20 - (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) من الفتوحات (فعجل لكم هذه) غنيمة خيبر (وكف أيدي الناس عنكم) في عيالكم لما خرجتم وهمت بهم اليهود فقذف الله في قلوبهم الرعب (ولتكون) أي المعجلة عطف على مقدر أي لتشكروه (آية للمؤمنين) في نصرهم (ويهديكم صراطا مستقيما) أي طريق التوكل عليه وتفويض الأمر إليه تعالى
يقول تعالى ذكره لأهل بيعة الرضوان : " وعدكم الله " أيها القوم " مغانم كثيرة تأخذونها " .
اختلف أهل التأويل في هذه المغانم التي ذكر الله أنه وعدها هؤلاء القوم أي المغانم هي ، فقال بعضهم : هي كل مغنم غنمها الله المؤمنين به من أموال أهل الشرك من لدن أنزل هذه الآية على لسان نبيه صلى الله عيه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها " قال : المغانم الكثيرة التي وعدوا : ما يأخذونها إلى اليوم .
وعلى هذا التأويل يحتمل الكلام أن يكون مرادا بالمغانم الثانية المغانم الأولى ، ويكون معناه عند ذلك : فأثابها فتحا قريبا ، ومغانم كثيرة يأخذونها ، وعدكم الله أيها القوم هذه المغانم التي تأخذونها ، وأنتم إليها واصلون عدة ، فجعل لكم الفتح القريب من فتح خيبر . ويحتمل أن تكون الثانية غير الأولى ، وتكون الأولى من غنائم خيبر والغنائم الثانية التي وعدهموها من غنائم سائر أهل الشرك سواهم .
وقال آخرون : هذه المغانم التي وعد الله هؤلاء القوم هي مغانم خيبر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها " قال : يوم خيبر ، قال : كان أبي يقول ذلك .
وقوله " فعجل لكم هذه " اختلف أهل التأويل في التي عجلت لهم ، فقال جماعة : غنائم خيبر والمؤخرة سائر فتوح المسلمين بعد ذلك الوقت إلى قيام الساعة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " فعجل لكم هذه " قال : عجل لكم خبير .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " فعجل لكم هذه" وهي خيبر . وقال آخرون : بل عني بذلك الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " فعجل لكم هذه " قال : الصلح .
وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ما قاله مجاهد ، وهو أن الذي أثابهم الله من مسيرهم ذلك مع الفتح القريب المغانم الكثيرة من مغانم خيبر ، وذلك أن المسلمين لم يغنموا بعد الحديبية غنيمة ، ولم يفتحوا فتحا أقرب من بيعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية إليها من فتح خيبر وغنائمها .
وأما قوله " وعدكم الله مغانم كثيرة " فهي سائر المغانم التي غنمهموها الله بعد خيبر ، كغنائم هوازن ، وغطفان ، وفارس ، والروم .
وإنما قلنا ذلك كذلك دون غنائم خيبر ، لأن الله أخبر أنه عجل لهم هذه التي أثابهم من مسيرهم الذي ساروه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، ولما علم من صحة نيتهم في قتال أهلها ، إذ بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على أن لا يفروا عنه ، ولا شك أن التي عجلت لهم غير التي لم تعجل لهم .
وقوله "وكف أيدي الناس عنكم " يقول تعالى ذكره لأهل بيعة الرضوان : وكف الله أيدي المشركين عنكم .
ثم اختلف أهل التأويل في الذين كفت أيديهم عنهم من هم ؟ فقال بعضهم : هم اليهود كف الله أيديهم عن عيال الذين ساروا من المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " وكف أيدي الناس عنكم " : عن بيوتهم ، وعن عيالهم بالمدينة حين ساروا إلى الحديبية وإلى خيبر ، وكانت خيببر في ذلك الوجه .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله " وكف أيدي الناس عنكم " قال: كف أيدي الناس عن عيالهم بالمدينة .
وقال آخرون : بل عني بذلك أيدي قريش إذ حبسهم الله عنهم ، فلم يقدروا له على مكروه .
والذي قاله قتادة في ذلك عندي أشبه بتأويل الآية ، وذلك أن كف الله أيدي المشركين من أهل مكة عن أهل الحديبية قد ذكره الله بعد هذه الآية في قوله " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة " فعلم بذلك أن لكف الذي ذكره الله تعالى في قوله " وكف أيدي الناس عنكم " غير الكف الذي ذكر الله بعد هذه الآية في قوله " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة " .
وقوله " ولتكون آية للمؤمنين " يقول : وليكون كفه تعالى ذكره أيديهم عن عيالهم آية وعبرة للمؤمنين به فيعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وكلاءتهم في مشهدهم ومغيبهم ، ويتقوا الله في أنفسهم وأموالهم وأهليهم بالحفظ وحسن الولاية ما كانوا مقيمين على طاعته ، منتهين إلى أمره ونهيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الاعلى قال :ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " ولتكون آية للمؤمنين " يقول : وذلك آية للمؤمنين ، كف أيدي الناس عن عيالهم " ويهديكم صراطا مستقيما " يقول : ويسددكم أيها المؤمنون طريقا واضحا لا اعوجاج فيه ، فيبينه لكم ، وهو أن تثقوا في أموركم كلها بربكم ، فتتوكلوا عليه في جميعها ، ليحوطكم حياطته إياكم في مسيركم إلى مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسكم وأهليكم وأموالكم ، فقد رأيتم أثر فعل الله بكم ، إذ وثقتم في مسيركم هذا .
قوله تعالى : " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها " قال ابن عباس و مجاهد إنها المغانم التي تكون إلى يوم القيامة ، وقال ابن زيد : هي مغانم خيبر ، " فعجل لكم هذه " أي خيبر ، قاله مجاهد ، وقال ابن عباس : عجل لكم صلح الحديبية ، " وكف أيدي الناس عنكم " يعني أهل مكة ، كفهم عنكم بالصلح ، وقال قتادة : كيف أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية وخيبر ، وهو اختيار الطبري ، لأن كف أيدي المشركين بالحديبية مذكور في قوله : " وهو الذي كف أيديهم عنكم " وقال ابن عباس : في ( كف أيدي الناس عنكم ) يعني عيينة بن حصن الفزاري عوف بن مالك النضري ومن كان معهما ، إذ جاءزا لينصروا خيبر والنبي صلى الله عليه وسلم محاصر لهم ، فألقى الله عز وجل في قلوبهم الرب وكفهم عن المسلمين " ولتكون آية للمؤمنين " أي ولتكون هزيمتهم وسلامتكم آية للمؤمنين ، فيعلموا أن الله يحرسهم في مشهدهم ومغيبهم ، وقيل : ولتكون كف أيديهم عنكم آية للمؤمنين ، وقيل : أي ولتكون هذه التي عجلها لكم آية للمؤمنين على صدقك حيث وعدتهم أن يصيبوها والواو في ( ولتكون ) مقحمة عند الكوفيين ، وقال البصريون : عاطفة على مضمر ، أي وكف أيدي الناس عنكم لتشكروه ولتكون آية للمؤمنين . " ويهديكم صراطا مستقيما " أي يزيدكم هدى ، أو يثبتكم على الهداية .
قال مجاهد في قوله تعالى: "وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها" هي جميع المغانم إلى اليوم "فعجل لكم هذه" يعني فتح خيبر, وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما "فعجل لكم هذه" يعني صلح الحديبية "وكف أيدي الناس عنكم" أي لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال, وكذلك كف أيدي الناس عنكم الذين خلفتموهم وراء ظهوركم عن عيالكم وحريمكم "ولتكون آية للمؤمنين" أي يعتبرون بذلك, فإن الله تعالى حافظهم وناصرهم على سائر الأعداء مع قلة عددهم, وليعلموا بصنيع الله هذا بهم إنه العالم بعواقب الأمور, وإن الخيرة فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظاهر كما قال عز وجل "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" "ويهديكم صراطاً مستقيماً" أي بسبب انقيادكم لأمره واتباعكم طاعته, وموافقتكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تبارك وتعالى: "وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديراً" أي وغنيمة أخرى وفتحاً آخر معيناً لم تكونوا تقدرون عليها, قد يسرها الله عليكم وأحاط بها لكم, فإنه تعالى يرزق عباده المتقين له من حيث لا يحتسبون, وقد اختلف المفسرون في هذه الغنيمة ما المراد بها فقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما هي خيبر, وهذا على قوله عز وجل: "فعجل لكم هذه" إنها صلح الحديبية, وقاله الضحاك وابن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وقال قتادة: هي مكة واختاره ابن جرير, وقال ابن أبي ليلى والحسن البصري: هي فارس والروم, وقال مجاهد: هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن سماك الحنفي عن ابن عباس رضي الله عنهما "وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها" قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم.
وقوله تعالى: "ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا نصيراً" يقول عز وجل مبشراً لعباده المؤمنين, بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله وعباده المؤمنين عليهم, ولا نهزم جيش الكفر فاراً مدبراً لا يجدون ولياً ولا نصيراً, لأنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين. ثم قال تبارك وتعالى: "سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً" أي هذه سنة الله وعادته في خلقه, ما تقابل الكفر والإيمان في موطن إلا نصر الله الإيمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل, كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين مع قلة عدد المسلمين وعددهم وكثرة المشركين وعددهم.
