20 - (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى) أقل (من ثلثي الليل ونصفه وثلثه) بالجر عطف على ثلثي وبالنصب عطف على أدنى وقيامه كذلك نحو ما أمر به أول السورة (وطائفة من الذين معك) عطف على ضمير تقوم وجاز من غير تأكيد للفصل وقيام طائفة من أصحابه كذلك للتأسي به ومنهم من كان لا يدري كم صلى من الليل وكم بقي منه فكان يقوم الليل كله احتياطا فقاموا حتى انتفخت أقدامهم سنة أو أكثر فخفف عنهم قال تعالى (والله يقدر) يحصي (الليل والنهار علم أن) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي انه (لن تحصوه) أي الليل لتقوموا فيما يجب القيام فيه إلا بقيام جميعه وذلك يشق عليكم (فتاب عليكم) رجع بكم إلى التخفيف (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن) مخففة من الثقيلة أي أنه (سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض) يسافرون (يبتغون من فضل الله) يطلبون من رزقه بالتجارة وغيرها (وآخرون يقاتلون في سبيل الله) وكل من الفرق الثلاثة يشق عليهم ما ذكر في قيام الليل فخفف عنهم بقيام ما تيسر منه ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس (فاقرؤوا ما تيسر منه) كما تقدم (وأقيموا الصلاة) المفروضة (وآتوا الزكاة وأقرضوا الله) بأن تنفقوا ما سوى المفروض من المال في سبيل الخير (قرضا حسنا) عن طيب قلب (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا) مما خلفتم وهو فضل وما بعده وإن لم يكن معرفة يشبهها لامتناعه من التعريف (وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) للمؤمنين
ك وأخرج الحاكم عن عائشة قالت لما نزلت يا ايها المزمل قم الليل إلا قليلا قاموا سنة حتى ورمت أقدامهم فأنزلت فاقرأوا ما تيسر منه وأخرج ابن جرير مثله عن ابن عباس وغيره
وقوله : " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل " يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم أقرب من ثلثي الليل مصلياً ، ونصفه وثلثه .
اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة بالخفض ، ونصفه وثلثه بمعنى : وأدنى من نصفه وثلثه ، إنكم لم تطيقوا العمل بما افترض عليكم من قيام الليل ، فقوموا أدنى من ثلثي الليل ومن نصفه وثلثه ، وقرأ ذلك بعض قراء مكة وعامة قراء الكوفة بالنصب ، بمعنى : إنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ، وتقوم نصفه وثلثه .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : " طائفة من الذين معك " يعني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانوا مؤمنين بالله حين فرض عليهم قيام الليل .
وقوله : " والله يقدر الليل والنهار " بالساعات والأوقات .
وقوله : " علم أن لن تحصوه " يقول : علم ربكم أيها القوم الذين فرض عليهم قيام الليل أن لن تطيقوا قيامه " فتاب عليكم " إذ عجزتم وضعفتم عنه ، ورجع بكم إلى التخفيف عنكم .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله " أن لن تحصوه " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا هشيم ، عن عباد بن راشد ، عن الحسن " علم أن لن تحصوه " أن لن تطيقوه .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرني به عباد بن راشد ، قال : سمعت الحسن يقول في قوله " أن لن تحصوه " قال : لن تطيقوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، " علم أن لن تحصوه " يقول : أن لن تطيقوه .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان " علم أن لن تحصوه " قال : أن لن تطيقوه .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا أدخلتاه الجنة ، وهما يسير ، ومن يعمل بهما قليل : يسبح الله في دبر كل صلاة عشراً ، ويحمده عشراً ويكبره عشراً ، قال : فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده ، قال : فتلك خمسون ومئة باللسان ، وألف وخمس مئة في الميزان ، وإذا أوى إلى فراشه سبح وحمد وكبر مئة ، قال : فتلك مئة باللسان ، وألف في الميزان ، فأيكم يعمل في اليوم الواحد ألفين وخمس مئة سيئة ؟ قالوا : فكيف لا نحصيهما ؟ قال : يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته فيقول : اذكر كذا ، اذكر كذا حتى ينفتل ، ولعله لا يعقل ، ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام " .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " علم أن لن تحصوه " قيام الليل كتب عليكم " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " .
وقوله : " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " يقول : فاقرءوا من الليل ما تيسر لكم من القرآن في صلاتكم وهذا تخفيف من الله عز وجل عن عباده فرضه الذي كان فرض عليهم بقوله " قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا " .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء محمد ، قال : قلت لـ الحسن : يا أبا سعيد ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه ، فلا يقوم به ، إنما يصلي المكتوبة ؟ قال : يتوسد القرآن ، لعن الله ذاك ، قال الله للعبد الصالح : ( وإنه لذو علم لما علمناه وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ) [ الأنعام : 91 ] ، قلت : يا أبا سعيد قال الله " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " قال : نعم ، ولو خمسين آية .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن عثمان الهمداني ، عن السدي في قوله " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " قال : مئة آية .
قال : ثنا وكيع ، عن ربيع ، عن الحسن ، قال : من قرأ مئة آية في ليلة لم يحاجه القرآن .
قال : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن كعب ، قال : من قرأ في ليلة مئة آية كتب من العابدين .
