21 - (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) من الإيمان والرحم وغير ذلك (ويخشون ربهم) أي وعيده (ويخافون سوء الحساب) تقدم مثله
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إنما يتعظ ويعتبر بآيات الله أولو الألباب ، الذين يوفون بوصية الله التي أوصاهم بها ، "ولا ينقضون الميثاق" ، ولا يخالفون العهد الذي عاهدوا الله عليه إلى خلافه ، فيعملوا بغير ما أمرهم به ، ويخالفوا إلى ما نهى عنه .
وقد بينا معنى العهد و الميثاق ، فيما مضى بشواهده ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة قال : "إنما يتذكر أولو الألباب" ، فبين من هم ، فقال : "الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق"، فعليكم بوفاء العهد ، ولا تنقضوا هذا الميثاق ، فإن الله تعالى قد نهى وقدم فيه أشد التقدمة ، فذكره في بضع وعشرين موضعاً نصيحةً لكم ، وتقدمة إليكم ، وحجة عليكم . وإنما يعظم الأمر بما عظمه الله به عند أهل الفهم والعقل ، فعظموه ما عظم الله . قال قتادة : "وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : لا إيمان لمن لا أمانة له ،ولا دين لمن لا عهد له" .
وقوله : "والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل" ، يقول تعالى ذكره : والذين يصلون الرحم التي أمرهم الله بوصلها فلا يقطعونها ، "ويخشون ربهم" ، يقول : ويخافون الله في قطعها ، أن يقطعوها فيعاقبهم على قطعها وعلى خلافهم أمره فيها .
وقوله : "ويخافون سوء الحساب" ، يقول : ويحذرون مناقشة الله إياهم في الحساب ، ثم لا يصفح لهم عن ذنب ، فهم لرهبتهم ذلك جادون في طاعته ،محافظون على حدوده ، كما :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عفان قال ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء في قوله : الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ، قال : المقايسة بالأعمال .
قال ، حدثنا عفان قال ، حدثنا حماد ، عن فرقد ، عن إبراهيم قال : "سوء الحساب" ، أن يحاسب من لا يغفر له .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ويخافون سوء الحساب" ، قال ، فقال : وما سوء الحساب ؟ قال : الذي لا جواز فيه .
حدثني ابن سنان القزاز قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن الحجاج ، عن فرقد قال : قال لي إبراهيم : تدري ما "سوء الحساب" ؟ قلت : لا أدري . قال يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر له منه شيء .
قوله تعالى: " والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل " ظاهر في صلة الأرحام، وهو قول قول قتادة واكثر المفسرين، وهو مع ذلك يتناول جميع الطاعات. " ويخشون ربهم " قيل: في قطع الرحم. وقيل: في جميع المعاصي. " ويخافون سوء الحساب ". سوء الحساب الاستقصاء فيه والمناقشة، ومن نوقش الحساب عذب. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: معنى. ( يصلون ما أمر الله به) الإيمان بجميع الكتب والرسل كلهم. الحسن: هو صلة محمد صلى الله عليه وسلم. ويحتمل رابعاً: أن يصلوا الإيمان بالعمل الصالح، ( ويخشون ربهم) فيما أمرهم بوصله، ( ويخافون سوء الحساب) في تركه، والقول الأول يتناول هذه الأقوال كما ذكرنا، وبالله توفيقنا.
يقول تعالى مخبراً عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة بأن لهم عقبى الدار, وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والاخرة: "الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق" وليسوا كالمنافقين الذين إذا عاهد أحدهم غدر, وإذا خاصم فجر, وإذا حدث كذب, وإذا ائتمن خان "والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل" من صلة الأرحام والإحسان إليهم, وإلى الفقراء والمحاويج, وبذل المعروف, "ويخشون ربهم" أي فيما يأتون وما يذرون من الأعمال, ويراقبون الله في ذلك, ويخافون سوء الحساب في الدار الاخرة, فلهذا أمرهم على السداد والاستقامة في جميع حركاتهم وسكناتهم, وجميع أحوالهم القاصرة والمتعدية "والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم" أي عن المحارم والمآثم, ففطموا أنفسهم عنها لله عز وجل ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه "وأقاموا الصلاة" بحدودها ومواقيتها وركوعها وسجودها وخشوعها, على الوجه الشرعي المرضي "وأنفقوا مما رزقناهم" أي على الذين يجب عليهم الإنفاق لهم من زوجات وقرابات وأجانب من فقراء ومحاويج ومساكين "سراً وعلانية" أي في السر والجهر, لم يمنعهم من ذلك حال من الأحوال, آناء الليل وأطراف النهار " ويدرؤون بالحسنة السيئة " أي يدفعون القبيح بالحسن, فإذا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبراً واحتمالاً وصفحاً وعفواً, كقوله تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم", ولهذا قال مخبراً عن هؤلاء السعداء المتصفين بهذه الصفات الحسنة بأن لهم عقبى الدار, ثم فسر ذلك بقوله: "جنات عدن" والعدن الإقامة, أي جنات إقامة يخلدون فيها, وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن في الجنة قصراً يقال له عدن, حوله البروج والمروج, فيه خمسة آلاف باب, على كل باب خمسة آلاف حبرة, لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد.
وقال الضحاك في قوله: "جنات عدن": مدينة الجنة, فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى, والناس حولهم بعد والجنات حولها, رواهما ابن جرير. وقوله: "ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم" أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الاباء والأهلين والأبناء, ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين, لتقر أعينهم بهم حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى امتناناً من الله وإحساناً من غير تنقيص للأعلى عن درجته, كما قال تعالى: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم" الاية.