وقوله سبحانه وتعالى: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيراً" هذا امتنان من الله على عباده المؤمنين حين كف أيدي المشركين عنهم فلم يصل إليهم منهم سوء, وكف أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام, بل صان كلاً من الفريقين وأوجد بينهم صلحاً فيه خير للمؤمنين وعاقبة لهم في الدنيا والاخرة, وقد تقدم في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه حين جاؤوا بأولئك السبعين الأسارى, فأوقفوهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليهم فقال: "أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه". قال وفي ذلك أنزل الله عز وجل: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم" الاية. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا حماد عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة بالسلاح, من قبل جبل التنعيم, يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فأخذوا. قال عفان: فعفا عنهم ونزلت هذه الاية: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم" ورواه مسلم وأبو داود في سننه والترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما من طرق عن حماد بن سلمة به.
وقال أحمد أيضاً: حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا الحسين بن واقد, حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة التي قال تعالى في القرآن, وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. وسهيل بن عمرو بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فأخذ سهيل بيده وقال: ما نعرف الرحمن الرحيم, اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال: اكتب باسمك اللهم ـ وكتب ـ هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة فأمسك سهيل بن عمرو بيده وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح, فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخذ الله تعالى بأسماعهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل جئتم في عهد أحد ؟ أو هل جعل لكم أحداً أماناً ؟ فقالوا: لا , فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم" " .الاية رواه النسائي من حديث حسين بن واقد به.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا يعقوب القمي, حدثنا جعفر عن ابن أبزى قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمر رضي الله عنه: يا نبي الله, تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع ؟ قال: فبعث صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فلم يدع فيها كراعاً ولا سلاحاً إلا حمله, فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى, فنزل بمنى فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة, فقال لخالد بن الوليد رضي الله عنه: "يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل" فقال خالد رضي الله عنه: أنا سيف الله وسيف رسوله, فيومئذ سمي سيف الله, فقال: يا رسول الله ابعثني أين شئت, فبعثه على خيل فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة, ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة, ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة, فأنزل الله تعالى: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا * هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما " قال فكف الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل, ورواه ابن أبي حاتم عن ابن أبزى بنحوه, وهذا السياق فيه نظر فإنه لا يجوز أن يكون عام الحديبية, لأن خالداً رضي الله عنه لم يكن أسلم بل قد كان طليعة للمشركين يومئذ, كما ثبت في الصحيح, ولا يجوز أن يكون في عمرة القضاء لأنهم قاضوه على أن يأتي في العام القابل فيعتمر, ويقيم بمكة ثلاثة أيام, ولما قدم صلى الله عليه وسلم لم يمانعوه ولا حاربوه ولا قاتلوه.
فإذا قيل: فيكون يوم الفتح ؟ فالجواب: ولا يجوز أن يكون يوم الفتح لأنه لم يسق عام الفتح هدياً, وإنما جاء محارباً مقاتلاً في جيش عرمرم, فهذا السياق فيه خلل وقد وقع فيه شيء فليتأمل والله أعلم. وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنه قال: إن قريشاً بعثوا أربعين رجلاً منهم أو خمسين, وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا من أصحابه أحداً فأخذوا أخذاً, فأتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم, وقد كانوا رموا إلى عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل. قال ابن إسحاق: وفي ذلك أنزل الله تعالى: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم" الاية. وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلاً يقال له ابن زنيم اطلع على الثنية من الحديبية, فرماه المشركون بسهم فقتلوه, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً فأتوه باثني عشر فارساً من الكفار فقال لهم: "هل لكم علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟" قالوا: لا , فأرسلهم وأنزل الله تعالى في ذلك: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم" الاية.
