها مثلها. وإذ كان كذلك- ولم يكن بإيجاب فرض العمرة خبر عن الحجة للعذر قاطعا، وكانت الأمة في وجوبها متنازعة- لم يكن لقول قائل: هي فرض، بغير برهان دال على صحة قوله، معنى. إذ كانت الفروض لا تلزم العباد إلا بدلالة على لزومها إياهم واضحة. فإن ظن ظان أنها واجبة وجوب الحج، وأن تأويل من تأول قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله "،بمعنى: أقيموا حدودهما وفروضهما، أولى من تأويلنا، بما:حدثني به حاتم بن بكير الضبي قال: حدثنا أشهل بن حاتم الأرطبائي قال، حدثنا ابن عون، عن محمد بن جحادة، عن رجل، عن زميل له، عن أبيه- وكان أبوه يكنى أبا المنتفق- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، فدنوت منه حتى اختلفت عنق راحلتي وعنق راحلته، فقلت: يا رسول الله، أنبئني بعمل ينجيني من عذاب الله ويدخلني جنته. قال: اعبد الله ولا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة المكتوبة، وأد الزكاة المفروضة، وحج واعتمر- قال أشهل: وأظنه قال: وصم رمضان- وانظر ماذا تحب من الناس أن يأتوه إليك فافعله بهم، وما تكره من الناس أن يأتوه إليك فذرهم منه. وما: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن أبي عدي، عن شعبة، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس، عن أبي رزين العقيلي، رجل من بني عامر، قال: قلت: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الطعن، وقد أدركه الإسلام، أفأحج عنه؟ قال: حج عن أبيك واعتمر.وما: حدثني به يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: "اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم لكم ".وما أشبه ذلك من الأخبار، فإن هذه أخبار لا يثبت بمثلها في الدين حجة لوهي أسانيدها،وأنها- مع وهي أسانيدها- لها في الأخبار أشكال تنبىء عن أن العمرة تطوع لا فرض واجب، وهو ما:حدثنا به محمد بن حميد ومحمد بن عيسى الدامغاني قالا، حدثنا عبدالله بن المبارك، عن الحجاج بن أرطأة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن العمرة: أواجبة هي؟ فقال: لا، وأن تعتمروا خير لكم.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير- وحدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا شريك- عن معاوية بن إسحاق، عن أبي صالح الحنفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحج جهاد، والعمرة تطوع".قال أبو جعفر: وقد زعم بعض أهل الغباء أنه قد صخ عنده أن العمرة واجبة، بأنه لم يجد تطوعا، إلا وله إمام من المكتوبة. فلما صح أن العمرة تطوع، وجب أن يكون لها فرض، لأن الفرض إمام التطوع في جميع الأعمال.فيقال لقائل ذلك: فقد جعل الاعتكاف تطوعا، فما الفرض منه الذي هو إمام متطوعه؟. ثم يسئل عن الاعتكاف: أواجب هو أم غير واجب؟.فإن قال: واجب ، خرج من قول جميع الأمة. وان قال: تطوع.قيل: فما الذي أوجب أن يكون الاعتكاف تطوعا والعمرة فرضا، من الوجه الذي يجب التسليم له؟. فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. وبما استشهدنا من الأدلة، فإن أولى القرائتين بالصواب في "العمرة" قراءة من قرأها نصبا- وأن أولى التأويلين في قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله"، تأويل ابن عباس الذي ذكرنا عنه من رواية علي بن أبي طلحة عنه: من أنه أمر من الله بإتمام أعمالهما بعد الدخول فيهما، وإيجابهما، على ما أمر به من حدودهما وسننهما- وأن أولى القولين في "العمرة" بالصواب، قول من قال: هي تطوع لا فرض - وأن معنى الآية: وأتموا أيها المؤمنون الحج والعمرة لله بعد دخولكم فيهما وايجابكموهما على أنفسكم، على ما أمركم الله من حدودهما.وإنما أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية على نبيه عليه السلام في عمرة الحديبية التي صد فيها عن البيت، معرفه والمؤمنين فيها ما عليهم في إحرامهم إن خلي بينهم وبين البيت، ومبينا لهم فيها ما المخرج لهم من إحرامهم إن أحرموا فصدوا عن البيت. ولذكر اللازم لهم من الأعمال في عمرتهم التي اعتمروها عام الحديبية، وما يلزمهم فيها بعد ذلك في عمرتهم وحجهم، افتتح بقوله: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" [البقرة: 189].وقد دللنا فيما مضى على معنى "الحج" "والعمرة"، بشواهد، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته.
القول في تأويل قوله تعالى " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " .
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الإحصار الذي جعل الله على من ابتلي به فى حجه وعمرته، ما استيسر من الهدي.
فقال بعضهم: هوكل مانع أو حابس منع المحرم وحبسه عن العمل الذي فرضه الله عليه في إحرامه ووصوله إلى البيت الحرام. ذكرمن قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه كان يقول: الحصر الحبس كله. يقول: أيما رجل اعترض له في حجته
أو عمرته، فإنه يبعث بهديه من حيث يحبس- قال: وقال مجاهد في قوله: "فإن أحصرتم"، فإن أحصرتم: يمرض إنسان، أو يكسر، أو يحبسه أمر، فغلبه كائنا ما كان، فليرسل بما استيسرمن الهدي، ولا يحلق رأسه، ولا يحل، حتى يوم النحر. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدمثله.
حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: الإحصار كل شيء يحبسه. وحدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن سعيد، عن قتادة: أنه قال في المحصر: هو الخوف والمرض والحابس. إذا أصابه ذلك بعث بهدله، فإذا بلغ الهدي محله حل. حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"، قال: هذا رجل أصابه خوف أو مرض أو حابس حبسه عن البيت، يبعث بهديه، فإذا بلغ محله صار حلالا. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كل شيء حبس المحرم فهو إحصار.حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن إبراهيم، قال أبو جعفر: أحسبه عن شريك، عن إبراهيم بن المهاجر، عن إبراهيم: "فإن أحصرتم"، قال: مرض أو كسر أو خوف.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباسقوله: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"، يقول: من أحرم بحج أو بعمرة، ثم حبس عم البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه، فعليه قضاؤها.قال أبو جعفر: وعلة من قال بهذه المقالة: أن الإحصار معناه في كلام العرب: منع العلة من المرض وأشباهه، غير القهر والغلبة من قاهر أو غالب، إلا غلبة علة من مرض أو لدغ أو جراص أو ذهاب نفقة أو كسر راحلة. فأما منع العدو، وحبس حابس في سجن، وغلبة غالب حائل بين المحرم والوصول إلى البيت من سلطان أو إنسان قاهر مانع، فإن ذلك إنما تسميه العرب حصرا لا إحصارا.قالوا: ومما يدل على ذلك قول الله جل ثناؤه: "وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا" [الإسراء: 8]، يعني به: حاصرا، أي حابسا. قالوا: ولو كان حبس القاهر الغالب من غير العلل التي وصفنا، يسمى إحصارا، لوجب أن يقال:قد أحصر العدو،. قالوا: وفي اجتماع لغات العرب على حوصر العدو، والعدو محاصر دون أحصر العدو وهم محصرون،. وأحصر الرجل بالعلة من المرض والخوف- أكبر الدلالة على أن الله جل ثناؤه إنما عنى بقوله: "فإن أحصرتم"، بمرض أو خوف أو علة مانعة. قالوا: وإنما جعلنا حبس العدو ومنعه المحرم من الوصول إلى البيت بمعنى حصر المرض ، قياسا على ما جعل الله جل ثناؤه من ذلك للمريض الذي منعه المرض من الوصول إلى البيت، لا بدلالة ظاهر قوله: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" ، إذ كان حبس العدو والسلطان والقاهر، علة مانعة، نظيرة العلة المانعة من المرض والكسر. وقال آخرون معنى قوله: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"، فإن حبسكم عدو عن ، الوصول الى البيت، أو حابس قاهر من بني آدم. قالوا: فأما العلل العارضة في الأبدان كالمرض و والجراح وما أشبهها، فإن ذلك غير داخل في قوله: "فإن أحصرتم". ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس أنه قال: الحصر حصر العدو، فيبعث الرجل بهديته.فإن كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدو، فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة، فإنه يبعث بها ويحرم، قال محمد بن عمرو، قال أبو عاصم: لا ندري قال: يحرم، أو: يحل، من يوم يواعد فيه صاحب الهدي إذا اشترى. فإذا أمن، فعليه أن يحج أو يعتمر. فإذا أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي، فإنه يحل حيث يحبس. فإن كان معه هدي، فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله. فإذا بعث به، فليس عليه أن يحج قابلاً ولا يعتمر، الا أن يشاء.حدثت عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال، حدثني يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لا حصر إلا من حبس عدو.
حدثنى المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس، مثل حديث محمد بن عمرو عن أبي عاصم، إلا أنه قال: فإنه يبعث بها ويحرم من يوم واعد فيه صاحب الهدية إذا اشترى. ثم ذكر سائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم.
وقال مالك بن أنس: "بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم، وحلوا من كل شيء قبل- أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يصل إليه الهدي. ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه، ولا ممن كان معه، أن يقضوا شيئا، ولا أن يعودوا لشىء". حدثني بذلك يونس قال أخبرنا ابن وهب عنه، قال: وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت، فقال: يحل من كل شيء، وينحر هديه، ويحلق رأسه حيث يحبس، وليس عليه قضاء، إلا أن يكون لم يحج قط، فعليه أن يحج حجة الإسلام. قال: والأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو، بمرض أو ما أشبهه أن يتداوى بما لا بد منه،
ويفتدي، ثم يجعلها عمرة، ويحج عاما قابلا ويهدي. قال أبو جعفر: وعلة من قال هذه المقالة- أعني: من قال قول مالك- أن هذه الآية نزلت في حصر المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت، فأمر الله نبيه ومن معه بنحر هداياهم والإحلال. قالوا: فإنما أنزل الله هذه الآية في حصر العدو، فلا يجوز أن يصرف حكمها إلى غير المعنى الذي نزلت فيه. قالوا: وأما المريض، فإنه إذا لم يطق لمرضه السير حتى فاتته عرفة، فإنما هو رجل فاته الحج، عليه الخروج من إحرامه بما يخرج به من فاته الحج- وليس من معنى المحصر الذي نزلت هذه الآية في شأنه.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في قوله: "فإن أحصرتم"، تأويل من تأوله بمعنى: فإن أحصركم خوف عدو أو مرض أو علة عن الوصول إلى البيت أي: صيركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم فتحبسونها عن النفوذ لما أوجبتموه على أنفسكم من عمل الحج والعمرة. فلذا قيل: أحصرتم ، لما أسقط ذكر الخوف والمرض. يقال منه: أحصرني خوفي من فلان عن لقائك، ومرضي عن فلان ، يراد به: جعلني أحبس نفسي عن ذلك، فأما إذا كان الحابس الرجل والانسان، قيل: حصرني فلان عن لقائك ، بمعنى: حبسني عنه. فلو كان معنى الآية ما ظنه المتأول من قوله: "فإن أحصرتم"، فإن حبسكم حابس من العدو عن الوصول إلى البيص- لوجب أن يكون: فإن حصرتم. ومما يبين صحة ما قلناه، من أن تأويل الآية مراد بها إحصار غير العدو، وأنه إنما يراد بها الخوف من العدو، قوله: "فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج". و الأمن إنما يكون بزوال الخوف. واذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الإحصار الذي عنى الله في هذه الاية، هو الخوف الذي يكون بزواله الأمن. واذ كان ذلك كذلك، لم يكن حبس الحابس الذي ليس مع حبسه خوف على النفس من حبسه، داخلا في حكم الاية بظاهرها المتلو، وإن كان قد يلحق حكمه عندنا بحكمه من وجه القياس. من أجل أن حبس من لا خوف على النفس من حبسه، كالسلطان غير المخوفة عقوبته، والوالد، وزوج المرأة، إن كان منهم أو من بعضهم حبس ومنع عن الشخوص لعمل الحج أو الوصول إلى البيت بعد إيجاب الممنوع الإحرام، غير داخل في ظاهر قوله: "فإن أحصرتم"، لما وصفنا من أن معناه: فإن أحصركم خوف عدو- بدلالة قوله: "فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج". وقد بين الخبر الذي ذكرنا آنفا عن ابن عباس أنه قال: الحصر حصر العدو. وإذ كان ذلك أولى التأويلين بالآية لما وصفنا، وكان ذلك منعاً من الوصول إلى البيت، فكل مانع عرض للمحرم فصده عن الوصول إلى البيت، فهو له نظير في الحكم. قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل العلم في تأويل قوله: "فما استيسر من الهدي". فقال بعضهم: هو شاة. ذكر من قال ذلك:حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد قال، أخبرنا إسحاق الأزرق، عن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "ما استيسر من الهدي"، شاة.حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن، وحدثنا عبد الحميد قال، أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "ما استيسر من الهدي"، شاة.حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس مثله.حدثني ابن المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن النعمان بن مالك قال: تمتعت فسألت ابن عباس فقال: "ما استيسر من الهدي". قال قلت: شاة؟ قال: شاة.
حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، حدثنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن النعمان بن مالك قال: سألت ابن عباس عن "ما استيسر من الهدي"، قال: من الأزواج الثمانية: من الإبل والبقر والمعز والضأن.حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا، حدثنا هشيم قال، الزهري أخبرنا- وسئل عن قول الله جل ثناؤه: "فما استيسر من الهدي"- قال: كان ابن عباس يقول: من الغنم.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "ما استيسر من الهدي"، من الأزواج الثمانية.حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا خالد، قال: قيل للأشعث: ما قول الحسن: "فما استيسر من الهدي"؟ قال: شاة.حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قتادة:"فما استيسر من الهدي"، قال: أعلاه بدنة، وأوسطه بقرة، وأخسه شاة.حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة مثله، إلا أنه كان يقال: أعلاه بدنة، وذكر سائر الحديث مثله.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا همام، عن قتادة، عن زرارة، عن ابن عباس قال: "فما استيسر من الهدي"، شاة.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن أبي جمرة، عن ابن عباس مثله.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن ابن جريج، عن عطاء: "فما استيسر من الهدي"، شاة. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان قال، حدثنا محمد بن نفيع، عن عطاء مثله.حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: المحصر يبعث بهدي، شاة فما فوقها.حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري قال، حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: إذا أهل الرجل بالحج فأحصر، بعث بما استيسر من الهدي، شاة. قال: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال: كذلك قال ابن عباس.حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "ما استيسر من الهدي"، شاة فما فوقها.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، وحدثنا المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني، عن شعبة قال، حدثنا أبو جمرة، عن ابن عباس قال:"ما استيسر من الهدي"، جزور أو بقرة أو شاة، أو شرك في دم.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن ابن عباس كان يرى أن الشاة، "ما استيسر من الهدي".حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الوهاب، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: "ما استيسر من الهدي"، شاة. حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: "ما استيسر من الهدي" شاة. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سهل بن يوسف قال، حدثنا حميد، عن عبد الله بن عبيد ابن عمير قال: قال ابن عباس: الهدي شاة. فقيل له: أيكون دون بقرة؟ قال: فأنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تدرون به أن الهدي شاة. ما في الظبي؟ قالواة شاة. قال: "هديا بالغ الكعبة" [المائدة: 90].حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: شاة.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن دلهم بن صالح قال: سألت أبا جعفر عن قوله: "ما استيسر من الهدي"، فقال: شاة.حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب: أن مالك بن أنس حدثه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يقول: "ما استيسر من الهدي".شاة حدثنا المثنى قال، حدثنا مطرف بن عبد الله قال، حدثنا مالك عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه مثله.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مالك: أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول: "ما استيسر من الهدي"، شاة.حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب، قال مالك: وذلك أحب إلي.حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: "فما استيسر من الهدي"، قال: عليه- يعني المحصر- هدي. إن كان موسرا فمن الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم.حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا ابن أبي ذئب، عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: "ما استيسر من الهدي"، شاة، وما عطمت شعائر الله فهو أفضل. حدثني يونس قال: أخبرنا أشهب قال، أخبرنا ابن لهيعة: أن عطاء بن أبي رباح حدثه: أن "ما استيسر من الهدي"، شاة. وقال آخرون: "ما استيسر من الهدي"، من الإبل والبقر، سن دون سن.ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر قال، سمعت عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: "ما استيسر من الهدي"، البقرة دون البقرة، والبعير دون البعير. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن بكر قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي مجلز قال: سأل رجل ابن عمر: "ما استيسر من الهدي"؟ قال: أترضى شاة؟، كأنه لا يرضاه. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن القاسم بن محمد ونافع، عن ابن عمر قال: "ما استيسر من الهدي"، ناقة أو بقرة. فقيل له: "ما استيسر من الهدي"؟ قال: الناقة دون الناقة، والبقرة دون البقرة.حدثني المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عمر أنه قال: "فما استيسر من الهدي"، قال: جزور أو بقرة.حدثنا أبو كريب ويعقوب قالا، حدثنا هشيم قال، الزهري أخبرنا- وسئل عن قول الله: "فما استيسر من الهدي" - قال: قال ابن عمر، من الإبل والبقر.حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في قوله جل ثناؤه:"فما استيسر من الهدي"، قال: الناقة دون الناقة، والبقرة دون البقرة.
حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن القاسم، عن ابن عمر في قوله: "فما استيسر من الهدي"، قال: الإبل والبقر. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال: سمعت يحيى بن سعيد قال: سمعتالقاسم بن محمد يقول: كان عبد الله بن عمر وعائشة يقولان: "ما استيسر من الهدي"، من الإبل والبقر. حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال: حدثنا الوليد بن أبي هشام، عن زياد بن جبير، عن أخيه عبد الله أو عبيد الله بن جبير قال: سألت ابن عمر عن المتعة في الهدي فقال: ناقة. قلت: ما تقول في الشاة؟ قال: أكلكم شاة؟ أكلكم شاة؟. حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد وطاوس قالا: "ما استيسر من الهدي"، بقرة.حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة: "فما استيسر من الهدي"، قال: في قول ابن عمر: بقرة فما فوقها. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني أبو معشر عن نافع، عن ابن عمر قال:"ما استيسر من الهدي"، قال: بدنة أو بقرة، فأما شاة فإنما هي نسك.
حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: البدنة دون البدنة، والبقرة دون البقرة، وإنما الشاة نسك. قال: تكون البقرة بأربعين وبخمسين. حدثنا قتادة قال، حدثنا ابن وهب قال، حدثني أسامة، عن نافع، عن ابن عمر كان يقول:"ما استيسر من الهدي"، بقرة.وحدثنا قتادة قال، حدثنا ابن وهب قال، حدثني أسامة بن زيد: أن سعيدا حدثه قال: رأيت ابن عمر وأهل اليمن يأتونه فيسألونه عن "ما استيسر من الهدي" ويقولون: الشاة! الشاة! قال: فيرد عليهم: الشاة! الشاة! يحضهم- إلا أن الجزور دون الجزور، والبقرة دون البقرة، ولكن "ما استيسر من الهدي"، بقرة.
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب قول من قال: "ما استيسر من الهدي" شاة. لأن الله جل ثناؤه إنما أوجب ما استيسر من الهدي. وذلك على كل ما تيسر للمهدي أن يهديه، كائنا ما كان ذلك الذي يهدي، إلا أن يكون الله جل ثناؤه خص من ذلك شيئا، فيكون ما خص من ذلك خارجا من جملة ما احتمله ظاهر التنزيل، ويكون سائر الأشياء غيره مجزئا إذا أهداه المهدي، بعد أن يستحق اسم هدي
. فإن قال قائل: فإن الذين أبوا أن تكون الشاة مما استيسر من الهدي، بأنه لا يستحق اسم هدي، كما أنه لو أهدى دجاجة أو بيضة، لم يكم، مهديا هديا مجزئا.
قيل: لو كان في المهدي الدجاجة والبيضة من الاختلاف، نحو الذي في المهدي الشاة،لكان سبيلهما واحدة: في أن كل واحد منهما قد أدى ما عليه بظاهر التنزيل، إذ لم يكن أحد الهديين مخرجه من أن يكون مؤديا- بإهدائه ما أهدى من ذلك- مما أوجبه الله عليه في إحصاره. ولكن لما أخرج المهدي ما دون الجذع من الضأن، والثني من المعز والإبل والبقر فصاعدا من الأسنان- من أن يكون مهديا ما أوجبه الله عليه في إحصاره أو متعته- بالحجة القاطعة العذر نقلا عن نبينا صلى الله عليه وسلم وراثة، كان ذلك خارجا من أن يكون مرادا بقوله: "فما استيسر من الهدي"، وإن كان مما استيسر لنا من الهدايا. ولما اختلف في الجذع من الضأن والثني من المعز، كان مجزئا ذلك عن مهديه، لظاهر التنزيل، لأنه مما استيسر من الهدي.فإن قال قائل: فما محل ما التي في قوله جل وعز: "فما استيسر من الهدي"؟.
قيل: رفع.
فإن قال: بماذا؟.
قيل: بمتروك. وذلك فعليه . لأن تأويل الكلام: وأتموا الحج والعمرة، أيها المؤمنون، لله، فإن حبسكم عن إتمام ذلك حابس من مرض أو كسر أو خوف عدو، فعليكم- لإحلالكم، إن أردتم الإحلال من إحرامكم- ما استيسر من الهدي. وإنما اخترنا الرفع في ذلك، لأن أكثر القرآن جاء برفع نظائره، وذلك كقوله: "فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام" [البقرة: 184] وكقوله: "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام"، وما أشبه ذلك، مما يطول بإحصائه الكتاب، تركنا ذكره استغناء بما ذكرنا عنه. ولو قيل: موضع ما نصب، بمعنى: فإن أحصرتم فاهدوا ما استيسر من الهدي، لكان غير مخطىء قائله.وأما الهدي، فإنه جمع، واحدها هدية، على تقدير جدية السرج والجمع الجدي مخفف. حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، عن يونس قال: كان أبو عمرو بن العلاء يقول: لا أعلم في الكلام حرفا يشبهه. وبتخفيف الياء وتسكين الدال من الهدي قرأه القرأة في كل مصر، إلا ما ذكر عن الأعرج، فإن
:أبا هشام الرفاعي حدثنا قال، حدثنا يعقوب، عن بشار، عن أسد، عن الأعرج أنه قرأ: "هديا بالغ الكعبة" [المائدة: 95] بكسر الدال مثقلا، وقرأ: حتى يبلغ الهدي محله ، بكسر الدال مثقلة. واختلف في ذلك عن عاصم، فروقي عنه موافقة الأعرج، ومخالفته إلى قراءة سائر القرأة.و الهدي عندي إنما سمي هديا لأنه تقرب به إلى الله جل وعز مهديه، بمنزلة الهدية يهديها الرجل إلى غيره متقربا بها إليه. يقال منه: أهديت الهدي إلى بيت الله، فأنا أهديه إهداء. كما يقاس في الهدية يهديها الرجل إلى غيره: أهديت إلى فلان هدية وأنا أهديها، ويقال للبدنة هدية، ومنه قول زهير بن أبي سلمى، يذكر رجلا أسر، يشبهه في حرمته بالبدنة التي تهدى:
فلم أر معشرا أسروا هديا ولم أر جار بيت يستباء!
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أحصرتم، فأردتم الإحلال من إحرامكم، فعليكم ما استيسر من الهدي. ولا تحلوا من إحرامكم إذا أحصرتم حتى يبلغ الهدي- الذي أوجبته عليكم لإحلالكم من إحرامكم الذي أحصرتم فيه، قبل تمامه وانقضاء مشاعره ومناسكه- محله. وذلك أن حلق الرأس إحلال من الإحرام الذي كان المحرم قد أوجبه على نفسه. فنهاه الله عن الإحلال من إحرامه بحلاقه، حتى يبلغ الهدي- الذي أباح الله جل ثناؤه له الإحلال بإهدائه- محله. ثم اختلف أهل العلم في محل الهدي الذي عناه الله جل اسمه، الذي متى بلغه كان للمحصر الإحلال من إحرامه الذي أحصر فيه. فقال بعضهم: محل هدي المحصر الذي يحل به ويجوز له ببلوغه إياه حلق رأسه، إذا كان إحصاره من خوف عدو منعه ذبحه، إن كان مما يذبح، أو نحره إن كان مما ينحر، في الحل ذبح أو نحر أو في الحرم، أحيث حبس،. وان كان من غير خوف عدو، فلا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة. وهذا قول من قال: الإحصار إحصار العدو دون غيره.ذكر من قال ذلك: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مالك بن أنس: أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يصل إليه الهدي. ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه، أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشيء. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة فقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأهل بعمرة من أجل أن النبي كان أهل بعمرة عام الحديبية. ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال: ما أمرهما إلا واحد. قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة. قال: ثم طاف طوافاً واحدا، ورأى أن ذلك مجز عنه وأهدى. قال يونس، قال ابن وهب، قال مالك: وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أحصر بعدو، كما أحصر نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فأما من أحصر بغير عدو، فإنه لا يحل دون البيت.قال: وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت، فقال: يحل من كل شيء وينحر
هديه ويحلق رأسه حيث حبس، وليس عليه قضاء، إلا أن يكون لم يحج قط، فعليه أن يحج حجة الإسلام.حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرنا مالك قال، حدثني يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار: أن عبد الله بن عمر ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي، وصرع في الحج ببعض الطريق: أن يتداوى بما لا بد منه، ويفتدي، ثم يجعلها عمرة ويحج عاما قابلا، ويهدي. قال يونس: قال ابن وهب: قال مالك: وذلك الأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو. قال: وقال مالك: وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم، إما بمرض، أو خطأ في العدد، أو
خفى عليه الهلال، فهو محصر، عليه ما على المحصر- يعني: من المقام على إحرامه حتى يطوف أو يسعى، ثم الحج من قابل، والهدي.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد يقول، أخبرني أيوب بن موسى: أن داود بن أبي عاصم أخبره: أنه حج مرة فاشتكى، فرجع إلى الطائف ولم يطف بين الصفا والمروة. فكتب إلى عطاء بن أبي رباح يسأله عن ذلك، وأن عطاء كتب إليه: أن أهرق دما. وعلة من قال بقول مالك: في أن محل الهدي في الإحصار بالعدو، نحره حيث حبس صاحبه، ما: حدثنا به أبو كريب ومحمد بن عمارة الأسدي قالا، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا موسى بن عبيدة قال، أخبرني أبو مرة مولى أم هانىء، عن ابن عمر قال: لما كان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية، عرض له المشركون فردوا وجهه، قال: فنحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدي حيث حبسوه- وهي الحديبية- وحلق، وتأسى به أناس فحلقوا حين رأوه حلق، وتربص آخرون فقالوا: لعلنا نطوف بالبيت! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "رحم الله المحققين! قيل: والمقصرين! قال: رحم الله المحلقين! قيل: والمقصرين! قال: والمقصرين!".حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال، حدثنا عبد الله ابن المبارك قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: "لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم القضية بينه وبين مشركي قريش- وذلك بالحديبية، عام الحديبية- قال لأصحابه: قوموا فانحروا واحلقوا. قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة فذكر ذلك لها، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم بكلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حلاقك فتحلق. فقام، فخرج، فلم يكلم منهم أحدا حتى فعل ذلك. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما". قالوا: فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه حين صده المشركون عن البيت بالحديبية، وحل هو وأصحابه. قالوا: والحديبية ليست من الحرم. قالوا: ففي مثل ذلك دليل واضح على أن معنى قوله: "حتى يبلغ الهدي محله"، حتى يبلغ بالذبح أو النحرمحل أكله والانتفاع به في محل ذبحه وتحره.كما روي عن نبي الله عليه السلام في نظيره، إذ أتي بلحم- أتته بريرة- من صدقة كان تصدق به عليها، فقال: قربوه، فقد بلغ محله. يعني فقد بلغ محل طيبه وحلاله له بالهدية إليه، بعد أن كان صدقة على بريرة. وقال بعضهم: محل هدي المحصر الحرم، لا محل له غيره. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد: أن عمرو بن سعيد النخعي أهل بعمرة، فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها، فخرج أصحابه إلى الطريق يتشوفون الناس، فإذا هم بابن مسعود، فذكروا ذلك له فقال: ليبعث بهدي، واجعلوا بينكم يوم أمارة، فإذا ذبح الهدي فليحل، وعليه قضاء عمرته. حدثنا تميم بن المنتصر قال، حدثنا إسحاق، عن شريك، عن سليمان بن مهران، عن عمارة بن عمير وإبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال: خرجنا مهلين بعمرة، فينا الأسود ابن يزيد، حتى نزلنا ذات الشقوق، فلدغ صاحب لنا، فشق ذلك عليه مشقة شديدة، فلم ندر كيف نصنع به! فخرج بعضنا إلى الطريق، فإذا نحن بركب فيه عبدالله بن مسعود، فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن، رجل منا لدغ، فكيف نصنع به؟ قال: يبعث معكم بثمن هدي، فتجعلون بينكم وبينه يوما أمارة، فإذا نحر الهدي فيحل، وعليه عمرة في قابل.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال، بينا نحن بذات الشقوق، فلبى رجل منا بعمرة، فلدغ، فمر علينا عبد الله فسألناه فقال: اجعلوا بينكم وبينه يوم أمار، فيبعث بثمن الهدي، فإذا نحر حل، وعليه العمرة.حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: سمعت إبراهيم النخعي يحدث، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أهل رجل منا بعمرة، فلدغ، فطلع ركب فيهم عبد الله بن مسعود، فسألوه فقال: يبعث بهدي، واجعلوا بينكم وبينه يوماً أمارا، فإذا كان ذلك اليوم فليحل- وقال عمارة بن عمير: فكان حسبك به، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله- وعليه العمرة من قابل.
حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجنا عمارا، فلما كنا بذات الشقوق، لدغ صاحب لنا فاعترضنا للطريق نسأل عما نصنع به، فإذا عبد الله بن مسعود في ركب، فقلنا له: لاع صاحب لنا؟ فقال: اجعلوا بينكم وبين صاحبكم يوما، وليرسل بالهدي، فإذا نحر الهدي فليحلل، ثم عليه العمرة. حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن الحجاج قال، حدثني عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود: أن عمرو بن سعيد النخعي أهل بعمرة، فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها، فخرج أصحابه إلى الطريق يتشوفون الناس، فإذا هم بابن مسعود، فذكروا ذلك له فقال: ليبعث بهدي، واجعلوا بينكم وبينه يوم أمار، فإذا ذبح الهدي فليحل، وعليه قضاء عمرته حدثني المثنى قال حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"، يقول: من أحرم بحج أو عمرة، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي، شاة فما فوقها يذبح عنه. فإن كانت حجة الإسلام، فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد حجة الفريضة أو عمرة، فلا قضاء عليه. ثم قال: "ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله"، فإن كان أحرم بالحج فمحله يوم النحر، وإن كان أحرم بعمرة فمحل هديه إذا أتى البيت. حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"، فهو الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كان يحبس عن البيت، فيهدي إلى البيت ويمكث على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله. فإذا بلغ الهدي محله حلق رأسه، فأتم الله له حجة. والإحصار أيضا أن يحال بينه وبين الحج، فعليه هدي: إن كان موسرا من الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم، ويجعل حجه عمرة، ويبعث بهديه إلى البيت. فإذا نحر الهدي فقد حل، وعليه الحج من قابل. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا بشر بن السري، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، كن عبد الله بن سلمة قال: سئل علي رضي الله عنه عن قول الله عز وجل: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"، فإذا أحصر الحاج بعث بالهدي، فإذا نحر عنه حل، ولا يحل حتى ينحر هديه. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عطاء يقول: من حبس في عمرته فبعث بهدية فاعترض لها، فإنه يتصدق بشيء أو يصوم. ومن اعترض لهديته وهو حاج، فإن محل الهدي والإحرام يوم النحر، وليس عليه شيء. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء مثله.حدئثي موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله"، الرجل يحرم ثم يخرج فيحصر، إما بلدغ أو مرض، فلا يطيق السير، واما تنكسر راحلته، فإنه يقيم، ثم يبعث بهدي، شاة فما فوقها. فإن هو صح فسار، فأدرك، فليس عليه هدي. وإن فاته الحج، فإنها تكون عمرة، وعليه من قابل حجة. وإن هو رجع لم يزل محرما حتى ينحر عنه يوم النحر. فإن هو بلغه أن صاحبه لم ينحر عنه عاد محرما، وبعث بهدي آخر، فواعد صاحبه يوم ينحر عنه بمكة، فتنحرعنه بمكة، ويحل، وعليه من قابل حجة وعمرة- ومن الناس من يقول: عمرتان. وإن كان أحرم بعمرة، ثم رجع، وبعث بهديه، فعليه من قابل عمرتان. وأناس يقولون: لا، بل ثلاث عمر، ونحوا مما صنعوا في الحج حين صنعوا، عليه حجة وعمرتان. حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد قال، أخبرنا إسحاق الأزرق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه، إذا كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدو. فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة، فإنه يبعث بها مكانه، ويواعد صاحب الهدي. فإذا أمن فعليه أن يحج ويعتمر. فإن أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي، فإنه يحل حيث يحبس. وإن كان معه هدي، فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله إذا بعث به، وليس عليه أن يحج قابلا، ولايعتمر إلا أن يشاء. قال أبو جعفر: وعلة من قال هذه المقالة: أن محل الهدايا والبدن الحرم، أن الله عز وجل ذكر البدن والهدايا فقال: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب* لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق" [الحج: 32-33]، فجعل محلها الحرم، ولا محل للهدي دونه. قالوا: وأما ما أدعاه المحتجون بنحر النبي صلى الله عليه وسلم هداياه بالحديبية حين صد عن البيت، فليس
ذلك بالقول المجتمع عليه. وذلك أن:الفضل بن سهل حدثني قال، حدثنا مخول بن إبراهيم قال، حدثنا إسرائيل، عن مجزأة بن زاهر الأسلمى، عن أبيه، عن ناجية بن جندب الأسلمي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين صد عن الهدي، فقلت: يا رسول الله، أبعت معي بالهدي فلننحره في الحرم! قال: كيف تصنع به؟ قلت: آخذ به أودية فلا يقدرون عليه! فانطلقت به حتى نحرته بالحرم. قالوا: فقد بين هذا الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هداياه في الحرم، فلا حجة لمحتج بنحره بالحديبية في غير الحرم. وقال آخرون: معنى هذه الآية وتأويلها على غير هذين الوجهين اللذين وصفنا، من قول الفريقين اللذين ذكرنا اختلافهم على ما ذكرنا. وقالوا: إنما معنى ذلك: فإن أحصرتم أيها المؤمنون عن حجكم- فمنعتم من المضي لإحرامه لعائق مرض أو خوف عدو- وأداء اللازم لكم وحجكم، حتى فاتكم الوقوف بعرفة، فإن عليكم ما استيسر من الهدي، لما فاتكم من حجكم، مع قضاء الحج الدي فاتكم. فقال أهل هذه المقالة: ليس للمحصر في الحج- بالمرض والعلل وغيره- الإحلال إلا بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، إن فاته الحج. قالوا: فأما إن أطاى شهود المشاهد، فإنه غير محصر. قالوا: وأما العمرة فلا إحصار فيها، لأن وقتها موجود أبدا. قالوا: والمعتمر لا يحل إلا بعمل اخر ما يلزمه في إحرامه. قالوا: ولم يدخل، المعتمر في هذه الآية، وإنما عني بها الحاج.ثم اختلف أهل هذه المقالة. فقال بعضهم: لا إحصار اليوم بعدو، كما لا إحصار بمرض يجوز لمن فاته أن يحل من إحرامه قبل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة.ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، عن طاوس قال: قال ابن عباس: لا إحصار اليوم.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم: أن عائشة قالت: لا أعلم المحرم يحل بشيء دون البيت.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لا حصر إلا من حبسه عدو، فيحل بعمرة، وليس عليه حج ولاعمرة. وقال اخرون منهم: حصار العدو ثابت اليوم وبعد اليوم، على نحو ما ذكرنا من أقوالهم الثلاثة التي حكينا عنهم. ذكر من قال ذلك، وقال معنى الآية: فإن أحصرتم عن الحج حتى فاتكم، فعليكم ما استيسر من الهدي لفوته إياكم: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سالم قال: كان عبد الله بن عمر ينكر الاشتراط في الحج، ويقول: أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت والصفا والمروة، ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا، ويهدي، أو يصوم، إن لم يجد هديا.حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: المحصر لا يحل من شيء حتى يبلغ البيت، ويقيم على إحرامه كما هو، إلا أن تصيبه جراحة- أو جرح- فيتداوى بما يصلحه ويفتدي. فإذا وصل إلى البيت، فإن كانت عمرة قضاها، وإن كانت حجة فسخها بعمرة، وعليه الحج من قابل والهدي. فإن لم يجد، فصيا ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله قال، أخبرني نافع: أن ابن عمر مر على ابن حزابة وهو بالسقيا، فرأى به كسرا، فاستفتاه، فأمره أن يقف كما هو لا يحل من شيء حتى يأتي البيت، إلا أن يصيبه أذى فيتداوى، وعليه ما استيسر من الهدي. وكان أهل بالحج. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر قال: من أحصر بعد أن يهل بحج، فحبسه خوف أو مرض أوخلأ (1) له ظهر يحمله، أو شيء من الأمور كلها، فإنه يتعالج لحبسه ذلك بكل شيء لا بد له منه، غيرأنه لا يحل من النساء والطيب، ويفتدي بالفدية التي أمر الله بها: صيام أو صدقة أو نسك. فإن فاته الحج وهو بمحبسه ذلك، أو فاته أن يقف في مواقف عرفة قبل الفجر من ليلة المزدلفة، فقد فاته الحج، وصارت حجته عمرة: يقدم مكة فيطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن كان معه هدي نحره بمكة قريبا من المسجد الحرام، ثم حلق رأسه أو قصر، ثم حل من النساء والطيب وغير ذلك، ثم عليه أن يحج قابلا، ويهدي ما تيسر من الهدي. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر أنه قال: المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة. وإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لا بد له منها، أو الدواء، صنع ذلك وافتدى. فهذا ما روي عن ابن عمر في الإحصار بالمرض وما أشبهه. وأما في المحصر بالعدو، فإنه كان يقول فيه بنحو القول الذي ذكرناه قبل عن مالك بن أنس أنه كان يقوله.حدثني تميم بن المنتصر قال، حدثنا عبد الله بن نمير قال، أخبرنا عبيد الله، عن نافع: أن ابن عمر أراد الحج حين نزل الحجاج بابن الزبير، فكلمه ابناه سالم وعبيد الله فقالا: لا يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يكون بين الناس قتال فيحال بينك وبين البيت! قال: إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حال كفار قريش بينه وبين البيت، فحلق ورجع. وأما ما ذكره عهم في العمرة من قولهم: إنه لا إحصار فيها ولا حصر، فإنه:-حدثني به يعقوب بن إبراهيم قال، حدثني هشيم، عن أبي بشر، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير: أنه أهل بعمرة فأحصر، قال: فكتب إلى ابن عباس وابن عمر، فكتبا إليه: ان يبعث بالهدي، ثم يقيم حتى يحل من عمرته. قال!: فأقام ستة أشهر أو سبعة أشهر. حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا يعقوب، عن أبي العلاء بن الشخير قال: خرجت معتمرا، فصرعت عن بعيري، فكسرت رجلي، فأرسلنا إلى ابن عباس وابن عمر نسألهما، فقالا: إن العمرة ليس لها وقت كوقت الحج، لا تحل حتى تطوف بالبيت. قال: فأقمت بالدثينة أو قريبا منه سبعة أشهر أو ثمانية أشهر.حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال: خرجت إلى مكة، حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة إلى عبد الله بن عباس، وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس، فلم يرخص لي أحد أن أحل، فأقمت على ذلك إلى سبعة أشهر، حتى أحللت بعمرة.حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن شهاب: في رجل أصابه كسر وهو معتمر، قال: يمكث على إحرامه حتى يأتي البيت ويطوف به وبا الصفا والمروة، ويحلق أو يقصر، وليس عليه شيء.قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الاية، قول من قال: إن الله عز وجل عنى بقوله: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله"، كل محصر في إحرام، بعمرة كان إحرام المحصر أو بحج. وجعل محل هديه الموضع الذي أحصر فيه، وجعل له الإحلال من إحرامه ببلوغ هديه محله- وتأول بـ المحل المنحر أو المذبح، وذلك حين حل نحره أو ذبحه، في حرم كان أو في حل، وألزمه قضاء ما حل منه من إحرامه قبل إتمامه إذا وجد إليه سبيلا، وذلك لتواتر الأخبار "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صد عام الحديبية عن البيت وهو محرم وأصحابه بعمرة، فنحر هو وأصحابه بأمره الهدي، وحلوا من إحرامهم قبل وصولهم إلى البيت، ثم قضوا إحرامهم الذي حلوا منه فى العام الذي بعده" ولم يدع أحد من أهل العلم بالسير ولا غيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من أصحابه أقام على إحرامه انتظارا للوصول إلى البيت، والإحلال بالطواف به وبالسعي بين الصفا والمروة، ولا تحفى وصول هديه إلى الحرم. فأولى الأفعال أن يقتدى به فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم يأت بحظره خبر، ولم تقم بالمنع منه حجة. فإذ كان ذلك كذلك، وكان أهل العلم مختلفين فيما اخترنا من القول فى ذلك، فمن متأول معنى الآية تأويلنا، ومن مخالف ذلك، ثم كان ثابتا بما قلنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النقل، كان الذي نقل عنه أولى الأمور بتأويل الآية، إذ كانت هذه الآية لا يتدافع أهل العلم أنها يومئذ نزلت، وفي حكم صد المشركين إياه عن البيت أوحيت. وقد روي بنحو الذي قلنا في ذلك خبر: حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثني الحجاج بن أبي عثمان قال،حدثني يحيى بن أبي كثير: أن عكرمة مولى ابن عباس حدثه قال: حدثني الحجاج بن عمرو الأنصاري: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كسر أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى. قال: فحدثت ابن عباس وأبا هريرة بذلك، فقالا: صدق".حدثني يعقوب قال: حدثنا مروان قال، حدثنا حجاج الصواف- وحدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان بن حبيب، عن الحجاج الصواف- عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن الحجاج بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وعن ابن عباس وأبي هريرة. ومعنى هذا الخبر، الأمر بقضاء الحجة التي حل منها، نظير فعل النبي- صلى الله عليه وسلم وأصحابه في قضائهم عمرتهم التي حلوا منها عام الحديبية من القابل، في عام عمرة القضية. ويقال لمن زعم أن الذي حصره عدو، إذا حل من إحرامه التطوع فلا قضاء عليه، وأن المحصر بالعلل عليه القضاء: ما العلة التي أوجبت على أحدهما القضاء، وأسقطت عن الاخر، وكلاهما قد حل من إحرام كان عليه إتمامه، لولا العلة العائقة؟. فإن قال: لأن الاية إنما نزلت في الذي حصره العدو، فلا يجوز لنا نقل حكمها إلى غير ما نزلت فيه. قيل له: قد دافعك عن ذلك جماعة من أهل العلم، غير أنا نسلم لك ما قلت في ذلك، فهلا كان حكم المنع بالمرض والاحصار، له حكم المنع بالعدو، إذ هما متفقان في المنع من الوصول إلى البيت وإتمام عمل إحرامهما، وإن اختلفت أسباب منعهما، فكان أحدهما ممنوعا بعلة في بدنه، والاخر بمنع مانع؟ ثم يسئل الفرق بين ذلك من أصل أو قياس، فلن يقول في أحدهما شيئاً إلا ألزم في الآخر مثله. وأما الذين قالوا: لا إحصار في العمرة، فإنه يقال لهم: قد علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صد عن البيت وهو محرم بالعمرة، فحل من إحرامه، فما برهانكم على عدم الإحصار فيها؟ أو رأيتم إن قال قائل: لا إحصار في حج، وإنما فيه فوت، وعلى الفائت الحج المقام على إحرامه حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سن في الإحصار في الحج سنة؟ فقد قال ذلك جماعة من أئمة الدين، فأما العمرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سن فيها ما سن، وأنزل الله تبارك وتعالى في حكمها ما بين من الإحلال والقضاء الذي فعله صلى الله عليه وسلم، ففيها الإحصار دون الحج، هل بينما وبينه فرق؟ ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الاخر مثله. قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي، ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله، إلا أن يضطر إلى حلقه منكم مضطر، إما لمرض، وإما لأذي برأسه من هوام أو غيرها، فيحلق هنالك للضرورة النازلة به، وإن لم يبلغ الهدي محله، فيلزمه بحلاق رأسه وهو كذلك، فدية من صيام أو صدقة أو نسك. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا ابن جريج قال: قلت لعطاء:،أذى من رأسه؟ قال: القمل وغيره، والصداع، وما كان في رأسه. وقال آخرون: لا يحلق إن أراد أن يفتدي الحج بالنسك، أو الإطعام، إلا بعد التكفير. وإن أراد أن يفتدي بالصوم، حلق ثم صام. ذكر من قال ذلك:.حدثنا عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن أشعث، عن الحسن قال: إذا كان بالمحرم أذى من رأسه، فإنه يحلق حين يبعث بالشاة، أو يطعم المساكين وإن كان صوم، حلق ثم صام بعد ذلك
ذكر من قال ذلك:
قوله تعالى : "وأتموا الحج والعمرة لله" فيه سبع مسائل :
الأولى : اختلف العلماء في المعنى بإتمام الحج والعمرة لله ، فقيل : أداؤهما والإتيان بهما ، كقوله : "فأتمهن" وقوله :" ثم أتموا الصيام إلى الليل " أي ائتوا بالصيام ، وهذا على مذهب من أوجب العمرة ، على ما يأتي . ومن لم يوجبها قال : المراد تمامها بعد الشروع فيهما ، فإن من أحرم احرم بنسك وجب عليه المضي فيه ولا يفسخه ، قال معناه الشعبي وابن زيد . وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلك . وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ، وفعله عمران بن حصين . وقال سفيان الثوري : إتمامهما أن تخرج قاصداً لهما لا لتجارة ولا لغير ذلك ، ويقوي هذا قوله لله . وقال عمر :إتمامهما أن يفرد كل واحد منهما من غير تمتع وقران ، وقاله ابن حبيب . وقال مقاتل : إتمامهما ألا تستحلوا فيهما ما لا ينبغي لكم ، وذلك أنهم كانوا يشركون في إحرامهم فيقولون : لبيك اللهم لبيك ، لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك . فقال : فأتموهما ولا تخلطوهما بشيء آخر .
قلت : أما ما روي عن علي وفعله عمران بن حصين في الإحرام قبل المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال به عبد الله بن مسعود وجماعة من السلف ، وثبت أن عمر أهل من إيلياء ، وكان الأسود وعلقمة وعبد الرحمن وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم ، ورخص فيه الشافعي . وروى أبو داود و الدار قطني عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من أحرم من بيت المقدس بحج أو عمرة كان من ذنوبه كيوم ولدته أمه" في رواية "غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" . وخرجه او داود وقال : "يرحم الله وكيعا ! أحرم من بيت المقدس ، يعني إلى مكة" . ففي هذا إجازة الإحرام قبل الميقات . وكره مالك رحمه الله أن يحرم أحد قبل الميقات ، ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب ، وأنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة . وأنكر عثمان على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات . وقال أحمد و إسحاق : وجه العمل المواقيت ، ومن الحجة لهذا القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وعينها ، فصارت بياناً لمجمل الحج ، ولم يحرم صلى الله عليه وسلم من بيته لحجته ، بل أحرم من ميقاته الذي وقته لأمته ، وما فعله صلى الله عليه وسلم فهو الأفضل إن شاء الله . وكذلك صنع جمهور الصحابة والتابعين بعدهم . واحتج أهل المقالة الأولى بأن ذلك أفضل بقول عائشة :
ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، وبحديث أم سلمة مع ما ذكر عن الصحابة في ذلك ، وقد شهدوا إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته من ميقاته ، وعرفوا مغزاه ومرداه ، وعلموا أن إحرامه من ميقاته كان تيسراً على أمته .
الثانية :روى الأئمة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن ، ولأهل اليمن يلملم ، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة . ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ ، حتى أهل مكة من مكة يهلون منها . وأجمع أهل العلم على القول بظاهر هذا الحديث واستعماله ، لا يخالفون شيئاً منه . واختلفوا في ميقات أهل العراق وفيمن وقته ، فروى أبو داود و الترمذي عن ابن عباس :
أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق . قال الترمذي : هذا حديث حسن . وروى أن عمر وقت لأهل العراق ذات عرق . وفي كتاب ابي داود عن عائشة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق ، وهذا هو الصحيح . ومن روى أن عمر وقته لأن العراق في وقته افتتحت ، فغفلة منه ، بل وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وقت لأهل الشام الجحفة . والشام كلها يؤمئذ دار كفر كما كانت العراق وغيرها يومئذ من البلدان ، ولم تفتح العراق ولا الشام إلا على عهد عمر ، وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل السير . قال أبو عمر : كل عراقي أو مشرقي أحرم من ذات عرق فقد أحرم عند الجميع من ميقاته ، والعقيق أحوط عندهم وأولى من ذات عرق ، وذات عرق ميقاتهم أيضاً بإجماع .
الثالثة : أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل أن يأتي الميقات أنه محرم ، وإنما منع من ذلك من رأى الإحرام عند الميقات أفضل ، كراهية أن يضيق المرء على نفسه ما قد وسع الله عليه ، وأن يتعرض بما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه ، وكلهم ألزمه الإحرام إذا فعل ذلك ، لأنه زاد ولم ينقص .
الرابعة : في هذه الآية دليل على وجوب العمرة ، لأنه تعالى أمر بإتمامها كما أمر بإتمام الحج . قال الصبي بن معبد : أتيت عمر رضي الله عنه فقلت إني كنت نصرانيا فأسلمت ، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبتين علي ،وإني أهللت بهما جميعاً . فقال له عمر هديت لسنة نبيك . قال ابن المنذر : ولم ينكر عليه قوله : وجدت الحج والعمرة مكتوبتين علي . وبوجوبهما قال علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس . وروى الدار قطني عن ابن جريج قال : أخبرني نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول : ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع إلى ذلك سبيلاً ، فمن زاد بعدها شيئاً فهو خير وتطوع . قال : ولم أسمعه يقول في أهل مكة شيئاً . قال ابن جريج : وأخبرت عن عكرمة أن ابن عباس قال : العمرة واجبة كوجوب الحج من استطاع إليه سبيلاً . وممن ذهب إلى وجوبها من التابعين عطاء و طاوس ومجاهد و الحسن و ابن سيرين و الشعبي و سعيد بن جبير وابو بردة ومسروق وعبد الله بن شداد و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو عبيد ابن الجهم من المالكين . وقال الثوري : سمعنا أنها واجبة . وسئل زيد بن ثابت عن العمرة قبل الحج ، فقال : صلاتان لا يضرك بأيهما بدأت ، ذكره الدار قطني . وروي مرفوعاً عن محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت" .وكان مالك يقول "العمرة سنة ولا نعلم أحداً أرخص في تركها" . وهو قول النخعي وأصحاب الرأي فيما حكى ابن المنذر . وحكى بعض القزوينيين والبغداديين عن ابي حنيفة أنه كان يوجبها كالحج ، وبأنها سنة ثابتة قاله ابن مسعود وجابر بن عبد الله . روى الدار قطني حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا حدثنا محمد بن العلاء أبو كريب حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال :
"سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة والزكاة والحج : أواجب هو ؟ قال : نعم فسأله عن العمرة : أواجبة هي .؟ قال : لا ، وأن تعتمر خير لك" . رواه يحيى بن أيوب عن حجاج و ابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر موقوفاً من قول جابر . فهذه حجة من لم يوجبها من السنة . قالوا : وأما الآية فلا حجة فيها للوجوب ، لأن الله سبحانه إنما قرنها في وجوب الإتمام لا في الابتداء ، فإنه ابتدأ الصلاة والزكاة فقال " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " . وابتدأ بإيجاب الحج فقال :"ولله على الناس حج البيت" ولما ذكر العمرة أمر بإتمامها لا بابتدائها ، فلو حج عشر حجج ، أو اعتمر عشر عمر لزم الإتمام في جميعها ، فإنما جاءت الآية لإلزام الإتمام لا لإلزام الابتداء ، والله أعلم . واحتج المخالف من جهة النظر على وجوبها بأن قال : عماد الحج الوقوف بعرفة ، وليس في العمرة وقوف ، فلو كانت كسنة الحج لوجب أن تساويه في أفعاله ، كما أن سنة الصلاة تساوى فريضتها في أفعالها .