وقوله : " علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله " يقول تعالى ذكره : علم ربكم أيها المؤمنون أن سيكون منكم أهل مرض قد أضعفه المرض عن قيام الليل " وآخرون يضربون في الأرض " في سفر " يبتغون من فضل الله " في تجارة قد سافروا لطلب المعاش فأعجزهم ، فأضعفهم أيضاً عن قيام الليل " وآخرون يقاتلون في سبيل الله " يقول : وآخرون أيضاً منكم يجاهدون العدو فيقاتلونهم في نصرة دين الله ، فرحمكم الله فخفف عنكم ، ووضع عنكم فرض قيام الليل " فاقرؤوا ما تيسر منه " يقول : فاقرءوا الآن إذ خفف ذلك عنكم من الليل في صلاتكم ما تيسر من القرآن ، والهاء في قوله ( منه ) من ذكر القرآن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ثم أنبأ بخصال المؤمنين ، فقال : " علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه " قال : افترض الله القيام في أول هذه السورة ، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء ، ثم أنزل التخفيف في آخرها فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة .
" وأقيموا الصلاة " يقول : وأقيموا المفروضة وهي الصلوات الخمس في اليوم والليلة " وآتوا الزكاة " يقول : وأعطوا الزكاة المفروضة في أموالكم أهلها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فهما فريضتان واجبتان ، لا رخصة لأحد فيهما ، فأدوهما إلى الله تعالى ذكره .
وقوله : " وأقرضوا الله قرضا حسنا " يقول : وأنفقوا في سبيل الله من أموالكم.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وأقرضوا الله قرضا حسنا " قال : القرض : النوافل سوى الزكاة .
وقوله : " وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا " يقول : وما تقدموا أيها المؤمنون لأنفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله ، أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير ، أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حج ، أو غير ذلك من أعمال الخير في طلب ما عند الله ، تجدوه عند الله يوم القيامة في معادكم ، هو خيراً لكم مما قدمتم في الدنيا ، وأعظم منه ثواباً : أي ثوابه أعظم من ذلك الذي قدمتموه لو لم تكونوا قدمتموه " واستغفروا الله " يقول تعالى ذكره : وسلوا الله غفران ذنوبكم يصفح لكم عنها " إن الله غفور رحيم " يقول : إن الله ذو مغفرة لذنوب من تاب من عباده من ذنوبه ، وذو رحمة أن يعاقبهم عليها من بعد توبتهم منها .
قوله تعالى : " إن ربك يعلم أنك تقوم" هذه الآية تفسير لقوله تعالى : " قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه " كما تقدم، وهي الناسخة لفرضية قيام الليل كما تقدم. ((تقوم)) معناه تصلي و " أدنى" أي اقل وقرأ ابن السميقع وابو حيوة وهشام عن اهل الشام " ثلثي" بإسكان اللام. " ونصفه وثلثه" بالخفض قراءة العامة عطفاص على (( ثلثي ))، المعنى : تقوم ادنى من ثلثي الليل ومن نصفه وثلثه. واختاره ابو عبيد وابو حاتم كقوله تعالى : " علم أن لن تحصوه" فكيف يقومون نصفه او ثلثه وهم لا يحصونه. وقرأ ابن كثير والكوفيون (( ونصفه وثلثه)) بالنصب عطفا على ((ادنى )) التقدير : تقوم ادنى من ثلثي الليل وتقوم نصفه وثلثه. قال الفراء وهو اشبه بالصواب، لأنه قال اقل من الثلثين، ثم ذكر نفس القلة لا اقل من القلة. القشيري : وعلى هذه القراءة يحتمل انهم كانوا يصيبون الثلث والنصف، لخفة القيام عليهم بذلك القدر، وكانوا يزيدون، وفي الزيادة اصابة المقصود ، فأما الثلثان فكان يثقل عليهم قيامه فلا يصيبونه، وينقصون منه. ويحتمل انهم امروا بقيام نصف الليل، وفي النصف الى الثلث. ويحتمل انهم قدر لهم النصف وانقص الى الثلث، والزيادة الى الثلثين، وكان فيهم من يفي بذلك، وفيهم من يترك ذلك الى ان نسخ عنهم. وقال قوم : انما افترض الله عليهم الربع، وكانوا ينقصون من الربع. وهذا القول تحكم.
الثانية - قوله تعالى: " والله يقدر الليل والنهار" أي يعلم مقادير الليل والنهار على حقائقها، وانتم تعلمون بالتحري والاجتهاد الذي يقع فيه الخطأ. " علم أن لن تحصوه" أي لن تطيقوا معرفة حقائق ذلك والقيام به. وقيل: أي لن تطيقوا قيام الليل. والأول اصح، فإن قيام الليل ما فرض كله قط. قال مقاتل وغيره: لما نزلت " قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه" شق ذلك عليهم، وكان الرجل لا يدي متى نصف الليل من ثلثه، فيقوم حتى يصبح مخافة ان يخطىء، فانتفخت اقدامهم، وانتقعت الوانهم، فرحمهم الله وخفف عنهم، فقال تعالى: " علم أن لن تحصوه" و (( أن)) مخففة من الثقيلة، أي علم انكم لن تحصوه، لأنكم ان زدتم ثقل عليكم، واحتجتم الى تكليف ما ليس فرضاً، وان نقصتم شق ذلك عليكم.
الثالثة - قوله تعالى : " فتاب عليكم" أي فعاد عليكم بالعفو، وهذا يدل على انه كان فيهم في ترك بعض ما امر به. وقيل : أي فتاب عليكم من فرض القيام اذ عجزتم. واصل التوبة الرجوع كما تقدم، فالمعنى رجع لكم من تثقيل الى تخفيف، ومن عسر الى يسر. وانما امروا بحفظ الأوقات على طريق التحري، فخفف عنهم ذلك التحري. وقيل : معنى " والله يقدر الليل والنهار" يخلقهما مقدرين، كقوله تعالى : " وخلق كل شيء فقدره تقديرا" [ الفرقان:2] ابن العربي : تقدير الخلقة لا يتعلق به حكم، وانما يربط الله به ما يشاء من وظائف التكليف.