20- "وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها" في هذا وعد منه سبحانه لعباده المؤمنين بما سيفتحه عليهم من الغنائم إلى يوم القيامة يأخذونها في أوقاتها التي قدر وقوعها فيها "فعجل لكم هذه" أي غنائم خيبر، قاله مجاهد وغيره، وقيل صلح الحديبية "وكف أيدي الناس عنكم" أي وكف أيدي قريش عنكم يوم الحديبية بالصلح، وقيل كف أيدي أهل خيبر وأنصارهم عن قتالكم وقذف في قلوبهم الرعب. وقال قتادة: كف أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية وخيبر، ورجح هذا ابن جرير، قال: لأن كف أيدي الناس بالحديبية مذكور في قوله: "وهو الذي كف أيديهم عنكم" وقيل كف أيدي الناس عنكم: يعني عيينة بين حصن الفزاري، وعوف بن مالك النضري ومن كان معهما، إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر عند حصار النبي صلى الله عليه وسلم لهم "ولتكون آية للمؤمنين" اللام يجوز أن تتعلق بفعل محذوف يقدر بعده: أي فعل ما فعل من التعجيل والكف لتكون آية، أو على علة محذوفة تقديرها وعد فعجل وكف لتنتفعوا بذلك ولتكون آية. وقيل إن الواو مزيدة واللام لتعليل ما قبله: أي وكف لتكون، والمعنى: ذلك الكف آية يعلم بها صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع ما يعدكم به " ويهديكم صراطا مستقيما " أي يزيدكم بتلك الآية هدى ، أو يثبتكم على الهداية إلى الطريق الحق .
20. " وعدكم الله مغانم كثيرةً تأخذونها "، وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة، " فعجل لكم هذه "، يعني خيبر، " وكف أيدي الناس عنكم "، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خيبر وحاصر أهلها همت قبائل من أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة، فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم، وقيل: كف أيدي الناس عنكم يعني أهل مكة بالصلح، " ولتكون "، كفهم وسلامتكم، " آيةً للمؤمنين "، على صدقك ويعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وحراستهم في مشهدهم ومغيبهم، " ويهديكم صراطاً مستقيماً "، يثبتكم على الإسلام ويزيدكم بصيرة ويقيناً بصلح الحديبية، وفتح خيبر وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرم ثم خرج في بقية المحرم سنة سبع إلى خيبر.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، خدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس بن مالك "أن النبي صلى الله عليه وسلم. كان إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغير بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كف عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم قال: فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلاً فلما أصبح ولم يسمع أذاناً ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم النبي صلى الله عليه وسلم: قال: فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد -والله- محمد والخميس، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:الله أكبر، الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، أخبرنا أبةو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا إياس بن سلمة ، حدثني أبي قال: ... خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم:
تالله لولا الله ما اهتدينــا ولا تصدقنا ولا صلينـا
ونحن عن فضلك ما استغنينا فثبت الأقدام إن لاقينـا
[ وأنزلن سكينةً علينا ]
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ فقال: أنا عامر، غفر لك ربك، قال: وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان إلا استشهد، قال: فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبي الله لولا متعتنا بعامر، قال: فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول:
قد علمت [خيبر] أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
قال: وبرز له عمي عامر، فقال:
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل معامر
قال فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر ينقل له، فرجع سيفه [على نفسه] فقطع أكحله، وكانت فيها نفسه. قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: بطل عمل عامر قتل نفسه، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابكي، فقلت: يارسول الله بطل عمل عامر قتل نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال ذلك ؟ قلت: ناس من أصحابك، قال: كذب من قال ذلك، بل له أجره مرتين، ثم أرسلني إلى علي رضي الله عنه -وهو أرمد- فقال: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، قال: فأتيت علياً رضي الله عنه فجئت به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في عينيه فبرأ، وأعطاه الراية، وخرج مرحب فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي رضي الله عنه:
أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات [كريه المنظره]
أوفيهم بالصاع كيل السندرة
قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
وروى حديث خيبر جماعة: سهل بن سعد، وأنس، وأبو هريرة، يزيدون وينقصون، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثم رجع فأخذها عمر رضي الله عنه فقاتل قتالاً شديداً، هو أشد من القتال الأول، ثم رجع، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ، فدعا علي بن أبي طالب فأعطاه إياها وقال: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، فأتى مدينة خيبر، فخرج مرحب صاحب الحصن، وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز، فبرز إليه علي فضربه فقد الحجر والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الأضراس، ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر، يرتجز فخرج إليه الزبير بن العوام، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب: أيقتل ابني يا رسول الله؟ قال: بل ابنك يقتله إن شاء الله ، ثم التقيا فقتله الزبير، ثم لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح الحصون، ويقتل المقاتلة ويسبي الذرية، ويحور الأموال.
