2 - (فذلك) بتقرير هو بعد الفاء (الذي يدع اليتيم) أي يدفعه بعنف عن حقه
وقوله : " فذلك الذي يدع اليتيم " يقول : فهذا الذي يكذب بالدين ، هو الذي يدفع اليتيم عن حقه ، ويظلمه ، يقال منه : دععت فلاناً عن حقه ، فأنا أدعه دعاً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال :ثني عمي : قال : نثي أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " فذلك الذي يدع اليتيم " قال : يدفع حق اليتيم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال :ثنا أبو عاصم ، قال :ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " يدع اليتيم " قال : يدفع اليتيم فلا يطعمه .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال :ثنا سعيد ، عن قتادة " فذلك الذي يدع اليتيم " : أي يقهره ويظلمه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " يدع اليتيم " قال : يقهره ويظلمه .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " يدع اليتيم " قال : يقهره .
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا مهران ، عن سفيان في قوله " يدع اليتيم " قال : يدفعه .
قوله تعالى:" فذلك الذي يدع اليتيم" أي يدفعه عن حقه. قتادة: يقهره ويظلمه. والمعنى متقارب. وقد تقدم في سورة(النساء) أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار، ويقولون: إنما يحوز المال من يطعن بالسنان، ويضرب بالحسام. و" روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(من ضم يتيماً من المسلمين حتى يستغني، فقد وجبت له الجنة) " . وقد مضى هذا المعنى في غير موضع.
يقول تعالى: أرأيت يا محمد الذي يكذب بالدين وهو المعاد والجزاء والثواب "فذلك الذي يدع اليتيم" أي هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه ولا يطعمه ولا يحسن إليه "ولا يحض على طعام المسكين" كما قال تعالى: "كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين" يعني الفقير الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته, ثم قال تعالى: "فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون" قال ابن عباس وغيره: يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر ولهذا قال: "للمصلين" الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها ثم هم عنها ساهون, إما عن فعلها بالكلية كما قاله ابن عباس , وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعاً فيخرجها عن وقتها بالكلية, كما قاله مسروق وأبو الضحى .
وقال عطاء بن دينار : الحمد لله الذي قال: "عن صلاتهم ساهون" ولم يقل في صلاتهم ساهون, وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائماً أو غالباً, وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به, وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها, فاللفظ يشمل ذلك كله ولكن من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الاية, ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها وكمل له النفاق العملي كما ثبت في الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً" فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى كما ثبت به النص إلى آخر وقتها, وهو وقت الكراهة, ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب لم يطمئن ولا خشع فيها أيضاً, ولهذا قال لا يذكر الله فيها إلا قليلاً, ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس لا ابتغاء وجه الله, فهو كما إذا لم يصل بالكلية. قال الله تعالى: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " وقال تعالى ههنا: " الذين هم يراؤون ".
وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي , حدثني أبي , حدثنا عبد الوهاب بن عطاء , عن يونس عن الحسن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في جهنم لوادياً تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة أعد ذلك للمرائين من أمة محمد لحامل كتاب الله وللمصدق في غير ذات الله وللحاج إلى بيت الله وللخارج في سبيل الله" وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة قال كنا جلوساً عند أبي عبيدة , فذكروا الرياء فقال رجل يكنى بأبي يزيد : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وحقره وصغره" ورواه أيضاً عن غندر ويحيى القطان عن شعبة عن عمرو بن مرة عن رجل عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره, ومما يتعلق بقوله تعالى: " الذين هم يراؤون " أن من عمل عملاً لله فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أن هذا لا يعد رياء, والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده, حدثنا هارون بن معروف , حدثنا مخلد بن يزيد , حدثنا سعيد بن بشير , حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أصلي فدخل علي رجل فأعجبني ذلك, فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كتب لك أجران: أجر السر وأجر العلانية".
قال أبوعلي هارون بن معروف بلغني أن ابن المبارك قال نعم الحديث للمرائين, وهذا حديث غريب من هذا الوجه, و سعيد بن بشير متوسط, وروايته عن الأعمش عزيزة,وقد رواه غيره عنه, قال أبو يعلى أيضاً: حدثنا محمد بن المثنى بن موسى , حدثنا أبو داود , حدثنا أبو سنان عن حبيب بن أبي ثابت , عن أبي صالح , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: " يا رسول الله الرجل يعمل العمل يسره, فإذا اطلع عليه أعجبه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: له أجران أجر السر وأجر العلانية". وقد رواه الترمذي عن محمد بن المثنى وابن ماجه عن بندار كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني , واسمه ضرار بن مرة , ثم قال الترمذي غريب وقد رواه الأعمش وغيره عن حبيب عن أبي صالح مرسلاً.
وقد قال أبو جعفر بن جرير : حدثني أبو كريب , حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي , حدثني رجل عن أبي برزة الأسلمي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الاية "الذين هم عن صلاتهم ساهون" قال: الله أكبر هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته وإن تركها لم يخف ربه" فيه جابر الجعفي وهو ضعيف وشيخه مبهم لم يسم, والله أعلم. وقال ابن جرير أيضاً: حدثني زكريا بن أبان المصري , حدثنا عمرو بن طارق , حدثنا عكرمة بن إبراهيم حدثني عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: "هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت: وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية ويحتمل صلاتها بعد وقتها شرعاً أو تأخيرها عن أول الوقت " , وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فروخ عن عكرمة بن إبراهيم به, ثم رواه عن أبي الربيع عن جابر عن عاصم عن مصعب عن أبيه موقوفاً: سهواً عنها حتى ضاع الوقت, وهذا أصح إسناداً وقد ضعف البيهقي رفعه وصحح وقفه وكذلك الحاكم .