الرابعة - قوله تعالى : " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن" فيه قولان: احدهما ان المراد نفس القراءة، اين فاقرؤوا فيما تصلونه بالليل ما خف عليك . قال السدي : ما ئة آية. الحسن: من قرأ مائة آية ليلة لم يحاجة القرآن. وقال كعب : من قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين. وقال سعيد : خمسون آية.
قلت : قول كعب اصح، " لقوله علية السلام:
(( من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)) " خرجه ابو داود الطيالسي في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو. وقد ذكرناه في مقدمة الكتاب والحمد لله. القول الثاني: " فاقرؤوا ما تيسر منه " أي فصلوا ما تيسر عليكم، والصلاة تسمى قرآناً ، كفوله تعالى : " وقرآن الفجر" [ الإسراء: 78] أي صلاة الفجر. ابن العربي وهو الأصح، لأنه عن الصلاة اخبر، واليها يرجع القول.
قلت : الأول اصح حملا للخطاب على ظاهر اللفظ، والقول لاثاني مجاز، فإنه من تسمية الشيء ببعض ما هو من اعماله.
الخامسة - قال بعض العلماء: قوله تعالى : " فاقرؤوا ما تيسر منه " نسخ قيام الليل ونصفه، والنقصان من النصف والزيادة عليه. ثم احتمل قول الله عز وجل: " فاقرؤوا ما تيسر منه " معنيين احدهما ان يكون فرضاً ثانياً، لأنه ازيل به فرض غيره. والآخر ان يكون فرضاً منسوخاً ازيل بغيره كما ازيل به غيره، وذلك لقوله تعالى: " ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا" [ الإسراء: 79] فاحتمل قوله تعالى: " ومن الليل فتهجد به نافلة لك" أي نتهجد بغير الذي فرض عليه مما تيسر منه. قال الشافعي: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على احد المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على ان لا واجب من الصلاة الا خمس.
السادسة- قال القشيري ابو نصر: والمشهور ان نسخ قيام الليل كان في حق الأمة وبقيت الفريضة في حق النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل : نسخ التقدير بمقدار، وبقي اصل الوجوب، كقوله تعالى : " فما استيسر من الهدي" [ البقرة: 196] فالهدى لا بد منه، كذلك لم يكن بد من صلاة الليل، ولكن فوض قدره الى اختيار المصلي، وعلى هذا فقد قال قوم: بد من صلاة الليل، ولكن فوض قدره الى اختيار المصلي، وعلى هذا فقد قال قوم: فرض قيام الليل بالقليل باق، وهو مذهب الحسن. وقال قوم : نسخ بالكلية، فلا تجب صلاة الليل اصلاً، وهو مذهب الشافعي ولعل الفريضة التي بقيت في حق النبي صلى الله عليه وسلم هي هذا، وهو قيامه، ومقداره مفوض الى خيرته. واذا ثبت ان القيام ليس فرضاً فقوله تعالى:" فاقرؤوا ما تيسر منه " معناه اقرؤوا ان تيسر عليكم ذلك، وصلوا ان شئتم. وصارقوم الى ان النسخ بالكلية تقرر في حق النبي صلى الله عليه وسلم ايضاً، فما كانت صلاة الليل واجبة عليه. وقوله : " نافلة لك" محمول على حقيقة النفل. ومن قال : نسخ المقدار وبقي اصل وجوب قيام الليل ثم نسخ، فهذا النسخ الثاني وقع ببيان مواقيت الصلاة، كقوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس" [ الإسراء: 78] وقوله : " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" [ الروم:17] ما في الخبر من ان الزيادة على الصلوات الخمس تطوع. وقيل : وقع النسخ بقوله تعالى: " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم للامة، كما ان فرضية الصلاة وان خوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: " يا أيها المزمل * قم الليل" كانت عامة له ولغيره. وقد قيل : ان فريضة الله امتدت الى ما بعد الهجرة، ونسخت بالمدينة، لقوله تعالى: " علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله " وانما فرض القتال بالمدينة، فعلى هذا البيان المواقيت جرى بمكة، فقيام الليل نسخ بقوله تعالى :" ومن الليل فتهجد به نافلة لك " [الإسراء:79]. و"قال ابن عباس لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخ قول الله تعالى : " إن ربك يعلم أنك تقوم" وجوب صلاة الليل".
السابعة - قوله تعالى : " علم أن سيكون منكم مرضى" الآية، بين سبحانه على تخفيف قيام الليل، فإن الخلق منهم المريض، ويشق عليهم قيام الليل ، ويشق عليهم ان تفوتهم الصلاة، والمسافر في التجارات قد لا يطيق قيام الليل، ولامجاهد كذلك ، فخفف الله عن الكل لأجل هؤلاء. و((أن)) في ((أن سيكون)) مخففة من الثقيلة، أي علم انه سيكون.