الخامسة : قرأ الشعبي وأبو حيوة برفع التاء في العمرة ، وهي تدل على عدم الوجوب . وقرأ الجماعة العمرة بنصب التاء ، وهي تدل على الوجوب . وفي مصحف ابن مسعود وأتموا الحج والعمرة إلى البيت لله وروى عنه وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت . وفائدة التخصيص بذكر الله هنا أن العرب كانت تقصد الحج للإجتماع والتظاهر والتناضل والتنافر وقضاء الحاجة وحضور الأسواق ، وكل ذلك ليس لله فيه طاعة ، ولا حظ بقصد ، ولا قربة بمعتقد ، فأمر الله سبحانه بالقصد إليه لأداء فرضه وقضاء حقه ، ثم سامح في التجارة ، على ما يأتي .
السادسة : لا خلاف بين العلماء فيمن شهد الحج وهو لا ينوي حجاً ولا عمرة ـ والقلم جار له وعليه ـ أن شهودها بغير نية ولا قصد غير مغن عنه ، وأن النية تجب فرضاً ، لقوله تعالى : وأتموا ومن تمام العبادة حضور النية ، وهي فرض كالإحرام عند الإحرام ،
لقوله عليه السلام لما ركب راحلته : "لبيك بحجة وعمرة معاً" على ما يأتي . وذكر لربيع في كتاب البويطي عن الشافعي قال : ولو لبى رجل ولم ينو حجاًولا عمرة لم يكن حاجاً ولا معتمراً ، ولو نوى ولم يلب حتى قضى المناسك كان حجة تاماً ، واحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم :
"إنما الأعمال بالنيات" . قال : ومن فعل مثل ما فعل علي حين أهل على إهلال النبي صلى الله عليه وسلم أجزأته تلك النية ، لأنها وقعت على نية لغيره قد تقدمت ، بخلاف الصلاة .
السابعة : واختلف العلماء في المراهق والعبد يحرمان بالحج ثم يحتلم هذا ويعتق هذا قبل الوقوف بعرفة ، فقال مالك :لا سبيل لهما إلى رفض الإحرام ولا لأحد متمسكاً بقوله تعالى : "وأتموا الحج والعمرة لله" ومن رفض إحرامه فلا يتم حجة ولا عمرته . وقال أبو حنيفة : جائز للصبي إذا بلغ قبل الوقوف بعرفة أن يجدد إحراماً ، فإن تمادى على حجة ذلك لم يجزه من حجة الإسلام . واحتج بأنه لما لم يكن الحج يجزي عنه ، ولم يكن الفرض لازماً له حين أحرم بالحج ثم لزمه حين بلغ استحال أن يشغل عن فرض قد تعين عليه بنافلة ويعطل فرضه ، كمن دخل في نافلة وأقيمت عليه المكتوبة وخشي فوتها قطع النافلة ودخل في المكتوبة . وقال الشافعي : إذا أحرم الصبي ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة فوقف بها محرماً أجزأه من حجة الإسلام ، وكذلك العبد . قال : ولو عتق بمزدلفة وبلغ الصبي بها فرجعا إلى عرفة بعد العتق والبلوغ فأدركا الوقوف بها قبل طلوع الفجر أجزت عنهما من حجة الإسلام ، ولم يكن عليهما دم ، ولو احتاطا فأهراقا دماً كان أحب إلي ، وليس ذلك بالبين عندي . واحتج في إسقاط تجديد الإحرام بحديث علي رضي الله عنه إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل من اليمن مهلاً بالحج :
بم أهللت ؟ قال قلت : لبيك اللهم بإهلال كإهلال نبيك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإني أهللت بالحج وسقت الهدي . قال الشافعي : ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته ، ولا امره بتجديد نية لإفراد أو تمتع أو قران . وقال مالك في النصراني يسلم عشية عرفة فيحرم بالحج : أجزأه من حجة الإسلام ، وكذلك العبد يعتق والصبي يبلغ إذا لم يكونوا محرمين ولا دم على واحد منهم ، وإنما يلزم الدم من أراد الحج ولم يحرم من الميقات . وقال ابو حنيفة : يلزم العبد الدم . وهو كالحر عندهم في تجاوز الميقات ، بخلاف الصبي والنصراني فإنما لا يلزمهما الإحرام لدخول مكة لسقوط الفرض عنهما . فإذا أسلم الكافر وبلغ الصبي كان حكمهما حكم المكي ، ولا شيء عليهما في ترك الميقات .
قوله تعالى : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " فيه اثنتا عشرة مسألة :
الأولى : قال ابن العربي : هذه آية مشكلة ، عضلة من العضل .
قلت : لا إشكال فيها ، ونحن نبينها غاية البيان فنقول : الإحصار هو المنع من الوجه الذي تقصده بالعوائق جملةً ، فـ جملة أي : بأي عذر كان ، كان حصر عدو أو جور سلطان أو مرض أو ما كان . واختلف العلماء في تعيين المانع هنا على قولين : الأول: قال علقمة وعروة بن الزبير وغيرهما : هو المرض لا العدو . وقيل :العدو خاصة ، قاله ابن عباس وابن وأنس والشافعي . قال ابن العربي : وهو اختيار علمائنا . ورأى أكثر أهل اللغة ومحصليها على أن أحصر عرض للمرض ، و حصر نزل به العدو .
قلت : ما حكاه ابن العربي من أنه اختيار علمائنا فلم يقل به إلا أشهب وحده ، وخالفه سائر أصحاب مالك في هذا وقالوا : الإحصار إنما هو المرض ، وأما العدو فإنما يقال فيه : حصر حصرا فهو محصور ، قاله الباجي في المنتقى . وحكى أبو إسحاق الزجاج أنه كذلك عند جميع أهل اللغة ، على ما يأتي . وقال ابو عبيدة والكسائي : أحصر بالمرض ، و حصر بالعدو . وفي المجمل لابن فارس على العكس ، فحصر بالمرض ، وأحصر بالعدة . وقالت طائفة : يقال أحصر فيهما جميعاً من الرباعي ، حكاه أبو عمر .
قلت : وهو يشبه قول مالك حيث ترجم في موطئه أحصر فيهما ، فتأمله . وقال الفراء : هما بمعنى واحد في المرض والعدو . قال القشيري أبو نصر : وادعت الشافعية أن الإحصار يستعمل في العدو ، فأما المرض فيستعمل فيه الحصر ، والصحيح أنهما يستعملان فيهما .
قلت :ما ادعته الشافعية قد نص الخليل بن أحمد وغيره على خلافه . قال الخليل : حصرت الرجل حصراً منعته وحبسته ، وأحصر الحاج عن بلوغ المناسك من مرض أو نحوه ، هكذا قال ، جعل الأول ثلاثياً من حصرت ، والثاني في المرض رباعياً . وعلى هذا خرج قول ابن عباس : لا حصر إلا حصر العدو . وقال ابن السكيت : أحصره المرض إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها . وقد حصره العدة يحصرونه إذا ضيقوا عليه فأطلقوا به ، وحاصروه محاصرة وحصاراً . قال الأخفش :حصرت الرجل فهو محصورا ، أي حبسته . قال : وأحصرني بولي ، وأحصرني مرضي ، أي جعلني أحصر نفسي . قال أبو عمرو الشيباني :حصرني الشيء وأحصرني ، أي حبسني .
قلت : فالأكثر من أهل اللغة على أن حصر في العدو ، و أحصر في المرض ، وقد قيل ذلك في قول الله تعالى : "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" . وقال ابن ميادة :
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت عليك ولا أن أحصرتك شغول
وقال الزجاج : الإحصار عند جميع اهل اللغة إنما هو من المرض ، فأما من العدو فلا يقال فيه إلا حصر ، يقال : حصر حصراً ، وفي الأول أحصر إحصاراً ، فدل على ما ذكرناه . وأصل الكلمة من الحبس ، ومنه الحصير للذي يحبس نفسه عن البوح بسره . والحصير : الملك لأنه كالمحبوس من وراء الحجاب . والحصير الذي يجلس عليه لانضمام بعض طاقات البردي إلى بعض ، كحبس الشيء مع غيره .
الثانية : ولما كان أصل الحصر قالت الحنفية : المحصر من يصير ممنوعاً من مكة بعد الإحرام بمرض أو عدو أو غير ذلك . واحتجوا بمقتضى الإحصار مطلقاً ، قالوا : وذكر الأمن في آخر الآية لا يدل على أنه لا يكون من المرض ، قال صلى الله عليه وسلم :
"الزكام أمان من الجذام" ، وقال :
"من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص واللوص والعلوص" . الشوص : وجع السن . واللوص : وجع الأذن . والعلوص : وجمع البطن . أخرجه ابن ماجة في سننه . قالوا : وإنما جعلنا حبس العدو حصاراً قياساً على المرض إذا كان في حكمه ، لا بدلالة الظاهر . وقال ابن عمر وابن الزبير وابن عباس و الشافعي وأهل المدينة : المراد بالآية حصر العدو ، لأن الآية نزلت في سنة ست في عمرة الحديبية حين صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة . قال ابن عمر :
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش دون البيت ، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هدية وحلق رأسه . ودل على هذا قوله تعالى : "فإذا أمنتم" . ولم يقل : برأتم ، والله أعلم .
الثالثة : جمهور الناس على أن المحصر بعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه إن كان ثم هدي ويحلق رأسه . وقال قتادة و إبراهيم :يبعث بهديه إن أمكنه ، فإذا بلغ محله صار حلالاً . وقال أبو حنيفة : دم الإحصار لا يتوقف على يوم النحر ، بل يجوز ذبحه قبل يوم النحر إذا بلغ محله ، وخالفه صاحباه فقالا : يتوقف على يوم النحر ، وإن نحر قبله لم يجزه . وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان .
الرابعة :الأكثر من العلماء على أن من أحصر بعدو كافر أو مسلم او سلكان حبسه في سجن أن عليه الهدي ، وهو قول الشافعي ، وبه قال أشهب . وكان ابن القاسم يقول : ليس على من صد عن البيت في حج أو عمرة هدي إلا أن يكون ساقه معه ، وهو قول مالك . ومن حجتهما أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نحر يوم الحديبية هدياً قد كان أشعره وقلده حين أحرم بعمرة ، فلما لم يبلغ ذلك الهدي محله للصدر أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحر ، لأنه كان هدياً وجب بالتقليد والإشعار ، وخرج لله فلم يجز الرجوع فيه ، ولم ينحره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل الصد ، فلذلك لا يجب على من صد عن البيت هدي . واحتج الجمهور بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل يوم الحديبية ولم يحلق رأسه حتى نحر الهدي ، فدل ذلك على أن من شرط إحلال المحصرذبح هدي إن كان عنده ، وإن كان فقيراً فمتى وجده وقدر عليه لا يحل إلا به ، وهو مقتضى قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " وقد قيل : يحل ويهدي إذا قدر عليه ، والقولان لـ لشافعي ، وكذلك من لا يجد هدياً يشتريه ، قولان .
الخامسة : قال عطاء وغيره : المحصر بمرض كالمحصر بعدو . وقال مالك و الشافعي و أصحابهما : من أحصره المرض فلا يحله إلا الطواف بالبيت وإن أقام سنين حتى يفيق . وكذلك من أخطأ العدد أو خفي عليه الهلال . قال مالك : وأهل مكة في ذلك كأهل الآفاق . قال :وإن احتاج المريض إلى دواء تداوى به وافتدى وبقي على إحرامه لا يحل من شيء حتى يبرأ من مرضه ، فإذا برىء من مرضه مضى إلى البيت فطاف به سبعاً ، وسعى بين الصفا والمروة ، وحل من حجته أو عمرته . وهذا كله قول الشافعي ، وذهب في ذلك إلى ما روي عن عمر وابن عباس وعائشة وابن عمر وابن الزبير أنهم قالوا في المحصر بمرض أو خطأ العدد : إنه لا يحله إلا الطواف بالبيت . وكذلك من أصابه كسر أو بطن منخرق . وحكم من كانت هذه حاله عند مالك وأصحابه أن يكون بالخيار إذا خاف فوت الوقوف بعرفة لمرضه ، وإن شاء مضى إذا أفاق إلى البيت فطاف وتحلل بعمرة ، وإن شاء أقام على إحرامه إلى قابل ، وإن أقام على إحرامه ولم يواقع شيئاً مما نهي عنه الحاج فلا هدي عليه . ومن حجته في ذلك الإجماع من الصحابة على أن من أخطأ العدد أن هذا حكمه لا يحله إلا الطواف بالبيت . وقال في المكي إذا بقي محصوراً حتى فرغ الناس من حجهم : فإنه يخرج إلى الحل فيلبي ويفعل ما يفعله المعتمر ويحل ، فإذا كان قابل حج وأهدى . وقال ابن شهاب الزهري في إحصار من أحصر بمكة من أهلها : لا بد له من أن يقف بعرفة وإن نعش نعشاً . واختار هذا القول أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن بكير المالكي فقال : قول مالك في المحصر المكي أن عليه ما على الآفاق من إعادة الحج والهدي خلاف ظاهر الكتاب ، لقول الله تعالى عز وجل : "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" . قال: والقول عندي في هذا قول الزهري في أن الإباحة من الله عز وجل لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أن يقيم لبعد المسافة يتعالج وإن فاته الحج ، فأما من كان بينه وبين المسجد الحرام ما لا تقصر في مثله الصلاة فإنه يحضر المشاهدة وإن نعش نعشاً لقرب المسافة بالبيت . وقال ابو حنيفة وأصحابه ، كل من منع من الوصول إلى البيت بعدو أو مرض أو ذهاب نفقة أو إضلال راحلة أو لدغ هامة فإنه يقف مكانه على إحرامه ويبعث بهديه أو بثمن هديه ، فإذا نحر فقد حل من إحرامه . كذلك قال عروة و قتادة و الحسن والنخعي و مجاهد وأهل العراق ، لقوله تعالى : "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" الآية .
السادسة : قال مالك وأصحابه : لا ينفع المحرم الاشتراط في الحج إذا خاف الحصر بمرض أو عدو ، وهو قول الثوري و ابي حنيفة وأصحابهم . والاشتراط أن يقول إذا أهل :لبيك اللهم لبيك ، ومحلي حيث حبستني من الأرض . وقال أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهوية و أبو ثور : لا بأس أن يشترط وله شرطه ، وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين ، وحجتهم حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :
يا رسول الله ، إني أردت الحج ، أاشترط ؟ قال : نعم . قالت : فكيف اقول ؟ قال : قولي لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث حبستني . أخرجه أبو داود و الدار قطني وغيرهما . قال الشافعي : لو ثبت حديث ضباعة لم أعده ، وكان محله حيث حبسه الله .
قلت :قد صححه غير واحد ، منهم أبو حاتم البستي و ابن المنذر ، قال ابن المنذر : ثبت " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لضباعة بنت الزبير : حجي واشترطي" . وبه قال الشافعي إذ هو بالعراق ، ثم وقف عنه بمصر . قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول . وذكره عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أن طاوسا و عكرمة أخبراه عن ابن عباس قال :
"جاءت ضباعة بنت الزبير إلى رسول صلى الله عليه وسلم فقالت :إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج ، فكيف تأمرني أن أهل ؟ قال : أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني" . قال : فأدركت . وهذا إسناد صحيح .
السابعة : واختلفت العلماء أيضاً في وجوب القضاء على من أحصر ، فقال مالك و الشافعي : من أحصر بعدو فلا قضاء عليه لحجة ولا عمرته إلا أن يكون صرورة لم يكن حج ، فيكون عليه الحج على حسب وجوبه عليه ، وكذلك العمرة عند من أوجبها فرضاً . وقال أبو حنيفة : المحصر بمرض أو عدو عليه حجة وعمرة ، وهو قول الطبري . قال أصحاب الرأي : إن كان مهلاً بحج قضى حجة وعمرة، لأن إحرامه بالحج صار عمرة . وإن كان قارناً قضى حجة وعمرتين . وإن كان مهلاً بعمرة قضى عمرة . وسواء عندهم المحصر بمرض أو عدو ، على ما تقدم . واحتجوا بحديث ميمون بن مهران قال : خرجت معتمراً عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة وبعث معي رجال من قومي بهدي ، فلما انتهيت إلى أهل الشام منعوني أن أدخل الحرم ، فنحرت الهدي مكاني ثم حللت ثم رجعت ، فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي ، فأتيت ابن عباس فسألته ، فقال :أبدل الهدي ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر اصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء . واستدلوا بقوله عليه السلام :
"من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى أو عمرة أخرى" . رواه عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من عرج أو كسر فقد حل وعليه حجة أخرى" . قالوا : فاعتمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العام المقبل من عام الحديبية إنما كان قضاء لتلك العمرة ، قالوا :ولذلك قيل لها عمرة القضاء . واحتج مالك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدأ من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئاً ولا أن يعودوا لشيء ولا حفظ ذلك عن بوجه من الوجوه ، ولا قال في العام المقبل : إن عمرتي هذه قضاء عن العمرة التي حصرت فيها ، ولم ينقل ذلك عنه . قالوا : وعمرة القضاء وعمرة القضية سواء ، وإنما قيل لها ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضى قريشاً وصالحهم في ذلك العام على الرجوع عن البيت وقصده من قابل ، فسميت بذلك عمرة القضية .