وقوله " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " أي وتدخل عليهم الملائكة من ههنا ومن ههنا للتهنئة بدخول الجنة, فعند دخولهم إياها تفد عليهم الملائكة مسلمين, مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام والإقامة في دار السلام في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام. وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا أبو عبد الرحمن, حدثني سعيد بن أبي أيوب, حدثنا معروف بن سويد الحراني عن أبي عشانة المعافري, عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله ؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور, وتتقى بهم المكاره, ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء, فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم, فتقول الملائكة: نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك, أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء ونسلم عليهم ؟ فيقول: إنهم كانوا عباداً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً, وتسد بهم الثغور, وتتقى بهم المكاره, ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء ـ قال ـ : فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب "سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار"".
رواه أبو القاسم الطبراني عن أحمد بن رشدين, عن أحمد بن صالح, عن عبد الله بن وهب, عن عمرو بن الحارث, عن أبي عشانة سمع عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول ثلة يدخلون الجنة فقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره, وإذا أمروا سمعوا وأطاعوا, وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى سلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره, وإن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها, فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي, وأوذوا في سبيلي, وجاهدوا في سبيلي ؟ ادخلوا الجنة بغير عذاب ولا حساب. وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون: ربنا نحن نسبح بحمدك الليل والنهار, ونقدس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا ؟ فيقول الرب عز وجل: هؤلاء عبادي الذين جاهدوا في سبيلي, وأوذوا في سبيلي, فتدخل عليهم الملائكة من كل باب: "سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار" " .
وقال عبد الله بن المبارك عن بقية بن الوليد: حدثنا أرطاة بن المنذر, سمعت رجلاً من مشيخة الجند يقال له أبو الحجاج يقول: جلست إلى أبي أمامة فقال: إن المؤمن ليكون متكئاً على أريكته إذا دخل الجنة, وعنده سماطان من خدم, وعند طرف السماطين باب مبوب, فيقبل الملك فيستأذن فيقول للذي يليه ملك يستأذن, ويقول الذي يليه للذي يليه ملك يستأذن, حتى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا, فيقول أقربهم للمؤمن: ائذنوا له, ويقول الذي يليه للذي يليه: ائذنوا له, حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب, فيفتح له, فيدخل فيسلم ثم ينصرف, رواه ابن جرير. ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش, عن أرطاة بن المنذر عن أبي الحجاج يوسف الإلهاني قال: سمعت أبا أمامة فذكر نحوه. وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور قبور الشهداء في رأس كل حول فيقول لهم: "سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار" وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان.
21- "والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل" ظاهره شمول كل ما أمر الله بصلته، ونهى عن قطعه من حقوق الله وحقوق عباده، ويدخل تحت ذلك صلة الأرحام دخولاً أولياً، وقد قصره كثير من المفسرين على صلة الرحم، واللفظ أوسع من ذلك "ويخشون ربهم" خشية تحملهم على فعل ما وجب، واجتناب ما لا يحل "ويخافون سوء الحساب" وهو الاستقصاء فيه والمناقشة للعبد، فمن نوقش الحساب عذب، ومن حق هذه الخيفة أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا.
21- "والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل"، قيل: أراد به الإيمان بجميع الكتب والرسل ولا يفرقون بينهما.
والأكثرون على أنه أراد به صلة الرحم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة أن عبد الرحمن بن عوف عاد أبا الدرداء فقال - يعني عبد الرحمن-: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فيما يحكي عن ربه عز وجل:أنا الله، وأنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها من اسمي اسما، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنبأنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، حدثني حميد ابن زبجويه، حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثني سليمان بن بلال عن معاوية بن أبي مزرد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوي الرحمن، فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يارب، قال: فذلك لك"، ثم قال أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " (محمد-22).
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنبأنا أبو منصور السمعاني، أنبأنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد ابن زنجويه، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا كثير بن عبد الله اليشكري، حدثنا الحسن بن عبد الرحمن ابن عوف عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة تحت العرش يوم القيامة: القرآن يحاج العباد، له ظهر وبطن، والأمانة، والرحم تنادى ألا من وصلني وصلة الله ومن قطعني قطعه الله".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنبأنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، أخبرنا حميد ابن زنجويه، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد ابن عبد العزيز البغوي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا شعبة، عن عيينة بن عبد الرحمن قال: سمعت أبي يحدث عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الزيادي، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير ابن مطعم، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة قاطع".
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، حدثنا أحمد بن إسحاق الصيدلاني، أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن نصر، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا عمرو بن عثمان قال. سمعت موسى بن طلحة يذكر عن ابي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، "أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له فقال: أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال صلى الله عليه وسلم: تعبد الله، لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصل الرحم".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد ابن زنجويه حدثنا أبو يعلى وأبو نعيم قالا: حدثنا قطر، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذى إذا قطعت رحمه وصلها"، رواه محمد بن إسماعيل عن محمد بن كثير عن سفيان عن قطر وقال: إذا قطعت رحمة وصلها.
قوله تعالى: "ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب".
21."والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل"من الرحم وموالاة المؤمنين والإيمان بجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ويندرج في ذلك مراعاة جميع حقوق الناس."ويخشون ربهم"وعيده عموماً"ويخافون سوء الحساب"خصوصاً فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.
21. Such as unite that which Allah hath commanded should be joined, and fear their Lord, and dread a woeful reckoning.
21 - those who join together those things which God hath commanded to be joined, hold their Lord in awe, and fear the terrible reckoning