الثامنة_ سوى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة عل نفسه وعياله، والإحسان والإفضال، فكان هذا دليلاً على ان كسب المال بمنزلة الجهاد، لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله. وروى ابراهيم عن علقمة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما من جالب يجلب طعاما من بلد فيبيعه بسعر يومه الا كانت منزلته عند الله منزلة الشهداء))ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم" وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله " " وقال ابن مسعود : أيما رجل جلب شيئاً الى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً، فباعه بسعر يومه كان له عند الله منزلة الشهداء. وقرأ " آخرون يضربون في الأرض" الآية . وقال ابن عمر: ما خلق الله موته أموتها بعد الموت في سبيل الله احب الي من الموت بين شعبتي رحلي، ابتغي من فضل الله ضارباً في الأرض. وقال طاوس: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وعن بعض السلف انه كان بواسط، فجهز سفينة حنطة الى البصرة، وكتب الى وكيله: بع الطعام يوم تدخل البصرة، ولا تؤخره الى غد، فوافق سعة في السعر، فقال التجار للوكيل: ان اخرته جمعه ربحت فيه اضعافه، فأخره جمعه فربح فيه أمثاله، فكتب الى صاحبه بذلك، فكتب اليه صاحب الطعام: يا هذا ! انا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا، وقد جنيت علينا جناية، فإذا اتاك كتابي هذا فخذ المال وتصدق به على فقراء البصرة، وليتني انجو من الاحتكار كفافاً لا علي ولا لي. ويروي ان غلاماً من اهل مكة كان ملازما للمسجد، فافتقده ابن عمر، فمشى الى بيته، فقالت امه: هو على طعام له يبيعه، فلقيه فقال له: يا بني ! مالك وللطعام؟ فهلا إبلا، فهلا بقراً، فهلا غنماً! ان صاحب الطعام يحب المحل، وصاحب الماشية يحب الغيث.
التاسعة- قوله تعالى : " فاقرؤوا ما تيسر منه " أي صلوا ما امكن، فأوجب الله من صلاة الليل ما تيسر، ثم نسخ ذلك بإيجاب الصلوات الخمس على ما تقدم. قال ابن العربي وقد قال قوم: ان فرض قيام الليل سن في ركعتين من هذه الآية ، قاله البخاري وغيره وعقد بابا ذكر فيه حديث:
" يعقد الشيطاه على قافية رأس احدكم اذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا اصبح خبيث النفس كسلان)) "وذكر "حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا قال: (( اما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة)) ". و"حديث ابن مسعود قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل ينام الليل كله فقال : ذلك رجل بال الشيطاه في أذنيه))" فقال ابن العربي فهذه احاديث مقتضية حمل مطلق الصلاة على المكتوبة، فيحمل المطلق على المقيد لاحتماله له، وتسقط الدعوى ممن عينه لقيام الليل. وفي الصحيح واللفظ للبخاري : قال " عبد الله بن عمرو: وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل ))" ولو كان فرضاً ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أخبر بمثل هذا الخبر عنه، بل كان يذمة غاية الذم،وفي الصحيح "عن عبد الله بن عمر قال:
كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم وكنت غلاما شاباً عزباً، وكنت انام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين اخذاني فذهبا بي الى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، واذا لها قرنان، واذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت اقول: اعوذ بالله من النار. قال: ولقينا ملك آخر، فقال لي : لم ترع. فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : (( نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل))" فكان بعد لا ينام من الليل الا قليلاً ، فلو كان ترك القيام معصية لما قال له الملك : لم ترع. والله اعلم.
العاشرة - اذا ثبت ان قيام الليل ليس بفرض، وأن قوله: " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن" ، " فاقرؤوا ما تيسر منه " محمول على ظاهرة من القراءة في الصلاة، فاختلف العلماء في قدر ما يلزمه ان يقرأ به في الصلاة، فقال مالك الشافعي : فاتحة الكتاب لا يجزئ العدول عنها، ولا الاقتصار على بعضها، وقدره ابوحنيفة بآية واحدة، من أي القرآن كانت. وعنه ثلاث آيات ، لأنها اقل سورة. ذكر القول الأول الماوردي والثاني ابن العربي. والصحيح ما ذهب اليه مالك والشافعي : على ما بيناه في سورة (( الفاتحة)) اول الكتاب والحمد لله. وقيل : ان المراد به قراءة القرآن في غير الصلاة، قال الماوردي: فعلى هذا يكون مطلق هذا الأمر محمولاً على الوجوب، او على الاستحباب دون الوجوب . وهذا قول الأكثرين، لأنه لو وجب عليه ان يقرأ لوجب عليه ان يحفظه. الثاني انه محمول على الوجوب، ليقف بقراءته على اعجازه، وما فيه من دلائل التوحيد وبعث الرسل، ولا يلزمه اذا قرأه وعرف اعجازه، وما فيه ان يحفظه، لأن حفظ القرآن من القرب المستحبة دون الواجبة. وفي قدر ما تضمنه هذا الأمر من القراءة خمسة أقوال : احدها جميع القرآن، لأن الله تعالى يسره على عباده، قاله الضحاك. الثاني ثلث القرآن، حكاه جوبير الثالث مائتا آية ، قاله السدي . الرابع مائة آية ، قاله ابن عباس. الخامس ثلاث آيات كأقصر سورة، قاله ابو خالد الكناني.
الحادية عشرة_ قوله تعالى : " وأقيموا الصلاة" يعني المفروضة وهي الخمس لوقتها. " وآتوا الزكاة" الواجبة في اموالكم، قاله عكرمة وقتادة. وقال الحارث العكلي: صدقة الفطر لأن زكاة الأموال وجبت بعد ذلك. وقيل: صدقة التطوع. وقيل : كل أفعال الخير. وقال ابن عباس: طاعة الله والإخلاص له.
