2 - (فصل لربك) صلاة عيد النحر (وانحر) نسكك
وقوله : " فصل لربك وانحر " اختلف أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصليها بهذا الخطاب ، ومعنى قوله " وانحر " فقال بعضهم : حضه على المواضبة على الصلاة المكتوبة ، وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله " فصل لربك وانحر " .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطفاوي ، قال : ثنا محمد ربيعة ، قال : ثني يزيد ، ابن بي زياد بن أبي الجعد ، عن عاصم الجحدري ، عن عقبة بن ظهير ، عن علي رضي الله عنه في قوله " فصل لربك وانحر " قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة .
حدثنا ابن بشار ، قال :ثنا عبد الرحمن ، قال :ثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم ابن ظبيان ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه " فصل لربك وانحر " قال : وضع اليد على اليد في الصلاة .
حدثنا ابن حميد قال ثنا مهران عن حماد بن سلمة عن عاصم الجحدري عن عقبة بن ظهير عن أبيه عن علي رضي الله عنه " فصل لربك وانحر " قال : وضع يده اليمنى على و سط ساعده اليسرى ، ثم وضعهما على صدره .
قال : ثنا مهران ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول ، عن الشعبي ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قل :ثنا وكيع ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عاصم الجحدري ، عن عقبة بن ظهير ، عن علي رضي الله عنه : " فصل لربك وانحر " قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة .
حدثنا ابن بشر ، قال :ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عوف ، عن أبي القموص ، في قوله : " فصل لربك وانحر " قال : وضع اليد على اليد في الصلاة .
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا أبو صالح الخرساني ، قال : ثنا حماد ، عن عاصم الجحدري ، عن أبيه ، عن عقبة بن ظبيان ، أن علي أبي طالب رضي لاله عنه قال في قوله الله : " فصل لربك وانحر "قال : وضع يده اليمنى على وسط ساعده الأيسر ، ثم وضعهما على صدره .
وقال آخرون : بل عني بقوله " فصل لربك " : الصلاة المكتوبة ، وبقوله " وانحر " أن يرفع يديه إلى النحر ، عند افتتاح الصلاة والدخول فيها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرئيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر " فصل لربك وانحر " الصلاة ، واتنحر برفع يديه أول ما يكبر في الافتتاح .
وقال آخرون : عني بقوله " فصل لربك" المكتوبة ،" وانحر " :نحر البدن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام بن سلم و هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " فصل لربك وانحر " قال : الصلاة المكتوبة ، ونحر البدن .
حدثني يعقوب قال : ثنا هشيم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير و حجاج أنهما قالا في قوله " فصل لربك وانحر " قال : صلاة الغداة بجمع ونحر البدن بمنى .
حدثنا أبو كريب ، قال :ثنا وكيع ، عن قطر ، عن عطاء : " فصل لربك وانحر " قال : صلاة الفجر ، وانحر البدن .
حدثني محمد بن سعد ، قال :ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " فصل لربك وانحر " قال : الصلاة المكتوبة ، والنحر : النسك والذبح يوم الأضحى .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، في قوله : " فصل لربك وانحر " : قال : صلاة الفجر .
وقال آخرون : بل عني بذلك : صل يوم النحر صلاة العيد ، وانحر نسكك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن جابر ، عن أنس بن مالك ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر قبل أن يصلي ، فأمر أن يصلي ثم ينحر .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن ثابت بن أبي صفية ، عن أبي جعفر " فصل لربك " قال : الصلاة ، قال عكرمة : الصلاة ونحر النسك .
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا حكام ، عن أبي جعفر عن الربيع " فصل لربك وانحر " قال : إذا صليت يوم الأضحى فانحر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا قطر ، قال : سألت عطاء ، عن قوله " فصل لربك وانحر " قل : تصلي وتنحر .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن " فصل لربك وانحر "قال : اذبح .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال :ثنا أبان بن خالد ، قال : سمعت الحسن يقول " فصل لربك وانحر " قال : الذبح .
حدثنا بشر ، قال :ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " فصل لربك وانحر " قال : نحر البدن ، والصلاة يوم النحر .
