20 - (إن الذين يحادون) يخالفون (الله ورسوله أولئك في الأذلين) المغلوبين
يقول تعالى ذكره : إن الذين يخالفون الله ورسوله في حدوده ، وفيما فرض عليهم من فرائضه فيعادونه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " إن الذين يحادون الله ورسوله " يقول : يعادون الله ورسوله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، بنحوه .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا زرقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " يحادون الله ورسوله " قال : يعادون ، يشاقون .
وقوله : " أولئك في الأذلين " يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين يحادون الله ورسوله في أهل الذلة ، لأن الغلبة لله ورسوله .
قوله تعالى : " إن الذين يحادون الله ورسوله " تقدم أول السورة . " أولئك في الأذلين " أي من جملة الاذلاء لا أذل منهم " كتب الله لأغلبن " أي قضي الله ذلك .وقيل :كتب في اللوح المحفوظ ، عن قتادة . الفراء : كتب بمعنى قال . "أنا " توكيد " ورسلي " منبعث منهم بالحرب فإنهم غالب بالحرب ،ومن بعث منهم بالحجة فإن غلب بالحجة . قال مقاتل قال المؤمنون :لئن فتح الله لنا مكة والظائف وخيبر وما حولهن رجونا أن يطهرنا الله على فارس والروم ، فقال عبد الله بن أبي بن سلول : أتظنون الروم وفارس مثل القرى التي علبتم عليه ؟! والله إنهم لأكثر عددا ،وأشد بطشا من أ تظنوا فيهم ذلك ، فنزلت " لأغلبن أنا ورسلي " .نظيره : " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون " [الصافات : 172 ]
يقول تعالى مخبراً عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله, يعني الذين هم في حد والشرع في حد, أي مجانبون للحق مشاقون له هم في ناحية والهدى في ناحية "أولئك في الأذلين" أي في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب الأذلين في الدنيا والاخرة. " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " أي قد حكم وكتب في كتابه الأول وقدره الذي لا يخالف ولا يمانع ولا يبدل, بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والاخرة " إن العاقبة للمتقين " كما قال تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار" وقال ههنا: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز" أي كتب القوي العزيز أنه الغالب لأعدائه, وهذا قدر محكم وأمر مبرم أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والاخرة ثم قال تعالى: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " أي لا يوادون المحادين ولو كانوا من الأقربين كما قال تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه" الاية.
وقال الله تعالى: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره: أنزلت هذه الاية " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر " إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر, ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك الستة رضي الله عنهم: ولو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته. وقيل في قوله تعالى: "ولو كانوا آباءهم" نزلت في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدر "أو أبناءهم" في الصديق هم يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن "أو إخوانهم" في مصعب بن عمير, قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ "أو عشيرتهم" في عمر قتل قريباً له يومئذ أيضاً, وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ, فالله أعلم.
قلت: ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله المسلمين في أسارى بدر, فأشار الصديق بأن يفادوا فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين, وهم بنو العم والعشيرة, ولعل الله تعالى أن يهديهم, وقال عمر: لا رأى ما أرى, يا رسول الله هل تمكنني من فلان قريب لعمر فأقتله, وتمكن علياً من عقيل وتمكن فلاناً من فلان ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادة للمشركين القصة بكمالها. وقوله تعالى: "أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه" أي من اتصف بأنه لا يواد من حاد الله ورسوله ولو كان أباه أو أخاه, فهذا ممن كتب الله في قلبه الإيمان أي كتب له السعادة وقررها في قلبه وزين الإيمان في بصيرته. قال السدي: "كتب في قلوبهم الإيمان" جعل في قلوبهم الإيمان. وقال ابن عباس "وأيدهم بروح منه" أي قواهم.
وقوله تعالى: "ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه" كل هذا تقدم تفسيره غير مرة, وفي قوله تعالى: " رضي الله عنهم ورضوا عنه" سر بديع وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى عوضهم الله بالرضا عنهم وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم والفضل العميم. وقوله تعالى: "أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون" أي هؤلاء حزب الله أي عباد الله وأهل كرامته. وقوله تعالى: "ألا إن حزب الله هم المفلحون" تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرتهم في الدنيا والاخرة في مقابلة ما ذكر عن أولئك بأنهم حزب الشيطان ثم قال: "ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون".
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا هارون بن حميد الواسطي, حدثنا الفضل بن عنبسة عن رجل قد سماه فقال: هو عبد الحميد بن سليمان ـ انقطع من كتابي ـ عن الذيال بن عباد قال: كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: اعلم أن الجاه جاهان جاه يجريه الله تعالى على أيدي أوليائه لأوليائه, وأنهم الخامل ذكرهم الخفية شخوصهم, ولقد جاءت صفتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب الأخفياء الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا, وإذا حضروا لم يدعوا, قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة" فهؤلاء أولياء الله تعالى الذين قال الله: "أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون" وقال نعيم بن حماد: حدثنا محمد بن ثور عن يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يداً ولا نعمة فإني وجدت فيما أوحيته إلي " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " " قال سفيان: يرون أنها نزلت فيمن يخالط السلطان رواه أبو أحمد العسكري. آخر تفسير سورة المجادلة ولله الحمد والمنة .
20- "إن الذين يحادون الله ورسوله" تقدم معنى المحادة لله ولرسوله في أول هذه السورة، والجملة تعليل لما قبلها "أولئك في الأذلين" أي أولئك المحادون لله ورسوله المتصفون بتلك الصفات المتقدمة من حملة من أذله الله من الأمم السابقة واللاحقة لأنه لما حادوا الله ورسوله صاروا من الذل بهذا المكان. قال عطاء: يريد الذل في الدنيا والخزي في الآخرة.
20- "إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين"، الأسفلين، أي: هم في جملة من يلحقهم الذل في الدنيا والآخرة.
20-" إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين " في جملة من هو أذل خلق الله .
20. Lo! those who oppose Allah and His messenger, they will be among the lowest.
20 - Those who resist God and His Apostle will be among those most humiliated.