قال محمد بن إسحاق : وكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم، وعنده قتل محمود بن سلمة، ألقت عليه اليهود حجراً فقتله، ثم فتح العموص، حصن ابن أبي الحقيق، فأصاب منه سبايا، منهم صفية بنت حيي بن أخطب، جاء بلال بها وبأخرى معها، فمر بهما على قتلى من قتلى يهود، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعزبوا عني هذه الشيطانة ، وأمر بصفية فحيزت خلفه، وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفاها لنفسه، وقال رسول الله لبلال، لما رأى من تلك اليهودية ما رأى: أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما، وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن قمراً وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها، فقال: ما هذا إلا أنك تتمنين ملك الحجاز محمداً، فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وبها أثر منها فسألها ما هو؟ فأخبرته هذا الخبر، وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بزوجها كنانة بن الربيع، وكان عنده كنز بني النضير فسأله، فجحده أن يكون يعلم مكانه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من اليهود فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد رأيت كنانة بهذه الخربة كل غداة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة: أرأيت إن وجدناه عندك أنقتلك؟ قال: نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله ما بقي فأبى أن يؤديه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام فقال: عذبه حتى تستأصل ما عنده ، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم، وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخ نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل القرية قال: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، قالها ثلاثاً، وخرج القوم إلى أعمالهم، فقالوا: محمد، قال عبد العزيز ، وقال بعض أصحابنا: والخميس يعني: الجيش، قال: فأصبناها عنوة، فجمع السبي فجاء دحية فقال: يا نبي الله [أعطني جارية من السبي، قال: اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى نبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله] أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير، لا تصلح إلا لك، قال: ادعوه بها ، فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال:
خذ جارية من السبي غيرها، قال: فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها، فقال له ثابت: يا أبا حمزة ما أصدقها؟ قال: نفسها، أعتقها وتزوجها، حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروساً، فقال: من كان عنده شيء فليجيء به ، وبسط نطعاً فجعل الرجل يجيء بالتمر والآخر يجيء بالسمن، قال: وأحسبه قد ذكر السويق، قال: فحاسوا حيساً فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد الشيباني قال: " سمعت ابن أبي أوفى يقول: أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها، فلما غلت القدور نادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفئوا القدور ولا تطعموا من لحوم الحمر شيئاً، قال عبد الله فقلنا إنما نهى النبي لأنها لم تخمس، وقال آخرون: حرمها البتة"، وسألت سعيد بن جبير فقال: حرمها البتة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي ، أخبرنا خالد بن الحارث ، حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس "أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، قال: ما كان ليسلطك على ذلك، أو قال علي، قال: قالوا ألا نقتلها؟ قال: لا ، قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال محمد بن إسماعيل قال يونس، عن الزهري قال عروة، قالت عائشة: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم".
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن بشار، أخبرنا حرمي ، أخبرنا شعبة قال أخبرني عمارة، عن عكرمة ، عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أحمد بن المقدام ، حدثنا فضيل بن سليمان ، حدثنا موسى بن عقبة ، أبرني نافع ، عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل خيبر أراد أن يخرج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليهاا لله ولرسوله وللمسلمين، فسأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتركهم على أن يكفوا العمل ولهم نصف التمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نقركم على ذلك ما شئنا. فأقروا حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيماء وأريحاء.
قال محمد بن إسحاق / فلما سمع أهل فدك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ويحقن لهم دماءهم، ويخلوا له الأموال، ففعل. ثم إن أهل خيبر سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم الأموال على النصف، ففعل على أنا إذا شئنا أخرجناكم، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر للمسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.
فلما اكمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية، وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها السم، وسممت سائر الشاة، ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكاً استرحت منه، وإن كان نبياً فسيخبر، فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل.
قال: ودخلت أم بشر بن البراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعوده في مرضه الذي توفي فيه، فقال: يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري ، وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله من النبوة.
20-" وعدكم الله مغانم كثيرةً تأخذونها " وهي ما يفيء على المؤمنين إلى يوم القيامة . " فعجل لكم هذه " يعني مقام خيبر . " وكف أيدي الناس عنكم " أي أيدي أهل خيبر وخلفائهم من بني أسد وغطفان ، أو أيدي قريش بالصلح . " ولتكون " هذه الكفة أو الغنيمة . " آية للمؤمنين " أمارة يعرفون بها أنهم من الله بمكان ، أو صدق الرسول في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه من الحديبية ، أو عد المغانم أو عنواناً لفتح مكة والعطف على محذوف هو علة لـ" كف " ، أو عجل مثل لتسلموا ، أو لتأخذوا أو العلة لمحذوف مثل فعل ذلك . " ويهديكم صراطاً مستقيماً " هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه .
20. Allah promiseth you much booty that ye will capture, and hath given you this in advance, and hath withheld men's hands from you, that it may be a token for the believers, and that He may guide you on a right path.
20 - God has promised you many gains that ye shall acquire, and He has given you these beforehand; and He has restrained the hands of men from you; that it may be a Sign for the Believers, and that He may guide you to a Straight Path;