الثامنة : لم يقل أحد من الفقهاء فيمن كسر أو عرج أنه يحل مكانه بنفس الكسر غير أبي ثور على ظاهر حديث الحجاج بن عمرو ، على ذلك داود بن علي وأصحابه . وأجمع العلماء على أنه يحل من كسر ، ولكن اختلفوا فيما به يحل ، فقال مالك وغيره : يحل بالطواف بالبيت لا يحله غيره . ومن خالفه من الكوفيين يقول : يحل بالنية وفعل وما يتحلل به ، على ما تقدم من مذهبه .
التاسعة : لا خلاف بين علماء الأمصار أن الإحصار عام في الحج والعمرة . وقال ابن سيرين : لا إحصار في العمرة ، لأنها غير مؤقتة . وأجيب بأنها وإن كانت غير مؤقتة لكن في الصبر إلى زوال العذر ضرر ، وفي ذلك نزلت الآية . وحكي عن ابن الزبير أن من أحصره العدو أو المرض فلا يحله إلا الطواف بالبيت ، وهذا أيضاً مخالف لنص الخبر عام الحديبية .
العاشرة : الحاصر لا يخلو أن يكون كافراً أو مسلماً ، فإن كان كافراً لم يجز قتاله ولو وثق بالظهور عليه ، ويتحلل بموضعه ، لقوله تعالى : "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام" كما تقدم . ولو سأل الكافر جعلاً لم يجز ، لأن ذلك وهن في الإسلام . فإن كان مسلماً لم يجز قتاله بحال ، ووجب التحلل ، فإن طلب شيئاً ويتخلى عن الطريق جاز دفعه ، ولم يجز القتال لما فيه من إتلاف المهج ، وذلك لا يلزم في أداء العبادات ، فإن الدين أسمح . وأما بذل الجعل فلما فيه من دفع أعظم الضررين بأهونهما ، ولأن الحج مما ينفق فيه المال ، فيعد هذا من النفقة .
الحادية عشرة : والعدو الحاصر لا يخلو أن يتقين بقاؤه واستيطانه لقوته وكثرته أو لا : فإن كان الأول حل المحصر مكانه من ساعته . وإن كان الثاني وهو مما يرجى زواله فهذا لا يكون محصوراً حتى يبقى بينه وبين الحج مقدار ما يعلم أنه إن زال العدو لا يدرك فيه الحج ، فيحل حينئذ عند ابن القاسم و ابن الماجشون . وقال أشهب : لا يحل من حصر عن الحج بعدو حتى يوم النحر ، ولا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة . وجه قول ابن القاسم : أن هذا وقت يأس من إكمال حجه لعدو غالب ، فجاز له أن يحل فيه ، أصل ذلك يوم عرفة . ووجه قول اشهب أن عليه أن يأتي من حكم الإحرام بما يمكنه والتزامه له إلى يوم النحر ، الوقت الذي يجوز للحاج التحلل بما يمكنه الإتيان به فكان ذلك عليه .
قوله تعالى : " فما استيسر من الهدي " ما في موضع رفع ، أي فالواجب أو فعليكم ما استيسر . ويحتمل أن يكون في موضع نصب ، أي فانحروا أو فاهدوا . و "ما استيسر" عند جمهور أهل العلم شاة . وقال ابن عمر وعائشة وابن الزبير : ما استيسر جمل دون جمل ، وبقرة دون بقرة لا يكون من غيرهما . وقال الحسن : أعلى الهدي بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخسه شاة . وفي هذا دليل على ما ذهب إليه مالك من أن المحصر بعدو لا يجب عليه القضاء ، لقوله : " فما استيسر من الهدي " ولم يذكر قضاء . والله أعلم .
الثانية عشرة : قوله تعالى : "من الهدى" الهدي والهدي لغتان . وهو ما يهدى إلى بيت الله من بدنة أو غيرها . والعرب تقول : كم هدي بني فلان ، أي كم إبلهم . وقال أبو بكر : سميت هدياً لأن منها ما يهدى إلى بيت الله ، فسميت بما يلحق بعضها ، كما قال تعالى : "فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" . أراد فإن زنى الإماء فعلى الأمة منهن إذا زنت نصف ما على الحرة البكر إذا زنت ، فذكر الله في المحصنات وهو يريد الأبكار ، لأن الإحصان يكون في في أكثرهن فسمين بأمر يوجد في بعضهن . والمحصنة من الحرائر هي ذات الزوج ، يجب عليها الرجم إذا زنت ، والرجم لا يتبعض ، فيكون على الأمة نصفه ، فانكشف بهذا أن المحصنات يراد بهن الأبكار لا أولات الأزواج . وقال الفراء : أهل الحجاز وبنو أسد يخففون الهدي ، قال : وتميم وسفلى قيس يثقلون فيقولون : هدي . قال الشاعر :
حلفت برب مكة والمصلى وأعناق الهدي مقلدات
قال : وواحد الهدي هدية . ويقال في جمع الهدي أهداء .
لما ذكر تعالى أحكام الصيام, وعطف بذكر الجهاد, شرع في بيان المناسك فأمر بإتمام الحج والعمرة, وظاهر السياق إكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما, ولهذا قال بعده: فإن أحصرتم, أي صددتم عن الوصول إلى البيت, ومنعتم من إتمامهما, ولهذا اتفق العلماء, على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم, سواء قيل بوجوب العمرة أو باستحبابها, كما هما قولان للعلماء, وقد ذكرناهما بدلائلهما في كتابنا الأحكام, مستقصى ولله الحمد والمنة, وقال شعبة: عن عمرو بن مرة, عن عبد الله بن سلمة, عن علي أنه قال في هذه الاية: "وأتموا الحج والعمرة لله", قال: أن تحرم من دويرة أهلك, وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس, وعن سفيان الثوري أنه قال في هذه الاية: إتمامها أن تحرم من أهلك, لا تريد إلا الحج والعمرة وتهل من الميقات, ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة, حتى إذا كنت قريباً من مكة, قلت لو حججت أو أعمرت, وذلك يجزئ, ولكن التمام أن تخرج له ولا تخرج لغيره, وقال مكحول: إتمامهما إنشاؤهما جميعاً من الميقات, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري, قال: بلغنا أن عمر قال في قول الله "وأتموا الحج والعمرة لله" من تمامهما أن تفرد كل واحد منهما من الاخر , وأن تعتمر في غير أشهر الحج, إن الله تعالى يقول: الحج أشهر معلومات, وقال هشام عن ابن عون: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة, فقيل له: فالعمرة في المحرم ؟ قال: كانوا يرونها تامة, وكذا روي عن قتادة بن دعامة رحمهما الله, وهذا القول فيه نظر لأنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, اعتمر أربع عمر, كلها في ذي القعدة, عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست, وعمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع, وعمرة الجعرانة في ذي القعدة سنة ثمان وعمرته التي مع حجته أحرم بهما معاً في ذي القعدة سنة عشر وما اعتمر في غير ذلك بعد هجرته, ولكن قال لأم هانئ: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي", وما ذاك إلا لأنها قد عزمت على الحج معه عليه السلام, فاعتاقت عن ذلك بسبب الطهر , كما هو مبسوط في الحديث عند البخاري ونص سعيد بن جبير على أنه من خصائصها, والله أعلم.
وقال السدي في قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله" أي أقيموا الحج والعمرة, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله", يقول: من أحرم بحج أو بعمرة فليس له أن يحل, حتى يتمهما تمام الحج, يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة, وطاف بالبيت وبالصفا والمروة فقد حل. وقال قتادة عن زرارة, عن ابن عباس أنه قال: الحج عرفة, والعمرة الطواف, وكذا روى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة في قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله", قال: هي قراءة عبد الله وأتموا الحج والعمرة إلى البيت لا يجاوز بالعمرة البيت. قال إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير , فقال كذلك قال ابن عباس. وقال سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أنه قال: وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت, وكذا روى الثوري أيضاً, عن إبراهيم عن منصور عن إبراهيم, أنه قرأ: وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت. وقرأ الشعبي: "وأتموا الحج والعمرة لله" برفع العمرة, وقال: ليست بواجبة. وروي عنه خلاف ذلك, وقد وردت أحاديث كثيرة من طرق متعددة, عن أنس وجماعة من الصحابة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, جمع في إحرامه بحج وعمرة, وثبت عنه في الصحيح أنه قال لأصحابه: "من كان معه هدي فليهل بحج وعمرة", وقال في الصحيح أيضاً: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة".
وقد روى الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في سبب نزول هذه الاية حديثاً غريباً, فقال: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا أبو عبد الله الهروي, حدثنا غسان الهروي, حدثنا إبراهيم ابن طهمان, عن عطاء عن صفوان بن أمية, أنه قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم متضمخ بالزعفران, عليه جبة, فقال: كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي قال: فأنزل الله "وأتموا الحج والعمرة لله" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين السائل عن العمرة ؟ فقال: ها أنا ذا, فقال له ألق عنك ثيابك ثم اغتسل واستنشق ما استطعت, ثم ما كنت صانعاً في حجك فاصنعه في عمرتك" هذا حديث غريب وسياق عجيب, والذي ورد في الصحيحين عن يعلى بن أمية في قصة الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة, فقال: كيف ترى في رجل أحرم بالعمرة وعليه جبة وخلوق ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم جاءه الوحي ثم رفع رأسه فقال: أين السائل ؟ فقال ها أنا ذا, فقال "أما الجبة فانزعها, وأما الطيب الذي بك فاغسله, ثم ما كنت صانعاً في حجك فاصنعه في عمرتك" ولم يذكر فيه الغسل والاستنشاق, ولا ذكر نزول هذه الاية, وهو عن يعلى بن أمية لا صفوان بن أمية, فالله أعلم.
وقوله "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" ذكروا أن هذه الاية نزلت في سنة ست, أي عام الحديبية حين حال المشركون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الوصول إلى البيت, وأنزل الله في ذلك سورة الفتح بكمالها, وأنزل لهم رخصة أن يذبحوا ما معهم من الهدي, وكان سبعين بدنة, وأن يحلقوا رؤوسهم وأن يتحللوا من إحرامهم, فعند ذلك أمرهم عليه السلام أن يحلقوا رؤوسهم وأن يتحللوا, فلم يفعلوا انتظاراً للنسخ, حتى خرج فحلق رأسه ففعل الناس, وكان منهم من قصر رأسه ولم يحلقه, فلذلك قال صلى الله عليه وسلم "رحم الله المحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله ؟ فقال في الثالثة والمقصرين", وقد كانوا اشتركوا في هديهم ذلك كل سبعة في بدنة, وكانوا ألفاً وأربعمائة, وكان منزلهم بالحديبية خارج الحرم, وقيل بل كانوا على طرف الحرم, فالله أعلم, ولهذا اختلف العلماء: هل يختص الحصر بالعدو فلا يتحلل إلا من حصره عدو لا مرض ولا غيره على قولين, فقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري, حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس, وابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس, وابن أبي نجيح عن ابن عباس, أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو, فأما من أصابه مرض أو وضع أو ضلال فليس عليه شيء, إنما قال الله تعالى: "فإذا أمنتم" فليس الأمن حصراً, قال: وروي عن ابن عمر وطاوس والزهري وزيد بن أسلم نحو ذلك, والقول الثاني: إن الحصر أعم من أن يكون بعدو أو مرض أو ضلال, وهو التوهان عن الطريق أو نحو ذلك, قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد, حدثنا حجاج بن الصواف عن يحيى بن أبي كثير, عن عكرمة, عن الحجاج بن عمرو الأنصاري, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من كسر أو وجع أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى" قال: فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا: صدق, وأخرجه أصحاب الكتب الأربعة من حديث يحيى بن أبي كثير به, وفي رواية لأبي داود وابن ماجه: من عرج أو كسر أو مرض, فذكر معناه. ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن عرفة, عن إسماعيل بن علية, عن الحجاج بن أبي عثمان الصواف به, ثم قال: وروي عن ابن مسعود وابن الزبير وعلقمة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ومجاهد والنخعي وعطاء ومقاتل بن حيان الإحصار من عدو أو مرض أو كسر وقال الثوري الإحصار من كل شيء آذاه وثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب, فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية, فقال "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني" ورواه مسلم عن ابن عباس بمثله, فذهب من ذهب من العلماء إلى صحة الاشتراط في الحج لهذا الحديث, وقد علق الإمام محمد بن إدريس الشافعي القول بصحة هذا المذهب على صحة هذا الحديث, قال البيهقي وغيره من الحفاظ: وقد صح ولله الحمد.
وقوله "فما استيسر من الهدي" قال الإمام مالك: عن جعفر بن محمد عن أبيه, عن علي بن أبي طالب, أنه كان يقول: "فما استيسر من الهدي" شاة, وقال ابن عباس: الهدي من الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والمعز والضأن, وقال الثوري عن حبيب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله "فما استيسر من الهدي" قال: شاة, وكذا قال عطاء ومجاهد وطاوس وأبو العالية ومحمد بن علي بن الحسين وعبد الرحمن بن القاسم والشعبي والنخعي والحسن وقتادة والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم: مثل ذلك, وهو مذهب الأئمة الأربعة, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة وابن عمر: أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر. قال: وروي عن سالم والقاسم وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير نحو ذلك (قلت) والظاهر أن مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصة الحديبية, فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه ذبح في تحلله ذلك شاة, وإنما ذبحوا الإبل والبقر, ففي الصحيحين عن جابر , قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الابل والبقر كل سبعة منا في بقرة, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه, عن ابن عباس في قوله "فما استيسر من الهدي" قال: بقدر يسارته, وقال العوفي, عن ابن عباس: إن كان موسراً فمن الإبل, وإلا فمن البقر , وإلا فمن الغنم. وقال هشام بن عروة عن أبيه "فما استيسر من الهدي" قال: إنما ذلك فيما بين الرخص والغلاء, والدليل على صحة قول الجمهور فيما ذهبوا إليه من إجزاء ذبح الشاة في الإحصار أن الله أوجب ذبح ما استيسر من الهدي أي مهما تيسر مما يسمى هدياً, والهدي من بهيمة الأنعام, وهي الإبل والبقر والغنم, كما قاله الحبر البحر ترجمان القرآن وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مرة غنماً.
وقوله "ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله" معطوف على قوله "وأتموا الحج والعمرة لله" وليس معطوفاً على قوله "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" كما زعمه ابن جرير رحمه الله, لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم, حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم, فأما في حال الأمن والوصول إلى الحرم فلا يجوز الحلق "حتى يبلغ الهدي محله" ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة إن كان قارناً, أو من فعل أحدهما إن كان منفرداً أو متمتعاً, كما ثبت في الصحيحين عن حفصة أنها قالت: يا رسول الله, ما شأن الناس حلوا من العمرة, ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال "إني لبدت رأسي وقلدت هديي, فلا أحل حتى أنحر ".