الثانية عشرة- قوله تعالى : " أقرضوا الله قرضا حسنا" القرض الحسن ما قصد به وجه الله تعالى خالصاً من المال الطيب. وقد مضى في سورة (( الحديد)) بيانه. وقال زيد بن أسلم: القرض الحسن النفقة على الأهل. وقال عمر بن الخطاب: هو النفقة في سبيل الله.
الثالثة عشرة_ قوله تعالى : " وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله" وروي عن عمر بن الخطاب انه اتخذ حيساً- يعني تمراً بلبن- فجاءه مسكين فأخذه ودفعه اليه. فقال بعضهم: ما يدري هذا المسكين ما هذا؟ فقال عمر : لكن رب المسكين يدري ما هو. وكأنه تأول" وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا" أي مما تركتم وخلفتم، ومن الشح والتقصير. " وأعظم أجرا " قال ابو هريرة : الجنة ، ويحتمل ان يكون اعظم اجراً، لإعطائه بالحسنة عشراً. ونصب(( خيرا وأعظم)) على المفعول الثاني لـ (( تجدوه)) و ((هو)): فصل عند البصريين، وعماد في قول الكوفيين، لا محل له من الإعراب. و((أجرا)) تمييز. " واستغفروا الله " أي سلوه المغفرة لذنوبكم " إن الله غفور " لما كان قبل التوبة " رحيم" لكم بعدها، قاله سعيد بن جبير . ختمت السورة[ والحمد لله].
يقول تعالى: "إن هذه" أي السورة "تذكرة" أي يتذكر بها أولو الألباب, ولهذا قال تعالى: "فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً" أي ممن شاء الله تعالى هدايته كما قيده في السورة الأخرى " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما " ثم قال تعالى: "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك" أي تارة هكذا وتارة هكذا وذلك كله من غير قصد منكم ولكن لا تقدرون على المواظبة على ما أمركم به من قيام الليل لأنه يشق عليكم, ولهذا قال: " والله يقدر الليل والنهار " أي تارة يعتدلان وتارة يأخذ هذا من هذا وهذا من هذا "علم أن لن تحصوه" أي الفرض الذي أوجبه عليكم " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " أي من غير تحديد بوقت أي ولكن قوموا من الليل ما تيسر, وعبر عن الصلاة بالقراءة كما قال في سورة سبحان "ولا تجهر بصلاتك" أي بقراءتك "ولا تخافت بها" وقد استدل أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله بهذه الاية وهي قوله: " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " على أنه لا يجب تعين قراءة الفاتحة في الصلاة بل لو قرأ بها أو بغيرها من القرآن ولو بآية, أجزأه واعتضدوا بحديث المسيء صلاته الذي في الصحيحين "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" وقد أجابهم الجمهور بحديث عبادة بن الصامت وهو في الصحيحين أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب", وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج غير تمام" وفي صحيح ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعاً "لا تجزىء صلاة من لم يقرأ بأم القرآن".
وقوله تعالى: "علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله" أي علم أن سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار في ترك قيام الليل من مرضى لا يستطيعون ذلك, ومسافرين في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجر, وآخرين مشغولين بما هو الأهم في حقهم من الغزو في سبيل الله, وهذه الاية بل السورة كلها مكية ولم يكن القتال شرع بعد, فهي من أكبر دلائل النبوة لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلة, ولهذا قال تعالى: " فاقرؤوا ما تيسر منه " أي قوموا بما تيسر عليكم منه. قال ابن جرير : حدثنا يعقوب , حدثنا ابن علية عن أبي رجاء محمد , قال: قلت للحسن : يا أبا سعيد ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه ولا يقوم به إنما يصلي المكتوبة, قال يتوسد القرآن لعن الله ذاك, قال الله تعالى للعبد الصالح "وإنه لذو علم لما علمناه" "وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم" قلت: يا أبا سعيد , قال الله تعالى: " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " قال نعم ولو خمس آيات, وهذا ظاهر من مذهب الحسن البصري أنه كان يرى حقاً واجباً على حملة القرآن أن يقوموا ولو بشيء منه في الليل, ولهذا جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل نام حتى أصبح, فقال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنه" فقيل معناه نام عن المكتوبة, وقيل عن قيام الليل: وفي السنن "أوتروا يا أهل القرآن" وفي الحديث الاخر "من لم يوتر فليس منا" وأغرب من هذا ما حكي عن أبي بكر بن عبد العزيز من الحنابلة من إيجابه قيام شهر رمضان, فالله أعلم.
وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن سعيد فرقد الحدرد حدثنا أبو محمد بن يوسف الزبيدي , حدثنا عبد الرحمن عن محمد بن عبد الله بن طاوس من ولد طاوس , عن أبيه عن طاوس , عن ابن عباس , عن النبي صلى الله عليه وسلم " فاقرؤوا ما تيسر منه " قال: "مائة آية" وهذا حديث غريب جداً لم أره إلا في معجم الطبراني رحمه الله تعالى. وقوله تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" أي أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم وآتوا الزكاة المفروضة, وهذا يدل لمن قال إن فرض الزكاة نزل بمكة لكن مقادير النصب والمخرج لم تبين إلا بالمدينة والله أعلم. وقد قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد من السلف: إن هذه الاية نسخت الذي كان الله قد أوجبه على المسلمين أولاً من قيام الليل, واختلفوا في المدة التي بينهما على أقوال كما تقدم, وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لذلك الرجل: "خمس صلوات في اليوم والليلة" قال: هل علي غيرها ؟ قال: "لا إلا أن تطوع".
