ونزل في عبد الله بن سلام وأصحابه لما عظَّموا السبت وكرهوا الإبل بعد الإسلام (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السَّلم) بفتح السين وكسرها الإسلام (كافة) حال من السلم أي في جميع شرائعه (ولا تتبعوا خطوات) طرق (الشيطان) أي تزيينه بالتفريق (إنه لكم عدو مبين) بين العداوة
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم الآية أخرج ابن جرير عن عكرمة قال قال عبد الله بن سلام وثعلبة وابن يامين وأسد وأسيد ابنا كعب وسعد بن عمرو وقيس بن زيد كلهم من يهود يا رسول الله يوم السبت يوم نعظمه فدعنا فلنسبت فيه وإن التوراة كتاب الله دعنا فلنقم بها الليل فنزلت يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافه الآية
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى "السلم" في هذا الموضع. فقال بعضهم: معناه الإسلام. ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن ابي نجيح، عنمجاهد في قول الله عز وجل: "ادخلوا في السلم"، قال: ادخلوا في الإسلام. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله:
"ادخلوا في السلم"، قال: ادخلوا في الإسلام.حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "ادخلوا في السلم كافة"، قال: السلم الإسلام. حدثني موسى بن هارون قال، أخبرنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي،"ادخلوا في السلم"، يقول: في الإسلام. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن النضر بن عربي، عن مجاهد: ادخلوا في الإسلام. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ادخلوا في السلم"
قال: السلم الإسلام. حدثت عن الحسين بن فرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: "ادخلوا في السلم"، في الإسلام. وقال اخرون: بل معنى ذلك: ادخلوا في الطاعة. ذكر من قال ذلك:حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن ابي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "ادخلوا في السلم"، يقول: ادخلوا في الطاعة.وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة أهل الحجاز، ادخلوا في السلم بفتح السين ، وقرأته عامة قرأة الكوفيين بكسر السين .فأما الذين فتحوا السين من السلم ، فإنهم وجهوا تأويلها إلى المسالمة، بمعنى: ادخلوا في الصلح والمسالمة وترك الحرب وإعطاء الجزية. وأما الذين قرأوا ذلك بالكسر من السين ، فإنهم مختلفون في تأويله. فمنهم من يوجهه إلى الإسلام، بمعنى: ادخلوا في الإسلام كافة. ومنهم من يوجهه إلى الصلح، بمعنى: ادخلوا في الصلح. ويستشهد على أن السين تكسر وهي بمعنى الصلح، بقول زهيربن أبي سلمى:
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا بمال ومعروف من الامر نسلم
وأولى التأويلات بقوله:"ادخلوا في السلم"، قول من قال: معناه: ادخلوا في الإسلام كافة. وأما الذي هو أولى القرائتين بالصواب في قراءة ذلك، فقراءة من قرأ بكسر السين . لأن ذلك إذا قرىء كذلك- وإن كان قد يحتمل معنى الصلح- فإن معنى الإسلام ودوام الأمر الصالح عند العرب، أغلب عليه من الصلح والمسالمة، وينشد بيت أخي كندة:
دعوت عشيرتي للسلم لما رأيتهم تولوا مدبرينا
بكسر السين ، بمعنى: دعوتهم للإسلام لما ارتدوا، وكان ذلك حين ارتدت كندة مع الأشعث، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان أبو عمرو بن العلاء يقرأ سائر ما في القرآن من ذكر "السلم" بالفتح، سوى هذه التي في سورة البقرة، فإنه كان يخصها بكسر سينها، توجيها منه لمعناها إلى الإسلام دون ما سواها.وإنما اخترنا ما اخترنا من التأويل في قوله:"ادخلوا في السلم"، وصرفنا معناه الى الإسلام، لأن الاية مخاطب بها المؤمنون، فلن يعدو الخطاب، إذ كان خطابا للمؤمنين، من أحد أمرين: إما أن يكون خطابا للمؤمنين بمحمد المصدقين به وبما جاء به. فإن يكن ذلك كذلك، فلا معنى أن يقال لهم وهم أهل الإيمان: ادخلوا في صلح المؤمنين ومسالمتهم ، لأن المسالمة والمصالحة إنما يؤمر بها من كان حربا بترك الحرب، فأما الموالي فلا يجوزأن يقال له: صالح فلانا، ولا حرب بينهما ولا عداوة. أويكون خطابا لأهل الايمان بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المصدقين بهم وبما جاءوا به من عند الله، المنكرين محمدا ونبوته، فقيل لهم: "ادخلوا في السلم"، يعني به الإسلام؟ لا الصلح. لأن الله عز وجل إنما أمر عباده بالإيمان به وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وإلى ذلك دعاهم، دون المسالمة والمصالحة. بل نهى نبيه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال عن دعاء أهل الكفر إلى الصلح فقال: "فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم" [محمد: 35]، وانما أباح له-صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال، إذا دعوه الى الصلح، ابتداء المصالحة، فقال له جل ثناؤه: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" [الأنفال:61]. فأما دعاؤهم إلى الصلح ابتداء، فغير موجود في القرآن، فيجوز توجيه قوله: "ادخلوا في السلم" إلى ذلك.قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فأي هذين الفريقين دعي إلى الإسلام كافة؟. قيل: قد اختلف في تأويل ذلك. فقال بعضهم: دعي إليه المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به. وقال آخرون: قيل: دعي إليه المؤمنون بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء، المكذبون بمحمد. فإن قال: فما وجه دعاء المؤمن بمحمد وبما جاء به إلى الإسلام؟. قيل: وجه دعائه إلى ذلك، الأمر له بالعمل بجميع شرائعه، وإقامة جميع أحكامه وحدوده، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه. وإذا كان ذلك معناه، كان قوله: "كافة" من صفة "السلم"، ويكون تأويله: ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم، ولا تضيعوا شيئا منه يا أهل الإيمان بمحمد وما جاء به. وبنحو هذا المعنى كان يقول عكرمة في تأويل ذلك. حدثنا القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: "ادخلوا في السلم كافة"، قال: نزلت في ثعلبة، وعبد الله بن سلام، وابن يامين، وأسد وأسيد ابني كعب، وسعية بن عمرو، وقيس بن زيد- كلهم من يهود- قالوا: يا رسول الله، يوم السبت يوم كنا نعظمه، فدعنا فلنسبت فيه! وإن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها بالليل! فنزلت: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان". فقد صرح عكرمة بمعنى ما قلنا في ذلك، من أن تأويل ذلك دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست من حكم الإسلام، والعمل بجميع شرائع الإسلام، والنهي عن تضييع شيء من حدوده. وقال آخرون: بل الفريق الذي دعي إلى السلم فقيل لهم: ادخلوا فيه ، بهذه الأية، هم أهل الكتاب، أمروا بالدخول في الإسلام. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثنيحجاج ابن ابي جريج، قال، قال ابن عباس في قوله: "ادخلوا في السلم كافة"، يعني أهل الكتاب. حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قول الله عز وجل: "ادخلوا في السلم كافة"، قال: يعني أهل الكتاب. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الإسلام كلها. وقد يدخل في "الذين آمنوا" المصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، والمصدقون بمن قبله من الأنبياء والرسل وما جاءوا به. وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الإسلام وحدوده، والمحافظة على فرائضه التي فرضها، ونهاهم عن تضييع شيء من ذلك. فالآية عامة لكل من شمله اسم الإيمان ، فلا وجه لخصوص بعض بها دون بعض. وبمثل التأويل الذي قلنا في ذلك كان مجاهد يقول: حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن ابي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "ادخلوا في السلم كافة"، قال: ادخلوا في الإسلام كافة، ادخلوا في الأعمال كافة. قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "كافة"، عامة، جميعا، كما:-حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: "في السلم كافة"، قال: جميعا. حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "في السلم كافة"،
قال: جميعا. حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن ابي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "في السلم كافة"، قال: جميعا. وعن أبيه، عن قتادة مثله. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع بن الجراح، عن النضر، عن مجاهد: ادخلوا في الإسلام جميعا.
