هو (متاع قليل) يتمتعون به يسيراً في الدنيا ويفنى (ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) الفراش هي
وأما قوله : "متاع قليل"، فإنه يعني : أن تقلبهم في البلاد وتصرفهم فيها، متعة يمتعون بها قليلا حتى يبلغوا آجالهم ، فتخترمهم منياتهم ، "ثم مأواهم جهنم"، بعد مماتهم .
و المأوى : المصير الذي يأوون إليه يوم القيامة، فيصيرون فيه .
ويعني بقوله : "وبئس المهاد"، وبئس الفراش والمضجع جهنم.
قوله تعالى : " وبئس المهاد " أي بئس ما مهدوا لأنفسهم بكفرهم وما مهد الله لهم في النار .
الثامنة عشرة : في هذه الآية وأمثالها كقوله : " أنما نملي لهم خير " [ آل عمران : 178 ] ،" وأملي لهم إن كيدي متين " [ الأعراف : 183 ، والقلم : 45 ] ، " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين " [ المؤمنين : 55 ] ، " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " [ الأعراف : 182 ][ القلم : 44 ] ، دليل على أن الكفار غير منعم عليهم في الدنيا ، لأن حقيقية النعمة الخلوص من شوائب الضرر العاجلة والآجلة ، ونعم الكفار مشوبة بالآلام والعقوبات ، فصار كمن قدم بين يدي غيره حلاوة من عسل فيها السم ، فهو وإن استلذ آكله لا يقال : أنعم عليه ، لأن فيه هلاك روحه ، ذهب إلى هذا جماعة من العلماء ، وهو قول الشيخ أبي الحسن الأشعري ، وذهب جماعة منهم سيف السنة ولسان الأمة القاضي أبو بكر : إلى أن الله أنعم عليهم في الدنيا ، قالوا : واصل النعمة من النعمة بفتح النون ، وهي لين العيش ، ومنه قوله تعالى : " ونعمة كانوا فيها فاكهين " [ الدخان : 27 ] ، يقال : دقيق ناعم ، إذا بولغ في طحنه وأجيد سحقه ، وهذا هو الصحيح ، والدليل عليه أن الله تعالى أوجب على الكفار أن يشكروه وعلى جميع المكلفين فقال : " فاذكروا آلاء الله " [ الأعراف : 74 ] ، " واشكروا لله " [ البقرة : 172 ] ، والشكر لا يكون إلا على نعمة وقال : " وأحسن كما أحسن الله إليك " [ القصص : 77 ] ، وهذا خطاب لقارون ، وقال " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة " [ النحل : 112 ] ، فنبه سبحانه أنه قد أنعم عليهم نعمة دنياوية فجحدوها ، وقال : " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " [ النحل : 83 ] ، وقال : " يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم " [ فاطر : 3 ] ، وهذا عام في الكفار وغيرهم فأما إذا قدم لغيره طعاماً فيه سم فقد رفق به في الحال ، إذ لم يجرعه السم بحتاً بل دسه في الحلاوة ، فلا يستعبد أن يقال : قد أنعم عليه ، وإذا ثبت هذا فالنعم ضربان : نعم نفع ونعم دفع ، فنعم النفع ما وصل إليهم من فنون اللذات ، ونعم الدفع ما صرف عنهم من أنواع الآفات ، فعلى هذا قد أنعم على الكفار نعم الدفع قولاً واحداً ، وهو ما روي عنهم من الآلام والأسقام ، ولا خلاف بينهم في أنه لم ينعم عليهم نعمة دينية ، والحمد لله .
يقول تعالى: لا تنظروا إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه من النعمة والغبطة والسرور, فعما قليل يزول هذا كله عنهم ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة, فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجاً, وجميع ما هم فيه "متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد" وهذه الاية كقوله تعالى: "ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد", وقال تعالى: "إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون", وقال تعالى: "نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ" وقال تعالى: "فمهل الكافرين أمهلهم رويداً" أي قليلاً, وقال تعالى: "أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين" وهكذا لما ذكر حال الكفار في الدنيا وذكر أن مآلهم إلى النار, قال بعده "لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً من عند الله وما عند الله خير للأبرار" وقال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن نصر , حدثنا أبو طاهر سهل بن عبدالله , أنبأنا هشام بن عمار , أنبأنا سعيد بن يحيى , أنبأنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن محارب بن دثار , عن عبد الله بن عمرو بن العاص , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنما سموا الأبرار لأنهم بروا الاباء والأبناء, كما أن لوالديك عليك حقاً كذلك لولدك عليك حق" كذا رواه ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً , وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن جناب , حدثنا عيسى بن يونس عن عبد الله بن الوليد الوصافي , عن محارب بن دثار , عن ابن عمر , قال: إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الاباء والأبناء, كما أن لوالديك عليك حقاً كذلك لولدك عليك حق, وهذا أشبه, والله أعلم. ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا مسلم بن إبراهيم , حدثنا هشام الدستوائي عن رجل عن الحسن , قال: الأبرار الذين لا يؤذون الذر. وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا أبو معاوية عن الأعمش , عن خيثمة عن الأسود , قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود : ما من نفس برة ولا فاجرة إلا الموت خير لها, لئن كان براً لقد قال الله تعالى "وما عند الله خير للأبرار" وكذا رواه عبد الرزاق عن الأعمش عن الثوري به. وقرأ "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين" وقال ابن جرير : حدثني المثنى , حدثنا إسحاق , حدثنا ابن أبي جعفر عن فرج بن فضالة , عن لقمان عن أبي الدرداء أنه كان يقول: ما من مؤمن إلا والموت خير له, وما من كافر إلا والموت خير له, ومن لم يصدقني فإن الله يقول "وما عند الله خير للأبرار" ويقول "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين".
فهو متاع قليل يتمتعون به في هذه الدار ثم مصيرهم إلى جهنم، فقوله 197- "متاع" خبر مبتدأ محذوف: أي هو متاع قليل لا اعتداد به بالنسبة إلى ثواب الله سبحانه "ومأواهم" أي: ما يأوون إليه. والتقلب في البلاد: الاضطراب في الأسفار إلى الأمكنة، ومثله قوله تعالى "فلا يغررك تقلبهم في البلاد" والمتاع ما يعجل الانتفاع به، وسماه قليلاً لانه فان، وكل فان وإن كان كثيراً فهو قليل. وقوله "وبئس المصير" ما مهدوا لأنفسهم في جهنم بكفرهم، أو ما مهد الله لهم من النار، فالمخصوص بالذم محذوف: وهو هذا المقدر.
197-"متاع قليل" ،أي: هو متاع قليل، وبلغة فانية ومتعة زائلة ،"ثم مأواهم"، مصيرهم،"جهنم وبئس المهاد" ، الفراش .
197"متاع قليل" خبر مبتدأ محذوف، أي ذلك التقلب متاع قليل لقصر مدته في جنب ما أعد الله للمؤمنين. قال عليه الصلاة والسلام "ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع". " ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد " أي ما مهدوا لأنفسهم.
197. It is but a brief comfort. And afterward their habitation will be hell, an ill abode.
197 - Little is it for enjoyment: their ultimate abode is hell: what an evil bed (to lie on)