حدثنا ابن أبي الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة " فصل لربك وانحر "قال : صلاة الأضحى ، والنحر : نحر البدن .
حدثنا أبو كريب ، قال :ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " فصل لربك وانحر " قال : مناحر البدن بمنى .
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عكرمة " فصل لربك وانحر "قال : نحر النسك .
حدثني علي ، قال :ثنا أبو صالح ، قال :ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " فصل لربك وانحر " قول : اذبح يوم النحر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " فصل لربك وانحر " قال نحر البدن .
وقال آخرون : قيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لأن قوماً كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغيره ، فقيل له : اجعل صلاتك ونحرك لله ، إذا كان من يكفر بالله يجعله لغيره .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي ، أنه كان يقول في هذه الآية : " فصل لربك وانحر " يقول : إن ناساً كانوا يصلون لغير الله ، وينحرون لغير الله ، فإذا أعطيناك الكوثر يا محمد ، فلا تكن صلاتك ونحرك إلا لي .
وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية يوم الحديبية ، حين حصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصدوا عن البيت فأره الله أن يصلي ، وينحر البدن ، وينصرف ، ففعل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، قال : ثني أبو معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير أنه قال : كانت هذه الآية ، يعني قوله " فصل لربك وانحر " يوم الحديبية ، أتاه جبريل عليه السلام ، فقال : انحر وارجع ، فقا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخطب خطبة الفطر والنحر ، ثم ركع ركعتين ، ثم أنصرف إلى البدن فنحرها ، فذلك حين يقول " فصل لربك وانحر "
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فصل وادع ربك وسله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا مهران ، عن سفيان عن سنان ، عن ثابت ، عن الضحاك " فصل لربك وانحر " قال : صل لربك وسل .
وكان بعض أهل العربية يتأول قوله : " وانحر " واستقبل القبلة بنحرك . وذكر أنه سمع بعض العرب يقول : منازلهم تتناحر ، أي هذا بنحر هذا ، أي قبالته . وذكر أن بعض بني أسد أنشده :
أبا حك هل أنت عم جالد وسيد أهل الأبطح المتناحر .
أي بنحر بعضه بعضاً .
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، قول من قال : معنى ذلك : فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً دون ما سواه من الأنداد والآلة ، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان ، شكرااً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له ، وخصك به ، من إعطائه إياك الكوثر .
وإنما قلت ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك ، لأن الله جل ثناؤه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بما أكرمه به من عطيته وكرامته ، وإنعاه عليه بالكوثر ، ثم أتبع ذلك قوله : " فصل لربك وانحر " ، فكان معلوماً بذلك أنه خصه بالصلاة له ، والنحر على الشكر له ، على ما أعلمه من النعمة التي أنعمها عليه ، بإعطائه إياه الكوثر ، فلم يكن لخصوص بعض الصلاة بذلك دون بعض ، وبعض النحر دون بعض ، وجه ، إذ كان حثاً على الشكر على النعم .
فتأويل الكلام إذن : إنا أعطيناك يا محمد الكوثر ، إنعاماً منا عليك به ، وتكرمة منا لك ، فأخلص لربك العبادة ، وأفرد له صلاتك ونسك ، خلافاً لما يفعله من كفر به ، وعبد غيره ، ونحر للأوثان .
قوله تعالى:" فصل لربك وانحر"
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى:"فصل" أي أقم الصلاة المفروضة عليك، كذا رواه الضحاك عن ابن عباس. وقال قتادة وعطاء وعكرمة: (فصل لربك) صلاة العيد يوم النحر. (وانحر) نسكك. "وقال أنس:
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر ثم يصلي، فأمر أن يصلي ثم ينحر " . و"قال سعيد بن جبير أيضاً: صل لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع، وانحر البدن بمنى. وقال سعيد بن جبير ايضا: نزلت في الحديبية حين حصر النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت، فأمره الله تعالى أن يصلي وينحر البدن وينصرف،ففعل ذلك ". قال ابن العربي:(أما من قال: إن المراد بقوله تعالى: " فصل" الصلوات الخمس، فلأنها ركن العبادات، وقاعدة الإسلام، وأعظم دعائم الدين. وأما من قال: إنها صلاة الصبح بالمزدلفة، فلأنها مقرونة بالنحر، وهو في ذلك اليوم، ولا صلاة فيه قبل النحر غيرها، فخصها بالذكر من جملة الصلوات لاقترانها بالنحر).