وقوله تعالى: "ويمنعون الماعون" أي لا أحسنوا عبادة ربهم ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به, ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم, فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى, وقد قال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال علي : الماعون الزكاة, وكذا رواه السدي عن أبي صالح عن علي , وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر , وبه يقول محمد بن الحنفية وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وعطاء وعطية العوفي, والزهري والحسن وقتادة والضحاك وابن زيد , وقال الحسن البصري : إن صلى راءى وإن فاتته لم يأس عليها ويمنع زكاة ماله وفي لفظ صدقة ماله, وقال زيد بن أسلم : هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها, وضمنت الزكاة فمنعوها. وقال الأعمش وشعبة عن الحكم عن يحيى بن الخزاز أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون فقال: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر. وقال المسعودي عن سلمة بن كهيل عن أبي العبيدين أنه سئل ابن مسعود عن الماعون فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك.
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي , حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي العبيدين وسعد بن عياض عن عبد الله قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو والفأس والقدر لا يستغنى عنهن, وحدثنا خلاد بن أسلم , أخبرنا النضر بن شميل , أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقال الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد عن عبد الله أنه سئل عن الماعون فقال: ما يتعاوره الناس بينهم الفأس والدلو وشبهه وقال ابن جرير : حدثنا عمرو بن علي الفلاس , حدثنا أبو داود الطيالسي , حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول منع الماعون منع الدلو وأشباه ذلك.
وقد رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة عن أبي عوانة بإسناده نحوه ولفظ النسائي عن عبد الله قال: كل معروف صدقة, وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: الماعون العواري القدر والميزان والدلو. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس "ويمنعون الماعون" يعني متاع البيت, وكذا قال مجاهد وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وأبو مالك وغير واحد إنها العارية للأمتعة, وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس "ويمنعون الماعون" قال: لم يجىء أهلها بعد: وقال العوفي عن ابن عباس "ويمنعون الماعون" قال: اختلف الناس في ذلك فمنهم من قال يمنعون الزكاة, ومنهم من قال يمنعون الطاعة, ومنهم من قال يمنعون العارية, رواه ابن جرير ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية عن ليث بن أبي سليم عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي : الماعون منع الناس الفأس والقدر والدلو, وقال عكرمة رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والإبرة, رواه ابن أبي حاتم وهذا الذي قاله عكرمة حسن, فإنه يشمل الأقوال كلها وترجع كلها إلى شيء واحد, وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة, ولهذا قال محمد بن كعب "ويمنعون الماعون" قال: المعروف. ولهذا جاء في الحديث "كل معروف صدقة".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن الزهري "ويمنعون الماعون" قال بلسان قريش: المال وروى ههنا حديثاً غريباً عجيباً في إسناده ومتنه فقال: حدثنا أبي وأبو زرعة قالا, حدثنا قيس بن حفص الدارمي , حدثنا دلهم بن دهيم العجلي , حدثنا عائذ بن ربيعة النميري . حدثني قرة بن دعموص النميري أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ما تعهد إلينا ! قال: "لا تمنعوا الماعون قالوا: يا رسول الله وما الماعون ؟ قال: في الحجر وفي الحديدة وفي الماء قالوا: فأي الحديدة ؟ قال: قدوركم النحاس وحديد الفأس الذي تمتهنون به قالوا: ما الحجر ؟ قال: قدوركم الحجارة" غريب جداً ورفعه منكر, وفي إسناده من لا يعرف والله أعلم. وقد ذكر ابن الأثير في الصحابة ترجمة علي النميري فقال: روى ابن مانع بسنده إلى عامر بن ربيعة بن قيس النميري عن علي بن فلان النميري , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم إذا لقيه حياه بالسلام ويرد عليه ما هو خير منه لا يمنع الماعون قلت: يا رسول الله ما الماعون ؟ قال :الحجر والحديد وأشباه ذلك" والله أعلم.
2- "فذلك الذي يدع اليتيم" الفاء جواب شرط مقدر: أن إن تأملته أو طلبته فذلك الذي يدع اليتيم، ويجوز أن تكون عاطفة على الذي يكذب: إما عطف ذات على ذات، أو صفة على صفة. فعلى الأول يكون اسم الإشارة مبتدأ وخبره الموصول بعده، أو خبر لمبتدأ محذوف: أي فهو ذلك، والموصول صفته. وعلى الثاني يكون في محل نصب لعطله على الموصول الذي هو في محل نصب. ومعنى يدع يدفع دفعاً بعنف وجفوة: أي يدفع اليتيم عن حقه دفعاً شديداً، ومنه قوله سبحانه: "يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً" وقد قدمنا أنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان.
2- "فذلك الذي يدع اليتيم"، يقهره ويدفعه عن حقه، والدع: الدفع بالعنف والجفوة.
2-" فذلك الذي يدع اليتيم " يدفعه دفعاً عنيفاً .وهو أبو جهل كان وصياً ليتيم فجاءه عرياناً يسأله من مال نفسه فدفعه ، أو أبو سفيان نحر جزوراً فسأله يتيم لحماً فقرعه بعصاه ، أو الوليد من المغيرة ، أو منافق بخيل . وقرئ يدع أي يترك .
2. That is he who repelleth the orphan,
2 - Then such is the (man) who repulses the orphan (with harshness),