حدثنا القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثني ابن ابي نجيح قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس: "كافة"، جميعا. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "كافة" جميعا، وقرأ: "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" [التوبة: 36]، جميعا. حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "ادخلوا في السلم كافة"، قال: جميعا. قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: اعملوا، أيها المؤمنون، بشرائع الإسلام كلها، وادخلوا في التصديق به قولا وعملا، ودعوا طرائق الشيطان وآثاره أن تتبعوها، فإنه لكم عدو مبين لكم عداوته. وطريق الشيطان الذي نهاهم أن يتبعوه، هو ما خالف حكم الإسلام وشرائعه، ومنه تسبيت السبت، وسائر سنن أهل الملل التي تخالف ملة الإسلام. وقد بينت معنى الخطوات بالأدلة الشاهدة على صحته فيما مضى، فكرهت إعادته في هذا المكان.
قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين " .
لما بين الله سبحانه الناس إلى مؤمن وكافر ومنافق فقال : كونوا على ملة واحدة ، واجتمعوا على الإسلام واثبتوا عليه ، فالسلم هنا بمعنى الإسلام ، قاله مجاهد ، ورواه أبو مالك عن ابن عباس ، ومنه قول الشاعر الكندي :
دعوت عشيرتي للسلم لما رأيتهم تولوا مدبرينا
أي إلى الإسلام لما ارتدت كندة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأشعث بن قيس الكندي ، ولأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالدخول في المسالمة التي هي الصلح ، وإنما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجنح للسلم إذا جنحوا له ، وأما أن يبتديء بها فلا ، قاله الطبري ، وقيل : أمر من آمن بأفواههم أن يدخلوا فيه بقلوبهم ، وقال طاوس و مجاهد : ادخلوا في أمر الدين ، سفيان الثوري : في أنواع البر كلها ، وقرئ (( السلم )) بكسر السين .
قال الكسائي : السلم والسلم بمعنى واحد ، وكذا هو عند أكثر البصريين ، وهما جميعاً يقعان للإسلام والمسالمة ، وفرق أبو عمرو بن العلاء بينهما ، فقرأها هنا : (( ادخلوا في السلم )) وقال هو الإسلام ، وقرأ التي في (( الأنفال )) والتي في سورة (( محمد )) صلى الله عليه وسلم (( السلم )) بفتح السين ، وقال : هي بالفتح المسالمة ، وأنكر المبرد هذه التفرقة ، وقال عاصم الجحدري : السلم الإسلام ، والسلم الصلح ، والسلم الاستسلام ، وأنكر محمد بن يزيد هذه التفريقات وقال : اللغة لا تؤخذ هكذا ، وإنما تؤخذ بالسماع لا بالقياس ، ويحتاج من فرق إلى دليل وقد حكى البصريون : بنو فلان سلم وسلم وسلم بمعنى واحد ، قال الجوهري : والسلم الصلح ، يفتح ويكسر ، ويذكر ويؤنث ، وأصله من الاستسلام والإنقياد ، ولذلك قيل للصلح : سلم ، قال زهير :
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعاً بمال ومعروف من الأمر نسلم
ورجح الطبري حمل اللفظة على معنى الإسلام بما تقدم ، وقال حذيفة بن اليمان في هذه الآية ، الإسلام ثمانية أسهم ، الصلاة سهم ، والزكاة سهم ، والصوم سهم ، وقد خاب من لا سهم له في الإسلام ، وقال ابن عباس : نزلت الآية في أهل الكتاب ، والمعنى ، يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد صلىالله عليه وسلم كافة ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار " ، و( كافة ) معناه جميعاً ، فهو نصب على الحال من السلم أو من ضمير المؤمنين ، وهو مشتق من قولهم : كففت أي منعت ، أي لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام ، والكف المنع ، ومنه كفة القميص بالضم لأنها تمنع الثوب من الإنتشار ، ومنه كفة الميزان بالكسر التي تجمع الموزن وتمنعه أن ينتشر ، ومنه كف الإنسان الذي يجمع منافعه ومضاره ، وكل مستدير كفة ، لامتناعهم ، عن التفريق : " ولا تتبعوا " نهي ، " خطوات الشيطان " ، مفعول ، وقد تقدم ، وقال مقاتل : استأذن عبد الله بن سلام وأصحابه بأن يقرءوا التوراة في الصلاة ، وأن يعملوا ببعض ما في التوراة ، فنزل " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " ، فإن اتباع السنة أولى بعد ما بعث محمد صلى الله عليه وسلم من خطوات الشيطان ، وقيل : لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليه الشيطان ، " إنه لكم عدو مبين " ظاهرة العداوة ، وقد تقدم .
يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه, والعمل بجميع أوامره, وترك جميع زواجره, ما استطاعوا من ذلك, قال العوفي, عن ابن عباس ومجاهد وطاوس والضحاك وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد في قوله "ادخلوا في السلم" يعني الإسلام. وقال الضحاك, عن ابن عباس وأبو العالية والربيع بن أنس "ادخلوا في السلم" يعني الطاعة. وقال قتادة أيضاً: الموادعة. وقوله "كافة" قال ابن عباس ومجاهد وأبو العالية وعكرمة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان وقتادة والضحاك جميعاً, وقال مجاهد: أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر.
وزعم عكرمة أنها نزلت في نفر ممن أسلم من اليهود وغيرهم كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة وطائفة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يسبتوا وأن يقوموا بالتوراة ليلاً, فأمرهم الله بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عما عداها, وفي ذكر عبد الله بن سلام مع هؤلاء نظر, إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السبت وهو مع تمام إيمانه يتحقق نسخه ورفعه وبطلانه والتعويض عنه بأعياد الإسلام.
ومن المفسرين من يجعل قوله "كافة" حالاً من الداخلين أي ادخلوا في الإسلام كلكم والصحيح الأول وهو أنهم أمروا كلهم أن يعملوا بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام وهي كثيرة جداً ما استطاعوا منها, كما قال ابن أبي حاتم: أخبرنا علي بن الحسين, أخبرنا أحمد بن الصباح, أخبرني الهيثم بن يمان, حدثنا إسماعيل بن زكريا, حدثني محمد بن عون عن عكرمة عن ابن عباس "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" كذا قرأها بالنصب, يعني مؤمني أهل الكتاب, فإنهم كانوا مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمور التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم, فقال الله "ادخلوا في السلم كافة" يقول: ادخلوا في شرائع دين محمد صلى الله عليه وسلم ولا تدعوا منها شيئاً وحسبكم الإيمان بالتوراة وما فيها, وقوله " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " أي اعملوا بالطاعات واجتنبوا ما يأمركم به الشيطان فـ "إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون", و "إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير" ولهذا قال " إنه لكم عدو مبين " قال مطرف: أغش عباد الله لعبيد الله الشيطان, وقوله: "فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات" أي عدلتم عن الحق بعد ما قامت عليكم الحجج, فاعلموا أن الله عزيز أي في انتقامه لا يفوته هارب ولا يغلبه غالب حكيم في أحكامه ونقضه وإبرامه, ولهذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس: عزيز في نقمته حكيم في أمره. وقال محمد بن إسحاق: العزيز في نصره ممن كفر به إذا شاء الحكيم في عذره وحجته إلى عباده.
لما ذكر الله سبحانه أن الناس ينقسمون إلى ثلاث طوائف: مؤمنين، وكافرين، ومنافقين، أمرهم بعد ذلك بالكون على ملة واحدة. وإنما أطلق على الثلاث الطوائف لفظ الإيمان لأن أهل الكتاب يؤمنون بنيهم وكتابهم، والمنافق مؤمن بلسانه وإن كان غير مؤمن بقلبه. والسلم بفتح السين وكسرها قال الكسائي: ومعناهما واحد، وكذا عند البصريين، وهما جميعاً يقعان للإسلام والمسالمة. وقال أبو عمرو بن العلاء: إنه بالفتح للمسألة، وبالكسر للإسلام. وأنكر المبرد هذه التفرقة. وقال الجوهري: السلم بفتح السين: الصلح، وتكسر ويذكر ويؤنث، وأصله من الاستسلام والانقياد. ورجح الطبري أنه هنا بمعنى الإسلام، ومنه قول الشاعر الكندى:
دعوت عشيرتي للسلم لما رأيتهم تولوا مدبرين
أي إلى الإسلام. وقرأ الأعمش السلم بفتح السين واللام. وقد حكى البصريون في سلم وسلم وسلم أنها بمعنى واحد وكافة حال من المسلم أو من ضمير المؤمنين، فمعناه على الأول: لا يخرج منكم أحد، وعلى الثاني: لا يخرج من أنواع السلم شيء بل ادخلوا فيها جميعاً: أي في خصال الإسلام، وهو مشتق من قولهم كففت: أي منعت، أي لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام، والكف: المنع، والمراد به هنا الجميع 208- "ادخلوا في السلم كافة" أي جميعاً. وقوله: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان" أي لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليه الشيطان، وقد تقدم الكلام على خطوات.
208- قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة " قرأ أهل الحجاز و الكسائي السلم ها هنا بفتح السين وقرأ الباقون بكسرها ، وفي سورة الأنفال " وإن جنحوا للسلم " بالكسر ، وقرأ أبو بكر و الباقون بالفتح ، وفي سورة محمد صلى الله عليه وسلم بالكسر حمزة و أبو بكر .
نزلت هذه الآية في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام النضيري و أصحابه ، وذلك أنهم كانوا يعظمون السبت ويكرهون لحمان الإبل وألبانها بعدما أسلموا وقالوا : يا رسول الله إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها في صلاتنا بالليل فأنزل الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة " أي في الإسلام ، قال مجاهد في أحكام أهل الإسلام و أعمالهم " كافة " أي جميعاً ، وقيل : ادخلوا في الإسلام إلى منتهى شرائعه كافين عن المجاوزه إلى غيره ، وأصل السلم من الاستسلام و الانقياد ، ولذلك قيل للصلح سلم ، قال حذيفة بن اليمان في هذه الآية : الإسلام ثمانيه أسهم فعد الصلاة ، و الزكاة ، و الصوم ، و الحج ، و العمرة ، و الجهاد ، والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، وقال : قد خاب من لا سهم له .
" ولا تتبعوا خطوات الشيطان " أي آثاره فيما زين لكم من تحريم السبت ولحوم الإبل وغيره " إنه لكم عدو مبين " .
أخبرنا محمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو العباس الطحان أخبرنا أبو أحمد محمد بن قريش أخبرنا علي بن عبد العزيز المكي أخبرنا أبو عبيد القاسم بن سلام أخبرنا هشيم أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر فقال إنا نسمع أحاديث من يهود فتعجبنا ، أفترى أن نكتب بعضها ؟ فقال : " أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود و النصارى ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقيه ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي " .
208-" يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافةً " "السلم" بالكسر والفتح الاستسلام والطاعة ، ولذلك يطلق في الصلح والإسلام . فتحه ابن كثير و نافع و الكسائي وكسره الباقون . وكافة اسم للجملة لأنها تكف الأجزاء من التفرق حال من الضمير أو السلم لأنها تؤنث كالحرب قال :
السلم تأخذ منها ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها جوع
والمعنى استسلموا لله وأطيعوه جملة ظاهراً وباطناً ، والخطاب للمنافقين ، أو ادخلوا في الإسلام بكليتكم ولا تخلطوا به غيره . والخطاب لمؤمني أهل الكتاب ، فإنهم بعد إسلامهم عظموا السبت وحرموا الإبل وألبانها ، أو في شرائع الله كلها بالإيمان بالأنبياء والكتب جميعاً والخطاب لأهل الكتاب ، أو في شعب الإسلام وأحكامه كلها فلا تخلوا بشيء والخطاب للمسلمين . " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " بالتفرق والتفريق . " إنه لكم عدو مبين " ظاهر العداوة .
208. O ye who believe! Come, all of you, into submission (unto Him); and follow not the footsteps of the devil. Lo! he is an open enemy for you.
208 - O ye who believe! enter into Islam whole heatedly; and follow not the footsteps of the evil one; for he is to you an avowed enemy.