قلت: وأما من قال إنها صلاة العيد، فذلك بغير مكة، إذ ليس بمكة صلاة عيد بإجماع، فيما حكاه ابن عمر. قال ابن العربي: (فأما مالك فقال: ما سمعت فيه شيئاً والذي يقع في نفسي أن المراد بذلك صلاة يوم النحر، والنحر بعدها). وقال علي رضي الله عنه ومحمد بن كعب: المعنى ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة. وروي عن ابن عباس أيضا. وروي عن علي ايضا: أن يرفع يديه في التكبير الى نحره. وكذا قال جعفر بن علي: " فصل لربك وانحر" قال: يرفع يديه أول ما يكبر للإحرام إلى النحر. "وعن علي رضي الله عنه قال:
لما نزلت " فصل لربك وانحر" قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل:(ما هذه النحيرة التي أمرني الله بها)؟ قال:(ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة،أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السموات السبع، وإن لكل شيء زينة، وإن زينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة)." وعن ابي صالح عن ابن عباس قال: استقبل القبلة بنحرك، وقاله الفراء والكلبي وأبو الأحوص، ومنه قول الشاعر:
أبا حكم ما أنت عم مجالد وسيد أهل الأبطح المتناحر
أي المتقابل . قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: منازلنا تتناحر، أي تتقابل، نحر هذا بنحر هذا، أي قبالته. وقال ابن الأعرابي: هو انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب، من قولهم: منازلهم تتناحر، أي تتقابل. وروي عن عطاء قال: أمره أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحره. وقال سليمان التيمي: يعني وارفع يدك بالدعاء إلى نحرك. وقيل:(فصل) معناه: واعبد وقال محمد بن كعب القرظي: " إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر" يقول: إن ناساً يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، وقد أعطيناك الكوثر، فلا تكن صلاتك ولا نحرك إلا لله. قال ابن العربي: (والذي عندي أنه أراد: اعبد ربك، وانحر له، فلا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر، وبالحرى أن يكون جميع العمل يوازي هذه الخصوصية من الكوثر، وهو الخير الكثير، الذي أعطاكه الله،أو النهر الذي طينه مسك، وعدد آنيته نجوم السماء، أما أن يوازي هذا صلاة يوم النحر، وذبح كبش أو بقرة أو بدنة، فذلك يبعد في التقدير والتدبير، وموازنة الثواب للعبادة). والله أعلم.
الثانية : قد مضى القول في سورة (الصافات) في الأضحية وفضلها، ووقت ذبحها، فلا معنى لإعادة ذلك. وذكرنا أيضاً في سورة (الحج) جملة من أحكامها. قال ابن العربي:(ومن عجيب الأمر: أن الشافعي قال: إن من ضحى قبل الصلاة أجزأه، والله تعالى يقول في كتابه" فصل لربك وانحر" فبدأ بالصلاة قبل النحر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (وفي البخاري وغيره، عن البراء بن عازب، قال):
(أول ما نبدأ به في يومنا هذا: أن نصلي ثم نرجع فننحر، من فعل فقد أصاب نسكاً، ومن ذبح قبل، فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء وأصحابه ينكرونه، وحبذا الموافقة).
الثالثة: وأما ما روي عن علي عليه السلام (فصل لربك وانحر) قال:
وضع اليمين على الشمال في الصلاة، خرجه الدارقنطي، فقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال: الأول : لاتوضع فريضة ولا نافلة، لأن ذلك من باب الاعتماد. ولا يجوز في الفرض، ولا يستحب في النفل. الثاني. لا يفعلها في الفريضة، ويفعلها في النافلة استعانة، لأنه موضع ترخص. الثالث : يفعلها في الفريضة والنافلة. وهوالصحيح ، لأنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على اليسرى من حديث وائل بن حجر وغيره. قال ابن المنذر: وبه قال مالك واحمد واسحاق، وحكي ذلك عن الشافعي: واستحب ذلك أصحاب الرأي. ورأت جماعة إرسال اليد. وممن روينا ذلك عنه ابن الزبير والحسن والبصري وإبراهيم النخعي.