وقوله تعالى: "وأقرضوا الله قرضاً حسناً" يعني من الصدقات, فإن الله يجازي على ذلك أحسن الجزاء وأوفره, كما قال تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة" وقوله تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً" أي جميع ما تقدموه بين أيديكم فهو لكم حاصل وهو خير مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا. وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو خيثمة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه ؟ قالوا: يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه قال: اعلموا ما تقولون قالوا: ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله ؟ قال: إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر" ورواه البخاري من حديث حفص بن غياث والنسائي من طريق أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به, ثم قال تعالى: "واستغفروا الله إن الله غفور رحيم" أي أكثروا من ذكره واستغفاره في أموركم كلها فإنه غفور رحيم لمن استغفره, آخر تفسير سورة المزمل, ولله الحمد والمنة.
20- "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل" معنى أدنى أقل. استعير له الأدنى لأن المسافة بين السنين إذا دنت قل ما بينهما "ونصفه" معطوف على أدنى "وثلثه" معطوف على نصفه، والمعنى: أن الله يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم يقوم أقل من ثلثي الليل ويقوم نصفه ويقوم ثلثه، وبالنصب قرأ ابن كثير والكوفيون، وقرأ الجمهور "ونصفه وثلثه" بالجر عطفاً على ثلثي الليل، والمعنى: أن الله يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم يقوم أقل من ثلثي الليل وأقل من نصفه وأقل من ثلثه، واختار قراءة الجمهور أبو عبيد وأبو حاتم لقوله: "علم أن لن تحصوه" فكيف يقومون نصفه وثلثه وهم لا يحصونه. وقال الفراء: القراءة الأولى أشبه بالصواب لأنه قال: أقل من ثلثي الليل، ثم فسر نفس القلة "وطائفة من الذين معك" معطوف على الضمير في تقوم: أي وتقوم ذلك القدر معك طائفة من أصحابك "والله يقدر الليل والنهار" أي يعلم مقادير الليل والنهار على حقائقها ويختص بذلك دون غيره وأنتم لا تعلمون ذلك على الحقيقة. قال عطاء: يريد لا يفوته علم ما تفعلون. أي أنه يعلم مقادير الليل والنهار فيعلم قدر الذي تقومونه من الليل "علم أن لن تحصوه" أن لن تطيقوا علمم مقادير الليل والنهار على الحقيقة، وفي أن ضمير شأن محذوف، وقيل المعنى: لن تطيقوا قيام الليل. قال القرطبي: والأول أصح، فإن قيام الليل ما فرض كله قط. قال مقاتل وغيره: لما نزل " قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه " شق ذلك عليهم، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ، فانتفخت أقدامهم وانتقعت ألوانهم فرحمهم الله وخفف عنهم فقال: "علم أن لن تحصوه" أي علم أن لن تحصوه لأنكم إن زدتم ثقل عليكم واحتجتم إلى تكلف ما ليس فرضاً، وإن نقصتم شق ذلك عليكم "فتاب عليكم" أي فعاد عليكم بالعفو، ورخص لكم في ترك القيام. وقيل فتاب عليكم من فرض القيام إذ عجزتم، وأصل التوبة الرجوع كما تقدم، فالمعنى: رجع بكم من التثقيل إلى [التخفيف]، ومن العسر إلى اليسر " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " أي فاقرأوا في الصلاة بالليل ما خف عليكم وتيسر لكم منه من غير أن ترقبوا وقتاً. قال الحسن: هو ما نقرأ في صلاة المغرب والعشاء. قال السدي: أيضاً من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن. وقال كعب: من قرأ في لية مائة آية كتب من القانتين، وقال سعيد: خمسون آية، وقيل معنى " فاقرؤوا ما تيسر منه " فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، والصلاة تسمى قرآناً كقوله: "وقرآن الفجر" قيل إن هذه الآية نسخت قيام الليل ونصفه، والنقصان من النصف، والزيادة عليه، فيحتمل أن يكون ما تضمنته هذه الآية فرضاً ثابتاً، ويحتمل أن يكون منسوخاً لقوله: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً". قال الشافعي: الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس. وقد ذهب قوم إلى أن قيام الليل نسخ في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حق أمته. وقيل نسخ التقدير بمقدار، وبقي أصل الوجوب. وقيل إنه نسخ في حق الأمة، وبقي فرضاً في حقه صلى الله عليه وسلم، والأولى القول بنسخ قيام الليل على العموم في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حق أمته، وليس في قوله: " فاقرؤوا ما تيسر منه " ما يدل على بقاء شيء من الوجوب لأنه إن كان المراد به القراءة من القرآن فقد وجدت في صلاة المغرب والعشاء وما يتبعهما من النوافل المؤكدة، وإن كان المراد به الصلاة من لليل فقد وجدت صلاة الليل بصلاة المغرب والعشاء وما يتبعهما من التطوع. وأيضاً الأحاديث الصحيحة المصرحة بقول السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل علي غيرها، يعني الصلاوات الخمسة؟ فقال لا، إلا أن تطوع تدل على عدم وجوب غيرها، فارتفع بهذا وجوب قيام الليل وصلاته على الأمة كما ارتفع وجوب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك" قال الواحدي: قال المفسرون في قوله: " فاقرؤوا ما تيسر منه " كان هذا في صدر الإسلام، ثم نسخ بالصلوات الخمس عن المؤمنين. وثبت على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وذلك قوله: "وأقيموا الصلاة". ثم ذكر سبحانه عذرهم فقال: "علم أن سيكون منكم مرضى" فلا يطيقون قيام الليل "وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله" أي يسافرون فيها للتجارة والأرباح يطلبون من رزق الله ما يحتاجون إليه في معاشهم فلا يطيقون قيام الليل "وآخرون يقاتلون في سبيل الله" يعني المجاهدين فلا يطيقون قيام الليل. ذكر سبحانه هاهنا ثلاثة أسباب مقتضية للترخيص، ورفع وجوب قيام الليل، فرفعه عن جميع الأمة لأجل هذه الأعذار التي تنوب بعضهم. ثم ذكر ما يفعلونه بعد هذا الترخيص فقال: " فاقرؤوا ما تيسر منه " وقد سبق تفسيره قريباً، والتكرير للتأكيد "وأقيموا الصلاة" يعني المفروضة، وهي الخمس لقوتها "وآتوا الزكاة" يعني الواجبة في الأموال. وقال الحارث العكلي: هي صدقة الفطر لأن زكاة الأموال وجبت بعد ذلك، وقيل صدقة التطوع، وقيل كل أفعال الخير "وأقرضوا الله قرضاً حسناً" أي أنفقوا في سبيل الخير من أمالكم إنفاقاً جسناً، وقد مضى تفسيره في سورة الحديد. قال زيد ابن أسلم: القرض الحسن النفقة على الأهل، وقيل النفقة في الجهاد، وقيل هو إخراج الزكاة المفترضة على وجه حسن، فيكون تفسيراً لقوله: "وآتوا الزكاة" والأول أولى لقوله: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله" فإن ظاهره العموم: أي أي خير كان مما ذكر ومما لم يذكر "هو خيراً وأعظم أجراً" مما تؤخرونه إلى عند الموت أو توصون به ليخرج بعد موتكم، وانتصاب خيراً على أنه ثاني مفعولي تجدوه. وضمير هو ضمير فصل، وبالنصب قرأ الجمهور، وقرا أبو السماك وابن السميفع بالرفع على أن يكون هو مبتدأ وخير خبره، والجملة في محل نصب على أنها ثاني مفعولي تجدوه. قال أبو زيد: وهي لغة تميم يرفعون ما بعد ضمير الفصل، وأنشد سيبويه:
تحن إلى ليلى وأنت تركتها وكنت عليها بالملاء أنت أقدر
وقرأ الجمهور أيضاً "وأعظم" بالنصب عطفاً على خيراً: وقرأ أبو السماك وابن السميفع بالرفع، كما قرأ برفع خير وانتصاب أجراً على التمييز "واستغفروا الله" أي اطلبوا منه المغفرة لذنوبكم فإنكم لا تخلون من ذنوب تقترفونها " إن الله غفور رحيم " أي كثير المغفرة لمن استغفره، كثير الرحمة لمن استرحمه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " فاقرؤوا ما تيسر منه " قال: مائة آية. وأخرج الدارقطني والبيهقي في سننه وحسناه عن قيس بن أبي حازم قال: "صليت خلف ابن عباس، فقرأ في أول ركعة بالحمد لله رب العالمين، وأول آية من البقرة ثم ركع، فلما انصرفنا أقبل علينا فقال إن الله يقول: " فاقرؤوا ما تيسر منه "" قال ابن كثير: وهذا حديث غريب جداً لم أره إلا في معجم الطبراني. وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن أبي سعيد قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر". وقد قدمنا في البحث الأول من هذه السورة ما روي أن هذه الآيات المذكورة هنا هي الناسخة لوجوب قيام الليل، فارجع إليه.
20- "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى"، أقل من، "ثلثي الليل ونصفه وثلثه"، قرأ أهل مكة والكوفة: نصفه وثلثه بنصب الفاء والثاء وإشباع الهاءين ضماً، أي: وتقوم نصفه وثلثه وقرأ الآخرون بجر الفاء والثاء وإشباع الهاءين كسراً، عطفاً على ثلثي، "وطائفة من الذين معك"، يعني المؤمنين وكانوا يقومون معه، "والله يقدر الليل والنهار"، قال عطاء: يريد لا يفوته علم ما تفعلون، إي أنه يعلم مقادير الليل والنهار فيعلم القدر الذي تقومون من الليل، "علم أن لن تحصوه"، قال الحسن: قاموا حتى انتفخت أقدامهم، فنزل: علم أن لن تحصوه، لن تطيقوا معرفة ذلك. وقال مقاتل: كان الرجل يصلي الليل كله، مخافة أن لا يصيب ما أمر به من القيام، فقال: علم أن ين تحصوه لن تطيقوا معرفة ذلك. "فتاب عليكم"، فعاد عليكم بالعفو والتخفيف، "فاقرؤوا ما تيسر من القرآن"، يعني في الصلاة، قال الحسن: يعني في صلاة المغرب والعشاء.
قال قيس بن أبي حازم: صليت خلف ابن عباس بالبصرة فقرأ في أول ركعة بالحمد وأول آية من البقرة، ثم قام في الثانية فقرأ بالحمد والآية الثانية من البقرة، ثم ركع، فلما انصرف أقبل علينا فقال: إن الله عز وجل يقول: فاقرؤوا ما تيسر منه.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا عثمان بن أبي صالح، حثدنا ابن لهيعة، حدثني حميد بن مخراق، عن أنس بن مالك "أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ خمسين آية في يوم أو في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة، ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطار من الأجر".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني القاسم بن زكريا، حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان، عن يحيى بن كثير عن محمد عبد الله بن عبد الرحمن مولى بني زهرة عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ القرآن في كل شهر، قال قلت: إني أجد قوة، قال: فاقرأه في كل عشرين ليلة، قال قلت: إني أجد قوة، قال: فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك".