وقوله "فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قال البخاري: حدثنا آدم, حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني, سمعت عبد الله بن معقل قال: قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ فسألته عن فدية من صيام, فقال: "حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم, والقمل يتناثر على وجهي, فقال ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا, أما تجد شاة؟ قلت: لا, قال: صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين, لكل مسكين نصف صاع من طعام, واحلق رأسك" فنزلت في خاصة وهي لكم عامة وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل, حدثنا أيوب عن مجاهد, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن كعب بن عجرة, قال: أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد تحت قدر والقمل يتناثر على وجهي, أو قال حاجبي, فقال "يؤذيك هوام رأسك ؟ قلت: نعم, قال فاحلقه, وصم ثلاثة أيام, أو أطعم ستة مساكين, أو أنسك نسيكة" قال أيوب: لا أدري بأيتهن بدأ, وقال أحمد أيضاً: حدثنا هشيم, حدثنا أبو بشر عن مجاهد, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن كعب بن عجرة, قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصره المشركون, وكانت لي وفرة, فجعلت الهوام تساقط على وجهي, فمر علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيؤذيك هوام رأسك ؟ فأمره أن يحلق قال: ونزلت هذه الاية "فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" وكذا رواه عفان عن شعبة عن أبي بشر وهو جعفر بن إياس به, وعن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به، وعن شعبة عن داود عن الشعبي عن كعب بن عجرة نحوه، ورواه الإمام مالك عن حميد بن قيس, عن مجاهد, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن كعب بن عجرة, فذكره نحوه, وقال سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبان بن صالح, عن الحسن البصري: أنه سمع كعب بن عجرة يقول: فذبحت شاة, ورواه ابن مردويه, وروي أيضاً من حديث عمر بن قيس وهو ضعيف عن عطاء عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "النسك شاة, والصيام ثلاثة أيام, والطعام فرق بين ستة" وكذا روي عن علي ومحمد بن كعب وعكرمة وإبراهيم ومجاهد وعطاء والسدي والربيع بن أنس, وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالك بن أنس حدثه عن عبد الكريم بن مالك الجزري, عن مجاهد, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن كعب بن عجرة: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآذاه القمل في رأسه, فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه, وقال: "صم ثلاثة أيام, أو أطعم ستة مساكين, مدين مدين لكل إنسان, أو أنسك شاة, أي ذلك فعلت أجزأ عنك" وهكذا روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد, عن ابن عباس في قوله "ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قال: إذا كان أو فأيه أخذت أجزأ عنك, قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد وعكرمة وعطاء وطاوس والحسن وحميد الأعرج وإبراهيم والنخعي والضحاك نحو ذلك. (قلت) وهو مذهب الأئمة الأربعة, وعامة العلماء أنه يخير في هذا المقام, إن شاء صام وإن شاء تصدق بفرق, وهو ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع وهو مدان, وإن شاء ذبح شاة وتصدق بها على الفقراء أي ذلك فعل أجزأه, ولما كان لفظ القرآن في بيان الرخصة جاء بالأسهل فالأسهل "ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة بذلك, أرشده إلى الأفضل فالأفضل, فقال: أنسك شاة, أو أطعم ستة مساكين, أو صم ثلاثة أيام, فكل حسن في مقامه, ولله الحمد والمنة. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا أبو بكر بن عياش, قال: ذكر الأعمش, قال: سأل إبراهيم سعيد بن جبير عن هذه الاية "ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" فأجابه بقول يحكم عليه طعام, فإن كان عنده اشترى شاة, وإن لم يكن قومت الشاة دراهم وجعل مكانها طعام فتصدق, وإلا صام لكل نصف صاع يوماً, قال إبراهيم: كذلك سمعت علقمة يذكر, قال: لما قال لي سعيد بن جبير: من هذا ما أظرفه ؟ قال: قلت: هذا إبراهيم, فقال: ما أظرفه كان يجالسنا, قال: فذكرت ذلك لإبراهيم قال: فلما قلت: يجالسنا انتفض منها, وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا ابن أبي عمران, حدثنا عبيد الله بن معاذ عن أبيه, عن أشعث, عن الحسن في قوله "ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قال: إذا كان بالمحرم أذى من رأسه, حلق وافتدى بأي هذه الثلاثة شاء, والصيام عشرة أيام, والصدقة على عشرة مساكين, كل مسكين مكوكين: مكوكاً من تمر, ومكوكاً من بر, والنسك شاة, وقال قتادة عن الحسن وعكرمة في قوله "ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قال: إطعام عشرة مساكين, وهذان القولان من سعيد بن جبير وعلقمة والحسن وعكرمة, قولان غريبان فيهما نظر, لأنه قد ثبتت السنة في حديث كعب بن عجرة الصيام ثلاثة أيام لا ستة, أو إطعام ستة مساكين, أو نسك شاة, وأن ذلك على التخيير كما دل عليه سياق القرآن, وأما هذا الترتيب فإنما هو معروف في قتل الصيد كما هو نص القرآن وعليه أجمع الفقهاء هناك بخلاف هذا, والله أعلم. وقال هشام: أخبرنا ليث عن طاوس أنه كان يقول: ما كان من دم أو طعام فبمكة, وما كان من صيام فحيث شاء, وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن, وقال هشام: أخبرنا حجاج وعبد الملك وغيرهما عن عطاء أنه كان يقول: ما كان من دم فبمكة, وما كان من طعام وصيام فحيث شاء, وقال هشيم: أخبرنا يحيى بن سعيد عن يعقوب بن خالد, أخبرنا أبو أسماء مولى ابن جعفر, قال: حج عثمان بن عفان ومعه علي والحسين بن علي فارتحل عثمان, قال أبو أسماء وكنت مع ابن جعفر فإذا نحن برجل نائم وناقته عند رأسه, قال: فقلت: أيها النائم, فاستيقظ فإذا الحسين بن علي, قال: فحمله ابن جعفر حتى أتينا به السقيا, قال: فأرسل إلي علي ومعه أسماء بنت عميس, قال: فمرضناه نحواً من عشرين ليلة, قال: قال علي للحسين ما الذي تجد ؟ قال: فأومأ بيده إلى رأسه, قال: فأمر به علي فحلق رأسه, ثم دعا ببدنة فنحرها فإن كانت هذه الناقة عن الحلق, ففيه أنه نحرها دون مكة. وإن كانت عن التحلل فواضح.
وقوله "فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي" أي فإذا تمكنتم من أداء المناسك فمن كان منكم متمتعاً بالعمرة إلى الحج, وهو يشمل من أحرم بهما, أو أحرم بالعمرة أولاً, فلما فرغ منها أحرم بالحج, وهذا هو التمتع الخاص, وهو المعروف في كلام الفقهاء, والتمتع العام يشمل القسمين, كما دلت عليه الأحاديث الصحاح, فإن من الرواة من يقول: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر يقول: قرن ولا خلاف أنه ساق هدياً, وقال تعالى: "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي" أي فليذبح ما قدر عليه من الهدي, وأقله شاة, وله أن يذبح البقر, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر, وقال الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح البقر عن نسائه وكن متمتعات, رواه أبو بكر بن مردويه, وفي هذا دليل على مشروعية التمتع, كما جاء في الصحيحين عن عمران بن حصين, قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم لم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها, حتى مات, قال رجل برأيه ما شاء. قال البخاري يقال إنه عمر , وهذا الذي قاله البخاري قد جاء مصرحاً به أن عمر كان ينهى الناس عن التمتع ويقول: إن نأخذ بكتاب الله يأمر بالتمام, يعني قوله "وأتموا الحج والعمرة لله" وفي نفس الأمر لم يكن عمر رضي الله عنه ينهى عنها محرماً لها, إنما كان ينهى عنها ليكثر قصد الناس للبيت حاجين ومعتمرين, كما قد صرح به رضي الله عنه.
وقوله "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة" يقول تعالى: فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج, أي في أيام المناسك, قال العلماء: والأولى أن يصومها قبل عرفة في العشر, قاله, عطاء, أو من حين يحرم قاله ابن عباس وغيره لقوله في الحج, ومنهم من يجوز صيامها من أول شوال, قاله طاوس ومجاهد وغير واحد, وجوز الشعبي صيام يوم عرفة وقبله يومين, وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والسدي وعطاء وطاوس والحكم والحسن وحماد وإبراهيم وأبو جعفر الباقر والربيع ومقاتل بن حيان, وقال العوفي عن ابن عباس: إذا لم يجد هدياً فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة, فإذا كان يوم عرفة الثالث, فقد تم صومه, وسبعة إذا رجع إلى أهله, وكذا روى أبو إسحاق عن وبرة عن ابن عمر قال: يصوم يوماً قبل التروية, ويوم التروية, ويوم عرفة وكذا روى جعفر بن محمد عن أبيه, عن علي أيضاً: فلو لم يصمها أو بعضها قبل العيد, فهل يجوز أن يصومها في أيام التشريق ؟ فيه قولان للعلماء وهما للإمام الشافعي أيضاً, القديم منهما: أنه يجوز له صيامها لقول عائشة وابن عمر في صحيح البخاري: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي هكذا رواه مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر وقد روي من غير وجه عنهما, ورواه سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي, أنه كان يقول: من فاته صيام ثلاثة أيام في الحج, صامهن أيام التشريق, وبهذا يقول عبيد بن عمير الليثي عن عكرمة والحسن البصري وعروة بن الزبير, وإنما قالوا ذلك لعموم قوله "فصيام ثلاثة أيام في الحج" والجديد من القولين أنه لا يجوز صيامها أيام التشريق لما رواه مسلم عن قتيبة الهذلي رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيام التشريق أيام أكل وشرب, وذكر الله عز وجل".
وقوله "وسبعة إذا رجعتم" فيه قولان: (أحدهم) إذا رجعتم إلى رحالكم, ولهذا قال مجاهد: هي رخصة إذا شاء صامها في الطريق, وكذا قال عطاء بن أبي رباح. والقول (الثاني) إذا رجعتم إلى أوطانكم, قال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن يحيى بن سعيد عن سالم, سمعت ابن عمر قال: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم " قال: إذا رجع إلى أهله, وكذا روي عن سعيد بن جبير وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وقتادة والزهري والربيع بن أنس, وحكى على ذلك أبو جعفر بن جرير الإجماع, وقد قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير, حدثنا الليث عن عقيل, عن ابن شهاب, عن سالم بن عبد الله, أن ابن عمر قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج, وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة, فأهل بعمرة, ثم أهل بالحج, فتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج, فكان من الناس من أهدى فساق الهدي, ومنهم من لم يهد, فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: "من كان منكم أهدى فإنه لا يحل بشيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج, فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج, وسبعة إذا رجع إلى أهله" وذكر تمام الحديث, قال الزهري: وأخبرني عروة عن عائشة بمثل ما أخبرني سالم عن أبيه, والحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري به, وقوله "تلك عشرة كاملة" قيل: تأكيد, كما تقول العرب: رأيت بعيني, وسمعت بأذني, وكتبت بيدي, وقال الله تعالى: "ولا طائر يطير بجناحيه" وقال "ولا تخطه بيمينك" وقال "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة" وقيل: معنى كاملة الأمر بإكمالها وإتمامها, اختاره ابن جرير, وقيل معنى كاملة أي مجزئة عن الهدي, قال هشيم عن عباد بن راشد عن الحسن البصري في قوله "تلك عشرة كاملة" قال: من الهدي.
وقوله "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" قال ابن جرير: واختلف أهل التأويل فيمن عنى بقوله "لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" بعد إجماع جميعهم على أن أهل الحرم معنيون به وأنه لا متعة لهم, فقال بعضهم: عنى بذلك أهل الحرم خاصة دون غيرهم, حدثنا ابن بشار , حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان هو الثوري قال: ابن عباس: هم أهل الحرم, وكذا روى ابن المبارك عن الثوري, وزاد الجماعة عليه, وقال قتادة: ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: يا أهل مكة, لا متعة لكم, أحلت لأهل الافاق وحرمت عليكم, إنما يقطع أحدكم وادياً, أو قال: يجعل بينه وبين الحرم وادياً, ثم يهل بعمرة, وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه, قال: المتعة للناس لا لأهل مكة, من لم يكن أهله من الحرم. وكذا قول الله عز وجل "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" قال: وبلغني عن ابن عباس مثل قول طاوس, وقال آخرون: هم أهل الحرم ومن بينه وبين المواقيت, كما قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن عطاء, قال: من كان أهله دون المواقيت فهو كأهل مكة لا يتمتع, وقال عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول في قوله "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" قال: من كان دون الميقات وقال ابن جريج عن عطاء ذلك لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام قال: عرفة ومزدلفة وعرفة والرجيع, وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر سمعت الزهري يقول من كان أهله على يوم أو نحوه تمتع, وفي رواية عنه: اليوم واليومين, واختار ابن جرير في ذلك مذهب الشافعي أنهم أهل الحرم, ومن كان منه على مسافة لا يقصر فيها الصلاة, لأن من كان كذلك يعد حاضراً لا مسافراً, والله أعلم.
وقوله: "واتقوا الله" أي فيما أمركم ونهاكم "واعلموا أن الله شديد العقاب" أي لمن خالف أمره وارتكب ما عنه زجره.
قوله: 196- "وأتموا الحج" اختلف العلماء في المعنى المراد بإتمام الحج والعمرة لله، فقيل: أداؤهما والإتيان بهما من دون أن يشوبهما شيء مما هو محظور، ولا يخل بشرط ولا فرض لقوله تعالى: "فأتمهن" وقوله: "ثم أتموا الصيام إلى الليل". وقال سفيان الثوري: إثمامهما أن تخرج لهما لا لغيرهما، وقيل: إتمامهما أن تفرد كل واحد منهما من غير تمتع ولا قران، وبه قال ابن حبيب. وقال مقاتل: إتمامهما أن لا يستحلوا فيهما ما لا ينبغي لهم، وقيل: إتمامهما أن يحرم لهما من دويرة أهله، وقيل: أن ينفق في سفرهما الحلال الطيب، وسيأتي بيان سبب نزول الآية وما هو مروي عن السلف في معنى إتمامهما. وقد استدل بهذه الآية على وجوب العمرة لأن الأمر بإتمامهما أمر بها، وبذلك قال علي وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي وسعيد بن جبير ومسروق وعبد الله بن شداد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وابن الجهم من المالكية. وقال مالك والنخعي وأصحاب الرأي كما حكاه ابن المنذر عنهم: أنهم سنة. وحكي عن أبي حنيفة أنه يقول بالوجوب. ومن القائلين بأنها سنة ابن مسعود وجابر بن عبد الله. ومن جملة ما استدل به الأولون ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال لأصحابه: "من كان معه هدي فليهل بحج وعمرة". وثبت عنه أيضاً في الصحيح أنه قال: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة". وأخرج الدارقطني والحاكم من حديث زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت". واستدل الآخرون بما أخرجه الشافعي في الآية وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي صالح الحنفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحج جهاد والعمرة تطوع". وأخرج ابن ماجه عن طلحة بن عبيد الله مرفوعاً مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه عن جابر "أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال: لا وأن تعتمروا خير لكم" وأجابوا عن الآية وعن الأحاديث المصرحة بأنها فريضة بحمل ذلك على أنه قد وقع الدخول فيها، وهي بعد الشروع فيها واجبة بلا خلاف، وهذا وإن كان فيه بعد، لكنه يجب المصير إليه جمعاً بين الأدلة ولا سيما بعد تصريحه صلى الله عليه وسلم بما تقدم في حديث جابر من عدم الوجوب، وعلى هذا يحمل ما ورد مما فيه دلالة على وجوبها، كما أخرجه الشافعي في الأم أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: "إن العمرة هي الحج الأصغر". وكحديث ابن عمر عند البيهقي في الشعب قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني، فقال تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج وتعتمر، وتسمع وتطيع، وعليك بالعلانية، وإياك والسر" وهكذا ينبغي حمل ما ورد من الأحاديث التي قرن فيها بين الحج والعمرة في أنهما من أفضل الأعمال، وأنهما كفارة لما بينهما، وأنهما يهدمان ما كان قبلهما ونحو ذلك. قوله: "فإن أحصرتم" الحصر: الحبس. قال أبو عبيدة والكسائي والخليل: إنه يقال أحصر بالمرض، وحصر بالعدو. وفي المجمل لابن فارس العكس يقال: أحصر بالعدو، وحصر بالمرض. ورجح الأول ابن العربي وقال: هو رأي أكثر أهل اللغة. وقال الزجاج: إنه كذلك عند جميع أهل اللغة. وقال الفراء: هما بمعنى واحد في المرض والعدو. ووافقه على ذلك أبو عمرو الشيباني فقال: حصرني الشيء وأحصرني: أي حبسني. وبسبب هذا الاختلاف بين أهل اللغة اختلف أئمة الفقه في معنى الآية، فقالت الحنفية: المحصر من يصير ممنوعاً من مكة بعد الإحرام بمرض أو عدو أو غيره. وقالت الشافعية وأهل المدينة المراد بالآية حصر العدو. وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن المحصر بعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه إن كان ثم هدي ويحلق رأسه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه في الحديبية . وقوله " فما استيسر من الهدي " ما في موضع رفع على الابتداء أو الخبر: أي فالواجب أو فعليكم، ويحتمل أن يكون في موضع نصب، أي فانحروا أو فاهدوا ما استيسر: أي ما تيسر، يقال: يسر الأمر واستيسر، كما يقال: صعب واستصعب، الهدي والهدي لغتان، وهما جمع هدية، وهي ما يهدى إلى البيت من بدنة أو غيرها. قال الفراء: أهل الحجاز وبنو أسد يخففون الهدي، وتميم وسفلى قيس يثقلون. قال الشاعر:
حلفت برب كعبة والمصلى وأعناق الهدي مقلدات
قال: وواحد الهدي هدية، ويقال: في جمع الهدي أهد. واختلف أهل العلم في المراد بقوله: "ما استيسر" فذهب الجمهور إلى أنه شاة. وقال ابن عمر وعائشة وابن الزبير: جمل أو بقرة. وقال الحسن: أعلا الهدي بدنة، وأوسطه بقرة، وأدناه شاة، وقوله: "ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله" هو خطاب لجميع الأمة من غير فرق بين محصر وغير محصر، وإليه ذهب جمع من أهل العلم- وذهبت طائفة إلى أنه خطاب للمحصرين خاصة: أي لا تحلوا من الإحرام حتى تعلموا أن الهدي الذي بعثتموه إلى الحرم قد بلغ محله، وهو الموضع الذي يحل فيه ذبحه. واختلفوا في تعيينه، فقال مالك والشافعي: هو موضع الحصر اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أحصر في عام الحديبية. وقال أبو حنيفة: هو الحرام لقوله تعالى: "ثم محلها إلى البيت العتيق" وأجيب عن ذلك بان المخاطب به هو الآمن الذي يمكنه الوصول إلى البيت. وأجاب الحنفية عن نحره صلى الله عليه وسلم في الحديبية بأن طرف الحديبية الذي إلى أسفل مكة هو من الحرم، ورد بأن المكان الذي وقع فيه النحر ليس هو من الحرم. قوله: "فمن كان منكم مريضاً" الآية، المراد بالمرض هنا ما يصدق عليه مسمى المرض لغة. والمراد بالأذى من الرأس: ما فيه من قمل أو جراح ونحو ذلك، ومعنى الآية: أن من كان مريضاً أو به أذى من رأسه فحلق فعليه فدية. وقد بينت السنة ما أطلق هنا من الصيام والصدقة والنسك، فثبت في الصحيح "أن رسول الله رأى كعب بن عجرة وهو محرم وقمله يتساقط على وجهه، فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟ قال: نعم، فأمره أن يحلق ويطعم ستة مساكين، أو يهدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام". وقد ذكر ابن عبد البر أنه لا خلاف بين العلماء أن النسك هنا هو شاة. وحكي عن الجمهور أن الصوم المذكور في الآية ثلاثة أيام، والإطعام عشرة مساكين. والحديث الصحيح المتقدم يرد عليهم ويبطل قولهم. وقد ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وداود إلى أن الإطعام في ذلك مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أي لكل مسكين وقال الثوري نصف صاع من بر أو صاع من غيره. وروي ذلك عن أبي حنيفة. قال ابن المنذر: وهذا غلط لأن في بعض أخبار كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: تصدق بثلاثة أصوع من تمر على ستة مساكين. واختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل، فروي عنه مثل قول مالك والشافعي، وروي عنه أنه إن أطعم براً فمد لكل مسكين، وإن أطعم تمراً فنصف صاع. واختلفوا في مكان هذه الفدية فقال عطاء: ما كان من دم فبمكة، وما كان من طعام أو صيام فحيث شاء. وبه قال أصحاب الرأي. وقال طاوس والشافعي: الإطعام والدم لا يكونان إلا بمكة، والصوم حيث شاء. وقال مالك ومجاهد: حيث شاء في الجميع، وهو الحق لعدم الدليل على تعيين المكان. قوله: "فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي" أي برأتم من المرض- وقيل: من خوفكم من العدو على الخلاف السابق، ولكن الأمن من العدو أظهر من استعمال أمنتم في ذهاب المرض، فيكون مقوياً لقول من قال إن قوله: "فإن أحصرتم"، المراد به الإحصار من العدو، كما أن قوله: "فمن كان منكم مريضاً" يقوي قول من قال بذلك لإفراد عذر المرض بالذكر. وقد وقع الخلاف هل المخاطب بهذا هم المحصرون خاصة أم جميع الأمة على حسب ما سلف، والمراد بالتمتع المذكور في الآية أن يحرم الرجل بعمرة ثم يقيم حلالاً بمكة إلى أن يحرم بالحج، فقد استباح بذلك ما لا يحل للمحرم استباحته، وهو معنى تمتع واستمتع. ولا خلاف بين أهل العلم في جواز التمتع، بل هو عندي أفضل أنواع الحج كما حررته في شرحي على المنتقى. وقد تقدم الخلاف في معنى قوله: "فما استيسر من الهدي". قوله: "فمن لم يجد" الآية، أي فمن لم يجد الهدي، إما لعدم المال أو لعدم الحيوان، صام ثلاثة أيام في الحج: أي في أيام الحج، وهي من عند شروعه في الإحرام إلى يوم النحر، وقيل: يصوم قبل يوم التروية يوماً ويوم التروية ويوم عرفة، وقيل: ما بين أن يحرم بالحج إلى يوم عرفة، وقيل: يصومهن من أول عشر ذي الحجة، وقيل: ما دام بمكة، وقيل: إنه يجوز أن يصوم الثلاث قبل أن يحرم. وقد جوز بعض أهل العلم صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي، ومنعه آخرون. قوله: "وسبعة إذا رجعتم" قرأه الجمهور بخفض سبعة، وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة بالنصب على أنه معمول بفعل مقدر: أي وصوموا سبعة، وقيل: على أنه معطوف على ثلاثة، لأنها وإن كانت مجرورة لفظاً فهي في محل نصب كأنه قيل: فصيام ثلاثة. والمراد بالرجوع هنا الرجوع إلى الأوطان. قال أحمد وإسحاق: يجزيه الصوم في الطريق، ولا يتضيق عليه الوجوب إلا إذا وصل وطنه، وبه قال الشافعي وقتادة والربيع ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وغيرهم. وقال مالك: إذا رجع من منى فلا بأس أن يصوم، والأول أرجح. وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أنه قال صلى الله عليه وسلم: "فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله" فبين صلى الله عليه وسلم أن الرجوع المذكور في الآية هو الرجوع إلى الأهل. وثبت أيضاً في الصحيح من حديث ابن عباس بلفظ "وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم" وإنما قال سبحانه: "تلك عشرة كاملة" مع أن كل أحد يعلم أن الثلاثة والسبعة عشرة، لدفع أن يتوهم متوهم التخيير بين الثلاث الأيام في الحج والسبعة إذا رجع. قال الزجاج. وقال المبرد: ذكر ذلك ليدل على انقضاء العدد لئلا يتوهم متوهم أنه قد منه شيء بعد ذكر السبعة، وقيل: هو توكيد كما تقول كتبت بيدي . وقد كانت العرب تأتي بمثل هذه الفذلكة فيما دون هذا العدد، كقول الشاعر:
ثلاث واثنتان فهن خمس وسادسة تميل إلى سهامي
وكذا قول الآخر.