قلت : وهو مروي أيضا عن مالك. قال ابن عبد البر: إرسال اليدين، ووضع اليمنى على الشمال، كل ذلك من سنة الصلاة.
الرابعة: واختلفوا في الموضع الذي توضع عليه اليد، فروي عن علي بن أبي طالب: أنه وضعهما على صدره. وقال سعيد بن جبير واحمد بن حنبل: فوق السرة. وقال: لابأس أن كانت تحت السرة. وقالت طائفة: توضع تحت السرة. وروي ذلك عن علي وأبي هريرة والنخعي وأبي مجلز. وبه قال سفيان الثوري واسحاق.
الخامسة: وأما رفع اليدين في التكبير عند الافتتاح والركوع والرفع من الركوع والسجود، فاختلف في ذلك، فروى الدارقطني "من حديث حميد عن انس قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد. لم يروه عن حميد مرفوعاً إلا عبدالوهاب الثقفي. والصواب من فعل أنس". وفي الصحيحين من حديث ابن عمر، قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه، حتى تكونا حذو منكبيه، ثم يكبر، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك حين يرفع رأسه من الركوع، ويقول سمع الله لمن حمده. ولا يفعل ذلك حين يرفع رأسه من السجود. قال ابن المنذر: وهذا قول الليث بن سعد، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور. وحكى ابن وهب عن مالك هذا القول. وبه أقول، لأنه الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت طائفة: يرفع المصلي يديه حين يفتتح الصلاة، ولا يرفع فيما سوى ذلك. هذا قول سفيان الثوري واصحاب الرأي.
قلت: وهو مشهور من مذهب مالك، لحديث ابن مسعود، خرجه الدارقطني من حديث إسحاق بن أبي إسرائيل، قال:" حدثنا بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله قال:
صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلم يرفعوا أيديهم إلا أولاً عند التكبيرة الأولى في افتتاح الصلاة ". قال اسحاق: به نأخذ في الصلاة كلها. قال الدارقطني: تفرد به محمد بن جابر(وكان ضعيفاً) عن حماد عن ابراهيم. وغير حماد يرويه عن ابراهيم مرسلاً عن عبدالله، من فعله، غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب. وقد روى يزيد بن أبي زياد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن البراء:
أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، ثم لم يعد إلى شيء من ذلك حتى فرغ من الصلاة. قال الدارقطني : وإنما لقن يزيد في آخر عمره: (ثم لم يعد) فتلقنه وكان قد اختلط. وفي (مختصر ما ليس في المختصر) عن مالك: لا يرفع اليدين في شيء من الصلاة. قال ابن القاسم: ولم أر مالكاً يرفع يديه عند الإحرام. قال: وأحب إلي ترك رفع اليدين عند الإحرام.
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: " أغفى رسول الله إغفاءة, فرفع رأسه متبسماً إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ " إنا أعطيناك الكوثر " حتى ختمها فقال: هل تدرون ما الكوثر ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال :هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير, ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم, فأقول يا رب إنه من أمتي, فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي, وهذا السياق عن محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك .
وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء من نهر الكوثر وأن آنيته عدد نجوم السماء, وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي من طريق علي بن مسهر ومحمد بن فضيل , كلاهما عن المختار بن فلفل عن أنس , ولفظ مسلم قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً, قلنا: ما أضحكك يا رسول الله. قال: لقد أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ " إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر " ثم قال أتدرون ما هو الكوثر ؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال: ـ فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم في السماء, فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه من أمتي, فيقول إنك لا تدري ما أحدث بعدك".
وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة, وأنها منزلة معها. فأما قوله تعالى: "إنا أعطيناك الكوثر" فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة, وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى عن أنس فقال: حدثنا عفان , حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الاية "إنا أعطيناك الكوثر" قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت الكوثر فإذا هو نهر يجري ولم يشق شقاً وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي في تربته فإذا مسك أذفر وإذا حصباؤه اللؤلؤ". وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن أنس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللولؤ فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر قلت: ماهذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل" ورواه البخاري في صحيحه و مسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن أنس بن مالك قال: " لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت ما هذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر" وهو لفظ البخاري رحمه الله.
وقال ابن جرير : حدثنا الربيع , أخبرنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر , قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال: " لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم مضى به جبريل إلى السماء الدنيا, فإذا هو بنهر عليه قصر من اللؤلؤ وزبرجد, فذهب يشم ترابه فإذا هو مسك قال: يا جبريل ما هذا النهر ؟ قال: هو الكوثر الذي خبأ لك ربك" وقد تقدم حديث الإسراء في سورة سبحان من طريق شريك عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مخرج في الصحيحين . وقال سعيد عن قتادة عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف, فقال الملك ـ الذي معه ـ أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثرالذي أعطاك الله, وضرب بيده إلى أرضه فأخرج من طينه المسك" وكذا رواه سليمان بن طرخان ومعمر وهمام وغيرهم عن قتادة به.
قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن أبي سريج , حدثنا أبو أيوب العباس , حدثنا إبراهيم بن سعد , حدثني محمد بن عبد الوهاب بن أخي ابن شهاب عن أبيه عن أنس قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر فقال: هو نهر أعطانيه الله تعالى في الجنة ترابه مسك أبيض من اللبن وأحلى من العسل ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر قال أبو بكر: يا رسول الله إنها لناعمة قال : آكلها أنعم منها".
وقال أحمد : حدثنا أبو سلمة الخزاعي , حدثنا الليث عن يزيد بن الهاد عن عبد الوهاب عن عبد الله بن مسلم بن شهاب عن أنس " أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الكوثر ؟ قال: هو نهر في الجنة أعطانيه ربي لهو أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل فيه طيورأعناقها كأعناق الجزر قال عمر: يا رسول الله إنها لناعمة. قال: آكلها أنعم منها يا عمر" رواه ابن جرير من حديث الزهري عن أخيه عبد الله عن أنس أنه " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر فذكر مثله سواء" . وقال البخاري : حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي , حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال: " سألتها عن قوله تعالى: "إنا أعطيناك الكوثر" قالت: نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم, شاطئاه عليه در مجوف, آنيته كعدد النجوم " , ثم قال البخاري : رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق , ورواه أحمد والنسائي من طريق مطرف به.
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا وكيع عن سفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة قالت: الكوثر نهر في الجنة شاطئاه در مجوف, وقال إسرائيل : هو نهر في الجنة عليه من الانية عدد نجوم السماء. وحدثنا ابن حميد : حدثنا يعقوب القمي عن حفص بن حميد عن شمر بن عطية عن شقيق أو مسروق قال: قلت لعائشة يا أم المؤمنين حدثيني عن الكوثر قالت: " نهر في بطنان الجنة, قلت وما بطنان الجنة ؟ قالت: وسطها حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت وترابه المسك وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت " , وحدثنا أبو كريب , حدثنا وكيع عن أبي جعفر الرازي عن ابن أبي نجيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليجعل أصبعيه في أذنيه, هذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة وفي بعض الروايات عن رجل عنها, ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك لا أنه يسمعه نفسه والله أعلم قال السهيلي ورواه الدارقطني مرفوعاً من طريق مالك بن مغول عن الشعبي عن مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم , حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه, قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة قال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه, ورواه أيضاً من حديث هشيم عن أبي بسر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الكوثر الخير الكثير, وقال الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكوثر الخير الكثير, وهذا التفسير يعم النهر وغيره لأن الكوثر من الكثرة وهو الخير الكثير, ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحارب بن دثار والحسن بن أبي الحسن البصري , حتى قال مجاهد : هو الخير الكثير في الدنيا والاخرة, وقال عكرمة : هو النبوة, والقرآن وثواب الاخرة وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضاً, فقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا عمر بن عبيد عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " الكوثر نهر في الجنة حافتاه ذهب وفضة يجري على الياقوت والدر, ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل " , وروى العوفي عن ابن عباس نحو ذلك.
