20 - (يصهر) يذاب (به ما في بطونهم) من شحوم وغيرها تشوى به (والجلود)
القول في تأويل قوله تعالى : " يصهر به ما في بطونهم والجلود " .
" يصهر " يذاب. " به ما في بطونهم " والصهر إذابة الشحم. والصهارة ما ذاب منه، يقال: صهرت الشيء فانصهر، أي أذبته فذاب، فهو صهير. قال ابن أحمر يصف فرخ قطاة:
تروي لقىً ألقي في صفصف تصهره الشمس فما ينصهر
أي تذيبه الشمس فيصبر على ذلك. " والجلود " أي وتحرق الجلود، أو تشوى الجلود، فإن الجلود لا تذاب، ولكن يضم في كل شيء ما يليق به، فهو كما تقول: أتيته فأطعمني ثريداً، إي والله ولبنا قارصاً، أي وسقاني لبناً. وقال الشاعر:
علفتها تبناً وماء باردا
ثبت في الصحيحين من حديث أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر : أنه كان يقسم قسماً أن هذه الاية "هذان خصمان اختصموا في ربهم" نزلت في حمزة وصاحبيه, و عتبة وصاحبيه يوم برزوا في بدر, لفظ البخاري عند تفسيرها, ثم قال البخاري : حدثنا حجاج بن المنهال , حدثنا المعتمر بن سليمان , سمعت أبي , حدثنا أبو مجلز عن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة, قال قيس : وفيهم نزلت: "هذان خصمان اختصموا في ربهم" قال: هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة . انفرد به البخاري .
وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله: "هذان خصمان اختصموا في ربهم" قال: اختصم المسلمون وأهل الكتاب, فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم, فنحن أولى بالله منكم, وقال المسلمون: كتابنا يقضي على الكتب كلها ونبينا خاتم الأنبياء, فنحن أولى بالله منكم, فأفلج الله الإسلام على من ناوأه, وأنزل "هذان خصمان اختصموا في ربهم" وكذا روى العوفي عن ابن عباس : وقال شعبة عن قتادة في قوله: "هذان خصمان اختصموا في ربهم" قال: مصدق ومكذب وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الاية: مثل الكافر والمؤمن اختصما في البعث, وقال في رواية هو و عطاء في هذه الاية: هم المؤمنون والكافرون.
وقال عكرمة : "هذان خصمان اختصموا في ربهم" قال: هي الجنة والنار, قالت النار: اجعلني للعقوبة, وقالت الجنة: اجعلني للرحمة. وقول مجاهد وعطاء : إن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها, وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها, فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله عز وجل, والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان وخذلان الحق وظهور الباطل, وهذا اختيار ابن جرير , وهو حسن, ولهذا قال "فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار" أي فصلت لهم مقطعات من النار, قال سعيد بن جبير : من نحاس, وهو أشد الأشياء حرارة إذا حمي "يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود" أي إذا صب على رؤوسهم الحميم وهو الماء الحار في غاية الحرارة. وقال سعيد بن جبير : هو النحاس المذاب, أذاب ما في بطونهم من الشحم والأمعاء, قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم, وكذلك تذوب جلودهم, وقال ابن عباس وسعيد : تساقط.
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن المثنى , حدثني إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني , حدثنا ابن المبارك عن سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن ابن حجيرة , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه, فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه, وهو الصهر, ثم يعاد كما كان" ورواه الترمذي من حديث ابن المبارك وقال: حسن صحيح, وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي نعيم عن ابن المبارك به. ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أحمد بن أبي الحواري .
قال: سمعت عبد الله بن السري قال: يأتيه الملك يحمل الإناء بكلبتين من حرارته, فإذا أدناه من وجهه تكرهه, قال: فيرفع مقمعة معه فيضرب بها رأسه فيفرغ دماغه, ثم يفرغ الإناء من دماغه فيصل إلى جوفه من دماغه, فذلك قوله: "يصهر به ما في بطونهم والجلود".
وقوله: "ولهم مقامع من حديد" قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض, فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض" وقال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت, ثم عاد كما كان, ولو أن دلواً من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا" وقال ابن عباس في قوله: "ولهم مقامع من حديد" قال: يضربون بها, فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالثبور.
وقوله: "كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها" قال الأعمش عن أبي ظبيان عن سلمان قال: النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها, ثم قرأ "كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها" وقال زيد بن أسلم في هذه الاية "كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها" قال: بلغني أن أهل النار في النار لا يتنفسون, وقال الفضيل بن عياض : والله ما طمعوا في الخروج, إن الأرجل لمقيدة وإن الأيدي لموثقة, ولكن يرفعهم لهبها وتردهم مقامعها. وقوله: "وذوقوا عذاب الحريق" كقوله: "وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون" ومعنى الكلام أنهم يهانون بالعذاب قولاً وفعلاً.
20- "يصهر به ما في بطونهم" الصهر الإذابة، والصهارة ما ذاب منه، يقال صهرت الشيء فانصهر: أي أذبته فذاب فهو صهير، والمعنى: أنه يذاب بذلك الحميم ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء "والجلود" معطوفة على ما: أي ويصهر به الجلود، والجملة في محل نصب على الحال، وقيل إن الجلود لا تذاب، بل تحرق، فيقدر فعل يناسب ذلك، ويقال وتحرق به الجلود كما في قول الشاعر:
علفتها تبناً وماءً بارداً
أي وسقيتها ماء، ولا يخفى أنه لا ملجئ لهذا، فإن الحميم إذا كان يذيب ما في البطون فإذابته للجلد الظاهر بالأولى.
20. " يصهر به " أي: يذاب بالحميم، " ما في بطونهم "، يقال: صهرت الإلية والشحم بالنار إذا أذبتهما أصهرهما صهراً، معناه يذاب بالحميم الذي يصب من فوق رؤوسهم حتى يسقط ما في بطونهم من الشحوم والأحشاء، " والجلود " أي: يشوي حرها جلودهم فتتساقط.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن زيد ، عن أبي السمح ، عن أبي حجيرة واسمه عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه، وهو الصهر، ثم يعاد كما كان ".
20ـ " يصهر به ما في بطونهم والجلود " أي يؤثر من فرط حرارته في بطونهم تأثيره في ظاهرهم فتذاب به أحشاؤهم كما تذاب به جلودهم ، والجملة حال من " الحميم " أو من ضميرهم . وقرئ بالتشديد للتكثير .
20. Whereby that which is in their bellies, and their skins too, will be melted;
20 - With it will be scalded what is within their bodies, as well as (their) skins.