ثلاث بالعداد وذاك حسبي وست حين يدركني العشاء
فذلك تســعة في اليوم ري وشرب المرء فوق الري داء
وقوله: "كاملة" توكيد آخر بعد الفذلكة لزيادة التوصية بصيامها، وأن لا ينقص من عددها. وقوله: "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" الإشارة بقوله: "ذلك" قيل: هي راجعة إلى التمتع، فتدل على أنه لا متعة لحاضري المسجد الحرام كما يقول أبو حنيفة وأصحابه، قالوا: ومن تمتع منهم كان عليه دم، وهو دم جناية لا يأكل منه، وقيل: إنها راجعة إلى الحكم، وهو وجوب الهدي والصيام، فلا يجب ذلك على من كان من حاضري المسجد الحرام، كما يقوله الشافعي ومن وافقه. والمراد بمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام: من لم يكن ساكناً في الحرم، أو من لم يكن ساكناً في المواقيت فما دونها على الخلاف في ذلك بين الأئمة. وقوله: "واتقوا الله" أي فيما فرضه عليكم في هذه الأحكام، وقيل: هو أمر التقوى على العموم وتحذير من شدة عقاب الله سبحانه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل وابن عبد البر في التمهيد عن يعلى بن أمية قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر خلوق، فقال: كيف تأمرني يا رسول الله أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله: "وأتموا الحج والعمرة لله" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأتموا الحج والعمرة لله" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين السائل عن العمرة؟ فقال: ها أنذا، قال: اخلع الجبة واغسل عنك أثر الخلوق، ثم ما كنت صانعاً في حجك فاصنعه في عمرتك". وقد أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديثه، ولكن فيهما أنه نزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد السؤال ولم يذكر ما هو الذي أنزل عليه. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي في قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله" قال: أن تحرم من دويرة أهلك. وأخرج ابن عدي والبيهقي مثله من حديث أبي هريرة مرفوعاً. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: من تمامها أن يفرد كل واحد منهما عن الآخر، وأن يعتمر في غير أشهر الحج. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حل، وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا وبالمروة فقد حل. وقد ورد في فضل الحج والعمرة أحاديث كثيرة ليس هذا موطن ذكرها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "فإن أحصرتم" يقول: من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي شاة فما فوقها، وإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت بعد حجة الفريضة فلا قضاء عليه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: "فإن أحصرتم" يقول: الرجل إذا أهل بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي، فإن كان عجل قبل أن يبلغ الهدي محله فحلق رأسه، أو مس طيباً، أو تداوى بدواء، كان عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك- فالصيام ثلاثة أيام، والصدقة ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك شاة "فإذا أمنتم" يقول: فإذا بريء فمضى من وجهه ذلك إلى البيت أحل من حجته بعمرة، وكان عليه الحج من قابل، فإن هو رجع ولم يتم من وجهه ذلك إلى البيت كان عليه حجة وعمرة، فإن هو رجع متمتعاً في أشهر الحج كان عليه ما استيسر من الهدي شاة، فإن هو لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. قال إبراهيم: فذكرت هذا الحديث لسعيد بن جبير فقال: هكذا قال ابن عباس في هذا الحديث كله. وأخرج مالك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن علي في قوله: "فما استيسر من الهدي" قال: شاة. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس مثله. وأخرج الشافعي في الأم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي "فما استيسر من الهدي" قال: بقرة أو جزور، قيل: أو ما يكفيه شاة؟ قال: لا. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس قال في تفسير: "ما استيسر" ما يجد. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: إن كان موسراً فمن الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق القاسم عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر. وكان ابن عباس يقول: ما استيسر من الهدي شاة. وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لا حصر إلا حصر العدو، فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال فليس عليه شيء، إنما قال الله: "فإذا أمنتم" فلا يكون الأمن إلا من الخوف. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: لا إحصار إلا من عدو. وأخرج أيضاً عن الزهري نحوه. وأخرج أيضاً عن عطاء قال: لا إحصار إلا من مرض أو عدو أو أمر حادث. وأخرج أيضاً عن عروة قال: كل شيء حبس المحرم فهو إحصار. وأخرج البخاري عن المسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك. وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله: "ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله" ثم استثنى فقال: "فمن كان منكم مريضاً" الآية. وأخرج الترمذي وابن جرير عن كعب بن عجرة قال: لفي نزلت وإياي عنى بها "فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "فمن كان منكم مريضاً" يعني من اشتد مرضه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عنه. قال: يعني بالمرض أن يكون برأسه أذى أو قروح، أو به أذى من رأسه- قال: الأذى: هو القمل. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: النسك المذكور في الآية شاة. وروي أيضاً عن علي مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" يقول: من أحرم بالعمرة في أشهر الحج. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم أن الزبير كان يقول: إنما المتعة لمن أحصر، وليست لمن خلي سبيله. وقال ابن عباس: هي لمن أحصر ومن خلي سبيله. وأخرج ابن جرير عن علي في قوله: "فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" قال: فإن أخر العمرة حتى يجمعها مع الحج فعليه الهدي. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي بن أبي طالب في قوله: "فصيام ثلاثة أيام" قال قبل التروية يوم، ويوم التروية، ويوم عرفة فإن فاتته صامهن أيام التشريق. وأخرج هؤلاء إلا ابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمر مثله إلا أنه قال: وإذا فاته صام أيام منى فإنهن من الحج. وأخرج ابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر نحوه مرفوعاً. وأخرج ابن أبي شيبة عن علقمة ومجاهد وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: إذا لم يجد المتمتع بالعمرة هدياً فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة، وإن كان يوم عرفة الثالث فقد تم صومه، وسبعة إذا رجع إلى أهله. وأخرج الدارقطني عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام قبل يوم النحر، ومن لم يكن صام تلك الثلاثة الأيام فليصم أيام التشريق". وأخرج أيضاً عن عبد الله بن حذافة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في رهط أن يطوفوا في منى في حجة الوداع، فينادوا: إن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله، فلا نصوم فيهن إلا صوماً في هدي". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عطاء في قوله تعالى: "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" قال: ست قريات: عرفة، وعرنة، والرجيع، والنخلتان، ومر الظهران، وضجنان. وقال مجاهد: هم أهل الحرم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس. قال: هم أهل الحرم. وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر مثله.
196. قوله عز وجل " وأتموا الحج والعمرة لله " قرأ علقمة و إبراهيم النخعي ( وأقيموا الحج والعمرة لله ) واختلفوا في إتمامها فقال بعضهم: هو أن يتمها بمناسكهما وحدودهما وسننهما، وهو قول ابن عباس وعلقمة و إبراهيم النخعي و مجاهد ، وأركان الحج خمسة .. الإحرام والوقوف بعرفة، وطواف الزيارة، والسعي بين الصفا والمروة، وحلق الرأس أو التقصير. وللحج تحللان، وأسباب التحلل ثلاثة: رمي جمرة العقبة يوم النحر وطواف الزيارة والحلق، فإذا وجد شيئان من هذه الأشياء الثلاثة حصل التحلل الأول، وبالثلاث حصل التحلل الثاني، وبعد التحلل الأول يستبيح جميع محظورات الإحرام إلا النساء، وبعد الثاني يستبيح الكل، و أركان العمرة أربعة: الإحرام، والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق، وقال سعيد بن جبير و طاووس : تمام الحج والعمرة أن تحرم بهما مفردين مستأنفين من دويرة أهلك، ومثله عن ابن مسعود، وقال قتادة : تمام العمرة أن تعمل في غير أشهر الحج، [فإن كانت في أشهر الحج] ثم أقام حتى حج فهي متعة، وعليه فيها الهدي إن وجده، أو الصيام إن لم يجد الهدي، وتمام الحج أن يؤتى بمناسكه كلها حتى لا يلزم عامله دم بسبب قران ولا متعة وقال
الضحاك : إتمامها أن تكون النفقة حلالاً وينتهي عما نهى الله عنه، وقال سفيان الثوري : إتمامها أن تخرج من أهلك لهما، ولا تخرج لتجارة ولا لحاجة.
قال عمر بن الخطاب: الوفد كثير والحاج قليل، واتفقت الأمة على وجوب الحج على من استطاع إليه سبيلاً، واختلفوا في وجوب العمرة فذهب أكثر أهل العلم إلى وجوبها وهو قول عمر وعلي وابن عمر وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: والله عن العمرة لقرينة الحج في كتاب الله، قال الله تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله " وبه قال عطاء و مجاهد و طاووس و قتادة و سعيد بن جبير ، وإليه ذهب الثوري و الشافعي في أصح قوليه، وذهب قوم إلى أنها سنة وهو قول جابر وبه قال الشافعي وإليه ذهب مالك وأهل العراق وتأولوا قوله تعالى " وأتموا الحج والعمرة لله " على معنى أتموهما إذا دخلتم فيهما، أما ابتداء الشروع فيها فتطوع، واحتج من لم يوجبهما بما روي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه سئل عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: لا وأن تعتمروا خير لكم " والقول الأول أصح ومعنى قوله " وأتموا الحج والعمرة لله " أي ابتدؤوهما فإذا دخلتم فيهما فأتموهما فهو أمر بالابتداء والإتمام أي أقيموهما كقوله تعالى: " ثم أتموا الصيام إلى الليل " (187-البقرة) أي ابتدؤوه وأتموه.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا ابن أبي شيبة أخبرنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن عاصم عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور جزاء إلا الجنة " وقال ابن عمر: ليس من خلق الله أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان إن استطاع إلى ذلك سبيلاً كما قال الله تعالى " وأتموا الحج والعمرة لله " فمن زاد بعد ذلك فهو خير وتطوع، واتفقت الأمة على أنه يجوز أداء الحج والعمرة على ثلاثة أوجه: الإفراد والتمتع والقران، فصورة الإفراد أن يفرد الحج، ثم بعد الفراغ منه يعتمر وصورة التمتع أن يعتمر في أشهر الحج، ثم بعد الفراغ من أعمال العمرة، يحرم بالحج من مكة فيحج في هذا العام، وصورة القران: أن يحرم بالحج والعمرة معاً أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل أن يفتتح الطواف فيصير قارناً، واختلفوا في الأفضل من هذه الوجوه: فذهب جماعة إلى أن الإفراد أفضل ثم التمنع ثم القران وهو قول مالك و الشافعي لما أخبرنا
أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بالعمرة فحل، وأما من أهل بالحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر.
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنه وهويحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ننوي إلا الحج، ولا نعرف غيره ولا نعرف العمرة، وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وذهب قوم إلى أن القران أفضل وهو قول الثوري وأصحاب الرأي واحتجوا بما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أخبرنا محمد بن هشام بن ملاس النميري أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري أخبرنا حميد قال: قال أنس بن مالك رضي الله عنه: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لبيك بحج وعمرة ".
وذهب قوم إلى أن التمتع أفضل، وهو قول أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهوية واحتجوا بما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا يحيى بن بكير أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس " من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، وليقصر وليتحلل، ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله"، فطاف حين قدم مكة، واستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف ومشى أربعاً، فركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف، فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يتحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى وساق الهدي من الناس.
وعن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته عن النبي صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالعمرة إلى الحج فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال شيخنا الإمام رضي الله عنه، قد اختلفت الرواية في إحرام النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا وذكر الشافعي في كتاب اختلاف الأحاديث كلاماً موجزاً أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منهم المفرد والقارن والمتمتع وكل كان يأخذ منه أمر نسكه ويصدر عن تعليمه، فأضيف الكل إليه على معنى أنه أمر بها وأذن فيها ويجوز في لغة العرب إضافة (الشييء) إلى الآمر به، كما يجوز إضافته إلى الفاعل له كما يقال بنى فلان داراً، وأريد أنه أمر ببنائها، وكما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً، وإنما أمر برجمه واختار الشافعي الإفراد لرواية قصة حجة الوداع وآخرها، ولفضل حفظ عائشة رضي الله عنها، وقرب ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم.
ومال الشافعي في اختلاف الأحاديث إلى التمتع، وقال ليس شيء من الاختلاف أيسر من هذا وإن كان الغلط فيه قبيحاً من جهة أنه مباح لأن الكتاب ثم السنة ثم مالا أعلم فيه خلافاً على أن التمتع بالعمرة إلى الحج وإفراد الحج والقران، واسع كله وقال: من قال إنه أفرد الحج يشبه أن يكون مقيماً على الحج إلا وقد ابتدأ إحرامه بالحج قال الشيخ الإمام رحمه الله: ومما يدل على أنه كان متمتعاً أن الرواية عن ابن عمر وعائشة متعارضة، وقد روينا عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (( تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في [حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وقال ابن شهاب عن عروة أن عائشة أخبرته عن النبي صلى الله عليه وسلم] في تمتعه بالعمرة إلى الحج، فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن ابن عمر وقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه عمرة استمتعنا بها ".
وقال سعد بن أبي وقاص في المتعة: صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه.