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب , حدثنا هشيم أخبرنا عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر أنه قال: " الكوثر نهر في الجنة, حافتاه ذهب وفضة, يجري على الدر والياقوت, ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل " , وكذا رواه الترمذي عن ابن حميد عن جرير عن عطاء بن السائب به مثله موقوفاً, وقد روي مرفوعاً فقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن حفص , حدثنا ورقاء قال: وقال عطاء عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب والماء يجري على اللؤلؤ وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل" وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب به مرفوعاً, وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب , حدثنا ابن علية , أخبرنا عطاء بن السائب قال: قال لي محارب بن دثار ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت: حدثنا عن ابن عباس أنه قال: هو الخير الكثير, فقال: صدق والله إنه للخير الكثير, ولكن حدثنا ابن عمر قال: لما نزلت "إنا أعطيناك الكوثر" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت". وقال ابن جرير : حدثني ابن البرقي , حدثنا ابن أبي مريم , حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير , أخبرني حرام بن عثمان عن عبد الرحمن الأعرج عن أسامة بن زيد , " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوماً فلم يجده, سأل عنه امرأته وكانت من بني النجار فقالت: خرج يا نبي الله آنفاً عامداً نحوك فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار, أولا تدخل يا رسول الله ؟ فدخل فقدمت إليه حيساً فأكل منه, فقالت: يا رسول الله هنيئاً لك ومريئاً, لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهراً في الجنة يدعى الكوثر فقال: أجل وعرضه ـ يعني أرضه ـ ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ" حرام بن عثمان ضعيف, ولكن هذا سياق حسن, وقد صح أصل هذا بل قد تواتر من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث, وكذلك أحاديث الحوض, وهكذا روي عن أنس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف أن الكوثر نهر في الجنة, وقال عطاء : هو حوض في الجنة.
وقوله تعالى: "فصل لربك وانحر" أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والاخرة ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته, فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك فاعبده وحده لا شريك له, وانحر على اسمه وحده لا شريك له كما قال تعالى: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن : يعني بذلك نحر البدن ونحوها, وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والربيع وعطاء الخراساني والحكم وإسماعيل بن أبي خالد وغير واحد من السلف, وهذا بخلاف ما كان عليه المشركون من السجود لغير الله والذبح على غير اسمه كما قال تعالى: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق" الاية, وقيل: المراد بقوله "وانحر" وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى تحت النحر, يروى هذا عن علي ولا يصح, وعن الشعبي مثله وعن أبي جعفر الباقر "وانحر" يعني رفع اليدين عند افتتاح الصلاة, وقيل "وانحر" أي واستقبل بنحرك القبلة, ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير .
وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً منكراً جداً فقال: حدثنا وهب بن إبراهيم القاضي سنة خمس وخمسين ومائتين, حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي , حدثنا مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم "إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر" " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ فقال: ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع, وإذا سجدت فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع, وإن لكل شيء زينة وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة " . وهكذا رواه الحاكم في المستدرك من حديث إسرائيل بن حاتم به, وعن عطاء الخراساني : "وانحر" أي ارفع صلبك بعد الركوع واعتدل وأبرز نحرك يعني به الاعتدال, رواه ابن أبي حاتم وكل هذه الأقوال غريبة جداً, والصحيح القول الأول أن المراد بالنحر ذبح المناسك, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول: "من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك, ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله إني نسكت شاتي قبل الصلاة, وعرفت أن اليوم يوم يشتهى فيه اللحم. قال: شاتك شاة لحم قال: فإن عندي عناقاً هي أحب إلي من شاتين أفتجزىء عني ؟ قال: تجزئك ولا تجزىء أحداً بعدك".
