(فإن زللتم) ملتم عن الدخول في جميعه (من بعد ما جاءتكم البينات) الحجج الظاهرة على أنه حق (فاعلموا أن الله عزيز) لا يعجزه شيء عن انتقامه منكم (حكيم) في صنعه
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أخطأتم الحق، فضللتم عنه، وخالفتم الإسلام وشرائعه، من بعد ما جائتكم حججي وبينات هداي، واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون، فاعلموا أن الله ذو عزة لا يمنعه من الانتقام منكم مانع، ولا يدفعه عن عقوبتكم على مخالفتكم أمره ومعصيتكم إياه دافع، "حكيم" فيما يفعل بكم من عقوبته على معصيتكم إياه، بعد إقامته الحجة عليكم، وفي غيره من أموره.
وقد قال عدد من أهل التأويل إن "البينات" هي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. وذلك قريب من الذي قلنا في تأويل ذلك. لأن محمدا صلى الله عليه وسلم والقرآن، من حجج الله على الذين خوطبوا بهاتين الآيتين. غير أن الذي قلناه في تأويل ذلك أولى بالحق، لأن الله جل ثناؤه قد احتج على من خالف الإسلام من أحبار أهل الكتاب، بما عهد إليهم في التوراة والإنجيل، وتقدم إليهم على ألسن أنبيائهم بالوصاة به. فذلك وغيره من حجج الله تبارك وتعالى عليهم، مع ما لزمهم من الحجج بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن. فلذلك اخترنا ما اخترنا من التأويل في ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكرأقوال القائلين في تأويل قوله: "فإن زللتم". حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله:
"فإن زللتم"، يقول: فإن ضللتم.حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه،
عن ابن عباس قوله: "فإن زللتم"، قال: الزلل الشرك. ذكر أقوال القائلين في تأويل قوله: "من بعد ما جاءتكم البينات".حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد، قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"من بعد ما جاءتكم البينات"، يقول: من بعد ما جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم. وحدثني القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثنا ابن أبي نجيح، عن ابن جريج: "فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات"، قال: الإسلام والقرآن. حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن ابي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "فاعلموا أن الله عزيز حكيم" يقول: عزيز في نقمته، حكيم في أمره.
" فإن زللتم " أي تنحيتم عن طريق الإستقامة ، وأصل الزلل في القدم ، ثم يستعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك ، يقال : زل يزل زلاً وزللاً وزلولاً ، أي دحضت قدمه ، وقرأ أبو السمال العدوي (( زللتم )) بكسر اللام ، وهما لغتان ، وأصل الحرف من الزلق ، والمعنى ضللتم وعجتم عن الحق ، " من بعد ما جاءتكم البينات " أي المعجزات وآيات القرآن ، إن كان الخطاب للمؤمنين ، فإن كان الخطاب لأهل الكتابين فالبينات ما ورد في شرعهم من الإعلام بمحمد صلى الله عليه وسلم والتعريف به ، وفي الآية دليل على أن عقوبة العالم بالذنب أعظم من عقوبة الجاهل به ، ومن لم تبلغه دعوة الإسلام لا يكون كافراً بترك الشرائع ، وحكى النقاش أن كعب الأحبار لما أسلم كان يتعلم القرآن ، فأقرأه الذي كان يعلمه (( فاعلموا أن الله غفور رحيم )) فقال كعب : إني لأستنكر أن يكون هكذا ، ومر بهما رجل فقال كعب : كيف تقرأ هذه الآية فقال الرجل : " فاعلموا أن الله عزيز حكيم " ، فقال ، كعب : هكذا ينبغي و " عزيز " لا يمتنع عليه ما تريده حكيم فيما يفعله .
يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه, والعمل بجميع أوامره, وترك جميع زواجره, ما استطاعوا من ذلك, قال العوفي, عن ابن عباس ومجاهد وطاوس والضحاك وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد في قوله "ادخلوا في السلم" يعني الإسلام. وقال الضحاك, عن ابن عباس وأبو العالية والربيع بن أنس "ادخلوا في السلم" يعني الطاعة. وقال قتادة أيضاً: الموادعة. وقوله "كافة" قال ابن عباس ومجاهد وأبو العالية وعكرمة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان وقتادة والضحاك جميعاً, وقال مجاهد: أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر.