قال الشيخ الإمام: وما روي عن جابر أنه قال: خرجنا لا ننوي إلا الحج - لا ينافي التمتع لأن خروجهم كان لقصد الحج، ثم منهم من قدم العمرة، ومنهم من أهل بالحج إلى أن أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله متعة قوله تعالى " فإن أحصرتم " اختلف العلماء في الإحصار الذي يبيح للمحرم التحلل من إحرامه فذهب جماعة إلى أن كل مانع يمنعه عن الوصول إلى البيت الحرام والمعنى في إحرامه من عدو أو مرض أو جرح أو ذهاب نفقة أو ضلال راحلة، يبيح له التحلل، وبه قال ابن مسعود وهو قول إبراهيم النخعي و الحسن و مجاهد و عطاء و قتادة وعروة بن الزبير، وإليه ذهب سفيان الثوري وأهل العراق وقالوا: لأن الإحصار في كلام العرب هو حبس العلة أو المرض، وقال الكسائي وأبو عبيدة ما كان من مرض أو ذهاب نفقة يقال: منه أحصر فهو محصر وما كان من حبس عدو أو سجن يقال: منه حصر محصور، وإنما جعل هاهنا حبس العدو إحصاراً قياساً على المرض إذ كان في معناه، واحتجوا بما روي عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل ".
قال عكرمة : فسألت ابن عباس وأبا هريرة فقالا صدق. وذهب جماعة إلى أنه لا يباح له التحلل إلا بحبس العدو وهو قول ابن عباس وقال لا حصر إلا حصر العدو، وروي معناه عن ابن عمر وعبد الله بن الزبير وهو قول سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير وإليه ذهب الشافعي و أحمد و إسحاق ، وقالوا الحصر والإحصار بمعنى واحد.
وقال ثعلب : تقول العرب حصرت الرجل عن حاجته فهو محصور، وأحصره العدو إذا منعه عن السير فهو محصر، واحتجوا بأن نزول هذه الآية في قصة الحديبية وكان ذلك حبساً من جهة العدو ويدل عليه قوله تعالى في سياق الآية " فإذا أمنتم " والأمن يكون من الخوف، وضعفوا حديث الحجاج بن عمرو بما ثبت عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو، وتأوله بعضهم على أنه غنما يحل بالكسر والعرج إذا كان قد شرط ذلك في عقد الإحرام كما روي أن ضباعة بنت الزبير كانت وجعة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني ".
ثم المحصر يتحلل بذبح الهدي وحلق الرأس، والهدي شاة وهو المراد من قوله تعالى " فما استيسر من الهدي "، ومحل ذبحه حيث أحصر عند أكثر أهل العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح الهدي عام الحديبية بها، وذهب قوم إلى أن المحصر يقيم على إحرامه ويبعث بهديه إلى الحرم، ويواعد من يذبحه هناك ثم يحل، وهو قول أهل العراق.
واختلف القول في المحصر إذا لم يجد هدياً ففي قول لا بد له فيتحلل والهدي في ذمته إلى أن يجد، والقول الثاني: له بدل، فعلى هذا اختلف القول فيه، ففي قول عليه صوم التمتع، وفي قول تقوم الشاة في فدية الطيب واللبس فإن المحرم إذا احتاج إلى ستر رأسه لحر أو برد أو إلى لبس قميص، أو مرض فاحتاج إلى مداواته بدواء فيه طيب فعل، وعليه الفدية، وفديته على الترتيب والتعديل فعليه ذبح شاة فإن لم يجد يقوم الشاة بدراهم والدراهم يشتري بها طعاماً فيتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوماً. ثم المحصر إن كان إحرامه بغرض قد استقر عليه فلذلك الغرض في ذمته وإن كان بحج تطوع فهل عليه القضاء؟ اختلفوا فيه فذهب جماعة إلى أنه لا قضاء عليه وهو قول مالك و الشافعي ، وذهب وم إلى أن عليه القضاء، وهو قول مجاهد و الشعبي و النخعي وأصحاب الرأي.
قوله تعالى " فما استيسر من الهدي " [أي فعليه ما تيسر من الهدي] ومحله رفع وقيل: ما في محل النصب أي فاهدي ما استيسر والهدي جمع هدية وهي اسم لكل ما يهدي إلى بيت الله تقرباً إليه، وما استيسر من الهدي شاة، قاله علي بن أبي طالب وابن عباس، لأنه أقرب إلى اليسر، وقال الحسن و قتادة : أعلاه بدنة وأوسطه بقرة وأدناه شاة.
قوله تعالى: " ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله " اختلفوافي المحل الذي يحل المحصر ببلوغ هديه إليه فقال بعضهم: هو ذبحه بالموضع الذي أحصر فيه سواء كان في الحل أو في الحرم، ومعنى محله: حيث يحل ذبحه فيه وأكله.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة في قصة الحديبية قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " قوموا فانحروا ثم احلقوا، فوالله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك فاخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج ولم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً ". وقال بعضهم: محل هدي المحصر الحرم، فإن كان حاجاً فمحله يوم النحر، وإن كان معتمراً فمحله يوم يبلغ هديه الحرم قوله تعالى " فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه " معناه لا تحلقوا رؤوسكم في حال الإحرام إلا أن تضطروا إلى حلقه لمرض أو لأذى في الرأس من هوام أو صداع " ففدية " فيه إضمار، أي: فحلق فعليه فدية نزلت في كعب بن عجرة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا الحسن بن خلف أخبرنا إسحاق بن يوسف عن أبي بشر و رقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه وقمله يسقط على وجهه فقال: أيؤذيك هوامك؟ قال نعم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق وهو بالحديبية ولم يبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقاً بين ستة مساكين أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام.
قوله تعالى: " ففدية من صيام " أي ثلاثة أيام " أو صدقة " أي ثلاثة آصع على ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع " أو نسك " واحدتها نسيكة أي ذبيحة، أعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدناها شاة، أيتها شاء ذبح، فهذه الفدية على التخيير والتقدير، ويتخير بين أن يذبح أو يصوم أو يتصدق، وكل حيث شاء، قوله تعالى: " فإذا أمنتم " أي من خوفكم وبرأتم من مرضكم " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي " اختلفوا في هذه المتعة فذهب عبد الله بن الزبير إلى أن معناه: فمن أحصر حتى فاته الحج ولم يتحلل فقدم مكة يخرج من إحرامه بعمل عمرة واستمتع بإحلاله ذلك بتلك العمرة إلى السنة المستقبلة ثم حج فيكون متمتعاً بذلك الإحلال إلى إحرامه الثاني في العام القابل، وقال بعضهم معناه " فإذا أمنتم " وقد حللتم من إحرامكم بعد الإحصار ولم تقضوا عمرة، وأخرتم العمرة إلى السنة القابلة، فاعتمرتم في أشهر الحج ثم حللتم فاستمتعتم بإحلالكم إلى الحج ثم أحرمتم بالحج، فعليكم ما استيسر من الهدي، وهو قول علقمة و إبراهيم النخعي و سعيد بن جبير ، وقال ابن عباس و عطاء وجماعة: هو الرجل يقدم معتمراً من أفق من الآفاق في أشهر الحج فقضى عمرته وأقام حلالاً بمكة حتى أنشأ منها الحج فحج من عامه ذلك فيكون مستمتعاً بالإحلال من العمرة إلى إحرامه بالحج، فمعنى التمتع هو الاستمتاع بعد الخروج من العمرة بما كان محظوراً عليه في الإحرام إلى إحرامه بالحج.
ولوجوب دم التمتع أربع شروط: أحدهما أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، والثاني أن يحج بعد الفراغ من العمرة في هذه السنة، والثالث أن يحرم بالحج في مكة ولا يعود إلى الميقات لإحرامه، الرابع أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، فمتى وجدت هذه الشرائط فعليه ما استيسر من الهدي، وهو دم شاة يذبحه يوم النحر فلو ذبحها قبله بعد ما أحرم بالحج يجوز عند بعض أهل العلم كدماء الجنايات، وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز قبل يوم النحر كدم الأضحية.
قوله تعالى: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج " أي صوموا ثلاثة أيام، يصوم يوماً قبل التروية ويوم التروية، ويوم عرفة، ولو صام قبله بعدما أحرم بالحج يجوز، ولا يجوز يوم النحر ولا أيام التشريق عند أكثر أهل العلم، وذهب بعضهم وذهب بعضهم لى جواز صوم الثلاث أيام التشريق.
يروى ذلك عن عائشة وابن عمر وابن الزبير وهو قول مالك و الأوزاعي و أحمد و إسحاق .
قوله تعالى " سبعة إذا رجعتم " أي صوموا سبعة أيام إذا رجعتم إلى أهليكم وبلدكم، فلو صام السبعة قبل الرجوع إلى أهله لا يجوز، وهو قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وقيل يجوز أن يصومها بعد الفراغ من أعمال الحج، وهوالمراد من الرجوع المذكور في الآية.
قوله تعالى " تلك عشرة كاملة " ذكرها على وجه التأكيد وهذا لأن العرب ما كانوا يهتدون إلى الحساب فكانوا يحتاجون إلى فضل شرح وزيادة بيان، وقيل: فيه تقدم وتأخير يعني فصيام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم فهي عشرة كاملة وقيل: كاملة الثواب والأجر، وقيل: كاملة فيما أريد به من إقامة الصوم بدل الهدي وقيل: كاملة بشروطها وحدودها، وقيل لفظه خبر ومعناه أمر أي فأكملوها ولا تنقصوها " ذلك " أي هذا الحكم " لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " واختلفوا في حاضري المسجد الحرام، فذهب قوم إلى أنهم أهل مكة وهو قول مالك ، وقيل: هم أهل الحرم وبه قال طاووس من التابعين وقال ابن جريج : أهل عرفة والرجيع وضجنان ونخلتان، وقال الشافعي رحمه الله: كل من كان وطنه من مكة على أقل من مسافة القصر فهو من حاضري المسجد الحرام، وقال عكرمة : هم من دون الميقات، وقيل هم أهل الميقات فما دونه، وهو قول أصحاب الرأي، ودم القران كدم التمتع والمكي إذا قرن أو تمتع فلا هدي عليه، قال عكرمة : سئل ابن عباس عن متعة الحج فقال: أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي ". فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء ولبسنا الثياب ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا فقد تم حجنا وعلينا الهدي، فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة فإن الله أنزله في كتابه وسنة نبيه وأباحه للناس من غير أهل مكة قال الله تعالى: " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ".
ومن فاته الحج، وفواته يكون بفوات الوقوف بعرفة حتى يطلع الفجر يوم النحر، فإنه يتحلل بعمل العمرة، وعليه القضاء من قابل والفدية وهي على الترتيب والتقدير كفدية التمتع والقران.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أن هناد بن الأسود جاء يوم النحر وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال: يا أمير المؤمنين أخطأنا العدد، كنا نظن أن هذا اليوم يوم عرفة، فقال له عمر: اذهب إلى مكة فطف أنت ومن معك بالبيت واسعوا بين الصفا والمروة وانحروا هدياً إن كان معكم، ثم احلقوا أو قصروا ثم ارجعوا، فإذا كان عام قابل فحجوا واهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم.
" واتقوا الله " في أداء الأوامر " واعلموا أن الله شديد العقاب " على ارتكاب المناهي.
196-" وأتموا الحج والعمرة لله " أي ائتوا بهما تامين مستجمعي المناسك لوجه الله تعالى ، وهو على هذا يدل على وجوبهما ويؤيده قراءة من قرأ " وأتموا الحج والعمرة لله " ، وما روي جابر رضي الله تعالى عنه " أنه قيل يا رسول الله العمرة واجبة مثل الحج ، فقال : لا ولكن إن تعتمر خير لك " فمعارض بما روي أن رجلاً قال لعمر رضي الله تعالى عنه ، إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي أهللت بهما جميعاً ، فقال : هديت لسنة نبيك . ولا يقال أنه فسر أنهما مكتوبين بقوله أهللت بهما فجاز أن يكون الوجوب بسبب إهلاله بهما ، لأنه رتب الإهلال على الوجدان وذلك يدل على أنه سبب الإهلال دون العكس . وقيل إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك ، أو أن تفرد لكل منهما سفراً ، أو أن تجرده لهما لا تشوبهما بغرض دنيوي ، أو أن تكون النفقة حلالاً . " فإن أحصرتم " منعتم ، يقال حصره العدو وأحصره إذا حبسه ومنعه عن المضي ،مثل صده وأصده ،والمراد حصر العدو عند مالك و الشافعي رحمهما الله تعالى لقوله تعالى : " فإذا أمنتم " ولنزوله في الحديبية ، ولقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لا حصر إلا حصر العدو وكل منع من عدو أو مرض أو غيرهما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، لما روي عنه عليه الصلاة والسلام " من كسر أو عرج فقد حل فعليه الحج من قابل " وهو ضعيف مؤول بما إذا شرط الإحلال به لقوله عليه الصلاة والسلام لضباعة بنت الزبير " حجي واشترطي وقولي : اللهم محلي حيث حبستني " " فما استيسر من الهدي " فعليكم ما استيسر ، أو فالواجب ما استيسر . أو فاهدوا ما استيسر . والمعنى إن أحصر المحرم وأراد أن يتحلل بذبح هدي تيسر عليه ، من بدنه أو بقرة أو شاة حيث أحصر عند الأكثر . لأنه عليه الصلاة والسلام ذبح عام الحديبية بها وهي من الحل ، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يبعث به ، ويجعل للمبعوث على يده يوم أمار فإذا جاء اليوم وظن أنه ذبح تحلل لقوله تعالى : " ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله " أي لا تحلوا حتى تعلموا أن الهدي المبعوث إلى الحرم بلغ محله أي مكانه الذي ينحر فيه ، وحمل الأولون بلوغ الهدي محله على ذبحه حيث يحل الذبح فيه حلاً كان أو حرماً ،واقتصاره على الهدي دليل على عدم القضاء . وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجب القضاء ، والمحل ـ بالكسر ـ يطلق على المكان والزمان . والهدي : جمع هدية كجدي وجدية ،وقرئ " من الهدى " جمع هدية كمطى في مطية " فمن كان منكم مريضاً " مرضاً يحوجه إلى الحلق . " أو به أذى من رأسه " كجراحة وقمل . " ففدية " فعليه فدية إن حلق . " من صيام أو صدقة أو نسك " بيان لجنس الفدية ، وأما قدرها فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لكعب بن عجرة " لعلك آذاك هوامك ، قال : نعم يا رسول الله قال : احلق وصم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق على ستة مساكين أو انسك شاة " والفرق ثلاثة آصع " فإذا أمنتم " الإحصار . أو كنتم في حال سعة وأمن . " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " فمن استمتع وانتفع بالتقرب إلى الله بالعمرة قبل الانتفاع بتقربه بالحج في أشهره . وقيل : فمن استمتع بعد التحلل من عمرته باستباحة محظورات الإحرام إلى أن يحرم بالحج . " فما استيسر من الهدي " فعليه دم استيسره بسبب التمتع ،فهو دم جبر أن يذبحه إذا أحرم بالحج ولا يأكل منه . وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ، إنه ندم نسك فهو كالأضحية " فمن لم يجد " أي الهدي . " فصيام ثلاثة أيام في الحج " في أيام الاشتغال به بعد الإحرام وقبل التحلل . قال أبو حنيفة رحمه الله في أشهره بين الإحرامين ، والأحب أن يصوم سابع ذي الحجة وثامنه وتاسعه . ولا يجوز صوم يوم النحر وأيام التشريق عند الأكثرين . " وسبعة إذا رجعتم " إلى أهليكم وهو أحد قولي الشافعي رضي الله تعالى عنه ،أونفرتم وفرغتم من أعماله وهو قوله الثاني ومذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى . وقرئ " سبعة " بالنصب عطفاً على محل " ثلاثة أيام " . " تلك عشرةً " فذلكة الحساب ،وفائدتها أن لا يتوهم متوهم أن الواو بمعنى أو ، كقولك جالس الحسن وابن سيرين . وأن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلاً فإن أكثر العرب لم يحسنوا الحساب ، وأن المراد بالسبعة هو العدد دون الكثرة فإنه يطلق لهما " كاملة " صفة مؤكدة تفيد المبالغة في محافظة العدد ،أو مبينة كمال العشرة فإنه أول عدد كامل إذ به تنتهي الآحاد وتتم مراتبها ،أو مقيدة تقيد كمال بدليتها من الهدي . " ذلك " إشارة إلى الحكم المذكور عندنا . والتمتع عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام عنده ، فمن فعل ذلك أي التمتع منهم فعليه دم جناية . " لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " وهو من كان من الحرم على مسافة القصر عندنا ، فإن من كان على أقل فهو مقيم في الحرم ، أو في حكمه . ومن مسكنه وراء الميقات عنده وأهل الحل عند طاوس وغير المكي عند مالك . " واتقوا الله " في المحافظة على أوامره و نواهيه وخصوصاً في الحج " واعلموا أن الله شديد العقاب " لمن لم يتقه كي يصدكم للعلم به عن العصيان .
196. Perform the pilgrimage and the visit (to Mecca) for Allah. And if ye are prevented, then send such gifts as can be obtained with ease, and shave not your heads until the gifts have reached their destination. And whoever among you is sick or hath an ailment of the head must pay a ransom of fasting or alms giving or offering. And if ye are in safety, then whosoever contenteth himself with the Visit for the Pilgrimage (shall give) such gifts as can be had with ease. And whosoever cannot find (such gifts, then a fast of three days while on the pilgrimage, and of seven when ye have returned; that is, ten in all. That is for him whose folk are not present at the Inviolable Place of Worship. Observe your duty to Allah, and know that Allah is severe in punishment.
196 - And complete the Hajj or Umra in the service of God, but if ye are prevented (from completing it), send an offering for sacrifice, such as ye may find, and do not shave your heads until the offer sacrifice; and when ye are in peaceful condition (again), of any one wishes to continue the Umra on to the Hajj, he must make an offering, such as he can afford, but if he cannot afford it, he should fast three days during the Hajj and seven days in all. this is for those whose household is not in (the precincts of) the sacred mosque. and fear God, and know that God, is strict in punishment.