قوله عز وجل: "علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله"، يعني المسافرين للتجارة يطلبون من رزق الله، "وآخرون يقاتلون في سبيل الله"، لا يطيقون قيام الليل.
روى إبراهيم عن ابن مسعود قال: أيما رجل جلب شيئاً إلى المدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء، ثم قرأ عبد الله: "وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله" يعني المسافرين للتجارة يطلبون رزق الله، "وآخرون يقاتلون في سبيل الله".
" فاقرؤوا ما تيسر منه "، أي ما تيسر عليكم من القرآن. قال أهل التفسير كان هذا في صدر الإسلام ثم نسخ بالصلوات الخمس، وذلك قوله: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً"، قال ابن عباس: يريد ما سوى الزكاة من صلة الرحم، وقرى الضيف. "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً"، تجدوا ثوابه في الآخرة أفضل مما أعطيتم، "وأعظم أجراً"، من الذي أخرتم، ولم تقدموه، ونصب "خيراً وأعظم" على المفعول الثاني، فإن الوجود إذا كان بمعنى الرؤية يتعدى إلى مفعولين، وهو فصل في قول البصريين، وعماد في قول الكوفيين، لا محل له في الإعراب.
أخبرنا أبو القاسم يحي بن علي الكشميهني، أخبرنا أبو نصر أحمد بن علي البخاري بالكوفة، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد الفقيه بالموصل، حدثنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟ قالوا: يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه. قال: اعلموا ما تقولون قالوا ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله، قال: ما منكم رجل إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر".
"واستغفروا الله"، لذنوبكم، "إن الله غفور رحيم".
20-" إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه " استعار الأدنى للأقل لأن الأقرب إلى الشيء أقل منه ، وقرأ ابن كثير و الكوفيون " نصفه وثلثه " بالنصب عطفاً على " أدنى " . " وطائفةً من الذين معك " ويقوم جماعة من أصحابك . " والله يقدر الليل والنهار " لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلا الله تعالى ، فإن تقديم اسمه مبتدأ مبنياً عليه " يقدر " يشعر بالاختصاص ويؤيده قوله : " علم أن لن تحصوه " أي لن تحصوا تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات . " فتاب عليكم " بالترخيص في ترك القيام المقدر ورفع التبعة فيه كما رفع التبعة عن التائب . " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل ، عبر عن الصلاة بالقرآن كما عبر عنها بسائر أركانها ،قيل كان التهجد واجباً على التخيير المذكور فعسر عليهم به فنسخ به ، ثم نسخ هذا الصلوات الخمس ، أو فاقرؤوا القرآن بعينه كيفما تيسر عليكم . " علم أن سيكون منكم مرضى " استئناف يبين حكمة أخرى مقتضية الترخيص والتخفيف ولذلك كرر الحكم مرتباً عليه وقال : " وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله " والضرب في الأرض ابتغاء للفضل المسافرة للتجارة وتحصيل العلم " وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة " المفروضة . " وآتوا الزكاة " الواجبة . " وأقرضوا الله قرضاً حسناً " يريد به الأمر في سائر الانفاقات في سبل الخيرات ، أو بأداء الزكاة على أحسن وجه ، والترغيب فيه بوعد العوض كما صرح به في قوله : " وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا " من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت أو من متاع الدنيا ، و " خيراً " ثاني مفعولي " تجدوه " وهو تأكيد أو فصل ، لأن أفعل من كالمعروفة ولذلك يمتنع من حرف التعريف ، وقرئ هو خير على الابتداء والخبر . " واستغفروا الله " في مجامع أحوالكم فإن الإنسان لا يخلو من تفريط . " إن الله غفور رحيم " .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة المزمل رفع الله عنه العسر في الدنيا والآخرة " .
20. Lo! thy Lord knoweth how thou keepest vigil sometimes nearly two thirds of the night, or (sometimes) half or a third thereof, as do a party of those with thee. Allah measureth the night and the day. He knoweth that ye count it not, and turneth unto you in mercy. Recite, then, of the Quran that which is easy for you. He knoweth that there are sick folk among you, while others travel in the land in search of Allah's bounty, and others (still) are fighting for the cause of Allah. So recite of it that which is easy (for you), and establish worship and pay the poor due and (so) lend unto Allah a goodly loan. Whatsoever good ye send before you far your souls, ye will surely find it with Allah, better and greater in the recompense. And seek forgiveness of Allah. Lo! Allah is Forgiving, Merciful.
20 - Thy Lord doth know that thou standest forth (to prayer) nigh two thirds of the night, or half the night, or a third of the night, and so doth a party of those with thee. But God doth appoint Night and Day in due measure. He knoweth that ye are unable to keep count thereof. So He hath turned to you (in mercy): read ye, therefore, of the Quran as much as may be easy for you. He knoweth that there may be (some) among you in ill health; others travelling through the land, seeking of God's bounty; yet others fighting in God's Cause. Read ye, therefore, as much of the Quran as may be easy (for you); and establish regular Prayer and give regular Charity; and loan to God a Beautiful Loan. And whatever good ye send forth for your souls, ye shall find it in God's Presence, yea, better and greater, in Reward. And seek ye the Grace of God: for God is Oft Forgiving, Most Merciful.