وزعم عكرمة أنها نزلت في نفر ممن أسلم من اليهود وغيرهم كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة وطائفة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يسبتوا وأن يقوموا بالتوراة ليلاً, فأمرهم الله بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عما عداها, وفي ذكر عبد الله بن سلام مع هؤلاء نظر, إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السبت وهو مع تمام إيمانه يتحقق نسخه ورفعه وبطلانه والتعويض عنه بأعياد الإسلام.
ومن المفسرين من يجعل قوله "كافة" حالاً من الداخلين أي ادخلوا في الإسلام كلكم والصحيح الأول وهو أنهم أمروا كلهم أن يعملوا بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام وهي كثيرة جداً ما استطاعوا منها, كما قال ابن أبي حاتم: أخبرنا علي بن الحسين, أخبرنا أحمد بن الصباح, أخبرني الهيثم بن يمان, حدثنا إسماعيل بن زكريا, حدثني محمد بن عون عن عكرمة عن ابن عباس "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" كذا قرأها بالنصب, يعني مؤمني أهل الكتاب, فإنهم كانوا مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمور التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم, فقال الله "ادخلوا في السلم كافة" يقول: ادخلوا في شرائع دين محمد صلى الله عليه وسلم ولا تدعوا منها شيئاً وحسبكم الإيمان بالتوراة وما فيها, وقوله " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " أي اعملوا بالطاعات واجتنبوا ما يأمركم به الشيطان فـ "إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون", و "إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير" ولهذا قال " إنه لكم عدو مبين " قال مطرف: أغش عباد الله لعبيد الله الشيطان, وقوله: "فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات" أي عدلتم عن الحق بعد ما قامت عليكم الحجج, فاعلموا أن الله عزيز أي في انتقامه لا يفوته هارب ولا يغلبه غالب حكيم في أحكامه ونقضه وإبرامه, ولهذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس: عزيز في نقمته حكيم في أمره. وقال محمد بن إسحاق: العزيز في نصره ممن كفر به إذا شاء الحكيم في عذره وحجته إلى عباده.
قوله: 209- "زللتم" أي تنحيتم عن طريق الاستقامة، وأصل الزلل في القدم، ثم استعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك، يقال: زل يزل وزللاً وزلولاً: أي دحضت قدمه. وقرئ: "زللتم" بكسر اللام وهما لغتان، والمعنى: فإن ضللتم وعرجتم عن الحق "من بعد ما جاءتكم البينات" أي الحجج الواضحة والبراهين الصحيحة، أن الدخول في الإسلام هو الحق "فاعلموا أن الله عزيز" غالب لا يعجزه الانتقام منكم: "حكيم" لا ينتقم إلا بحق.
209. " فإن زللتم " أي ضللتم، وقيل: ملتم، يقال زلت قدمه تزل زلاً وزللاً إذا دحضت، قال ابن عباس: يعني الشرك، قال قتادة : قد علم الله أنه سيزل زالون من الناس فتقدم في ذلك وأوعد فيه ليكون له به الحجة عليهم " من بعد ما جاءتكم البينات " أي الدلالات الواضحات " فاعلموا أن الله عزيز " في نقمته " حكيم " في أمره، فالعزيز: هو الغالب الذي لا يفوته شيء، والحكيم: ذو الإصابة في الأمر.
209-" فإن زللتم " عن الدخول في السلم . " من بعد ما جاءتكم البينات " الآيات والحجج الشاهدة على أنه الحق . " فاعلموا أن الله عزيز " لا يعجزه الانتقام . " حكيم " لا ينتقم إلا بحق .
209. And if ye slide back after the clear proofs have come unto you, then know that Allah is Mighty, Wise.
209 - If ye backsilde after the clear (signs) have come to you, then know that God is exalted in power, wise.