قال أبو جعفر بن جرير : والصواب قول من قال إن معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً دون ما سواه من الأنداد والالهة, وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له وخصك به, وهذا الذي قاله في غاية الحسن, وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعب القرظي وعطاء . وقوله تعالى: "إن شانئك هو الأبتر" أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره, قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة : نزلت في العاص بن وائل , وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له, فإذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله هذه السورة, وقال شمر بن عطية : نزلت في عقبة بن أبي معيط.
وقال ابن عباس أيضاً و عكرمة : نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش, وقال البزار : حدثنا زياد بن يحيى الحساني , حدثنا ابن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا الصنبر المنبتر من قومه ؟ يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية فقال: أنتم خير منه, قال فنزلت "إن شانئك هو الأبتر" هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح, وعن عطاء قال: نزلت في أبي لهب , وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين فقال بتر محمد الليلة فأنزل الله في ذلك "إن شانئك هو الأبتر".
وعن ابن عباس : نزلت في أبي جهل, وعنه: "إن شانئك" يعني عدوك, وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم, وقال عكرمة : الأبتر الفرد, وقال السدي : كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا بتر, فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا بتر محمد, فأنزل الله "إن شانئك هو الأبتر" وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره, فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره, وحاشا وكلا بل قد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد, وأوجب شرعه على رقاب العباد, مستمراً على دوام الاباد, إلى يوم المحشر والمعاد, صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم التناد.
2- "فصل لربك" الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والمراد الأمر له صلى الله عليه وسلم بالدوام على إقامة الصلوات المفروضة "وانحر" البدن التي هي خيار أموال العرب. قال محمد بن كعب: إن ناساً كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاته ونحره له. وقال قتادة وعطاء وعكرمة: المراد صلاة العيد، ونحر الأضحية. وقال النحر وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة حذا النحر قاله محمد بن كعب. وقيل هو أن يرفع يديه في الصلاة عند التكبيرة إلى حذاء نحره. وقيل هو أن يستقبل القبلة بنحره قاله الفراء والكلبي وأبو الأحوص. قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول نتناحر: أي نتقابل: نحر هذا إلى نحر هذا أي قبالته، ومنه قول الشاعر:
أبا حكم ما أنت عمرا مجالد وسيد أهل الأبطح المتناحر
أي المتقابل. وقال ابن الأعرابي: هو انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب، من قولهم: منازهم تتناحر تتقابل. وروي عن عطاء أنه قال: أمره أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحره. وقال سليمان التميمي. المعنى: وارفع يديك بالدعاء إلى نحرك، وظاهر الآية الأمر له صلى الله عليه وسلم بمطلق الصلاة ومطلق النحر وأن يجعلهما لله عز وجل لا لغيره، وما ورد في السنة من بيان هذا المطلق بنوع خاص فهو في حكم التقييد له، وسيأتي إن شاء الله.
قوله عز وجل: 2- "فصل لربك وانحر"، قال محمد بن كعب: إن أناساً كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي وينحر لله عز وجل.
وقال عكرمة وعطاء وقتادة: فصل لربك صلاة العيد ويوم النحر، وانحر نسكك.
وقال سعيد بن جبير، ومجاهد: فصل الصلوات المفروضة بجمع، وانحر البدن بمنىً.
وروي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: "فصل لربك وانحر" قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر.
2-" فصل لربك " فدم على الصلاة خالصاً لوجه الله تعالى خلاف الساهي عنها المرائي فيها شكراً لانعامه ،فإن الصلاة جامعة لأقسام الشكر . " وانحر " البدن التي هي خيار أموال العرب وتصدق على المحاويج خلافاً لمن يدعهم ويمنع عنهم الماعون ، فالسورة كالمقابلة للسورة المتقدمة وقد فسرت الصلاة بصلاة العيد والنحر بالتضحية .
2. So pray unto they Lord, and sacrifice.
2 - Therefore to thy Lord turn in Prayer and Sacrifice.